بيروت الميناء الرئيسي لبلاد الشام

أصبحت بيروت أيام المماليك، هي الميناء الرئيسي لبلاد الشام، وذلك بعد اضمحلال مدينة صيدا عمرانياً واقتصاديا في القرن الخامس عشر الميلادي، وعندما زار طافور مدن الساحل، لم يذكر أسم صيدا، بل ذكر بيروت والرملة ويافا وصور وعسقلان وعكا.

وهكذا كانت بيروت من أشهر الموانئ المملوكية على ساحل البحر المتوسط. وكانت جميع الموجبات الواردة والصادرة تؤخذ ببيروت، وكان على بابا الميناء، دواوين وعامل وناظر ومشارف وشاد، يجري تعيينهم من دمشق، وتدفع رواتبهم من مدخول الميناء، وكانت الأموال المتبقية ترسل إلى دمشق. وعندما ضعف حال ولاة بيروت، صار يؤخذ ثلثا المدخول، لمباشري الشام ومصر.

وأجتمع في بيروت، تجار دمشق وحلب وحماه وبعلبك، حاملين معهم أنواع السلع المشرقية. وفيها تعددت المراكز التجارية الأوروبية وقنصلياتهم، وكثر مجيء الأجانب إليها بانتظام، لبعدها عن السلطة المركزية في القاهرة.

وكانت طرابلس هي الميناء الثاني بعد بيروت. أما صيدا وصور وعكا وحيفا، فقد كانت أقل أهمية من بيروت وطرابلس، وقد انحصرت شهرة تلك الموانئ بتصدير القطن بوجه عام.

وحاز الأجانب علة فنادق في بيروت، حيث كانت تعقد الصفقات التجارية وتحزم البضائع ثم تنقل إلى البواخر. وقد جاء الفندق وكأنه قطعة من الوطن الأم، يتمتع فيه التاجر بكامل حريته، حتى أنه كان يسمح له بشرب الخمرة بداخله، وكان القنصل يدير شؤون الفندق، ولم تتعد صلاحياته الحقل التجاري. أما الأمور الأمنية، فكانت من اختصاص رجال الأمن المحليين، كالولاة ومساعديهم مثل القاضي.

وأنشأ المماليك مؤسسات لتنشيط التجارة، وضعوها بتصرف التجار المسلمين، وعرفت بالوكالات والخانات والقيساريات. ونما عدد التجار الأوروبيين في بيروت التي أصبحت في القرن الخامس عشر الميلادي، {ملتقى شعوب البحر المتوسط وكنت تشاهد في بيروت مزيجاً يصعب وصفه من العمائم والطرابيش والكوفيات الحرير وأكسية وبرانس وقفاطين}..

وكان يتمّ استيراد القمح من مصر عن طريق ميناء بيروت. وعندما حصل القحط بسبب الجراد، وارتفعت الأسعار وعمَّ الغلاء وكثرت المجاعات، توجه الأمير شرف الدين  (1) إلى مصر، وأشترى القمح، فخفَّف بذلك الأزمة الاقتصادية التي عاشها الناس. وكانت بيروت تصدّر الفاكهة والزيت والصابون إلى مصر.

ويبدو أن أمراء الغرب كانوا أحياناً يضمنون ميناء بيروت، فذكر صالح بن يحيى، أن الأمير عز الدين جواد (2){ضمن ميناء بيروت وتكلم فيها مدة}.

وحتى المساجين السياسيين كان يقبض عليهم، ويرسلوهم عن طريق البحر إلى ميناء بيروت. وبرز أسم نجم الدين كاتب الميناء وعز الدين عبد العزيز العسقلاني، محتسب بيروت.

وقد أدى ازدهار الميناء إلى وصف بيروت بالغنى ووفرة المال.

(1)     الأمير شرف الدين عيسى بن شهاب الدين أحمد بن زين الدين صالح بن الحسين: كان سيداً جليل القدر ينم الشعر وقد مدح السلطان الملك الظاهر برقوق. وعندما قدم الملك المؤيد إلى دمشق وقبض على الأمير نوروز الحافظي الظاهري برقوق وكان من أصحاب الفتن .

(2)     الأمير عز الدين جواد بن علم الدين سليمان: كان ذا معرفة وذكاء، ويشرف على زراعته في الشوف وأشتهر بكتابته آية الكرسي على حبة أرز، كما صنع لتنكز نائب الشام، ندب نشاب ميداني من نواء الخرنوب وكان يرمى بقوس كبير وقوي.

عودة للفصل الثالث

عودة للباب الرابع

عودة للصفحة الرئيسية