المصيدة
أوصلته آمال من المطار إلى شقة أحلام وكان كذلك في شهر أكتوبر( تشرين الأول ) 1978 .

وعرف من آمال أنها تسكن في شقة أخرى في العمارة نفسها التي تسكن فيها والدتها . أقام في شقة أحلام ثلاث أيام إلى أن وجدت له شقة مناسبة في العمارة نفسها ومقابل شقة أمال بالضبط دفعت أحلام إيجار الشقة وناولته مبلغا من المال لمصاريفه اليومية .

أخذته الأم وابنتها إلى أحد الملاهي فصار يقضى وقته بين الملهى والسينما وأحلام وآمال . وقليلا ما يتسكع في شوارع لندن . في الأسبوع الثالث من وصوله . وبينما كان يتمشى في إحدى الشوارع القريبة من العمارة دخل ألي حانة ليتناول بعض الشراب . بعد برهة دخل رجل تدل سحنته على أنه عربي وطلب شرابا مثله وجلس على مقربة منه . ثم ما لبث الرجل أن التفت إلى طارق سائلا بلطف :

Ø     الأخ عربي ؟

 فقال الرجل :

Ø     من أين ؟

Ø     لبناني

ودار بينهما حديث عادى حول لندن والطقس والحياة في هذه المدينة الباردة ، استطاع طارق أن يلاحظ شفى لهجة الرجل العربية لكنة أجنبية غير واضحة تماما وعاد الغريب يسأل :

Ø     هل أنت هنا فى عمل أم سياحة ؟

Ø     رد طارق باقتضاب : سياحة .

عندئذ قال الرجل :

Ø     أنا تاجر قماش مقيم هنا في لندن ، دعنا نتقابل بين الحين والحين .

فرح طارق بالتعرف على هذا الرجل الدمث وتمنى في قرارة نفسه أن يجد عملا له معه يبقيه في لندن ، خصوصا عندما سأله الرجل إن كان لديه هاتف فقال طارق على الفور "هذا هو اسمي ورقم الهاتف اتصل بي في أي وقت " شكره الرجل وقال له:

" أنا اسمي زكى وسوف أتصل بك إن شاء الله " ثم نهض ودفع الحساب وانصرف .

بعد عودته إلى الشقة بقليل اتصلت به أحلام وطلبت منه أن يسهر عندها تلك
الليلة . ثم سألته بعد العشاء :

Ø     ماذا تفعل بالنهار ؟

Ø     فقال : لا شيء أتسكع في الشوارع على غير هدى ، ان لندن مدينة جميلة .

ألم تتعرف على أحد ؟

Ø     لا أبدا .

لم يذكر لها عن زكى لثقته بأن الأمر لا يستحق أن يذكر إلا أن دعوة أحلام له لقضاء السهرة في تلك الليلة كانت مقصودة لاختبار قدرته على الثرثرة ولم يكن يدرى أنه بإجابته تلك قد سجل نقطة إيجابية لصالحه .

بعد يومين اتصل به زكى ودعاه لتناول الغداء في فندق " ذه وست مورلاند فلور " الساعة الواحدة ، فذهب طارق شفى الموعد المحدد تماما ، لكن زكى لم يحضر إلا بعد نصف ساعة معتذرا عن تأخيره بسبب ازدحام السير والمرور شفى تلك الساعة .

والواقع أن المرور لم يكن سببا في تأخير زكى بل هو تأخر تمليه الاحتياطات الأمنية التي توعد الرجل باتخاذها بشكل دائم . كذلك كان الاحتياط الأمني هاجسه وهو يجلس بظهره إلى الحائط كاشفا كل شئ أمامه بينما طارق لا يرى غير الحائط وزكى .

دار الحديث على الطعام عاديا حول لندن وأوضاع لندن .

ويبدو أن جلسة تقييم الثانية كانت إيجابية ، إذ قال زكى لطارق وهو يودعه " سأحاول أن أجد لك عملا هنا " . ثم دفع الحساب وانصرف وهو يقول "سأتصل بك قريبا " ولم يحاول طارق أن يطلب من زكى رقم هاتفه مع أنه فكر في ذلك . فهو يريد أن يستعجل الحصول على الوظيفة .

كان التقييم يتم من قبل زكى بسرعة لشخصية طارق ، فهو زكى يركض خلف الشهوات والنزوات ، إذ لاحظ زكى أنه غازل بعينه وابتساماته كانت تجلس إلى طاولة مجاورة بالمطعم قبل أن ينهره زكى . ثم انه شاذ جنسيا وهذه نقطة ضعف مناسبة جدا لاختراقه والضغط عليه ، خصوصا أنه يحمل اعتبارا كبيرا لأهله وعائلته وأصدقائه وستكون مصيبة المصائب في نظره إذا اكتشفت أمر شذوذه ونقطة الضعف الثانية قلة المال بين يديه ، فهو من عائلة متوسطة الحال ومستعد لعمل أي شئ من أجل الحصول على المال . ثم هناك علاقته ببعض الأثرياء . والأهم من ذلك كله علاقته القوية بأحد مسئولي منظمة " الصاعقة " المعادية لإسرائيل ومعرفته لمعظم العاملين والمسئولين فيها .

دعوة إلى العشاء

بعد أيام ثلاثة هتف له زكى يدعو للعشاء في مطعم " البستان " وقال له أنه سيتأخر قليلاً ويفضل أن يتم الحجز باسمه هو . فقال طارق:

Ø     اسمي طارق الحمدان .

Ø     فقال زكى : واسمك الثلاثي .

Ø     طارق أحمد الحمدان .

من الطبيعة أن لا يحتاج زكى لاسم طارق الثلاثي أو الثنائي أو حتى الأول لإجراء الحجز .

ولكنه أراد طارق أن يقول له اسمه الثلاثي لغاية شفى نفس يعقوب لم يدركها صاحبنا .

خصوصا أن زكى عاود الاتصال بطارق قبل الموعد المحدد ليخبره أنه ألغى حجز" البستان " لأنه جد مشغول . وفى وسعهما بدلاً من ذلك تناول العشاء شفى مطعم فندق " ليونارد " القريب من مكتب زكى . ولما وافق طارق طلب منه زكى أن يتوجه من فوره إلى الفندق المذكور لأنه بعيداً نوعا ما ، امتثل طارق لرغبة زكى واستقل سيارة تاكسي إلى حيث الموعد .

كان زكى ينتظره في إحدى زوايا المطعم ، وأثناء العشاء قال زكى : " أنا مضطر للسفر غدا إلى إيطاليا لإحضار بعض الأقمشة والموديلات من هناك ، ولن أغيب أكثر من أسبوع " . ثم تشعب الحديث ليطول الأوضاع في لبنان والطقس في لندن وتجارة الأقمشة والثياب . بعد العشاء نهض زكى ودفع الحساب ثم ودع طارق وخرج .

لم يلاحظ زكى أن زكى في كل مرة يخرج قبله، وحين يخرج هو بعده لم يجد له أثراً . ثم أنه لم يفكر مطلقاً في ير هذه الدعوات المتكررة إلى المطاعم ، وان فكر في ذلك اعتقد أن الرجل رأى فيه برغم فارق السن مشروع صديق في هذه الغربة التي يعيشها في لندن . وكونه يدفع الحساب في كل مرة لا يعد أن زكى رجل كريم وتاجر . بينما هو عاطل عن العمل .

بعد ثلاثة أيام من عشاء الفندق فوجئ طارق بزكى على الهاتف يخبره بأنه أنهى عمله بسرعة وعاد إلى لندن وهو يدعوه لقضاء السهرة عنده مع عدد آخر من الضيوف . ولمل لم يكن طارق على علم بعنوان زكى قال له هذا الأخير " سأمر لآخذك بالسيارة " . انتظرني في نهاية شارع كرومويل رود الساعة الثامنة والنصف " .

في تمام الساعة الثامنة والنصف توقف زكى وصعد طارق بجواره بالسيارة وتوجها إلى أحد العمارات المطلة على هايد بارك . فتح زكى باب العمارة الخارجي بمفتاح معه وصعد السلم أمام طارق وبيده سلسلة مفاتيح حيث فتح باب إحدى الشقق . وجلسا في الصالون يشربان ويتحدثان عن إيطاليا ولندن والأقمشة . بعد حوالي الساعة دق جرس الباب ، فنهض زكى وكبس على زر المايكروفون وتحدث ببضع كلمات بال إنجليزية ثم انتظر قليلاً حتى طرق باب الشقة ففتحه ليدخل رجلان وفتاتان ، أحدهما أشقر الشعر طويل عمره لا يتجاوز 27 عاماً ،أما الآخر في الأربعين من عمره أسمر اللون وشعره خفيف أقرب إلى الصلع وأما الفتاتان فلا يتجاوز كل منهما العشرين سنة ، تتمتعان بجمال وافر ، شقراوان فيهما إغراء وعدم كلفة جلست إحداهما بجواره بعد التعارف ، تبادل معهما الحديث والنكتات واللمسات .

مال زكى على أذنه هامساً :

Ø     طارق ، بإمكانك أن تأخذها إلى غرفة النوم تلك . اعتبر البيت بيتك.

فرح بكلام زكى وأقنع الفتاة بالقيام معه . كان رأسه يؤلمه بشكل كبير . وعندما أوقظه زكى في الصباح وجد نفسه وحيداً بالفراش ، إذ يبدو أن الفتاة ذهبت ، أحس برأسه يكاد ينفلق من الصداع لبس ثيابه وطلب له زكى سيارة تاكسي وأوصلته إلى شقته .

وبعد أربعة أيام اتصل به زكى مجدداً يسأله :

Ø     هل استمتعت بالسهرة ؟

Ø     كانت جميلة جداً والفتاة كانت أجمل .

Ø     بسيطة . هل أنت على استعداد لسهرة أخرى مثلها ؟

Ø     بالتأكيد . متى ؟

Ø     عند جماعة أصحابي .

Ø     " أوكى لا مانع منى نتقابل؟

Ø     سأمر عليك بالثامنة مساء ، انتظرن أمام عمارتك . في ضاحية لندن.

 في الثامنة مساء نزل طارق ليجد زكى بانتظاره في السيارة حيث توجه به إلى إحدى ضواحي لندن . توقفا في شارع جانبي وتمشيا حتى وصلا إلى عمارة من أربع طوابق . دق زكى الجرس ففتح الباب ودخلا حتى وصلا إحدى الشقق قرع الجرس وما إن فتح باب الشقة حتى رأى طارق ثلاثة رجال وثلاثة نساء ، ليس بينهم أي شخص ممن كان في السهرة السابقة ، الفتيات جميلات والدخان يملأ الغرفة . شرب معهم وانبسطت أساريره وهو لا يصدق وجوده في مثل هذا الجو شعر بالامتنان لزكى وهو يميل عليه قائلاً :

Ø     أراك معجبا بجانيت خذها إلى تلك الغرفة ستجد فيها سريراً كبيرا واعتبر نفسك كأنك في بيتي فهم أصحابي الخلص .

كان يريد مثل هذه الإشارة من زكى فجانيت جاهزة ضحكت وهى تقوم معه إلي الغرفة وفى الساعة الثالثة فجرا كان زكى يوقظه :

Ø     قم ، هل تريد أن تنام هنا عند الجماعة ؟

 نهض بتثاقل شديد ، فالصداع يكاد يمزق رأسه ، انه يشرب باستمرار ولم يحدث له أن شعر بمثل هذا الصداع ، فتح عينيه بصعوبة ليجد الفتاة تغط في النوم بجواره ، حاول أن يلبس ثيابه فلن يستطع ، ساعده زكى وهو يقول ضاحكاً :

Ø     إذا لم تكن " قد المشروب " فلا تكررها .

لم يكن في حاله تلك قادراً على الإجابة ، فسكت مع أنه ود أن يخبره بأنه يشرب عادة أضعاف ما شربه في تلك الليلة ولا يحدث له شئ من هذا القبيل .

هذه المرة أوصله زكى بالتاكسي إلى شقته و أدخله إلى سريره قبل أن ينصرف ، كما كاد ينسى أحلام بعد أن فتح له زكي أجواء جديدة ، وبعد أن جاء زوجها إلى لندن ، فكانت تتصل به بين الحين والآخر معاتبة :

Ø     " طارق ، أوعى تكون صاحبت امرأة غيري " .

Ø     فيرد عليها قائلا : " وهل هذا معقول يا أحلام " .

وكان حين يذهب زوجها إلى الملهى يذهب هو إلى شقتها ساعة أو ساعتين ثم يخرج .