في حمّى صراع "الأجندات" الطريق الأقصر إلى الحرية

 

المستقبل - الثلاثاء 29 آذار 2005

جورج حاوي

ليس حباً بالرئيس يرفض البعض مطلب استقالته. ولا احتراماً لمقام الرئاسة الأولى يصوّب البعض الآخر على ما تحتها (الأجهزة الأمنية) وعلى ما فوقها (سوريا)، مع ان الترابط بين المستويات الثلاثة واضح.

إنه صراع "الأجندات"، أي الأولويات، والبرامج.

انسحاب سوري كامل (جيشاً ومخابرات)، فلجنة تحقيق دولية، فإقالة قادة الأجهزة فانتخابات نيابية تأتي بأكثرية ساحقة للمعارضة، فتغيير رئيس الجمهورية وانتخابات رئيس جديد، من المجلس الجديد، ذي الأكثرية الجديدة، بدون دور يذكر للكتل الأساسية المكوّنة للأكثرية الراهنة، وخصوصاً "أمل" و"حزب الله"، وبدون أي دور لسوريا..
هذه هي "الأجندة" الأولى التي تعتمدها المعارضة، وتحظى ببركة أميركا وأوروبا والدول العربية الأساسية.

وقد اضطر وليد جنبلاط إلى التراجع عن "أجندته" الخاصة التي كانت تلتقي مع الأولى على بنود الانسحاب، ولجنة التحقيق الدولية وإقالة قادة الأجهزة، ولكنها تطرح استبدال رئيس الجمهورية في ظل توازنات المجلس النيابي الحالي، ووفق منطق التوافق مع قسم أساسي من اللبنانيين يمثّله "حزب الله" و"أمل"، وفي اطار إعادة ترميم الجسور مع دمشق لبناء علاقات تعاون استراتيجي محكوم بالمصلحة القومية العليا لا بمصالح "شبّيحة" السياسة والمال والأمن والإدارة..

انسحابات شاملة وتحقيق دولي واستقالة رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة مؤقتة تتولى مع المجلس النيابي انتخابات رئيس جديد، فحكومة وفاق وطني حقيقي، تقيل وتحاكم قادة الأجهزة، وتلغي كل أسس ومقوّمات النظام الأمني المافيوي الحالي، وتستعيد قانون الانتخابات لتعيد تقديمه وفق مقاييس صحة التمثيل وديموقراطية العملية الانتخابية مع ضرورة أن يسبق ذلك إطلاق سراح سمير جعجع، وتأمين عودة العماد ميشال عون، وإجراء مصالحة وطنية شاملة تضع حداً لرواسب الحرب الأهلية، لغة وثقافة وأسباباً ومسبّبات، وتتفق على الخيارات الاستراتيجية حيال الصراع العربي الصهيوني، ودور لبنان في اطاره، وبالتالي دور المقاومة، وسلاح المقاومة ومسألة التوطين وحق العودة.. والعلاقات الاستراتيحية اللاحقة مع سوريا، على قاعدة الندية والاحترام المتبادل ووحدة المصالح القومية.. ومن موقع الاستقلال اللبناني الكامل.

كل ذلك يمهّد الطريق أمام باب استكمال الإصلاحات الداخلية وفق اتفاق الطائف لنعبر من حكم الطوائف والمذاهب، وعبر توافق المذاهب والطوائف، إلى الوطن، إلى لبنان الوطن السيّد الحرّ المستقل، الملتزم بأهداف العروبة الديموقراطية أكثر من سواه من أشقائه العرب، بعدما استطاع بفعل مقاومته البطلة تحرير أرضه دون مفاوضات وشروط، واستطاع من خلال انتفاضته الراهنة استكمال استقلاله وسيادته وقراره الحرّ، رافضاً استبدال وصاية بوصاية، متصدياً لمحاولات استبدال عنجر بعوكر، متمسكاً بقراره المستقل دون أي التباس. تلك هي "الأجندة" التي دعونا، ولا زلنا ندعو إلى اعتمادها، والتي على أساسها دعمنا موقف الرفيق الصديق وليد جنبلاط، وشجبنا، ونشجب الحملات الرخيصة التي استهدفته، ودعوناه، وندعوه إلى إعادة التمسك بها.. وإن كان تطبيقها لا يتوقف عليه، ولا على أقطاب المعارضة، بل على رئيس الجمهورية، وعلى الأكثرية النيابية الراهنة (إذا كانت ما زالت أكثرية!) وعلى سوريا.. نعم على سوريا، إن كانت تريد حقاً قطع الطريق على المزيد من دور قوي للخارج التدويلي، وفتح الطريق أمام علاقات تعاون استراتيجي لاحق لها مصلحة فيه لمواجهة الضغوط الدولية.
هذه "الأجندة" المنسجمة مع لبنان الذي دفع غالياً ثمن حكمه من دمشق، فلا يجوز أن يدخل مغامرة دفع ثمن حكمه ضد دمشق! وقد تكون أكثر كلفة من الأولى.

هذه "الأجندة" التي تقطع الطريق على "أجندة" السلطة الأمنية، ومَن يقف وراءها وعلى رأسها، وهي تسير على خطين:

سياسي يستهدف تمييع وتأجيل تشكيل الحكومة بحجة اشتراط "الوفاق" المستحيل و"الحوار" المتأخر..
وأمني يزرع شوارع مدن لبنان متفجرات مجرمة بقصد إرهاب شعبه، وتوسيع الحريق في أرجاء الوطن، علَّ الناس تنسى جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وتغادر مطلب الكشف عن الحقيقة، لتنكفئ تحت مطلب السلامة والأمن!

من موقع قناعتنا ان "أجندة" تغيير الرئيس هي الأسلم والأكثر حرصاً على مصالح لبنان، والأكثر وفراً للآلام على شعبه ندعو إلى أحد هذه الحلول:

1.    قرار ذاتي تاريخي من رئيس الجمهورية بالاستقالة بعد تعيين حكومة مؤقتة تؤمن انتقال السلطة في مهلة أقصاها أسبوع، وهذا هو الخيار الأسلم للشعب وللوطن وللرئيس.

2.   إذا استحال ذلك، فمناشدة للسيد حسن نصرالله وللأستاذ نبيه برّي أن يتوجّها إلى القصر ليطلبا من الرئيس الاستقالة، حرصاً على البلاد، وعلى ما يمثلان بشكل خاص، ولا يحسبن أحد انه قادر على استخدام طائفته ونواحي قوته إلى ما لا نهاية!

3.   إذا تعذر ذلك، نتوجه إلى الهيئات الاقتصادية والفعاليات الشعبية والمهنية والنقابية، ومنظمات الشباب والطلاب وكل جماهير لبنان، لاعلان إضراب عام شامل ومفتوح حتى تحقيق ذلك..

4.   إذا تعذر ذلك، فدعوة إلى جماهير الشعب عامة، وجماهير الشباب خاصة، للزحف إلى القصر، والاعتصام الحضاري السلمي في محيطه، رافعين علم لبنان، ومنشدين النشيد الوطني اللبناني، حتى استقالة الرئيس، واعتماد "الأجندة" التي اقترحناها..

وأخيراً..
قد يقول قائل: وماذا حول الرئيس الجديد؟

أجيب بوضوح:

أحد نواب، أو أحد قادة المعارضة، دون شك. ولكن وفق توافق عاقل على الأهداف الاستراتيجية المذكورة أعلاه، وعلى قاعدة نظافة الكفّ وحسن السلوك واتقان الحوار واعتماد الديموقراطية، والانفتاح على التغيير، وخصوصاً على جيل الشباب الباحث عن موقع له في لبنان المستقبل الذي يساهم اليوم في صنعه، في "الجمهورية الثالثة" التي كان الرفيق الصديق العزيز كريم مروّة صاحب المبادرة الجريئة لرفع شعارها منذ أكثر من سنتين.

إن أي "أجندة" أخرى غير مضمونة العواقب، بل هي طريق إطالة مدة المعاناة لهذا الشعب المناضل، طريق فتح أزمته الداخلية على مضاعفات التدويل الخطير...