الدكتور صبحي المحمصاني  

في بيروت أكثر من عائلة تحمل إسم المحمصاني بيد أن هذا الاسم لا يربط جميع حامليه بصلة من القرابة أو النسب ، فأسرة الدكتور صبحي أصلها من مدينة طرابلس الشام ، وقد وُلد في بيروت. لكن تاريخ ولادته مختلف فيه فبينما يقول الدكتور عدنان خطيب وهو يترجم له مجلة مجمع اللغة العربيّة بدمشق (مجلد 63، ج4) إن ولادته كانت سنة 1324هـ 1906م فإن جوزيف نصر الذي نعاه في جريدة النهار البيروتيّة في 13 أيلول سنة 1986م ، يقول إنه ولد سنة 1911م.

ولعل ما قاله الدكتور عدنان الخطيب هو أدنى إلى الصحة لأنه يعتمد على المذكرات الشخصيّة التي تركها الدكتور صبحي المحمصاني عن نفسه.

بدأ الدكتور صبحي المحمصاني دراسته في الكتاتيب التي كانت منتشرة في بيروت أيام نشأته الأولى، والقرن العشرون ما يزال في أوائل سنواته عندما تشاجرت دول العالم آنذاك في الحرب العالميّة الأولى التي استمرت من سنة 1914م حتى أواخر سنة 1918م.

وعندما وضعت الحرب أوزارها دخل الدكتور صبحي المحمصاني مدرسة رأس بيروت التابعة للكلية السوريّة الإنجيليّة التي أسّسها المبشرون البروتستانت الأميركان في بيروت سنة 1863م .

في سنة 1921م أصبح اسم هذه المدرسة (الجامعة الأميركيّة في بيروت). وقد تخرّج المحمصاني منها سنة 1924م حاملاً شهادة الدائرة الإستعدادية بتفوق كبير إذ كان معدل علاماته في جميع الدروس 92 بالمائة وكان الأول بين أترابه في الجامعة وكلّف بإلقاء كلمة الاحتفال السنوي للمتخرجين منها باللغة الإنكليزيّة.

من الجامعة الأميركيّة في بيروت انتقل صبحي المحمصاني إلى فرنسا حيث إلتحق بجامعة ليون ونال منها الإجازة في الليسانس ثم الدكتوراه عام 1932م في القانون الخاص والاقتصاد. ومن جامعة ليون في فرنسا توجه إلى إنكلترا حيث التحق بجامعة لندن وتخرّج منها سنة 1935م حاملاً بكالوريوس في الحقوق.

أثناء الدراسة كان صبحي المحمصاني يتابع تحصيله في كل من فرنسا وإنكلترا وهو يعمل في القضاء اللبناني حيت أسندت إليه المناصب التالية:

1.   قاضي محكمة صور.

2.   حاكم صلح الشوف.

3.   مستشار في محكمة الاستئناف المختلطة (الفرنسيّة اللبنانيّة).

4.   رئيس غرفة محكمة الاستئناف والتميّيز في بيروت (حتى عام 1946م).

في عام 1947م ترك الوظائف الحكوميّة وانصرف لتعاطي المحاماة وإلقاء المحاضرات في الجامعة الأميركيّّة وجامعة بيروت العربيّة وجامعة القديس يُوسُف اليسوعيّة ببيروت وكذلك في معهد الدراسات العربيّة التابعة لجامعة الدول العربيّة بالقاهرة. وموضوع محاضراته كان دائماً يدور حول مادتَيْ القانون والحقوق.

في سنة 1945م كلفته الحكومة اللبنانيّة ليكون المستشار القانوني لوفدها عندما وضعت الجامعة العربيّة ميثاقها في القاهرة. وفي نفس السنة عُيّن في منصب المستشار القانوني لوفد لبنان الذي شارك في وضع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرنسيسكو.

وإضافة إلى ذلك فإن الدكتور صبحي المحمصاني كان عضواً بمحكمة التمييز الدوليّة وعضواً أو رئيساً لعدد من لجان التحكيم الدوليّة ورئيساً للجنة العلوم في المحكمة المذكورة.

تطلع الدكتور صبحي المحمصاني لخدمة المجتمع اللبناني عبر الندوة النيابيّة فرشح نفسه ليكون نائباً عن مدينة بيروت عام 1964م فاستجاب الناخب البيروتي لهذا الترشيح الذي رأى بالدكتور المحمصاني المؤهلات الخلقيّة والعلميّة والوطنيّة التي ترتفع بالمستوى النيابي إلى درجة راقية من الممارسة الديمقراطيّة الحضاريّة، بالفعل نجح الدكتور صبحي المحمصاني بتمثيل بيروت في المجلس النيابي للمرحلة التي استمرت من عام 1964م حتى عام 1968م وخلال هذه الفترة اختير وزيراً للاقتصاد الوطني في الحكومة اللبنانيّة سنة 1966م ، غير أن التجربة السياسية كانت على غير ما يشتهي، كما يقول هو نفسه في سيرته الذاتيّة فاستقال وآثر العمل مجدداً في حقل التأليف والبحث والتحقيق في عدد من الموضوعات الإسلاميّة والفقهيّة والقانونيّة التشريعيّة.

بعد حياة حافلة بالنشاط الفكري والتأليف العلمي والمساهمة في المجامع العلميّة والمؤتمرات والمحافل الدوليّة والعاليّة استأثرت العناية الإلهيّة بهذا الإنسان الذي إستقطب إحترام مواطنيه وإعجاب المتصلين به وانتقل إلى جوار رب أكرم الأكرمين عندما كان في باريس لمعالجة صحته التي أخنى عليها مرض لم تنفع فيه محاولة الأطباء في العاصمة الفرنسيّة وأدركه الموت هناك يوم الجمعة في 14 محرم سنة 1405هـ الموافق 10 أيلول سنة 1986م.

ونقل جثمانه الطاهر إلى بيروت حيث نعاه إلى الأمة كلّ من مجلس النواب والحكومة اللبنانيّة ومجلس القضاء الأعلى بالإضافة إلى عائلته وأهله، ودُفن مأسوفاً عليه في اليوم التالي لوصوله في جبانة الباشورة. وعندما نعاه صديقه ورفيق عمره الدكتور عمر فرّوخ رحمه الله إلى مجمع اللغة العربيّة في دمشق الذي هو أحد أعضائه قال يذكره ويتذك :

(دخلت أنا وصبحي المحمصاني سنة 1919م إلى القسم الثانوي في مدرسة رأس بيروت التابعة للجامعة الأميركيّة، ونلنا شهادة الدائرة الاستعداديّة في الجامعة الأميركيّة سنة 1924م ، (المقابلة للبكالوريا) ... كان صبحي المحمصاني يتمتع بذكاء كبير، وفيما يتعلّق بحفظ مفردات العلم خاصة، وقد ساعده ذلك في حياته المدرسيّة، ثم في حياته العامة في المحاماة والتأليف ... أن صبحي المحمصاني لمعرفته باللغتين الإنكليزيّة والفرنسيّة ولحسن إطلاعه على الشرع الإسلامي الحنيف، ثم على القوانين المدنيّة في البلاد العربيّة وفي البلاد الأجنبيّة أصبح مرجعاً في القضايا القانونيّة الدوليّة رحمه الله وجزاه خيراً عما قام به من الخدمة الجلّى في دراسة الشريعة الإسلاميّة ومن التأليف فيها .....).

إن الدكتور صبحي المحمصاني أخذ نفسه بتقديم المفاهيم الإسلاميّة في الأخلاق والتشريع والنظم القانونيّة والاجتماعيّة للتأكيد على أن الإسلام قدّم للإنسان في كل زمان ومكان الحلول الناجحة والمبادئ الناجعة لخيره وسعادته في هذه الدنيا وفي الدار الآخرة.

من مؤلفاته التي صدرت عن دار العلم للملايين :

1.   فلسفة التشريع في الإسلام ، ترجم الكتاب إلى الأورديّة في لاهور في باكستان سنة 1955م وإلى الإنكليزيّة في لايدن بهولندا سنة 1961م وإلى الفارسيّة في طهران سنة 1968م.

2.   النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلاميّة (جزءان) وترجم الكتاب للفارسيّة في طهران سنة 1963م.

3.   الأوضاع التشريعية في الدول العربيّة.

4.   المبادئ الشرعيّة والقانونيّة (الحجر والمواريث والوصيّة).

5.   الدستور والديمقراطيّة.

6.   مقدمة في إحياء علوم الشريعة.

7.   محاضرات في آثار الالتزام والأوصاف المعدّلة لآثار الالتزام وانتقال الالتزام.

8.   القانون والعلاقات الدوليّة في الإسلام.

9.   الدعائم الخلقيّة للقوانين الشرعيّة.

10. أركان حقوق الإنسان في الشريعة الإسلاميّة والقانون الدولي.

11. الأوزاعي وتعاليمه القانونيّة والإنسانيّة.

12. المجاهدون في الحق.

13. المجتهدون في القضاء.

14. في دروب العدالة.

15. تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء.

وله في اللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة الكتب التالية :

    Les idées économiques d’lbn khaldoun , Lyon 1932.

 -------------

     The Principles of International law in the Light of Islamic Doctrine , Recueil of The Hague Academy , Leiden 1966.