محمود الأحمدية(*)

"يفكر الوطني بالأجيال القادمة، أما السياسي فيفكر بالانتخابات القادمة"

(شكيب أرسلان)


في هذا المفصل المصيري الذي يمر فيه الوطن، استوقفني خطاب العماد ميشال عون وكأنه يتحدث من كوكب آخر وعن بلد آخر... لم يسلم من تعليقاته رموز ثورة الأرز وكانت قمة اللامنطق طرحه إجراء انتخابات رئاسية مباشرة من الشعب ولمرة واحدة فقط، والشيء اللافت والمحزن في آن هو تجاوب الهيئات التعليمية في التيار الوطني الحر مع الخطاب والابتسامات تعلو وجوههم وكأنهم مسحورون بما يسمعون، هم مربو الأجيال القادمة...


لن أناقش في لا دستورية هذا الطرح ولا في تناقضه مع اتفاقية الطائف ولا في أبعاده ولكن ولكي توضع الأشياء في أماكنها والأمور في نصابها، نلاحظ أن هذا الطرح هو مجرّد هروب الى الأمام وذر الرماد في العيون وصولاً الى غاية فولكلورية نفسية هدفها: أن الجنرال ابن هذا الشعب المدلل والغير خائف من نتائج هذا الاستفتاء استناداً الى شعبيته الساحقة المزعومة... وحتى يأخذ هذا المنحى حقيقته نعود الى احصائيات قامت بها جريدة (صدى البلد) بتاريخ 8/4/2007 شملت، حسب قولها عيّنة من 600 مجيب توزعت بين القاطنين في بيروت وجبل لبنان والشمال والجنوب والبقاع حيث هناك: تساو بين الجنسين وفئات عمرية مختلفة ومستويات اجتماعية ثلاثة: الدنيا والوسطى والعليا وفئات الدخل المختلفة وجميع المستويات الثقافية والطوائف على اختلافها وحسب نسبة عددها وكل ذلك بواسطة ستة عشر باحثاً ميدانياً وكان السؤال المحوري: لو خُيّرت بين الاسمين التاليين من تختار لرئاسة الجمهورية: بطرس حرب أو ميشال عون وكانت النتيجة التي لم تفاجئ كل متتبعي سياسات الجنرال عون، على الشكل التالي:

السنّة: 65% بطرس حرب، 18% ميشال عون.

الدروز 72% بطرس حرب، 22% ميشال عون.

الشيعة 3% بطرس حرب، 92% ميشال عون.

المسيحيون: 50% بطرس حرب، 35% ميشال عون.


نفس السؤال طُرح على صعيد ميشال عون ونسيب لحود وكانت النتيجة على الشكل التالي:
السنّة: 66% نسيب لحود، 26% ميشال عون.

الدروز: 70% نسيب لحود، 26% ميشال عون.

الشيعة: 5% نسيب لحود، 93% ميشال عون.

المسيحيون: 51% نسيب لحود، 35% ميشال عون.


وكسلة متكاملة اختار 47.67% من اللبنانيين نسيب لحود و44.17% ميشال عون، ومن جهة أخرى اختار 46.17% بطرس حرب و45.83% ميشال عون... مع العلم أن جريدة صدى البلد وفي نفس التقرير حاولت إيهام القارئ بالعنوان التالي: "عون يتقدم على حرب والجميل للرئاسة" وخلاصة هذا العنوان أنه يستند الى نتائج أجوبة على السؤال التالي: من تختار من الأسماء التالية لرئاسة الجمهورية: ميشال عون، رياض سلامة، بطرس حرب، أمين الجميل، نسيب لحود، ميشال سليمان... وكانت النتيجة: عون 42.83%، نسيب لحود 27.17%، الجميل 23.33%... والمبتدئ في السياسة يفضح هذا التحليل عندما يرى أن لحود والجميل وحرب يشربون من نفس "النبع" 14 آذار ونزولهم في نفس الوقت في المعركة أشبه بالمستحيل والمعركة الحقيقية هي في المواجهة الأولى: عون ـ لحود أو عون ـ حرب.


والملفت للانتباه هو أن نفس الصحيفة كانت تقوم بالاحصائيات منذ سنة ونيف وكانت كلها تصب في خانة ميشال عون...


بعقل بارد وبقلب حار وبترو، أحببت أن أسلط الضوء على هذه النتائج حتى يقلع الجنرال عن الادعاء بأنه يمثل 70% من المسيحيين وحتى نرى بأن شعبيته الساحقة هي بين صفوف الطائفة الكريمة من اخواننا الشيعة... وهزيمته مسيحياً ليست مفاجأة...
ختاماً أنا لا أقول ان هذه الاحصائيات منزلة ونهائية ولكنها تقدم رؤيا وفكرة وواقعاً، هي نفسها التي كان الجنرال عون يستشهد بها دائماً وبالاحصائيات القديمة التي كانت تقوم بها... كم كان مبدعاً غاندي عندما قال: "ان الحقيقة طرية وديعة قابلة للذبول والانكسار، لكنها قاسية في فعلها كالماس".

عودة لزاوية مساحة حرة