الفترة الثانية من الاحتلال الغربي ـ الصليبي

(593-690هـ/1197-1291م)

بوفاة صلاح الدين الأيوبي سنة 589هـ/ 3 آذار 1193م، بدأ الصراع على الحكم بين ولديه الأفضل والعزيز عثمان. واستغل الصليبيون هذا الصراع لاسترجاع الأماكن التي أنتزعها منهم صلاح الدين الأيوبي. فاستسلمت لهم بيروت دون قتال وعادت إلى حكم أسرة دي أبلن الصليبية. وانتهز العادل الفرصة ليعقد اتفاقا مع الصليبيين تخلَّى بموجبه عن بيروت ثم أبعد أولاد أخيه، ليصبح سلطاناً على مصر وإمارة دمشق سنة 596هـ/1200م.

الأمير أسامة بن منقذ يسلِّم بيروت دون قتال (593هـ/1197م)

بعد انقضاء مدة هدنة صلح سنة 588هـ/1192م، تجمَّع الصليبيون في عكا سنة 593هـ/1197م، وهدفهم الزحف شمالاً نحو بيروت. وعندما علم العادل الأيوبي بتحركات الصليبيين، عزم على تخريب المواقع الساحلية الإسلامية التي لا يستطيع الدفاع عنها، على أن لا يتم تخريبها إلا بعد إجلاء الأهالي المسلمين عنها إلى مناطق داخلية مأمونة. فسيَّر لهذه الغاية فرقة من عسكره إلى مدينة بيروت، فهدمت سور المدينة في 7 ذي الحجة سنة 593هـ/ تشرين الأول 1197م، وشرعت في تخريب دورها وتدمير قلعتها ومرافقها، لكن الأمير أسامة بن منقذ متولي بيروت من قبل الملك العادل، عارض هذا الأمر ومنعهم من إنجاز مهمتهم، بحجة قدرته على الدفاع عن بيروت وتعهده بحفظها. وكانت الكارثة على بيروت من جراء ذلك، حيث زحف الصليبيون نحو بيروت، بقيادة ملك قبرص عموري لوزينيان، ولما اقتربوا منها سلَّمها الأمير أسامة دون قتال، وخرج منها هو وجماعته إلى مدينة صيدا، وكان ذلك نهار الجمعة 10 ذي الحجة سنة 593هـ/أيلول 1197م.

وهكذا فرّط أسامة بن منقذ في الدفاع عن بيروت مما جعله عرضة للنقد الشديد من الأهالي المسلمين، الذين عابوا عليه تسليم المدينة دون قتال. ومنذ ذلك الحين، أصبح تسليم المدن الإسلامية للصليبيين بدون حرب، تقليداً سنَّة أسامة. فعندما حاصر الصليبيون حصن تبنين سنة 595هـ/1198م، قال أحد الشعراء مخاطباً صاحب الحصن :

سلِّم الحصن ما عليك ملامة لا يُلام الذي يروم السلامة
فعطا الحصون من غير حرب سنَّة سنَّها ببيروت سآمة

أتفاق شعبان 594هـ/ أول تموز 1198م وعودة الاحتلال الصليبي إلى بيروت

ثم كان الاتفاق بين المسلمين والصليبيين في شعبان 594هـ/أول تموز 1198م، وبموجبه يحتفظ الصليبيون ببيروت وجبيل وظلَّت يافا تابعة للمسلمين، وتقاسم الفريقان صيدا. أي أن المسلمين والصليبيين أقروا الأوضاع الراهنة.

وهكذا عاد وضع الصليبيين في بيروت إلى ما كانوا عليه قبل انتصارات السلطان صلاح الدين الأيوبي، وكانت القرى التي حول بيروت قد حافظت على طابعها الإسلامي، فأدَّت الطاعة والخراج للصليبيين. أما متولي بيروت الأمير أسامة بن منقذ، فبقيت له الولاية الجبلية ثم سار إلى مصر. وبذلك عاد الاحتلال الصليبي لبيروت في فترته الثانية التي استمرت 95 سنة 593-690هـ/1197-1291م. وفي هذه الفترة أستعاد الصليبيون مبنى القديس يوحنا المعمدان، الذي أستعمله المسلمون كمسجد لهم، وحوَّلوه إلى كاتدرائية.

وكان وضع المسلمين في هذه الفترة، أفضل قليلاً من الفترة الأولى. فبقي في بيروت عدد من أهلها المسلمين، وبقي لهم مسجدان سلما من الهدم هما {جامع الإمام الأوزاعي 89} و{جامع شمس الدين 102}، فضلاً عن {زاوية الراعي} التي بنيت سنة 600هـ/1203م. وكانت هذه المساجد عبارة عن مصليات صغيرة، لأن المسلمين لم يكونوا كثرة في تلك الفترة، فيذكر صالح بن يحيى:{فبيروت لما كانت الفرنج بها كان بها جماعة من المسلمين ... يجتمعون لصلاة الجمعة فلم يكملوا أربعين فيصلي بهم الخطيب ظهراً في بعض الأوقات وفي بعضها يكملوا بمن يحضرهم من الضواحي فيصلي بهم جمعة}. وكانت مراكب الفرنج تتردد إلى بيروت، ومراكب البندقية تحضر إلى قبرص وصاحب قبرص يرسل بضائعها في سفينتين كبيرتين إلى بيروت نقلة بعد أخرى. وكان للقبارصة كنائس في بيروت، وجماعة تجار يسكنون فيها، ولهم خانات وحمامات وأفران.. وكان للبنادقة فندق في بيروت، وكذلك لجنوه، والفندق (Fondaci) بناء ضخم يسكن التجار طوابقه العليا، أما الطابق الأول فمخصص للمخازن والحوانيت.

عودة للفصل الثالث

عودة للباب الثالث

عودة للصفحة الرئسية