السينما المصريّة

 

السينما حياة متحركة، غنية بالأحداث، بالمعاني والأفكار، فهي ترسم لنا مقارنة بين القديم والحديث.... وتعطي صلة بين ثقافتنا وثقافة غيرنا من الدول..

تنقل إلينا تقاليد البلاد وحياتها الاجتماعية، تنقل إلينا الحروب أيام زمان، الهزائم والانتصارات وأشهر المعارك التي خاضتها الشعوب من أجل استقلالها.

 

أن السينما ترفه عنا ... تعطينا فسحةً من الوقت بحكاية ... بقصة ننسى فيها كل تعب النهار ... ولنبدأ يوماً جديداً كله بهجة وسروراً... لقد كانت للسينما بداية على المستوى العالمي وآخر على المستوى المحلي في مصر خاصة.

 

وهذا التحقيق يرسم لنا هذه البداية ويعايش هذه الصناعة ... وكيف تطورت حتى وصلت إلى مستواها الآن .

بدأت صناعة السينما في مصر ... والتمثيل السينمائي كما كان يُطلق عليه، بمحاولات فردية في أول الأمر ... ثم عن طريق جمعيات أنشئت لهذا الغرض ... أخفق بعضها ونجح البعض الآخر...

والواقع أن صناعة السينما في مصر تبدأ منذ عام 1917، ففي هذا التاريخ تألفت بمدينة الإسكندرية شركة لصناعة الأفلام وعرضها وكان مؤسس هذه الشركة، ومن أفرادها محمد كريّم... واستطاعت هذه الشركة أن تقوم بإخراج فيلمين في تلك الفترة ....هي " الأزهار المميتة " و" شرف البدوي " وقد عرض هذان الفيلمان بمدينة الإسكندرية في أوائل عام 1918.

وهذان الفيلمان هما بداية صناعة السينما في مصر ... وبداية التفكير في خلق هذه الصناعة وتطورها بعد ذلك، وقيل أن ينتهي عام 1918 جاء بعض الأجانب واستعانوا ببعض هواة الفن بحي سيدنا الحسين في القاهرة لإخراج أفلام سينمائية.

 

وفي عام 1921-1922 ظهر فصل سينمائي من إنتاج وتمثيل " فوزي منيب " مكّون من فصلين تحت أسم " الخالة الأمريكانية " لجورج بنيت.

 

كانت هذه هي محاولات السينما المصرية حتى عام 1923 وبالتحديد ظهور ممثلين مصريين في أفلام تعرض أمام الجمهور المصري... أما ظهور الفيلم المصري، الفيلم الذي يقوم على القصة ذات الحبكة السينمائية، فكان فيلم ليلى الذي قامت ببطولته " عزيزة أمير " . وقد عرض هذا الفيلم بالقاهرة عام 1927 وتعتبر " عزيزه " هي الرائدة الحقيقية للسينما المصرية.

 

وفي عام 1928 ظهر فيلم " سعاد الغجرية " ثم فيلم " فاجعة فوق الهرم " لـ فاطمة رشدي من إخراج " إبراهيم لاما " وظهر أيضاً فيلم " غادة الصحراء " للسيدة آسيا.

وفي أواخر عام 1928 ظهر الفيلم المصري الأول للدكتور محمد حسين هيكل ... بعنوان " زينب " من إخراج محمد كريّم، ثم جاء الفيلم الغنائي الثاني " الوردة البيضاء " للموسيقار محمد عبد الوهاب وإخراج محمد كريّم ... وقد قام محمد عبد الوهاب بدور البطولة في هذا الفيلم مع " سميرة خلوصي " وكان هذان الفيلمان هما بداية السينما الناطقة بعد فيلم " أولاد الذوات ".

 

وبعد ذلك توالت ظهور الأفلام المصرية. وكان أبرز الممثلين فيها:

q       علي الكسَّار

q       يوسف وهبي

q       أحمد علاَّم

q       عزيزة أمير

q       نجيب الريحاني

q       إبراهيم لاما

q       فاطمة رشدي

وغيرهم .

 

وبعد نشاط هذه الصناعة كان لا بد من وجود الأستديوهات الخاصة بهذه الصناعة.

بدأ نشاط الأستديوهات في مصر عام 1917 وكان أول هذه الأستديوهات " أستديو باكوس " بالإسكندرية، ثم ظهر " أستديو رمسيس " ليوسف وهبي، و" أستديو لاما " و" أستديو شبرا " بالقاهرة ثم " أستديو وهبي "، وكان بالجيزة.

 

ولكن هذه الأستديوهات لم تتوافر لها وسائل الوجود المستمر نظراً لعدم تغطيتها للتكاليف المادية الخاصة بها، فتلاشت الواحد بعد الآخر... ولكن ذلك لم يمنع ظهور أستوديوهات أخرى منها:

q       أستديو مصر

q       أستديو الأهرام

q       أستديو جلال

q       أستديو ناصبيان

q       أستديو النحاس

q       أستديو رامي

وقد ذهب بعض هذه الأستديوهات أيضاً، ولكن البعض الآخر ما زال موجوداً حتى الآن.

 

كانت مصر من أوائل بلاد العالم التي عرفت الفن السينمائي عام1896، بالإسكندرية، وفي العام نفسه، قدم أول عرض سينمائي في حديقة الأزبكية بالقاهرة.

وقد أرسلت دار لوميير الفرنسية عام 1897 مبعوثاً لها إلى مصر ليقوم بتصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المناظر في الإسكندرية، والقاهرة، والمناطق الأثرية على نيل مصر، وبلغ عدد هذه الشرائط 35 شريطاً عرضت في جميع دول العالم.

وأقيم أول عرض سينمائي في مصر في ديسمبر 1897، بمدينة الإسكندرية بواسطة أحد أجهزة لوميير، على أنه ما لبث أن توقف العرض حتى عام 1900، عندما أقيمت أول صالة للعرض يملكها م.س كونجولينوس بالمدينة نفسها.

أما في القاهرة فلم يبدأ عرض الأفلام السينمائية إلا في أبريل 1900 في صالة قهوة سانتي بجوار الباب الشرقي لحديقة الأزبكية، بواسطة فرانشسكو بونفيلي وزوجته. وكانت أسعار الدخول تتراوح بين قرش واحد وثلاثة قروش، وأحدث ذلك العرض دهشة عظيمة ولقي نجاحاً كبيراً، مما نبه إلى عظم ما يمكن أن يدره الاستغلال السينمائي من أرباح. وهكذا بدأ تأسيس دور خاصة للعرض السينمائي. وشهد عام 1905 وجود ثلاثة دور للعرض في القاهرة. ويتألف جمهور السينما في ذلك الوقت أساساً من عامة الشعب، فضلاً عن التلاميذ، والطلاب الذين أقبلوا عليها لكونها تسلية رخيصة الثمن، علاوة على حداثة اختراعها. أما المثقفون والأوساط المحافظة فلم تبد عليها إقبالاً يذكر.

بدأ أول تصوير سينمائي مصري قامت به محلات عزر ودوريس بالإسكندرية عام 1907، وجرى التحميض والطبع في معاملها، وقامت بعرض باكورة إنتاجها بالإسكندرية.

تكونت عام 1917 بالإسكندرية شركة سيتشيا السينمائية الإيطالية، بهدف إنتاج أفلام روائية نظراً لاعتدال الطقس وسطوع الشمس معظم أوقات السنة، إذ لم تكن الإضاءة الصناعية قد تقدمت في ذلك الوقت، وقام بتمويل رأس المال بنك روما بمبلغ 20 ألف جنيه، وكان أول إنتاجها الفيلم الروائي القصير "نحو الهاوية".

وفي عام 1917 تكونت الشركة السينمائية المصرية بالإسكندرية، من مصور يدعى أمبرتو دوريس بالاشتراك مع بعض الإيطاليين، وبنك روما، وأنتجت فيلمين قصيرين هما الزهور المميتة وشرف البدوي. وعرض الفيلمان لأول مرة في عام 1918 بسينما سانت كلير في الإسكندرية. وقد أفلست الشركة بعد عرض الفيلمين بستة أشهر بسبب الخسارة الكبيرة التي تكبدتها بسببهما. وفي نفس العام أخرج لارتشي، فيلماً قصيراً باسم مدام لوريتا قامت بتمثيله فرقة فوزي الجزايرلي. وفي عام 1922 أقدمت فرقة فوزي منيب على تمثيل فيلم "الخاتم المسحور"، وقدمت في العام التالي فرقة علي الكسَّار فيلم "العمة الأمريكانية".

وفي عام 1920، فكر بعض رجال الأعمال المصريين، وفي مقدمتهم طلعت حرب في وضع حجر الأساس لبناء مصر الصناعية، فأسسوا بنك مصر برأسمال قدره 80 ألف جنيه. ومما لا شك فيه أن بنك مصر قام بدور فعّال في نشر سياسة التصنيع، وفي حث الأمة على الإقبال على الصناعة.

وتمّ إنتاج أول فيلم روائي طويل عام 1923، وهو فيلم "في بلاد توت عنخ آمون"، وكان تنفيذه وتصويره في مصر، وعرض بالخارج، ويحكي قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وبلغت تكاليف الفيلم 1900 جنيه، وتوالى بعد ذلك عرض الأفلام الروائية الطويلة المنتجة في مصر، فقد عرض فيلم "ليلى" من إنتاج عزيزة أمير في نوفمبر1927، وبلغت التكلفة الإجمالية حوالي ثلاثة آلاف جنيه، وقد عرض الفيلم بدار عرض سينما متروبول بالقاهرة.

تأسست شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925 برأسمال 15 ألف جنيه، بعد أن كانت قسماً للسينما تابعاً لشركة مصر للإعلانات كأحد شركات بنك مصر، الذي أسسه طلعت حرب ليكون ركناً من أركان النهضة الاقتصادية المصرية، وقد طالب في ذاك الوقت محمد كريم بتمصير صناعة السينما، وبضرورة إنشاء شركة قومية للسينما برأسمالٍ مصري.

وكانت نقطة التحول في هذه الصناعة، تشييد استوديو مصر عام 1934، حيث توالى إنتاج الأفلام المصرية، وكثر عدد المشتغلين في هذا الحقل الجديد. ويعتبر استوديو مصر المدرسة الأولى التي تخرَّج منها كافة العاملين في الحقل السينمائي. كما أرسى قواعد العمل السينمائي، ومثل مرحلة تطور هامة في تاريخ صناعة السينما وسحبها من أيدي الأجانب وتركيزها في يد المصريين، كما أرسلت بعثات السينمائيين المصريين للتدريب في الخارج ليكونوا نواة لهذه الصناعة.

وأنشأ يوسف وهبي أول استوديو أقامه فنان مصري، وفقاً لأحدث المواصفات الفنية، وهو استوديو رمسيس، وقد كان نجاح استوديو مصر حافزاً لإنشاء استوديوهات جلال ولاما بحدائق القبة، وناصيبيان بالفجالة، والأهرام بالجيزة، وتوجو مزراحي بالقاهرة والإسكندرية، واستوديو شبرا، كذلك أنشئ معمل بالظاهر للطبع والتحميض.

يكاد يجمع المشتغلون بالسينما في مصر على أن فيلم ليلى الذي أنتجته عزيزة أمير وعرض في 16 نوفمبر 1927 في دار سينما متروبول بالقاهرة، أول الأفلام المصرية الطويلة إنتاجاً. ذلك أنه على الرغم من أن فيلم "قبلة في الصحراء"، قد سبق فيلم ليلى في العرض، حيث عرض في أواخر فبراير 1927. إلا أنه قد تولى إنتاجه اثنان من الأجانب هما إبراهيم وبدر لاما اللذان وفدا على مصر من شيلي بأمريكا الجنوبية، ومعهما بعض الأموال، وأجهزة التصوير السينمائي، واستقرا في الإسكندرية حيث كونا شركة كوندور فيلم. وعلى أي حال فقد تعاقبت بعد ذلك المحاولات لإنتاج الأفلام الطويلة، وكثر المشتغلون بهذه الصناعة الوليدة من منتجين، وفنيين، وفنانين سواء من المصريين أو من الأجانب. ومع ذلك فلم يلبث إدخال الصوت في الأفلام في أواخر الثلاثينيات أن تمخض عن إصابة الصناعة المصرية الناشئة بخسارة فادحة، وإن لم يثبط ذلك من عزيمة السينمائيين المصريين الذين عمدوا إلى تحويل جهودهم نحو إنتاج الأفلام الناطقة ،ولكن عدم وجود أجهزة لتسجيل الصوت في مصر، وصعوبة استيرادها أدى إلى تسجيل الصوت في باريس، الأمر الذي كان يكبد المنتجين نفقات باهظة، وخاصة بسبب اضطرارهم إلى نقل معظم الفنانين والفنيين إلى هناك.

وتهيأت للمصريين منذ البداية، في منافسة الأفلام الأجنبية في الأسواق العربية، ميزة تولَّدت عن إدخال الصوت في صناعة الأفلام، ألا وهي نطق الأفلام المصرية باللغة العربية التي يتكلم بها سكان الشرق العربي قاطبة. وكان فيلم "أنشودة الفؤاد" الذي أنتجته شركة "النحاس فيلم" بالاشتراك مع "إخوان بهنا" أول الأفلام الناطقة. وسجل الصوت في استوديوهات جومونت بفرنسا، وعرض الفيلم في عام 1931. وتلاه فيلم "أولاد الذوات" الذي أخرجه محمد كريم لحساب يوسف وهبي، وسجل الصوت في استوديوهات توبيس كلانج في باريس. ولقي الفيلم الأخير نجاحاً كبيراً عند عرضه في سينما رويال في القاهرة. وأمعن المنتجون المصريون في تزويد أفلامهم بالأغاني، وهكذا أنتجت شركة بيضافون عام 1933، أول فيلم ظهر فيه الفنان محمد عبدالوهاب وهو "الوردة البيضاء"، فنجح نجاحاً كبيراً، وفي عام 1935 ظهرت أم كلثوم في باكورة أفلامها "وداد" الذي أنتجته شركة مصر للتمثيل والسينما.

وأنتج أول فيلم مصري - أجنبي مشترك عام 1933 مع شركة جومونت الفرنسية هو فيلم "ياقوت أفندي". وفي عام 1947 ظهر الإنتاج المشترك بين مصر والعراق بفيلم "القاهرة - بغداد"، وبالاشتراك مع إيطاليا عام 1950 بفيلم "الصقر".

وتعتبر مرحلة الأربعينيات مرحلة انتعاش الفيلم المصري، حيث ارتفع معدل الإنتاج السينمائي من تسعة أفلام في الموسم 38/1939 حتى وصل إلى 16 فيلماً في الموسم 44/1945، ويرجع ذلك نتيجة لدخول رؤوس أموال أغنياء الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، إلى ميدان صناعة السينما مع زيادة القوة الشرائية في نفس الوقت لدى المواطنين والمترددين على دور العرض السينمائي. وارتفع متوسط إنتاج الأفلام في الفترة من عام 1945 إلى عام1951 من 20 - 50 فيلماً سنوياً، وبلغ عدد الأفلام المنتجة 241 فيلماً، أي نحو ثلاثة أضعاف الأفلام المصرية المنتجة منذ عام 1927. ووصل عدد دور العرض السينمائي إلى 244 داراً للعرض عام 1949، كما وصل عدد الاستوديوهات إلى 5 استوديوهات بها 11 ساحة للتصوير.

ولعب الفيلم المصري دوراً مهماً في ربط المجتمع العربي والتعريف بمصر، وعمل أكثر من أي أسلوب آخر على نشر اللهجة المصرية، وبهذا حظي الفيلم المصري العربي وقتئذ على مكانة عالية. وتأثرت هذه المنزلة بما كان يطرأ على العلاقات العربية من موجات تُدعِّم هذه العلاقات أحياناً، وتوهن عراها في أحيان أخرى، مما أدى إلى حدوث مد وجزر في توزيع الفيلم المصري في البلاد العربية، وبدأت مقاطعة الفيلم المصري في فترات متقطعة في الخمسينيات.

تعتبر فترة الستينيات مرحلة القطاع العام في السينما المصرية، وشهدت تلك المرحلة إنشاء المؤسسة العامة للسينما عام 1962، وفيها اضطربت صناعة السينما في مصر نتيجة عدم وضوح موقف الدولة من السينما، حيث لم تؤمم الاستوديوهات، والمعامل، ودور العرض السينمائي، لكنها في الوقت نفسه لم تعد في أيدي أصحابها. وتعددت في تلك المرحلة أشكال الملكية المؤسسة لهذه المنشآت، كما تعددت أشكال الهياكل الإدارية، وأشكال الإنتاج والتمويل، ولم تستقر لمدة عامين متتاليين، وكنتيجة لذلك انخفض متوسط عدد الأفلام من 60 إلى 40 فيلماً في السنة، وبلغ مجموع أفلام المرحلة حتى عام 1971 حوالي 416 فيلماً، منها 50% من إنتاج القطاع العام، وحوالي 40% من إنتاج القطاع الخاص، وكان تمويله من القطاع العام. وحوالي 10% من إنتاج القطاع الخاص مُموِّل من شركات التوزيع العربية. وانخفض كذلك عدد الأفلام الأجنبية المستوردة في متوسط 500 فيلم في السنة إلى 250 فيلماً في السنة.

بدأ بث التليفزيون المصري، لأول مرة، في الستينيات، ولمدة ثلاث ساعات يومياً في المتوسط في 21 يولية 1960، ووصل متوسط ساعات الإرسال للقنوات التليفزيونية الثلاث إلى 20 ساعة يومياً عام 1963، وبدخول الخدمة التليفزيونية في مصر أصبحت لصناعة السينما المصرية منافساً جديداً إضافة إلى منافسة الفيلم الأجنبي.

وتوقف القطاع العام عن الإنتاج السينمائي عام 1971 نتيجة خسائر مالية قدِّرت بحوالي 8 ملايين جنيه نتيجة لمشاكل إدارية. وبعد ذلك انتهى دور القطاع العام في مجال الإنتاج السينمائي، حيث صدر القرار في عام 1971 بتحويل المؤسسة العامة للسينما إلى