الخرافات في الفكر العربي


د. ليلى أحمد الأحدب

التربة العربية مرشوشة بسموم الخرافات منذ زمن طويل، فكيف يمكن للنبتة أن تنمو وللزهرة أن تتفتح قبل أن يتم حرث الأرض وتقليبها وتعريضها لشمس الحقيقة كي تتطهر ؟

تبدأ معرفتي بالخرافة منذ طفولتي عندما كنت أسمع حكايات الجان والعفاريت، ومنها حكاية ذلك الرجل الذي دخل أحد حمامات المدينة ليلا فوجد فيها بعض الناس يتوضؤون، وأصيب بالذعر عندما وجد أرجلهم كأرجل المعيز، فأطلق ساقيه للريح وهرب من الحمام، ولم يتوقف إلا عندما وجد شرطي مرور في الطريق سأله عن سبب ركضه ليلا، فأخبره الرجل عن المخلوقات الغريبة التي رآها في ذلك المنزل، فما كان من الشرطي إلا أن كشف عن ساقه وسأله: هل تقصد أن أرجلهم مثل رجلي؟ فعلم الرجل المسكين أنه هرب من "الدلف" إلى تحت "المزراب" كما يقول المثل في بلاد الشام، وأنه بات كالمستجير من الرمضاء بالنار، لأن الشرطي من "إخواننا" الجان كأهل الحمام تماما. المشكلة ليست في القصة فقط وإنما في أن هذه القصة فولكور شعبي عربي، ولا يقتصر على بلاد الشام، فقد عاد ابني ذات مرة من المدرسة، وكان في الصف الأول الابتدائي، أصفر الوجه ممتقعا من الخوف، فلما سألته عما به، أخبرني أن مدرس اللغة الإنكليزية حدثهم عن وجود الجان، وقص علي ابني القصة نفسها لكن عن رجل ضل طريقه ليلا فآوى إلى منزل كبير، وهناك وجد أهل القصر يتميزون بأرجل كأرجل المعيز. اتصلت في اليوم التالي بالمدرسة وطلبت من المدير أن يلفت نظر الأستاذ إلى عدم رواية قصص كهذه للأطفال، خاصة أنه أستاذ للغة الإنكليزية، فلماذا يثقف الأطفال هذه الثقافة العربية التعيسة؟! لكن لم تمر بضعة أيام إلا جاء ابني مرعوبا مرة أخرى لأن أستاذ الفقه قال لهم أنه لا يجوز استعمال العظم في الاستجمار لأنه طعام الجان! صعقت وقتها لأني سجلت ابني في المدرسة كي يكتسب علما نافعا، بعد أن ربيته أن لا يخاف من إنس ولا جن، وكنت أمازحه وأخاه قائلة: لا يوجد جان الآن لأن جيلكم أكثر "عفرتة" من الجان؛ أما وأن يتعلم ابني ما يضره ولا ينفعه فأنا في غنى عن مدرسة كهذه، خاصة أن كلمة الاستجمار لم أعرفها أنا شخصيا إلا عندما أقبلت على قراءة العلم الديني في أثناء دراستي الجامعية.

ليست الخرافات مقتصرة على العرب وحدهم ، ولقد وصلني على بريدي الالكتروني منذ فترة صورة يقول مرسلها إنها صورة لغرفة فتاة وجدت مقتولة فيها، وأن أصدقاءها وجدوا غرفتها مسكونة بالأشباح، والدليل أنك إذا حدقت بالصورة لمدة دقيقتين ستجد شبحا يظهر لك، وأن عليك أن تمرر الرسالة لشخص آخر كي لا يكون مصيرك نفس مصير الفتاة ومصير فتاة أخرى لم تمرر الرسالة فوجدت مقتولة أيضا. كانت هذه الرسالة تحمل أكبر عدد من العناوين مما يوحي بكثرة الخائفين على أنفسهم من الأشباح، ولكن الأسماء العربية أكثر من الأسماء الغربية في الرسالة. محزن أن نكون في عصر الإنترنت ومع ذلك نجد أن هذه الأداة المعجزة قد تحولت إلى وسيلة لخدمة الخرافة، وقد وصلني اليوم رسالة تحوي صورة شجرة منحنية باتجاه القبلة، ولا أدري لماذا كانت هذه الشجرة هي الوحيدة العابدة، فهل الأشجار الأخرى عاصية؟ وأين اعتقادنا كمؤمنين بالآية:( وما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)؟ وفي الرسالة صور أخرى تحمل تكوينات غريبة مثل كلمة لا إله إلا الله مكونة من تعانق بعض الأشجار، ولفظ الجلالة محفور على نوع من الثمار أو البذور ، وتقول الرسالة إن هذه معجزات كونية وعلى من تصل إليه أن يرسلها لأكبر عدد ممكن .......... فأرسلت لمرسلتها عن طريق ( الريبلاي ) أي الإجابة المباشرة : أرجوك أن ترسلي لكل هذه العناوين أن يكفوا عن هذه الترهات، وأن يفعلوا شيئا لأنفسهم أو مجتمعاتهم أو أمتهم أو دينهم بعيدا عن الضلالات والجهالات والخرافات وانتظار المعجزات !.