الفَرَزدَق
38 - 110 هـ / 658 - 728 م

همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي، أبو فراس.
شاعر من النبلاء، من أهل البصرة، عظيم الأثر في اللغة.
يشبه بزهير بن أبي سلمى وكلاهما من شعراء الطبقة الأولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الإسلاميين.
وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل، ومهاجاته لهما أشهر من أن تذكر. كان شريفاً في قومه، عزيز الجانب، يحمي من يستجير بقبر أبيه.
لقب بالفرزدق لجهامة وجهه وغلظه. وتوفي في بادية البصرة، وقد قارب المئة

لما أجيلت سهام القوم فاقتسموا

صَارَ المُغِيرَةُ في بيْتِ الخَفَافِيشِ

لمّا أُجِيلَتْ سِهامُ القَوْمِ فاقتَسَمُوا

وَإنْ تعرَقّى بصُعْدٍ غَيرِ مَفْرُوشِ

في مَنْزلٍ ما لَهُ في سُفْلِهِ سَعَةٌ،

جِرْذانُ سَوْءٍ وَفَرْخٌ غَيرُ ذي رِيشٍ

إلاّ على رَأسِ جِذْعٍ باتَ يَنْقُرُهُ

أنت الذي عنا بلال دفعته

وَنَحْنُ نَخافُ مُهلِكاتِ المَتالِفِ

أنْتَ الّذي عَنّا، بِلالُ، دَفَعْتَهُ

إلى مُشرِفٍ أركانُهُ، مُتقاذِفِ

أخَذْنَا بحَبْلٍ ما نَخافُ انْقِطاعَهُ

بحَبْلٍ إلى الكَفَّينِ، جاراً لِخَائِفِ

وَلم تَرَ مثلَ الأشْعَريِّ، إذا رَمى

وَيَحْفَظُ للإسلام ما في المَصَاحِفِ

هُوَ المانعُ الجيرانِ وَالمُعجِلُ القِرَى،

إذا عَلِقَتْ أقْرَانُهَا بِالسّوالِفِ

أرَى إبِلي مِمّا تَحِنّ خِيَارُها،

وَيَرْقَأُ تَوْكافُ العُيُونِ الذّوَارِفِ

بِها يُحقَنُ التّامُورُ إنْ كَانَ وَاجباً

مُجَلِّلَةً إحْدَى اللّيَالي الخَوَائِفِ

وَإنّا دَعَوْنا الله، إذْ نَزَلَتْ بِنَا

عَلى عُبُطِ الكُومِ الجِلادِ العَلايِفِ

فَسَلّ بِلالٌ دُونَنَا السّيْفَ للقِرَى

وَبالسّيْفِ خَلاّتِ الكِرَامِ الغَطارِفِ

رَأيْتُ بِلالاً يَشْتَرِي بِتِلادِهِ،

إلى مُنْكِرِ النّكْرَاءِ للحَقّ عارِفِ

ثَنَتْ مُضْمَراتٌ مِنْ بِلالٍ قُلوبَنا،

أعلى الصفحة

ألم يأت بالشأم الخليفة أننا

ضَربْنا لَهُ مَنْ كانَ عَنْهُ يُخالِفُ

ألَمْ يَأتِ بالشّأمِ الخَليفَةَ أنّنَا

وَقد باشَرتْ منها السيوفُ الخذارِفُ

صَناديدَ أهْدَيْنا إلَيْه رُؤوسَهُمْ،

عَلى جِيَفِ القَتْلى نُسُورٌ عَوَاكِفُ

وَعِنْدَ أبي بِشْرِ بن أحْوَزَ مِنْهُمُ

نُجالِدُ عَنْ أحْسابِها، وَنُقاذِفُ

فإنْ تَنْسَ ما تُبْلي قُرَيْشٌ، فإنّنَا

كأنّ شُعاعَ الشّمسِ فيهنّ كاسِفُ

شَدَائِدَ أيّامٍ بِنَا يَتّقُونَها،

رَدَى المَوْتِ إلاّ مِسْوَرُ الخَيلِ وَاقِفُ

وَما انكَشَفَتْ خَيلٌ ببابلَ تَتّقي

نِعالاً لأيْديها، وَهُنّ كَوَاتِفُ

شَوَازِبُ قَدْ كانَتْ دِمَاءُ نحُورِها

عَنِ القَوْمَ إلاّ وَالرّمَاحُ رَوَاعِفُ

بِمُعْتَرَكٍ لا تَنْجَلي غَمَرَاتُهُ

وَكُلُّ صَرِيعٍ خَرّقَتْهُ الجَوَائِفُ

نَوَاقِلُ من جُرْدٍ عَوَابِسُ في الوَغَى،

وَسَهْلٌ إذا طُوّعْتَ للحَقّ عارِفُ

عَذيرُكَ ذو شَغْبٍ إذا أنْتَ لمْ تُطَعْ،

حِفاظاً وَإنْ خِيفَتْ عَلَيكَ المَتالِفُ

تَجُودُ بنَفْسٍ لا يُجَادُ بِمِثْلِهَا

بهِ، بَعْدَ عَبّادٍ، تُجَلّى المَخاوِفُ

فأنْتَ الفَتى المَعُروفُ وَالفارِسُ الذي

وَفي الرَّوْعِ لا شَخْتٌ وَلا مُتآزِفُ

وَتَقْلِصُ بالسّيفِ الطّويلِ نِجادُهُ،

إلى كَرَمِ المَجْدِ الكِرَامُ الغَطارِفُ

أغَرُّ عَظيمُ المَنْكِبَينِ سَمَا بِهِ

قِصَارٌ وَلا سُودُ الوُجُوهِ مَقَارِفُ

فَوَارِسُ مِنهُمْ مِسْوَرٌ لا رِماحُهُمْ

مِنَ الطّعْنِ أيّاماً لَهُنّ مَتَالِفُ

إذا شَهِدُوا يَوْمَ اللّقَاءِ تَضَمّنُوا

قد نال بشر منية النفس إذ غدا

بِعبدَةَ مَنهاةِ المُنى ابنُ شَغافِ

قَدْ نالَ بِشْرٌ مُنْيَةَ النّفْسِ إذْ غدا

وَمِثْلَهُمُ مِنْ نَهْشَلٍ وَمَنَافِ

فيَا لَيْتَهُ لاقَى شَيَاطِينَ مُحْرِزٍ،

مَخارِمُ تَحتَ اللّيْلِ ذاتُ نِجافِ

بحيثُ انحنى أنْفُ الصّليبِ وَأعرَضَتْ

مضت سنة لم تبق مالا وإننا

لَنَنْهَضُ في عامٍ من المَحِل رَادِفِ

مَضَتْ سَنَةٌ لَمْ تُبْقِ مالاً، وَإنّنَا

يُجِيرُ مِنَ الأحْداثِ نِضْوَ المَتالِفِ

فَقُلتُ: أبانُ بنُ الوَليدِ هُوَ الّذِي

تَفِيضَانِ سَحّاً مِنْ تَليدٍ وَطارِفِ

فَتىً لمْ تَزَلْ كَفّاهُ في طَلَبِ العُلى

وَلا مُخْدِرٌ بَينَ الأمورِ الضّعائِفِ

لَعَمْرُكَ ما أصْبَحْتُ أنْثُو عَزِيمَتي

أعلى الصفحة

لقد كنت أحيانا صبورا فهاجني

مَشاعِفُ بالدّيرَينِ رُجْحُ الرّوادِفِ

لَقَدْ كُنتُ أحْياناً صَبُوراً فَهاجَني

عِجافغ وَلمْ يَتبَعنَ أحمالَ قائِفِ

نَواعِمُ لمْ يَدْرِينَ ما أهْلُ صِرْمَةٍ

شَقيٌّ وَلمْ يَسمَعن صَوتَ العَوَازِفِ

وَلَمْ يَدّلِجْ لَيْلاً بِهنّ مُعَزِّبٌ

مَعاً، مثل أبكارِ الهِجانِ العَلائِفِ

إذا رُحْنَ في الدّيباجِ، والخَزُّ فَوْقَهُ،

بدَلِّ الغَوَاني المُكرَماتِ العَفائِفِ

إلى مَلْعَبٍ خَالٍ لَهُنّ بَلَغْنَهُ

يُنازعْن مِسكاً بالأكُفّ الدّوَائِفِ

يُنازَعْنَ مَكنُونَ الحَديِثِ كأنّما

تَقُولُ بِأدْنَى صَوْتِها المُتَهانِفِ

وَقُلْنَ للَيْلى: حَدّثِينا، فَلَمْ تكدْ

إذا سُفْنَهُ سَوْفَ الهِجانِ الرّوَاشِفِ

رَوَاعِفُ بِالجادِيّ كُلَّ عَشِيّةٍ،

يَمِلنَ إذا ما قُمنَ مثلَ الأحاقِفِ

بَناتُ نَعِيمٍ زانَها العيشُ والغِنى

لِمَيّةً أمْثالِ النّخِيلِ المَخارِفِ

تَبَيّنْ خَليلي هَلْ تعرَى من ظَعائِنٍ

مِراراً وَتَزْهاها الضّحى بالأصَالِفِ

تَواضَعُ حَت يَأتي الآلُ دُونَها

تَخالُ بها مَرَّ السّفِينِ النّوَاصِفِ

إذا عَرَضَتْ مَرّتْ على الُّلجّ جَارِياً،

وَتَحْفِزُها أيْدي الرّجالِ الجَوَاذِفِ

يَجُورُ بهَا المَلاّحُ ثُمّ يُقيِمُها،

عَلى ضُمّرٍ كُلّفن عَرْضَ السّنائِفِ

إليكَ ابن خيرِ الناسِ حمّلتُ حاجَتي

جُمَالِيّةٍ تَبْرِي لأعْيَسَ رَاجِفْ

بَناتِ المَهاري الصُّهْبِ كلِّ نَجيبَةٍ

تَرَامى به أيدي الأكُفّ الحَوَاذِفِ

يَظَلّ الحَصى مِنْ وَقْعِهِنّ كأنّما

وَصَوّتَ حاديِهَا لَها بِالصّفاصِفِ

إذا رَكِبَتْ دَوّيّةً مُدْلَهِمّةً،

سُرَاها وَمَشْيُ الرّاسِمِ المُتَقاذِفِ

تَغالَيْنَ كالجِنّانِ حَتى تَنُوطهُ

وَرُكْبانُها كالمَهْمَهِ المُتَجانِفِ

عِتاقٌ تَغٍشّتْها السُّرَى، كُلَّ لَيلَةٍ،

تَحَلّبَ مِنْ أعْناقِها وَالسّوَالِفِ

كأنّ عَصِيرَ الزّيْتِ مِمّا تَكَلّفَتْ

بقَوْمٍ وَإنْ كانُوا حِسانَ المطارِفِ

عَوَامِدُ للعَبّاسِ لمْ تَرْضَ دُونَهُ

وَتَحَمِلَ قَوْلي يا ابنَ خَيرِ الخَلائِفِ

لتَسْمَعَ مِنْ قَوْلي ثَناءً وَمَدْحَةً،

أقَمْتَ لَهُ ما يَشتَكي بالسّقائِفِ

وَكمْ من كَرِيمٍ يَشتكي ضَعْفَ عظمه

إلَيْكَ، فَأمْسَى آمِناً غَيرَ خائِفِ

وآَمَنْتَهُ مِمّا يَخافُ، إذا أوَى

وَنُورُ هِدىً يا ابنَ المُلُوكِ الغطارِفِ

وأنْتَ غِياثُ المُمحِلِينَ إذا شَتَوْا،

إذا رَكِبُوا ثمّ التَقَوْا بِالمَوَاقِفِ

ثَنائي على العَبّاسِ أكْرَمِ من مشَى

يَغُضّونَ أطرَافَ العُيُونِ الطّوَارِفِ

تَراهُمْ، إذا لاقاهِمُ يَوْمَ مَشْهَدٍ،

بِخَيْرِ سُقَاةٍ، تَعلَمونَ، وَغارِفِ

وَلَوْ ناهَزُوهُ المَجْد أرْبَى عَلَيْهِمُ

بِفِعْلٍ عَلى فِعْلِ البَرِيّةِ ضَاعِفِ

وَتَعْلُو بُحُورَ العالمِينَ بحُورُهُمْ،

وَلا لعفّهُ أظْآرُهُ في اللّفائِفِ

ومَا وَلَدَتْ أُنْثَى مِنَ النّاسِ مِثْلَهُ،

وَلمْ تَخْبُ نِيرَانُ العَدُوّ المُقاذِفِ

وَلمّا دَعا الدّاعُونَ وانْشَقّتِ العَصَا،

وَأنْيَابِها المُسْتَقْدِماتِ الصّوَارِفِ

فَزَعْنا إلى العَبّاسِ مِنْ خَوْفِ فِتَنةٍ

بأُخْرَى إلَيها بالخَميسِ المُرَاجِفِ

وَكَمْ مِنْ عَوانٍ فَيْلَق قَدْ أبرْتَها

نهَتْ كُلّ ذي ضِغْنٍ وَداءٍ مُقارِفِ

فَقَدْ أوْقَعَ العبّاسُ إذْ صَارَ وَقَعةً

وَقَوّمْتَ دَرْءَ الأزْوَرِ المُتَجانِفِ

وَأغَنَيتَ مَن لمْ يَغنَ من أبطإ السُّرَى،

إذا أحْجَمَتْ خَيلُ الجيادِ المَخالِفِ

وَأنتَ الّذي يُخْشَى وَيُرْمى بك العدى

وَآمَنْتَ مِنْ إحيائِنا كُلَّ خائِفِ

سَمَوْتَ فلمْ تَترُكْ على الأرْضِ ناكثاً،

بمُسْتَنصِرٍ يَتْلُو كِتابَ المَصَاحِفِ

أبَرْتَ زُحُوفَ المُلْحِدِينَ وَكِدتَهم

تُغَلّلُ نُشّابَ الكَميّ المُزَاحِفِ

تَأخّرَ أقْوَامٌ، وَأسْرَعْتَ للّتي

هُناكَ، وَوَقّافٌ كَرِيمُ المَوَاقِفِ

وَأنْتَ إلى الأعْدَاءِ أوّلُ فَارِسٍ

وَطَعْنٍ بِأطْرَافِ الرّماحِ الجَوَائِفِ

بِضَرْبٍ يُزيلُ الهَامَ عَنْ مُستَقَرّهِ،

أُرِيدَ بإحدى المُهلِكاتِ الجَوَالِفِ

سَبَقتَ بأهْلِ الكوفةِ المَوْتَ بَعدَما

إلَيكَ بأصْوَاتِ النّساءِ الهَوَاتِفِ

فَلمْ يُغنِ مَن في القصرِ شيئاً وَصَيّحوا

مُدِلاًّ بِفُرْسَانِ الجيِادِ المَتَالِفِ

أخُو الحَرْبِ يَمْشِي طاوِياً ثمّ يَقتدي

بِسُورَاءَ في إجْرَائِها وَالمَزَاحِفِ

يُغادِرْنَ صَرْعَى مِنْ صَناديدَ بَينَها

بِتَدْمُرَ إلاّ مَرّةً بِالشّفَائِفِ

وَما طَعِمَتْ مِنْ مَشَرَبٍ مُذ سقيَتها

وَأكْذَبْتَ مِمّا مّعُوا كلَّ عائِفِ

مِنَ الشّأمِ حتى باشَرَتْ أهْلَ بابلٍ

يُساقُونَ سَوْقَ المُثْقَلاتِ الزّوَاحِفِ

وَقَدْ أبْطَأ الأشْيَاعُ حَتى كَأنّما

وَما نمتَ فيمَنْ نامَ تحتَ القَطائِفِ

لَعَمرِي! لقد أسرَيتَ لا لَيل عاجزٍ

وَسكّنتَ رَوْعاتِ القُلُوبِ الرّوَاجِفِ

فَجاءوا وَقَدْ أطفَأتَ نِيرَانَ فِتْنَةٍ،

أعلى الصفحة