نشر هذا المقال في صحيفة النهار بتاريخ 29/9/1995

في مسألة الوطن، سنبكي ـ مستقبلاً ـ فلسطين أكثر بكثير مما بكينا الأندلس، على رغم أنهار الدموع التي ذرفناها على غرناطة.

السبب الأساسي، أن الأندلس كانت مستعمرة عربيّة، أما فلسطين فهي وطن عربي.

غرناطة كانت وستبقى مدينة جميلة، أما القدس فهي مدينة مقدسة.

والدة آخر خليفة عربي في الأندلس عبد ألإله الصغير، قالت له وهو يبكي غرناطة :

إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال

كانت الوالدة تتحسر على المُلك ولم تكن تتحسر على التراب أو الوطن.

دخلنا محتلين، وخرجنا منها {على أيدي أهلها} مهزومين.

أما القدس فقد كانت أولى القبلتين، قبل أن نأتيها، وهي التي عرج منها النبي العربي، فقد أتاها العرب حجاجاً، وأقاموا فيها وطناً، فيه ثالث الحرمين المسجد الأقصى.

لكن {الوطن} في القدس، لم يتحول {وطناً} في غرناطة.

صحيح أنهم نقلوا إلى غرناطة العدل والسماحة والرحمة، لكنه ـ بالنسبة إلى أهل غرناطة ـ ظل حتى النهاية عدل {المحتل} وسماحة {المحتل} ورحمة {المحتل}.

في غرناطة حاكم، ومحكوم، وبلاط وظلم

وفي القدس تعايش، وتآلف، وعيش مشترك

وفي غرناطة إنقسام، وشرذمة، وخلافات

وفي القدس وحدة، وإتحاد، وتضامن

انتصرنا في القدس على الصليبيين، لأننا كنا ندافع عن وطن، ونحرر وطناً.

وهُزمنا في غرناطة، لأننا كنا ندافع عن مستعمرة.

هزمنا اليهود في القدس لاعتقادهم {عن خطأ أو عن صواب} إنهم سيرجعون وطناً ظلوا يبكونه ألفي عام حتى استعادوه.

ونحن خسرنا القدس، لأننا لم ندافع عنها كوطن، بل كـ {مدينة}.

هم {اليهود} لم ينسوا قبور أنبيائهم بعد آلاف السنين، ونحن نسينا قبور شهدائنا ولم يجف الدم فيها بعد.

هم، منذ البداية، عرفوا أن {الأرض} هي التي تصنع الوطن، ونحن نريد أن نصنع وطناً بالتنازل عن الأرض.

نحن، أصابنا {الملل} بعد أقل من نصف قرن فقط من المطالبة بحقنا المشروع والواضح والتاريخي.

وهم، لم يملوا ولم يكلوا عن المطالبة بـ {حق} هو في الأصل زائف ومزور.

وظهر منا {فلاسفة} يفلسفون الهزيمة، والتنازل، والأمر الواقع.

هم، كتبوا {بالسيف} التاريخ {تاريخنا} الجديد، ونحن، نسينا السيف والتاريخ القديم والجديد معاً.

هم، يورثون أطفالهم نصراً، ونحن نترك لأطفالنا هزيمة.

في التاريخ لم يحتفل مهزوم بهزيمة.

نحن نقيم لها الأفراح، ولولا الخجل لأقمنا لها الليالي الملاح.

صديقنا كلوفيس مقصود كتب من أميركا مقالاً عشية توقيع اتفاق طابا في واشنطن، ناشد فيه ضيوف البيت الأبيض العرب بقوله :

{إذا كانت الصور مطلوبة تجنبوا على الأقل الابتسام!}

ومع ذلك ... ابتسموا !.