القيروان       

 

تقع القيروان في الصحراء جنوبي تونس.

وتعرف أيضاً باسم رابعة الثلاث بعد مكة المكرمة، والمدينة المنورة والقدس الشريف، ذلك لأنها أقدم وأول مدينة إسلامية، وقد بناها القائد المجاهد عقبة بن نافع لتكون قاعدة لنشر الإسلام في المغرب العربي وإفريقيا. بناء القيروان في هذه المنطقة لا يعني أنها شكلت أول وجود بشري حضاري هناك، إذ أن المنطقة كانت مأهولة منذ القدم، حيث بينت الإكتشافات الأثرية وجود أدوات حجرية للإنسان القديم بعثرتها عوامل الانجراف على ضفاف وادي مرق الليل في منطقة العلا، ويعود تاريخ هذه الأدوات إلى أكثر من 200 ألف سنة.

حين توسط عقبة بن نافع الصحراء حيث تونس الحالية، توقف عند منطقة رآها صالحة لتعسكر قواته، ورأى فيها ملاذا آمناً لاستراحة القوافل التي تنتقل بين الشرق والغرب، فحط فيها الرحال، وخط بعصاه على الأرض حدود المعسكر، فكان اختيار عقبة لهذه المنطقة عن بعد نظر، فهي تقع في جوف الروابي على منتصف الطريق بين الحصون والشواطىء البيزنطية ومخابىء البربر الجبلية، فاتخذها محطة لاستراحة القوافل ومركزاً لانطلاق نور الإسلام، وأطلق عليها اسم القيروان ومعناها في اللغة العربية(القافلة).

لما كان موقع المدينة بعيداً عن العمران في وسط الصحراء كانت آمنة من هجوم الأعداء، لكن عزلتها هذه لم تمنعها من أن تكبر وتنمو، وكان أول ما شيد فيها هو دار الإمارة، والمسجد الجامع، وكان بادىء الأمر فضاء ليس فيه بناء، ويصلّى فيه كذلك، وبعد تحديد محراب المسجد اقتدى به الناس، فصارت القيروان من أهم مدن افريقيا والمغرب.

وتختلف القيروان عن المدن العربية القديمة في أن كل قبيلة نزلت بها لم تكن تختص بمكان معين من المدينة كما هو الحال في باقي المدن الإسلامية، أما بالنسبة إلى تخطيطها فقد اتبع نفس تخطيط المدن السابقة، حيث يبدأ بتخطيط المسجد ودار الإمارة، ويلي ذلك السوق والمساكن والطرق والشوارع.


وكان للقيروان سور له 14 باباً، وكان سوقها متصلاً بالمسجد من جهة القبلة، وممتداً إلى باب يعرف باسم (باب الربيع) وكان لهذا السوق سطح تتصل به جميع المتاجر والصناعات.

أقيمت حول القيروان أسوار عالية تطورت على مدى التاريخ لتكون قلعة حصينة تصد عنها حجارتها المتراصة هجمات الغزاة، ولم ينقطع أهل القيروان عن إصلاح الأسوار مرة بعد مرة، لأن الهجمات كانت تنكسر فوق هذه الأسوار، وإن كان يصيبها الكثير من الهدم، ومن ذلك ما حدث حين قامت المدينة ثائرة ضد حكم الأغالبة، وما حدث أيضاً عند الغزوة الهلالية (بني هلال)، وقد صمدت القيروان في منتصف القرن الثامن عشر أكثر من خمس سنوات على الحصار المفروض عليها، بل أجبرت الحاكم على دفع تعويضات لها.

وأثناء الحرب العالمية الثانية هدم الألمان قسماً من القيروان لاستعمال حجر الطابوق لبناء مدرج للطائرات.

ومما يميز القيروان أنها لم تفارق أسس تنظيمها إلى اليوم، فحافظت على نسقها المعماري الأصيل، ولا يزال مسجد القيروان أشهر مساجد افريقيا والمغرب العربي شاهداً على أصالة المنطقة، فقد وضع أساسه وتصميمه عقبة بن نافع، وجرى تطويره على تتابع القرون والزمن، وله أعمدة عديدة ومتنوعة تعود لمعابد رومانية وكنائس بيزنطية، ويعتبر من أزخر التراث الإسلامي في تونس ويؤمه الكثير من السواح سنوياً.