(333-64 ق.م)

بعد هزيمة الفرس في ايسوس سنة 333 ق.م، زحف الجيش اليوناني بقيادة الأسكندر المقدوني، ففتحت بيروت أبوابها له، مثلما فعلت أرواد وجبيل وصيدا، ثم استسلمت صور بعد مقاومة عنيفة سنة 332 ق.م

وبوفاة الأسكندر سنة 323 ق.ن، نشب الصراع بين قواده، فدخلت بيروت حت حكم الدولة السلوقية، وسمح اليونان لأهالي بيروت بإقامة شعائر دينهم، ثم مزجوا بين آلهتهم وآلهة الفينيقيين وكسوها بمسحة يونانية. كما حاولت بيروت وبقية المدن أن تنال استقلالاً نوعياً، فأنشأت مجالس لتدبير أحوالها، وصكت كل مدينة النقود باسمها.

ثم سيطرت الفوضى والحروب الأهلية على الدولة السلوقية، فتأثرت بيروت من هذا الوضع، ودفعت الدمار ثمناً لوفاء أهلها، عندما قام رجل اسمه أسكندر بالا يدّعي المُلك لنفسه سنة 146 ق.م، فنشبت بينه وبين الملك الشرعي ديمتريوس الثاني نيقاتور، حرب ضارية، دافعت فيها بيروت عن حقوق ملكها بشهامة، وكان الإتصار حليفاً لديمتريوس. إلا أن تريفون وزير أسكندر بالا تحزَّب بعد موت مولاه لإبنه ديونيسيوس، ليجلسه على كرسي مملكة بيروت، ويملك باسمه. وعقاباً لوفاء بيروت لملكها، أغار على المدينة، وخرَّب أبنيتها وبساتينها، وحرقها بالنار سنة 140 ق.م، فذهبت ضحية وفائها. على أن تريفون نال جزاءه بعد قليل، فغلبه أنطيوخيوس سيداتس وهو شقيق ديمتريوس، ومات طريداً خاملاً.

ومع ذلك، لم تبق بيروت على خرابها زمناً طويلاً، بل عاد إليها أهلها، وجددوا بناءها. لكنهم عدلوا قليلاً عن موقع المدينة المدمرة وأطلالها الحديثة، مائلين إلى الجنوب نحو عشرة كيلومترات. فقد عثر على نقد قديم لبيروت يعود إلى سنة 128 ق.م، عليه شعار المدينة وأسم محتسبها نيقون، مما يدل على أن بيروت لم تكن خراباً سوى مدة قصيرة، وبقيت عامرة تتعاطى التجارة.

ومما يذكر أن بيروت وسائر المدن، باستثناء صور، قلَّدت المدن اليونانية في احتفالها بالأعياد الإغريقية، وفي بناء المسارح للتمثيل، والملاعب الرياضية، والحمامات العامة.

كذلك قلدتها في اتخاذ حادثة تاريخية هامة تعتبرها بداية للتأريخ، فاتخذت أرواد سنة 259 ق.م، وبيروت سنة 197 ق.م، وصيدا سنة 111 ق.م. وهذه هي نظرة المغلوب على الغالب، فتعلم أهل بيروت اللغة الإغريقية، وأصبح المثقف من سكان المدينة مزدوج اللغة، يتكلم لهجة سامية في بيته، ويتكلم الإغريقية في الأوساط الفكرية والعلمية.

 

عودة للفصل الثاني

عودة إلى الباب الأول

عودة إلى الصفحة الرئيسية