AUP

قمت منذ ايام بإهداء مكتبة يافت في الجامعة الاميركية في بيروت وثيقة نادرة على غاية من الاهمية لها علاقة مباشرة بالكلية السورية الانجيلية منذ تأسيسها عام 1866، وهذه الوثيقة من مجموعة سجلات المحكمة الشرعية في بيروت مؤرخة في 20 ذي الحجة عام 1286هـ 1866م. والوثيقة تتضمن اعلان وقف الخواجة ميخائيل بن يونس الغرزوزي. والوقف هو ثلاث قطع من الاراضي الكبيرة المساحة في محلة الطنطاس في رأس بيروت (حيث الجامعة الاميركية اليوم) يحدها قبلة وقف كنيسة الروم وملك نعمة الشويري وميخائيل الزين واسعد تلحوق وجرجس البخعازي وشمالاً ملك بشارة دندن وحبيب كاللي وحبيب البخعازي، كما يحدها في بعض جوانبها أملاك الحاج مصطفى قمورية وورثة محمد اللاذقاني وحسين نجم وعلي البلح وحسن الغاوي وعمر واحمد حطب وعبد الواحد الشيخ وورثة حبيب البخعازي ورضوان ربيز وبشارة البيروتي، وكانت اراضي وقف الخواجة ميخائيل الغرزوزي تتضمن صخوراً ومغاور واشجار زعرور وخروب وجوز وبئراً خرباً معداً لجمع مياه الامطار معروف ببئر العصافير.هذا، وقد وقف الواقف ميخائيل الغرزوزي قطع الاراضي الثلاث تلك وجاء في نص الوقفية "وقفاً صحيحاً شرعياً وحبساً مؤبداً مرعياً ليبني به مدرسة كلية لتعليم أنواع العلوم والصناعات لكل من يريد التعليم مع سائر الطوائف، ويكون باقي الارض بعد البناء وقفاً على مصالح المدرسة، وما تحتاج اليه وشرط ان يكون النظر على الوقف المذكور للخواجة دانيال بن لومي بلس الاميركاني رئيس المدرسة الكلية في بيروت الذي يكون رئيساً على المدرسة التي ستبنى في الوقت المذكور، ولمن يكون رئيساً عليها بعده كائناً من كان، وسلمه الوقف المسطور تسليم مثله شرعاً..." واخيراً أكد الواقف على الوقف الذي أعلنه بكامل مضامينه، ثم وقع شهود الحال على الوقف وهم السادة: مكرمتلو السيد ابرهيم أفندي الأحدب، مكرمتلو الشيخ عبد الرحمن أفندي النحاس، السيد خليل عز الدين، الشيخ خليل أفندي الغر السيد يوسف أفندي عز الدين، السيد محيي الدين ناصر، الشيخ سليم أفندي الجيلاني كاتب مجلس تمييز الحقوق، محرر أصله السيد أبو حسن أفندي الكستى.

ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان أهمية هذه الوثيقة انما تكمن في الامور الآتية:

1- إعلان وقف خيري عام من احد مسيحيي بيروت المؤمنين بالعلم وأهمية التعليم والرافضين للطائفية والمذهبية والمناطقية وذلك لاحدى المؤسسات الاميركية الحديثة التي كانت في حينها تحتاج الى الدعم والانطلاق من عقار ما ومنطقة ما. وكانت حينها تعرف باسم "الكلية السورية الانجيلية". والوقف بحد ذاته يعني تخلي الواقف عن الاملاك المعلنة وقفاً، لتؤول الى المؤسسة الموقوف عليها الوقف ضمن شروط الواقف.

2- لقد سمح هذا الوقف للكلية السورية الانجيلية الانتقال من مقرها الموقت في منزل عبد الفتاح آغا حماد متسلم مدينة بيروت في عهد ابرهيم باشا في زقاق البلاط الى رأس بيروت، ومن رأس بيروت بدأت انطلاقتها الاساسية بعد تسلمها أراضي الوقف.

3- اشترط الواقف بناء كلية تقوم بتعليم جميع انواع العلوم والصناعات لكل مواطن يريد التعلم، مهما كانت طائفته او مذهبه مما أعطى الواقف والوقف بعداً وطنياً بعيداً عن الطائفية والمذهبية، يوم كانت المناطق اللبنانية في العهد العثماني تئن من وطأة الفتن الطائفية والمذهبية.

4- اشترط الواقف ان يكون متولي الوقف رئيس الكلية السورية الانجيلية القس دانيال بلس ومن يأتي من بعده، دون ان يقحم الواقف نفسه في تولي الوقف على غرار الكثير من اصحاب الاوقاف عبر التاريخ الذين كانوا يشترطون ان يتولوا هم او اولادهم او أقاربهم شؤون الوقف.

5- لقد كان للعقارات الثلاثة التي أوقفها الخواجة ميخائيل الغرزوزي دور اساسي في انطلاقة الكلية السورية الانجيلية في بيروت، ومن ثم كان لهذا الوقف دور اساسي في تطور منطقة رأس بيروت والحمراء وتوسعها وتقدمها، بل ومدينة بيروت، هكذا كان دورها منذ القرن التاسع عشر، ولا تزال تقوم بمثل هذا الدور الى اليوم.

من خلال ما تقدم ندرك كم هي أهمية المبادرات الفردية في دعم المشاريع والمؤسسات العامة، الهادفة الى خدمة المواطن، الامر الذي لا يزال يستدعي تشجيع المبادرات الفردية الخيرة لدعم المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والتربوية والانسانية والخيرية، كما ان الوثيقة المشار اليها تؤكد على أهمية دور الخواجة ميخائيل الغرزوزي في دعم الجامعة الاميركية وترسيخ انطلاقتها.

د. حسّان حلاق - صحيفة النهار 03-07-2005