(900-333ق.م)

لم تكن بيروت مثل صيدا وصور في القوة والإزدهار، لذلك فإن أخبارها قليلة سواء في العصر الذهبي للمدن الفينيقية ، أو في العهود الآشورية والكلدانية والفارسية، والتي مرت جيوشها في بيروت أثناء حروبها للسيطرة على المدن الفينيقية وسوريا ومصر.

ومنذ مطلع القرن التاسع قبل الميلاد، تعرضت المدن الفينيقية للضغط الآشوري، استطاع آشورنا صربال الثاني فرض الجزية على المدن الفينيقية سنة 876ق.م. كما عبر الجيش الآشوري بيروت، في القرن لثامن قبل الميلاد، وفرض الجزية ثانية على المدن الفينيقية، التي حاولت مراراً الإفلات من السيطرة الآشورية. وكان الآشوريون يقومون بحملات تأديبية لها، مروراً ببيروت، كما فعل تغلث فلاسر الثالث (745-728 ق.م) بانتصاره على حيرام الثاني ملك صور وصيدا، وعلى جبيل وأرواد. وكذلك استطاع سرجون الثاني (722-705 ق.م) إخضاع جميع المد الفينيقية، باستثناء صور التي حاولت تأليب هذه المدن ضد الآشوريين. ثم جاء آسرحدون وخرَّب صيدا سنة 675 ق.م، وقيل أنه أقام نصباً تذكارياً على صخرة نهر الكلب شمال بيروت. وأخيراً أنزل آشور بانيبال الضربة القاضية على صور سنة 664 ق.م، فاستسلمت وأفل نجمها بعد أن كانت سيدة البحر المتوسط.

وعندما سقطت آشور أمام الجيش الكلداني سنة 612 ق.م، لجأت المدن الفينيقية إلى الحماية المصرية، وأخذت تتأرجح وسط صراع مصر والكلدان. وبهزيمة الجيش المصري أمام نبوخذ نصر الكلداني، في موقعة كركميش سنة 605 ق.م، أعترفت المدن الفينيقية بالأمر الواقع، ودفعت الجزية إلى الحكم الكلداني الجديد، وقد احتفظت مقابل ذلك باستقلالها الداخلي.

وباستيلاء كورش الفارسي على بابل سنة 539-538 ق.م، انتقلت المدن الفينيقية إلى سيطرة الفرس، الذين قسّموا فينيقيا إلى أربعة أقسام: صيدا وصور وأرواد وجبيل، ولم تأت هذه التقسيمات على ذكر بيروت. حافظت المدن الفينيقية على استقلالها الداخلي طيلة الحكم الفارسي، ولكنها حاولت سنة 351 ق.م القيام بثورة بهدف نيل الاستقلال التام. ولا نعرف دور بيروت في هذه الثورة التي إندلعت من طرابلس، لتعم الساحل بأسره، ثم تركزت في صيدا التي قاومت الفرس ببسالة ورفضت الإستسلام، وفضّلت حرق نفسها سنة 350 ق.م، مما أدى إلى أستسلام بقية مدن الساحل. وحتى هذا الوقت كان أهل بيروت، يفتحون الأبواب في وجه الغزاة الآشوريين والكلدانيين والفرس، بينما ترفع صور أسوارها وتبني صيدا قلاعها، فدفعت كل منهما الخراب والدمار.

ثم سقطت دولة الفرس أما الأسكندر المقدوني، ودخلت بيروت تحت حكم اليونان.    

عودة للفصل الثاني

عودة إلى الباب الأول

عودة إلى الصفحة الرئيسية