بيروت " مرابط " جند دمشق

يذكر إبن حوقل: {مدينة بيروت التي على ساحل بحر الروم... بها يرابط أهل دمشق وسائر جندها، وينفرون إليها عند استنفارهم، وليسوا كأهل دمشق في جفاء الأخلاق وغلظ الطباع}. كما يذكر المقدسي أن: {بيروت وصيدا مدينتان حصينتان ...}.

لقد أهتم المسلمون بصورة خاصة في المدن الساحلية، وبالطبع كانت مدينة بيروت منها، وذلك لتعزيز عدد المسلمين فيها من جهة، وللدفاع عن الدولة الإسلامية الناشئة من جهة ثانية. فرابط المسلمون في مدينة بيروت وغيرها من المدن الساحلية الإسلامية، ليقفوا سداً منيعاً في وجه الأعداء، إذا ما فكروا بالعودة ثانية.

ومنذ الفتح الإسلامي أخذ المسلمون يتكاثرون في بيروت، والروح تقل فيها شيئاً فشيئاً، حتى صار أكثر أهل بيروت من المسلمين. وكذلك في بقية المدن الساحلية.

وكانت بيروت والمدن الساحلية، قد تعاقبت عليها المدنيات المختلفة التي تأثرت بها، من كنعانية وفينيقية ومصرية وعبرية وفارسية ويونانية ورومانية، وكان بعض أهل بيروت وهذه المدن قد شارك في هذه المدنيات. وعندما فتح العرب المسلمون بيروت وبقية المدن نشروا لغتهم وتعاليم الإسلام بها، فأخذ أهل بيروت يتعلمون اللغة العربية، ويتكلمون بها مع لغتهم الآرامية أو اليونانية. كلك أخذ الإسلام يحل فيها محل النصرانية أو اليهودية، ودخل الكثير من أهل بيروت في الإسلام. وكان الخليفة عمر بن الخطّاب أول من بعث إليهم من يعلمهم الدين الجديد، فتفرق {معاذ وعبادة وأبي الدرداء}، في الشام، يعلمون أهلها، وتخرَّج على أيديهم كثير من التابعين.

ومن الصحابة والتابعين الذين رابطوا في بيروت، أبو الدرداء، وسلمان الفارسي، وبشير بن سعد، وأبو ذر الغفاري، وعبد الملك بن جادر، وسعيد المقبري، والدرداء بن أبي الدرداء وزوجته العميصاء بنت ملحان الأنصارية الشهيرة بأم حرام. وكان هؤلاء يقضون فترات تتراوح بين الستة أشهر وثلاث سنوات في بيروت، يقاتلون ويحدّثون ويدرّسون، ثم يعودون إلى موطنهم الأصلية. وكانت قلة منهم تبقى في بيروت، لذلك يقال إن في بيروت قبور جماعة من الصحابة والتابعين. والرباط ببيروت تقليد قديم، بل إن مدينة بيروت كانت مرابط أهل دمشق منذ أيام خلافة عثمان بن عفَّان، فعندما سأل سلمان الفارسي أهل دمشق عن أبي الدرداء، قالوا: إنه مرابط. فقال، وأين مرابطكم يا أهل دمشق؟ قالوا: بيروت. فذهب للرباط معه هناك.   

عودة للباب الثاني

عودة للصفحة الرئيسية