أوقاف المسلمين في بيروت خلال العهد العثماني 

الجزء الرابع 

الأوقاف في لبنان في العهدين العُثماني والفرنسي :

تعتبر الأوقاف الإسلاميّة من الأملاك ذات النفع الخيري العام، والتي أسهمت عبر التاريخ بتطور المجتمع وتقدمه على كافة الأصعدة، وتكون الأملاك والعقارات الوقفيّة عادة ملكاً عاماً للطوائف الدينيّة، وقد إعتمد عبر مختلف الحقب التاريخيّة على واردات هذه الأوقاف في بناء الكيانات الإجتماعيّة والإقتصاديّة والثقافيّة والدينيّة، بل وفي تمويل وبناء الكيانات السياسيّة والعسكريّة لتلك الطوائف.

 

إن الوقف في بيروت وبقية المدن الشاميّة عريق في القدم، ولقد رافق العمل الوقفي الفتح الإسلامي وإستمر ينمو عبر العصور الإسلاميّة المتعددة. وقد إقتدى الخلفاء والأمراء والسلاطين والملوك بالسلف الصالح، فأقاموا الأوقاف على وجوه البر والإحسان، وكان الخلفاء والأمراء والقادة المسلمون منذ دخولهم إلى بيروت وبقية المدن الشاميّة (اللبنانيّة) قد أقاموا الجوامع والزوايا والتكايا والبيمارستانات ... وجعلوها وقفاً عاماً على المسلمين وغير المسلمين.

وقد أشار الرحّالة إبن جبير في كتابه الموسوم (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار) إلى الكثير من أنواع الأوقاف في بلاد الشام لا سيما في عهد الملك نور الدين زنكي.

 

والأنظمة العُثمانيّة الصادرة حول الوقف، كانت تطبق على أوقاف بيروت وبقية المدن الساحليّة، على غرار ما كانت تطبق في بقية ولايات المشرق العربي. وقد سبق وأن أشرنا سابقاً إلى بعض هذه التنظيمات والفرمانات العُثمانية.

وقد عرفت بيروت الآلاف من الوقفيات الخيريّة العامة، ويكفي الإشارة إلى أوقاف بيروت في القرن الثالث عشر الهجري ، القرن التاسع عشر الميلادي، لمعرفة مدى كثرة وتنوع الأوقاف الإسلاميّة. فما من مسجد أو زاوية (تقارب إثني عشر مسجداً وزاوية بين جامع السرايا وجامع المجيديّة) في باطن بيروت، إلا وكان عليه وقف يتضمن العديد من الأملاك والعقارات وأحياناً بعض المنتجات والأموال.

 

ومن الملاحظ أن الأملاك الوقفيّة سواء في بيروت أو في سواها من المدن، قد ساهمت مساهمة فعّالة في تطوير البُنى الإجتماعيّة والثقافيّة والإقتصاديّة لمسلمي بيروت ولبنان. ومما يشير إلى أهمية الوقف الإسلامي في الحياة الإجتماعيّة، هو أن جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت بعد تأسيسها عام 1878م بسنوات قليلة، توسلت لدى والي بيروت والحكومة العُثمانيّة لتسليمها بعض الأوقاف الإسلاميّة المحلولة أو غير المضبوطة، للاستعانة بوارداتها لتوسيع نشاطاتها الإجتماعيّة والثقافيّة، ولإقامة المدارس للإناث والذكور، وقد استجابت الحكومة العُثمانيّة لهذا الطلب، ومنذ ذاك الحين بدأت جمعيّة المقاصد ومدارسها بالإنماء والتطوير، والحقيقة فإن المقاصد لم تبن دعائمها الأولى بفعل المساعدات والتبرعات الإسلاميّة المباشرة وحسب، بل كان للأملاك الوقفيّة الإسلاميّة الدور الأساسي في إرساء دعائم مؤسسات جمعيّة المقاصد .

أما الأوقاف التي تسلمتها المقاصد في حينها:

·       وقف الجبانات

·       وقف التكية

·       وقف جل التين

·       وقف فاطمة عبد القادر الجبيلي

·       وقف الحاجة بدرة بنت عبد القادر جبيلي

·       وقف الحاج محمد آغا الطرابلسي

·       وقف آل الحص

·       وقف آل الطيارة

·       وقف آل نجا

·       وقف آل قريطم

·       وقف الشمع

·       وقف قفة الخبز

·       وقف الحاجة طاهرة

·       وقف يوسف حمود

·       وقف حيدر آغا

·       وقف سبيل السراج

·       وقف الحاج مصطفى الحلواني

·       وقف درويش القصار

·       وقف الحاج مصطفى القباني

·       وقف أمين آغا رمضان

·       وقف سبيل السمطيّة

·       وقف الحاجة كاتبة

·       وقف والدة بديع اليافي

·       وقف سبيل محمود بك

·       وقف حسين آغا الكردلي

·       وقف الحاج حسن منيمنة

·       وقف سبيل الجامع العمري الكبير

·       وقف دكانتين مجهول واقفهما بيد عبد السلام قرنفل.

·       وقف قطعة أرض في رأس النبع

 

بالإضافة إلى ذلك فقد أوقفت السيدة عائشة بنت المرحوم الحاج مصطفى القباني دكاناً في باب الحكومة شرطت أن يكون ريعها لجلب الماء إلى جامع الأشرفية الذي بنته جمعية المقاصد، كما خصصت السيدة عائشة مائة قرش سنوياً من واردات وقفها الكائن قرب المدرسة الرشيدية في محلة الباشورة لصالح الجمعيّة .

لم يكتف المسلمون في بيروت بوقف أملاك وعقارات على مساجد وزوايا ومؤسسات مدينتهم، بل إمتد عملهم الوقفي والخيري إلى مناطق إسلاميّة أخرى لمساعدة الملسلمين فيها، على غرار أوقاف جوامع صيدا التي كانت موجودة في سوق النجارين الفوقاني في باطن بيروت، بل إمتد الخير ببعض البيارتة أن نذر وقفه الذري في حال إنقراض ذريته إلى فقراء مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن هذه الأوقاف على سبيل المثال:

أوقاف أحمد حسين القباني في سوق الحدادين في ميناء بيروت، وفي بستان منيمنة، وفي سوق القطن في محلة النصارى في باطن بيروت.

 

ومن الأهميّة بمكان القول، إن كثيراً من الأوقاف الإسلاميّة في بيروت بدأت تضيع أو تستبدل منذ سيطرة فرنسا على لبنان، لا سيما بعد إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920م، وبعد أن وضعت الأوقاف الإسلاميّة، خلافاً للشرع الإسلامي، تحت سيطرة الإدارة الفرنسيّة الإنتدابيّة، لا سيما بعد إعلان دولة لبنان الكبير.

كما هدمت الكثير من الزوايا والمساجد، بحجة توسيع الطرقات وتطوير شوارع بيروت، فضاعت تلك الزوايا، ولم يبق منها سوى واحدة هي زاوية الإمام الأوزاعي في سوق الطويلة في باطن بيروت.

 

ولا بّد من الإشارة من أن الجانب الأكبر من الخدمات الإجتماعيّة والإنسانيّة في بيروت، كان يؤدى بواسطة الأوقاف، فنجد أن العديد من المدارس والتكيّات والمساجد والخسته خانات والمصحات العقليّة كانت تمول من إيرادات تابعة أو مخصصة لهذه الأوقاف، وعلى هذا فإن الأوقاف الإسلاميّة في بيروت والمتبقية تستحق كل إهتمام وحماية، وأن مجرد اطلاعنا على أنواع الأوقاف وما تدره من أموال لصرفها على جوانب إجتماعيّة وإنسانيّة، يعطينا فكرة واضحة عن مدى أهميتها الإجتماعيّة والإقتصاديّة والثقافيّة.