أمير الظلام

قالت ميرفت لأبيها :

Ø     اليوم لم نكمل الدراسة بعد أن قذفنا جنود الاحتلال بقنابل الغاز المدمع و أصابوا العشرات من التلميذات بالاختناق .

وسألت ميرفت :

Ø     إلى متى سيبقى المحتلون هكذا يسرقون الأرض و يقتلون الأطفال و يطاردونهم في مدارسهم ؟

ربّت حسن بيده على كتف ابنته و ضمّها إليه بحنان قائلاً :

Ø     ثقي يا ابنتي لن نجعل المحتلين ينعمون بالأمن و الهدوء و نحن نراهم يقتلون رجالنا و نساءنا و أطفالنا و يشرّدوننا عن أرضنا .

قفزت ميرفت من حضن والدها و كأنها تذكّرت شيئاً :

Ø     هل تعرف يا والدي ؟ ، جنود اليهود جبناء ، اقترب أحدهم من المدرسة و هو يصوّب بندقيته نحو مجموعة من الطالبات الصغيرات ، و قبل أن يطلق الرصاص ، رشقته الطالبات بالحجارة و عندما رآهن يحملن الحجارة هرب و هو يصرخ .. !

قال حسن :

Ø     هذا هو الفرق ، يا ابنتي بين صاحب الحق و السارق الذي يعرف أنه يعتدي على الناس و لا يستطع أن يعيش إلا إذا قتل أكبر عددٍ منهم ليطمئن و لو قليلاً ، و لكن المقاومين لن يتركونهم ..

ردّت ميرفت :

Ø     عندما أكبر يا والدي ، سأنضم للمقاومة ضد قتلة الأطفال .

ترك حسن ابنته لتذاكر دروسها ، و بعد أن أخذ له مكاناً في المنزل ، بدأ يستعرض ما جرى خلال الأيام الماضية و يكاد لا يصدّق نفسه بأنه كسب ثقة رجل المخابرات الصهيوني البارز مودي .

وتساءل حسن فجأة "هل يمكن فعلاً أن يكون مودي بلع الطعم" ؟؟ ... و سرّ تساؤل حسن هو معرفته الأكيدة لشخصية الضابط الصهيوني مودي .

الضابط مودي

كان (يهودا إدري) الملقب مودي من أذكى ضباط المخابرات الصهيونية (جهاز الأمن العام) و المسمّى (الشاباك) و هذا الجهاز مختص بملاحقة الفدائيين الفلسطينيين و اغتيالهم و اعتقالهم و التحقيق معهم ، و على يد محقّقي هذا الجهاز سقط العشرات من الشهداء الفلسطينيين في زنازين المحتلين التي يمارس فيها أبشع أنواع التعذيب .

ونظراً لذكائه و مثابرته أصبح برتبة (لفتنانت كولونيل) أي عقيد في شعبة الاستخبارات العسكرية ، و انتقل إلى الخدمة في جهاز (الشاباك) بعد اندلاع انتفاضة الأقصى للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية و تجنيد و تشغيل العملاء و تنفيذ اغتيالات ضد الكوادر الفلسطينية .

ولم يكن اختيار (إدري) الذي أصبح اسمه الكودي بعد انتقاله إلى (الشاباك) مودي عفوياً لمهمة قيادة ملف (504) المناط به تجنيد العملاء و المسؤولية عن تصفية كوادر الانتفاضة ، فهو يجيد اللغة العربية و يتحدّثها بطلاقة و خبير في العادات و التقاليد العربية ، و كان من أبرز المحاضرين في دورات إعداد وحدات (المستعربين) وضباط الاستخبارات، ووحدات المستعربين هي ما يسمّيها الفلسطينيون وحدات الموت، حيث يقوم أفرادها من الكوماندوز بالتخفّي بالزي العربي ومهاجمة الأفراد و المواطنين الذين يتقرّر تصفيتهم أو اعتقالهم من قبل أجهزة مخابرات الاحتلال .

ويعتبر العقيد مودي من غلاة المتطرفين المستوطنين ، وهو يسكن في إحدى المستوطنات التي أقيمت على أرض تم اغتصابها من الفلسطينيين و تشريد سكانها .

ومنذ تسلّم عمله الجديد في (الشاباك) بدأ مودي عمله بهمة و نشاط و استطاع التخطيط لقتل حسين عبيات قائد كتائب الأقصى التي انتمى لها حسن أبو شعيرة ، وذلك بقصف سيارته بالصواريخ مما أدّى إلى استشهاده و استشهاد سيدتين هما : عزيزة دنون و رحمة شاهين .

كان حسين عبيات نزل بسيارته مع آخرين من المقاومين إلى مدينة بيت ساحور ، لمعاينة آثار القصف الصهيوني على منازلها ، و بعد أن أوقف سيارته على جانب الشارع نزل و رفاقه إلى المنازل المتضررة ، و عندما عادوا إلى السيارة ، أطلقت الطائرات الصهيونية التي كانت تحلّق بعيداً الصواريخ على السيارة فهشّمتها ، و استشهد حسين و السيدتان و أصيب آخرون .

ورغم أن عملية قتل القائد حسين عبيات الذي أرّق جنود الاحتلال و المستوطنين بعملياته الجريئة ، لم تستلزم من مودي كثيراً من العمل الاستخباري، بسبب عدم أخذ حسين الاحتياطات اللازمة في التخفّي ، واعتماد مودي ورؤسائه في الشاباك على التفوّق التكنولوجي والطائرات الأمريكية المزوّدة بأحدث الأجهزة، إلا أن قتل حسين عبيات، أثار سعادة كبيرة لدى قادة إسرائيل، ولم يخفِ هؤلاء فرحهم بقتل عبيات ، وعبّر عن ذلك الفرح ، بشكلٍ علني رئيس دولتهم (موسى قصاب) ورئيس حكومتهم الجنرال باراك وقائد الجيش الجنرال موفاز وسلسلة طويلة من المسؤولين الصهاينة .

وفي أحد مكاتب الشاباك كان مودي يشرب مع زملائه و على رأسهم أمير الظلام الغامض قائد الشاباك نخب الانتصار بمناسبة قتل حسين عبيات .

و تمكن مودي أيضاً من التخطيط لاغتيال الشهيد يوسف أبو صوي و هو أحد كوادر انتفاضة الأقصى البارزين ، الذي كان يمارس نشاطه بسرية تامة و لا يظهر كثيراً بشكلٍ علني ، و لكنه لم يستطع مقاومة الذهاب إلى منزل والده لتناول إفطار رمضان ، و وصل إلى منزل والده و كان يظن أنه نجح بذلك دون أن ترصده عيون مودي و لم يعرف بخطئه إلا قبل دقائق من أذان المغرب ، فعندما نزل يوسف إلى أمام المنزل ، كانت سيارة تتقدّم منه بسرعة يسبقها إطلاق عيارات نارية من قناصة محترفين باتجاهه ، و تغطّي عليها مئات الطلقات النارية التي انطلقت من الرشاشات الثقيلة من مواقع جيش الاحتلال على التلال القريبة من المستوطنات . و سقط يوسف شهيداً و جسده مطرّزاً برصاص الحقد .

ونجح مودي كذلك في اغتيال الشهيد (أحمد خليل أسعد) القائد في سرايا القدس و هي الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية .

كان هذا المقاوم المعروف باسم (أبو خليل) قدّم الكثير من أجل وطنه و أمضى سنوات طويلة في المعتقلات الصهيونية بسبب نضاله ضد الاحتلال ، وفي انتفاضة الأقصى كان يقود مجموعات عسكرية وخلايا تنشط ضد المحتلين ولم يتمكّن مودي من النيل منه ، فاعتقل والده العجوز ورماه في زنازين التعذيب كوسيلة ضغط على (أبو خليل) ، الذي كان يعرف أن النضال ضد الاحتلال له ضرائبه و يلزمه تضحيات ، فاستمر في العمل سراً ، ولم يكن يتردّد على منزله إلا نادراً خوفاً من رصده من قبل رجال مودي ، الذي درس عدة خطط للتخلّص من أبي خليل ، ووجد أنجحها تلك التي ستنفذ عندما يكون (أبو خليل) في منزله .