من الأمور المرتبطة بحرج بيروت، وبعيد الفطر السعيد، وعيد الأضحى المبارك صندوق الفرجة وهو عبارة عن صندوق مستطيل مزخرف بألوان الدهان، في أحد وجوهه ثلاثة أو أربعة ثقوب متقاربة مستديرة على حجم دائرة العين أو أكبر بقليل، مركَّب عليها بلورات، وبطرف الصندوق من الداخل لولبان رأسهما خارج الصندوق من الأعلى، بهما قطعة من الورق مصوَّر عليها عدة صور تلتف على أحد اللولبين، إذا دار الدولاب الثاني دار الأول والتفّت الصور على الثاني، وهكذا، فإذا مرَّت الصور كلها، انتهت الفرجة، فيُلقى من الداخل ستائر على الثقوب، ومن أراد الفرجة ثانية، كان عليه أن يدفع مرة أخرى، وكان صاحب الصندوق ينادي بصوت عالٍ قائلاً :

شوف تفرج آه يا سلام

شوف أحوالك بالتمام

شوف قدامك عجايب

شوف قدامك غرايب

شوف الأميرة بنت السلطان

شوف عنتر أبو الفوارس بالحديد غاطس

شوف الحلوة عبلى

ليتها عيونها ما تبلى

وشفافها رق الفنجان

SANDOUKFERGI

وبين لعبة ولعبة، وفي وسط ازدحام الناس والعائلات البيروتية كان باعة المخلل ينصبون الفرش الخشبي والصدور على قاعدة خشبية، حيث يضعون في صحون صغيرة الكبيس المكوّن من الخيار والملفوف واللفت المصبوغ عادة باللون الأحمر، وينتشر في كل مكان باعة الترمس والنعومة والفريسكو والبوشار والسمسميّة والكرابيج والكعك وغزل البنات باللونين الزهري والأبيض.

وتنتشر عربات الحنطور خارج الحرج كي تقلّ الأولاد في مشوار قريب ذهاباً وإياباً، وبعد إنتشار السيارات قامت تلك بدور الحنطور في نقل العائلات والأولاد، كما كان الأطفال يستأجرون الحمير فيركبونها من منطقة الحرج إلى حرج القتيل أو إلى الأوزاعي ذهاباً وإياباً كما كانوا يستأجرون العجلات (البسكلاتات) حيث يتجولون خارج الحرج.

وكان الأطفال يسرون كثيراً بعد أن إنتشر التصوير بواسطة الكاميرات التي كانت تحمل على عكازة خشبية، وأكثر الذين كانوا يتولون التصوير كانوا من الأرمن، فقد كان يدخل المصور رأسه داخل جيب من القماش ويبدأ بالتصوير أمام لوحات خشبية، ورسوم فنيّة جميلة، ويظهر فيها الطفل وكأنه في غابة يقتل أسداً، أو يركب فيلاً، أو يقود زورقاً أو طائرة، وما شابه ذلك من صور جميلة مرغّبة للأطفال، ويلاحظ بأن الصورة كانت تعطى مباشر ، بعد أن يجففها المصور على حرارة الشمس والهواء، كما ينتشر في أقسام من الحرج (الكركوز) وألعاب الدمى، وفي مكان آخر من حرج العيد، ترى تجمعات الكبار والصغار يتحلقون حول حصان، وكل منهم يريد استئجاره لركوبه، والقيام بمشوار بمحاذاة الحرج، وكان صاحبه يحمل اللباس العربي من الكوفية والعقال، يضعها على رأس الراكب مناسبة لأخذ صورة تذكارية في حرج بيروت.

يبقى الأولاد والأطفال والعائلات البيروتية طوال النهار حتى المغيب في حرج العيد، يقضون اليوم الأول في التنقل بين لعبة وأخرى، وما أن ينتهي النهار حتى يأخذ التعب منهم مأخذه، كما أن الصغار يشعرون بأن جيوبهم فرغت من نقود العيديّة، فيفتشون عن عيديات جديدة لإكمال فرحة العيد، في اليومين الثاني والثالث.

ومن الأولاد من يكرر زيارته للحرج، في اليومين الثاني والثالث، ومنهم من يزوره في اليوم الثاني فقط أو اليوم الثالث، وهكذا يستمر صخب العيد في حرج بيروت طوال ثلاثة أيام ، وقد يمتّد العيد إلى اليوم الرابع ، أي في 4 شوال وهو ما يُسمى عند العامة (جحش العيد) ويمتد إلى خمسة أيام في عيد الأضحى المبارك أي إلى 14 ذي الحجة، وهنا تبرز مشاعر الأطفال والأولاد، حينما ينقضي العيد فيحزنون ويتمنون لو أنهم ما زالوا في أول أيامه، ثم تراهم يتجمعون بعد ذلك في أحيائهم أو منازلهم أو مدارسهم يتبادلون أطراف الحديث ويتذكرون كيف قضوا أيام العيد هناك متأسفين على انقضائه وكأنه حلم سعيد في عيد سعيد.