آل ملاّط

مسيرة مشرقة في القضاء والمحاماة والأدب والشعر ومنهم أوّل رئيس للمجلس الدستوري

كمال جنبلاط اقترح في العام 1970 إسم الوزير القاضي «وجدي» كمرشّح إجماع لرئاسة الجمهورية

آل ملّاط. من الأسر المسيحية البيروتية واللبنانية والعربية، وهي تنسب إلى قبائل شبه الجزيرة العربية، وقد برز منها قديماً الكثير من العلماء والفقهاء لا سيما في العهد العثماني. وقد ارتبطت أسرة الملاط حديثاً بالشاعر شبلي الملاط وبنجله الفقيه القانوني الدكتور وجدي الملاط. ونظراً لإسهامات شاعر الأرز شبلي الملاط، فإننا نشير إلى سيرته الذاتية الموجزة:

الشاعر شبلي ملاط (1875-1961)

هو الشاعر شبلي بن يواكيم بن منصور إده الملقب بالملاط، ولد في مدينة بعبدا (مركز متصرفية جبل لبنان)، وفيها توفي. عاش في عدة مدن لبنانية وعربية، من بينها بيروت المحروسة والقدس ودمشق وبغداد والقاهرة. تلقى تعليمه في بعبدا على القس بطرس البستاني، ثم التحق بمدرسة الحكمة في بيروت فدرس على أساتذتها، ومنهم عبد الله البستاني، فبرع في العربية وتمكن من الفرنسية، كما درس الفلسفة وعلوم الرياضيات والطبيعة. قام بتدريس الخطابة والبيان في معهد الحكمة، كما كان مديراً للجريدة الرسمية حتى عام 1924، وأمين السر العام لمجلس النواب اللبناني حتى عام 1939، كما شغل عدة مناصب إدارية لعدة سنوات. مثَّل لبنان في مناسبات قومية، في القدس والقاهرة وبغداد، مثل: مهرجان شوقي، ومهرجان خليل مطران، ومأتم الملك غازي في بغداد. كان مؤيداً للحكم العثماني في لبنان، ثم أَيد الانتداب الفرنسي - فيما بعد - وقد كتب رسالة مطولة يكشف ملابسات الأحداث ويبرئ ساحة نفسه.

كان يحمل وساماً عثمانياً، كما لقب بشاعر الأرز بعد تمثيله لبنان في مهرجان مبايعة شوقي بإمارة الشعر العربي، في القاهرة.

الإنتاج الشعري والمسرحي:

1- له ديوان الملاط: (يشتمل على شعر الشقيقين تامر وشبلي) - جمعته إدارة جريدة الوطن - المطبعة الأدبية - بيروت 1925.

2- ديوان شاعر الأرز - نشر في جنيف 1938 بمقدمة للأمير شكيب أرسلان.

3- وضع أوبريت شعرية مثلت على مسرح «زهرة سوريا» - 1904.

4- ترجم عن الفرنسية المسرحيات: «شرف العواطف» أو «المتر دي فورج» - «الفرد الكبير ملك إنجلترا» - «الكونت دي استلا» - «الذخيرة» - «جان دارك» - «هرناني» - «المرأة الإسبانية»، وقد مثلت هذه المسرحيات غير مرة على مسرح لبنان الكبير، كما نشرت مطبوعة.

تطول قصائده لتدل على غزارة المعاني واحتشاد الانفعالات، وقدرة التصوير، واستجلاب القوافي. وهذا الموزون المقفّى تفيض عن ضفافه صور، وتراكيب، وأوصاف، ومفردات تتمرد على المألوف وتصدر عن معاناة حاضرة وخصوصية نابعة من معايشة.كتب القصيدة القصصية، فقادته إلى الدرامية وما يحكم المصير من مفارقات، فقصائده: (الجمال والكبرياء، والوردة الذابلة، وبين العرس والرمس، وشيرين الفارسية ويهوديت)، في عصرها تعد تجديداً في مجال الشكل، تساند قصائد مطران المعاصرة لها التي تتخذ هذا المنحى القصصي الدرامي.

انصرف منذ عام 1900 الى العمل الصحافي في جرائد عدة («الأرز»، «النصير»، «الروضة»..)، والى التدريس في مدرسة «الثلاثة أقمار» (من تلامذته فيها بشارة الخوري الأخطل الصغير) وفي مدرسة «الحكمة» (من تلامذته فيها: البطريرك بولس المعوشي، مارون عبود، أمين رزق، وديع عقل، لحد خاطر، ميشال زكور، أحمد تقي الدين..).

بين 1900 و1905 اصدر مسرحيات عدة، منها «الفرد الكبير ملك انكلترا»، «الذخيرة»..

1908: اصدر جريدته «الوطن» فكانت منبراً لنخبة الكتاب والأدباء.

1911: دخل الوظيفة العامة في متصرفية جبل لبنان.

1913: مثل أدباء لبنان وسوريا الى مهرجان خليل مطران في القاهرة.

1914 ـ 1918: رئيس «القلم العربي» أيام الحرب العالمية الأولى.

1916: تزوج من ماري الياس شكر الله، وله منها: شوقي ووجدي وجورج.

1924: تعين مديراً لناحية الزوق وتوطدت علاقته الأدبية فيها مع الياس ابو شبكة.

1925: تعيين مديراً لناحية زغرتا وأعاد العلاقات التي ربطت شقيقه تامر بعائلة يوسف بك كرم.

1925: اصدر الجزء الأول من «ديوان الشقيقين» وفيه شعره القصصي ووقفاته الشعرية، وشعر شقيقه.

1927: مثل ادباء لبنان في مهرجان مبايعة أحمد شوقي بقصدته «فم الميزاب» فلقب «شاعر الأرز، وكرمته بعدها الاسكندرية بمهرجان كبير القى فيه خليل مطران قصيدة في مديح الملاط.

1928: كرمه أدباء الشمال في اهدن تقديراً لوقفته اللبنانية العالية في مهرجان شوقي.

1927 ـ 1947: مثل لبنان الى عدد من المهرجانات الأدبية في العراق والأردن وسوريا.

1952: أصدر الجزء الثاني من ديوانه، فيه ايضاً بعض مسرحياته.

1953: اعتكف في بيته وانصرف الى القراءة والكتابة.

1961: غاب في 8 شباط عن 86 عاماً، واقيم له مهرجان أدبي كبير في قصر الأونيسكو نهاية ذاك العام.

كما برز من الأسرة نجله الفقيه القانوني الدكتور وجدي ملاط. ونظراً لدوره الريادي في مجال القانون والتشريع، فإننا نشير إلى سيرته الذاتية:

 

الوزير ونقيب المحامين والرئيس الأول للمجلس الدستوري الدكتور وجدي الملاط (1919-2010):

ولد وجدي الملاط في بيروت في 22 تشرين الثاني عام 1919.

والده شاعر الأرز شبلي الملاّط ووالدته ماري شكرالله كريمة الدكتور الياس شكرالله أحد كبار الأطباء المتخرجين في الطب من استانبول في مطالع السبعينات من القرن التاسع عشر.

تابع دروسه الثانوية في مدرسة الآباء اليسوعيين في بيروت، ونال فيها جائزة الشرف باللغة العربية عام 1936.

حاز على الفصاحة باللغة الفرنسية عام 1937 في مباراة خطابية جرت بين جميع طلاب صفّي الخطابة والبيان، وبينهم عدد كبير من الطلاب الفرنسيين.

أعدَّ للحصول على شهادة الليسانس باللغة اللاتينية بواسطة أستاذ موفد من جامعة ليون الفرنسية، غير أن تعذر حضور لجنة فاحصة من فرنسا إلى بيروت أثناء الحرب العالمية الثانية حال دون تقديم الامتحان.

وجدي الملاط المحامي

1- نال شهادة الحقوق من كلية الحقوق الفرنسية التابعة لجامعة القديس يوسف عام 1941، وتسجل محامياً لدى نقابة المحامين في بيروت.

2- بدأ حياته في المحاماة متمرناً سنة كاملة في مكتب المحامي الكبير يوسف السودا، ثم انتقل إلى مكتب النقيب السابق الشيخ ادمون كسبار من عام 1943 إلى عام 1948، وكان من زملائه في التمرن المحاميان أوغست باخوس وميشال معوض.

3- فتح مكتباً مستقلاً له عام 1949، إثر رجوعه من باريس بعد تمثيله لبنان لدى الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «الأونيسكو» ومساعدته في الإعداد لانعقاد الجمعية العمومية لهذه المنظمة العالمية في بيروت عام 1948.

4- تعاقب في مكتبه المحامون المعاونون والمتمرنون فكان بينهم المرحوم الأستاذ أنطوان نصر الله، والأساتذة فؤاد عموري، وشفيق الراعي وفؤاد عطالله وحسام الحلو وأنطوان الياس الحلو وتريز عون وسمير ضومط، ومنذ توليه رئاسة المكتب الدستوري وبعد تركه المجلس، أصبح المكتب في عهدة ابنه الدكتور شبلي، الذي يتولى أيضاً التدريس في معهد الحقوق التابع لكلية القديس يوسف وفي كليات الحقوق في الولايات المتحدة وأوروبا.

5- اشتمل عمله في المحاماة على قبول التوكيل في دعاوى مهمة، كان موضوع عدد منها الدفاع في خلافات إرثية كبرى أو في قضايا ذات شأن متصلة بأوقاف أبرشية بيروت المارونية، الذي كان وكيلاً لها في آخر عهد المطران أغناطيوس مبارك، وطوال عهد المطران أغناطيوس زيادة.

6- كان في عداد هذه النزاعات المهمة التي كان لها قيمة مادية كبيرة وشأن قانوني متنوع، دعاوى تركة المرحوم ماريوس جد، وتركة المرحومة زاهية فريفر، وتركة المرحوم الدكتور نجيب فياض، وتركة المرحوم حبيب سحاب، وتركة المرحومة إيزابيل تيان.

7- تبلغ اللوائح والدراسات المقدمة في هذه الدعاوى الآلاف من الصفحات، وهي مبوبة تبويباً تفصيلياً على نحو جديد وارد للمرة الأولى في تاريخ تنظيم اللوائح منذ انصرام الأسلوب المخطوط لوكلاء الدعاوى المعمول به أيام العثمانيين.

8- استحدث أسباباً مبتكرة لإنشاء حقوق عقارية سجلها لمصلحة الأوقاف التابعة لمطرانية بيروت المارونية في الشياح وحارة حريك، بشخص مطران بيروت للطائفة المارونية وتمثلت بنصف قيمة العقارات المهمة والواسعة العائدة إلى هذه الأوقاف وعدّت هذه الحقوق أموالاً ثابتة بدلاً من حقوق موسومة قبلاً بطابع الأموال المنقولة.

9- تأهل في 27/12/1956 بالآنسة نهاد جوزف دياب ورزقا أربعة أولاد هم: منال وشبلي وجنان وريا.

10- أقدم على انتقاد قانوني ودستوري للحكومة اللبنانية عندما تجاوزت في اشتراعها مدى السلطة المعطاة لها من مجلس النواب في سن المراسيم الاشتراعية عام 1983، وكتب تعليقات متعددة في الموضوع، وفي عدادها دراسة مستفيضة حملت مجلس النواب في عام 1985 على إلغاء أو تعديل نحو خمسين مرسوماً اشتراعياً من أصل مجموع المراسيم المنشورة في عام 1983، ونشرت هذه الدراسات جميعها في حينه.

وجدي الملاط الوزير

1- دعي إلى الاشتراك في وزارة اكسترا برلمانية عام 1965، فعهد إليه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فأضاف إلى أبواب الضمان الاجتماعي باب التعويضات العائلية، كما أنه أعد مشروع قانون وافق مجلس النواب على نصه، أتاح للمرة الأولى الاستملاك (كان حتى ذلك الحين مقصوراً فقط على أسباب متصلة بشق الطرق والأشغال العامة)، وهو ما كان يشار إليه بعبارة «الاستملاك لأجل منفعة عامة»، فأدخل في مجال الاستملاك للمرة الأولى مفهوم المنفعة الاجتماعية الجديد بموجب قانون صادر في 8/12/1965، وهو الذي أجاز استملاك العقارات اللازمة لتحقيق غايات القانون الاجتماعية، وبيعها بالتراضي عند الاقتضاء، كما أجاز بيع أملاك الدولة الخاصة بالتراضي شرط أن تستعمل لبناء المساكن الاجتماعية الشعبية.

2- أثناء توليه الوزارة وقف معارضاً الصيغة التي اعتمدها كل من مجلس النواب والحكومة في طريقة تطبيق قانون تطهير الإدارة والقضاء، وأصر على أن يكون لكل من يتناوله الإصلاح اطلاع مسبق على المؤاخذات المنسوبة إليه، وأن يعطى الحق في الردّ وفي الدفاع عن نفسه، وأوقف مشاركته في الحكومة إلى أن وافق مجلس الوزراء على مبدأ احترام حق الدفاع.

3- في أوائل صيف عام 1970، وبعد ثبوت عزوف فؤاد شهاب عن إعادة ترشيحه لرئاسة الجمهورية، اقترحه كمال جنبلاط في آخر اجتماع مشترك للأحزاب السياسية اللبنانية، مرشحاً يجمع عليه لرئاسة الجمهورية.

وجدي الملاط نقيب المحامين

1- انتخب عام 1972 نقيباً للمحامين فأدخل إلى نظام النقابة الداخلي تعديلات عدة، منها وجوب تأمين غرفة مستقلة للمتدرج إثباتاً للممارسة الفعلية وحماية لمفهوم سر المهنة في العمل، كما يقتضيه قانون النقابة.

2- أنشأ للمرة الأولى في حياة النقابة مناظرة بين المتدرجين في حضور رئيس مجلس النواب المحامي آنذاك ووزراء من المحامين، وذلك تعزيزاً للصلة بين أفراد عشيرة المحاماة الشاملة، وتمكيناً لإبراز أصحاب الكفاية بين المتدرجين وتسهيلاً لمؤازرة العصاميين منهم واستحداث صدارة لهم بين زملائهم.

3- في عهده وللمرة الأولى في تاريخ نقابة بيروت التزم أولياء المكاتب الذين يستعينون بمتدرجين أن يؤدوا للمتدرج بموجب قرار نقابي تعويضاً شهرياً تحدد على أساس اقتصادي مناسب، وقد جرى العمل بهذا القرار طوال وجود النقيب على رأس النقابة.

4- في عام 1974، خلال اجتماع المحامين العرب في دورتهم الموسمية في بغداد، اختير لتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرئيساً لها.

5- أسس فور رجوعه إلى بيروت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لبنان بالتعاون مع الرئيس المغربي الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان آنذاك أميناً عاماً مساعداً وموجهاً لاتحاد المحامين العرب.

إلا أن الأحداث الفاجعة في لبنان التي حصلت بعد عام 1974 أدت إلى تصدع المنظمة وإلى تفرقها وتفرّعها إلى هيئات مستقلة في العالم العربي.

6- لم يكن لنقابة المحامين في قصر العدل في بيروت جناح كاف يتسع لها ولمكاتبها بعدما احتفظت الدولة بما يقارب نصف الجناح وأبقت هذا النصف بكامل تصرفها، فقام بسعي حثيث دفع الحكومة إلى تخلية الأمكنة المخصصة لدوائر الإجراء وللتنفيذ، وتسليمها إلى نقابة المحامين، بحيث أصبحت النقابة صاحبة التصرف وحدها بطابق لا يشاركها فيه أحد وحمل هذا الطابق الكامل منذ عام 1973 اسم «دار نقابة المحامين»، واستمر هذا الواقع إلى أن أقامت نقابة المحامين صرح مستقل بها.

7- عندما قررت الأمانة العامة لاتحاد المحامين الدولي عقد اجتماع عام لها في إسرائيل عام 1973، وجه نقيب محامي بيروت فوراً مذكرة قانونية مطولة إلى الأمين العام لهذا الاتحاد أبدى فيه استغراب أهل الحق في العالم لصدور قرار من الاتحاد يتنافى مع رسالة المحاماة المبنية في جوهرها على مقاومة السطو ونبذ القسر والتشريد في الخاص والعام.

8- كان نقيب بيروت هو وحده بين رؤساء النقابات العربية الذي اتخذ هذا الموقف المسند إلى شروحات هادئة مسهبة أعلن عندها الأمين العام لاتحاد المحامين من بروكسل تجاوبه مع الاحتجاج اللبناني، الأمر الذي أدى إلى إلغاء ذلك الاجتماع المقرر انعقاده في إسرائيل. وانضم جميع نقباء العرب إلى خطوة نقيب بيروت، فتلقى رسائل تأييد كان أشدها تألقاً كتاب نقيب اليمن يومذاك.

وجدي الملاط رئيس المجلس الدستوري

1- على إثر إنشاء المجلس الدستور بموجب المادة (19) من الدستور اللبناني، انتخبه البرلمان عضواً في هذا المجلس في تاريخ 23/12/1993 بأكثرية لافتة، ثم انتخبه أعضاء هذا المجلس أول رئيس له في تاريخ 30/7/1994.

2- وللمرة الأولى في تاريخ المؤسسات العامة في لبنان، أقدم جميع أعضاء المجلس الدستوري، بناء على اقتراح الرئيس، على الإعلان عن ممتلكاتهم بموجب تصريح خطي طوعي، أو دعوة رئاسة ديوان المجلس.

3- وكان قد حث منذ الثمانينات على تطبيق شرعة الشفافية في الحياة العامة اللبنانية ودعا جميع القائمين بخدمة عامة إلى الكشف عن الذمة في مقالات نشرها بالعربية والفرنسية في الثمانينات، وذلك قبل أكثر من خمسة عشر عاماً من صدور قانون الإثراء غير المشروع أواخر عام 1999.

4- في أوائل شهر نيسان 1997 استقال من رئاسة المجلس الدستوري لأسباب لم يوضحها، أثارت اهتماماً قضائياً وسياسياً وإعلامياً غير مسبوق، ولم يفصح عن الدافع إلى هذه الاستقالة، عدا في إشارة وجيزة في مقابلة تلفزيونية بعد مرور نحو سنتين عليها، فذكر في الحديث المقتضب شعوره بأن المجلس الدستوري أنشئ في لبنان قبل أوانه، وأن البلد لم يبلغ بعد في سريرته السياسية وفي تطوره الديموقراطي ما يتيح له اقتبال قضاء دستوري مستقل.

وجدي الملاط الإنسان

1- بقي في جميع المناصب والمهمات التي دعي إليها غير مبال بالجاه وبالتكريم، فقد تمنع عندما كان وزيراً ورئيساً للمجلس الدستوري عن أن تحمل سيارته أي رقم رسمي، وكان قد اعتذر عن قبول الوسام الذي عرضه عليه الوزير حميد فرنجية، على أثر إنجاحه مؤتمر الأونيسكو المنعقد في بيروت عام 1948، وأبدى اعتذاراً مماثلاً في عهد الرئيس سليمان فرنجية عندما عرضت عليه أرفع الأوسمة في مناسبة الحفل المقام بناء على تدبيره تكريماً لكبار المحامين في لبنان.

2- كان صديقاً ومستشاراً قانونياً لكمال جنبلاط فكانت له الإسهامات الكبرى في إنشاء شركة سبلين للترابة ووضع نظامها والسهر على تغليب التطلعات الاجتماعية فيها تلك التي كانت الهدف الأول لمنشئها الكبير، وهو الذي كان يتوخى ارتقاء اقتصادياً وعمرانياً وسكنياً في منطقة تمس الحاجة إلى تزويدها ما يساعد إنصاف الفئات المحرومة فيها واستنهاضها في مماشاة التطور العلمي المتصاعد.

3- عمل مستشاراً قانونياً أكثر من ثلاثين عاماً لمطرانية بيروت المارونية في ولاية المثلث الرحمة أغناطيوس زياده، وأتاح للمطرانية انضباطاً مشهوداً في جميع شؤونها القانونية، وزاد في قدرتها الاقتصادية والرعائية عندما عمد المرحوم يوسف سحاب إلى تخصيص مطرانية بيروت بتركته المرموقة وبتركة المرحومة شقيقته السيدة عفيفة، وكان أحد الأسباب المهمة لهذا التخصيص علاقة تاريخية قامت بين شاعر الأرز شبلي الملاّط والمرحوم يوسف سحاب نشأت عندما استشهد شقيق يوسف سحاب في منطقة رأس النبع في بيروت في عقب فتنة طائفية محلية في مطلع القرن العشرين وانبرى الملاّط إلى التنديد الصاخب بالعدوان الأثيم، وهو الفضل الذي لم ينسه المرحوم يوسف سحاب أبداً وما برح يردده حتى وفاته.

وعلى جزء من الأرض العائدة إلى تركة المرحوم يوسف سحاب في شارع سامي الصلح في بيروت أقيمت في ما بعد كنيسة القلب الأقدس المارونية بهمة المطران خليل أبي نادر.

4- أشرف لدى مطرانية بيروت المارونية على إعداد نظام لما دعي «بيت الكاهن»، وهي المؤسسة التي صار تشييدها في بلدة معاد (قضاء جبيل)، وأصبحت دارة فسيحة كبرى تامة الجهوز لاستقبال وإستضافة الأحبار والكهنة عند بلوغهم السن القانونية، وتم بناء هذا الصرح على نفقة المطران زيادة وبمساهمة مالية استنهاضية مرموقة منه، وسنداً إلى مرسوم كنسي مباشر استنبطه، وذلك في سياق تطبيق مبتكر لقانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية، ارتكازاً إلى دراسة واقتراح صادرين عنه كوكيل المطرانية.

وجاء هذا الإنجاز ضماناً لحرمة وكرامة الشطر الأخير من حياة الإكليركيين (أحباراً وكهنة) على اختلاف مراتبهم.

وجدي الملاط المؤلف

1- من آثاره المكتوبة «شبلي الملاّط: مدرسة التلاقي الوطني»، وهو كتاب عن والده شاعر الأرز صدر عام 1999 عن مؤسسة الرعيدي للطباعة والنشر، يقع في سبعمائة صفحة، بالإضافة إلى آلاف الصفحات من الدراسات واللوائح والاستشارات والمقالات والخطب الأدبية والقانونية، وعدد من المحاضرات المعطاة في لبنان ومصر وسوريا والعراق، وقد جمع جزء منها باللغتين العربية والفرنسية في كتاب صدر عن دار النهار عام 2005 بعنوان «مواقف Positions».

2- كما أشرف على نشر تراث داثر لعمه تامر الملاط بعنوان «مجموعة قصائد وأشعار» صدر في بيروت عام 2009، وقد أعدّ طبعة لديوان تامر مكتملاً تشتمل على الشروح والتعليقات الوافية لمفرداته ومعانيه العاصية. وتامر الملاط هو الشاعر والقاضي القائل في التنديد بجور المتصرف واصا باشا وفساده: رنّوا الفلوس على بلاط ضريحه/ وأنا الكفيل لكمَ بردّ حياته.

توفي وجدي الملاط يوم الأحد في 18 نيسان عام 2010 عن (91) عاماً.

كما برز من آل الملاط المحامي الدكتور هيام ملاط أحد الوجوه القانونية والإدارية البارزة في بيروت ولبنان. وقد كتب عن الشقيقين تامر وشبلي ملاط أحدهما جده شبلي ملاط.

كما برز من الأسرة المحامي شبلي ملاط، فهو أحد متخرجي الجامعة اللبنانية – الأميركة قسم اللغة الإنجليزية، إلى جانب دراسته الحقوق في الجامعة اليسوعية حيث درّس فيها، جده شاعر الأرز الشاعر شبلي ملاط (1875-1961) تميّز بأنه قانوني بارز، وأديب وشاعر، ومحامٍ، كما تميّز بأنه قدم دعوى ضد رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق أرييل شارون لما اقترفت أياديه من مجازر في صبرا وشاتيلا، وهذه الدعوى قدمت إلى قاضي التحقيقات في بلجيكا.

عرف من آل ملاط في بيروت السادة: أمين فريد ملاط، بشاره عبده، جورج شبلي، جورج هيام، سمير جورج، شبلي، شوقي شبلي، فادي جورج، فؤاد يوسف، هيام جورج، وجدي شبلي، وسواهم الكثير من أبناء الأسرة.

أما ملاط لغة، فتأتي في عدة معانٍ منها: ملط الجدار أي طلاه بالمِلاط، وهو الطين الذي يطلى به الجدار، ويقال فلان أملط أي لا شعر على جسده، والملاط هو الشاعر الذي يقول نصف بيت من الشعر ويكمله شاعر آخر، كما يأتي الملاط بمعنى الذي يساعد الحامل على إسقاط جنينها.