آل الأحدب من الأسر المشهورة في طرابلس الشام، وما زالت هذه الأسرة تقيم في هذه المدينة حتى اليوم، على أن بعض أفرادها انتقلوا إلى بيروت واتخذوها دار إقامة لهم بسبب اشتغالهم في الدوائر الحكوميّ .

والأحدب، كنية هذه العائل ، من أسماء السيف، وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله في رثاء الشيخ إبراهيم الأحدب:

بطلعة الأحدب الماضي لقب         ورأيه قد حكى بالفضل معناه

وليس فيما عندنا من المصادر التاريخيّة ما يدلنا على أصل هذه الأسرة أو موطنها الأولى غير أن اللواء الركن الحاج عزيز الأحدب، قال إن أصل العائلة من مصر وإن أحد أفرادها إنتقل إلى طرابلس ومنه تفرعت هذه العائلة سواء في طرابلس أو في بيروت.

وعندما ترجم الفيكونت فيليب دي طرزي في كتابه (تاريخ الصحافة العربيّة) حياة الشيخ إبراهيم الأحدب قال إن نسبه يرجع إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبذلك يكون آل الأحدب من البيت النبوي الطاهر. ولقد اشتهر من هذه الأسرة في العصور المتقدمة عدد من الأعلام مثل الأحدب المزوِّر، ذكره القاضي شمس الدين إبن خلِكان في كتابه (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان)، وقال إن هذا الرجل اشتهر بقدرته على تقليد خطوط الكتّاب حتى اشتهر باسم الأحدب المزوِّر، لأنه كان يكتب خط كل وأحد، فلا يشك المكتوب عنه أنه خطه. وكانت وفاته في سنة 1308هـ 1981م.

الشيخ إبراهيم الأحدب هو إبن الشيخ علي الأحدب، كانت ولادته في طرابلس الشام سنة 1240هـ 1824م. وبعضهم قال إن ولادته تأخرت سنتين عن هذا التاريخ، ابتدأ دراسته بتعلم القرآن الكريم فأتقن قراءته وتجويده وهو إبن تسع سنين، وتابع طلب العلم في مدينة طرابلس الشام، فقرأ أولاً على الشيخ عرابي بمدرسة الشيخ سقرق المعروفة اليوم بالسقرقيّة، ثم قرأ على الشيخ عبد الغني الرافعي الفاروقي في المدرسة الطوشيّة. وبرع في علوم الحديث وأصول الفقه وعلم الكلام والفرائض والصرف والبيان والنحو والمعاني والبديع والعروض والمنطق وغير ذلك من علوم زمانه.

وعندما بلغ الثانية والعشرين من عمره تصدى للتدريس في بلده وقصده الطلاب في المدارس الدينيّة التي كان يداوم فيها. وسافر إلى إسطمبول حاضرة الخلافة الإسلاميّة. واجتمع هناك بالعديد من أركان الدولة العُثمانيّة وأعيانها. وخلال وجوده في أسطمبول نظم قصيدة في مدح السلطان عبد المجيد مطلعها :

بنصرة دين الله وافت لنا البشرى     فأوْلت إلى الإيمان من نشرها بشرا

وسنة 1267هـ 1852م دعاه سعيد بك جنبلاط حاكم مقاطعة الشوفين بلبنان ليكون مستشاراً له في القضايا الشرعيّة المستنبطة من القرآن الكريم والحديث الشريف، فأقام ببلدة المختارة في قصر الحاكم المذكور، وبقي عنده حوالي ثماني سنوات. ولما ثارت الفتنة التي افتعلتها الدول الأجنبيّة بين الدروز وبين النصارى سنة 1276هـ 1860م وهي الحوادث الطائفيّة التي عُرفت يومئذٍ بالطوشة، ترك الشيخ إبراهيم الأحدب المختارة وعاد إلى بلده طرابلس الشام. وفي أثناء إقامته بطرابلس طلبة منه الحكومة العُثمانيّة بتولي القضاء بصنعاء في اليمن، إلا أنه إعتذر عن قبول هذا المنصب لبُعد صنعاء عن وطنه. وفي سنة 1277هـ 1861م عُيّن في منصب رئيس الكتَبَة في محكمة بيروت الشرعيّة، وانتدب لتأمين فصل الدعاوى في المحكمة المذكورة لمدة سنة أي إلى حين وصول القاضي الأصيل المُعيّن من قِبل دار الخلافة بإسطمبول. وبقي الشيخ إبراهيم الأحدب رئيساً للكتَبَة حوالى ثلاثين سنة من غير انقطاع.

وفي سنة 1872م سافر إلى القاهرة، واجتمع هناك بأعيان المصريين وعلمائهم وأنشأ معهم صداقات شخصيّة حميمة، لا سيما مع الشيخ عبد الهادي نجا الأبياري الذي كان يُلقب بقاموس اللغة العربيّة، لسعة إطلاعه وتمكنه من هذا الفن. وكان الشيخ الأبياري آنذاك يتولى منصب مفتي المعيَّة الخديويّة في بلاط محمد توفيق باشا عزيز مصر. وعندما عاد الشيخ إبراهيم الأحدب إلى وطنه، ربطت بينه وبين الشيخ الأبياري المراسلات الإخوانيّة التي جمعها الأبياري فيما بعد في كرّاس مستقل.

وعندما أُنشئت ولاية بيروت سنة 1305هـ 1888م عُيّن الشيخ إبراهيم الأحدب عضواً بشعبة المعارف في هذه الولاية، فقام بأعمال جليلة في حقل التعليم، لا سيما في المدرسة السلطانيّة التي هي الآن كلية البنات التابعة لجمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت.

وفي أثناء إقامته ببيروت كان الشيخ إبراهيم الأحدب يواصل التحرير في الجرائد اليوميّة والمجلات الأدبيّة مثل المقتطف لصاحبها الدكتور يعقوب صرّوف، والجوائب لصاحبها أحمد فارس الشدياق، وجريدة ثمرات الفنون لصاحبها الشيخ عبد القادر القبّاني. وكانت أكثر كتاباته في هذه الجريدة الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك فإنه كان شغوفاً بمطالعة الكتب القديمة وإذا عثر على شيء نادر وثمين منها فإنه كان لا يتوانى عن نقله بكامله بخطه الظريف. ويقول الفيكونت فيليب دي طرزي في كتابه (تاريخ الصحافة العربيّة)، إن الشيخ إبراهيم الأحدب نقل بخطه ما ينوف عن ألف كتاب ورسالة. هذا ، وإن الأعمال الحكوميّة والاهتمام بنسخ الكتب القديمة أو تأليف الكتب الجديدة لم يشغل الشيخ إبراهيم الأحدب عن واصلة الكتابة إلى أصدقائه من العلماء والأدباء والأعيان سواء داخل البلاد السوريّة أو خارجها، فكان يراسل هؤلاء الأصدقاء وينظم المطولة في مدح أُمراء العرب ووزرائهم، مثل المجاهد الإسلامي الكبير بطل الجزائر الأمير عبد القادر ومحسن صادق باشا باي تونس الذي أحسن جائزته، ومصطفى باشا كبير وزراء تونس الذي أهداه حلية مرصعة بالماس عليها رسمه بالألبسة الرسميّة، واسمه منقوشٌ عليها بالأحجار الكريمة. وعندما أعلن حسين باشا وزير المعارف في تونس عن مباراة لأحسن مقال تحت عنوان (لا سلامة من الخلق) اشترك الشيخ إبراهيم الأحدب بهذه المباراة ونال جائزتها الأولى وقدّم له الوزير المذكور سبحة من العنبر مع رسالة خطّها بيده إعراباً عن إعجابه وتقديره.

وعندما احتفل راشد ناشد باشا والي سوريا بختان ولده كُلّف بأن يُعلم رواية (الإسكندر المقدوني) التي كتبها لفرقة من الممثلين وأن يرافقهم إلى دمشق لأجل تمثيلها، وعندما رجع إلى بيروت قدّم له الوالي المذكور خاتماً مرصعاً بالماس ونفحه منحة ماليّة قدْرها مائة ليرة عُثمانيّة ذهباً.

وقد لفت الشيخ إبراهيم الأحدب له الأنظار إلى خصوبة بداهته الشعريّة، ذلك أنه كان ينظم القصيدة في سبعين بيتاً خلال جلسة واحدة في مدة قصيرة دون تكلّف ولا صعوبة وكثيراً ما تكون المبيضة هي عين المسوّدة. ويقال إنه نظم في حياته ما يقارب ثمانين ألف بيت من الشعر في مختلف الأغراض والفنون، حتى إنه استعمل الشعر في صياغة بعض الأحكام الشرعيّة.

وفي السنة الأخيرة من حياته أُصيب بداء الفالج لمدة قصيرة وما كاد يبرأ منه حتى عادت إليه عوارض هذا المرض، فلزم داره حوالى ثمانية شهور ولكن دون أن يفقد القدرة على استقبال زواره من العلماء والأدباء والتحدث إليهم في الشؤون العلميّة والشرعيّة، إلا أن وطأة الداء اشتدت عليه فأدركه الأجل المحتوم يوم الثلاثاء في 22 رجب سنة 1308هـ الثاني من شهر آذار سنة 1891م وقد جرى دفنه في جبانة سيدنا عمر المعروفة بالباشورة في بيروت، وسار في موكبه مفتي المدينة وقاضيها ونقيب الأشراف واعتبرت الحكومة وفاته مأتماً رسمياً شاركت فيه ثلّة من العساكر الشاهانيّة والدرك والشرطة بالإضافة إلى كبار الموظفين في حكومة ولاية بيروت .

وقد نقشت فيما بعد على قبره الأبيات التالية :

هذا ضريح توارى فيه ذو شرف          قد كان يملأ عين الدهر مـرآه

كنز المعارف إبراهيم من شهدت            له بحُسن التّقى والفضل دنيـاه

بطلعة الأحدب الماضي لـه لقب       ورأيه فد حكى بالفضل معنـاه         

تكفّلت خدمة الشرع الشريف له       بأنه سوف يُعطى ما تمنـــّا           

وبشّرتنا بأن الله عاملــــه               بالعفو أرّخ والإكرام أرضــاه

                          


مؤلفات الشيخ إبراهيم الأحدب :

◄ فرائد الأطواق في أجياد محاسن الأخلاق .

◄فرائد اللآل في مجمع الأمثال .

◄تفصيل اللؤلؤ والمرجان في فصول الحِكم والبيان .

◄ نشوة الصهباء في صناعة الإنشاء .

◄الرسائل الأدبيّة في الرسائل الأحدبيّة .

◄ تفصيل الياقوت والمرجان في إجمال تاريخ دولة بني عُثمان.

◄ كشف المعاني والبيان عن رسائل بديع الزمان .