برتراندون دو لا برّوكيه

الرحالة الفرنسي، برتراندون دو لا برّوكيه، وقد كانت سياحته إلى بلاد الشرق سنة 1432م دوّنه هذا الرحالة عن بيروت قيمة كبيرة من الناحيتين التاريخيّة والجغرافيّة، بسبب ما تشتمل عليه من وصف للمدن والموانئ التي مرَّ بها، كما أن رحلته تلقي ضوءاً على حياة البيروتيين بكشف أوضاعها الاجتماعيّة وتقاليدهم الدينيّة في القرن الخامس عشر للميلاد.

 

يحدثنا برّوكيه في رحلته عن مدينة بيروت فيقول:

(... فقد واصلنا السفر إلى بيروت ومررنا في طريقنا إليها بصور ... وكانت مدينة بيروت فيما مضى أعظم شأناً، لكن ميناءها صالح للتجارة ومياهه عميقة، والسفن التي تؤمه تأمن فيه من الخطر. ويشاهد على بعض أطرافه بقايا قلعة حصينة كانت قائمة فيما مضى، أما الآن فهي خرائب).

ثم يذكر برّوكيه في رحلته أن بيروت (كانت في القرن الخامس عشر للميلاد ميناء دمشق وملتقى التجار من مختلف الجنسيات، وكان الناس يقصدونها للاستجمام، على أن سكانها أقل عدداً مما كانوا عليه أيام الصليبيين ...).

 

واهتم برّوكيه بالمقذوفات النارية (الأسهم التي ما زال البيروتيون يستعملونها في عيد المولد النبوي حتى اليوم)، مما كان أهل بيروت يطلقونه في الجو إحتفالاً بالعيد، فتحرّى عن صانعي هذه المقذوفات وعن طريقة صنعها، وألح على الصانع أن يوقفه على طريقة صنعها وقدّم له رشوة من أجل الوصول إلى غرضه فأفلح وأطّلع على السر وأخذ معه إلى أوروبا نماذج من هذه المقذوفات التي رآها لأول مرة في حياته.

 

قال برّوكيه بتفصيل ما تقدم:

(رأيت المسلمين يحتفلون بعيدهم على طريقتهم التقليديّة، بدأ الاحتفال مساءً عند الغروب فأخذت جماعاتهم تسير هنا وهناك فرحة بالعيد، تهزج بالأناشيد، وأخذت مدافع القلعة، تطلق قذائفها. وأخذ الناس يطلقون عالياً في الفضاء صواريخ يفوق حجم الواحد منها حجم أكبر فانوس عرفته، وقد أُخبرت أنهم يستعملونها أيضاً لإشعال النار في أشرعة سفن أعدائهم وهي في عرض البحر.

ويبدو لي أنها تصلح لحرق المعسكرات والقرى المؤلفة من بيوت خشبيّة ولبثّ الذعر بين خيول الأعداء في الحرب، وذلك لسهولة صنعها ويسر تكاليفها.

ولما كنت شديد الرغبة في الوقوف على سر هذه المقذوفات، فقد أرسلت أحد خدم مضيفي إلى واحد ممن يصنعونها، يطلب منه أن يوقفني على طريقة تركيبها، فاعتذر بأنه لا يجرؤ على ذلك لما يكتنف مثل هذا العمل من مخاطر إذا افتضح الأمر، غير أنه لما كان العربي لا يحجم عن فعل أي شيء إذا دفع له المال (كذا) فقد أطلعني على السر بعدما دفعت له (دوكة) ذهبت بمخاوفه، بل لقد أعطاني قوالب لصنعها والمواد الأخرى التي تتركب منها ، فحملتها معي إلى فرنسا ... ) .

 

ونحن نقول بأنه إذا صحت هذه التفاصيل التي يرويها الرحالة الفرنسي برّوكيه، فإن ذلك يعني أن سرّ صناعة البارود للأغراض الحربيّة قد إنتقل إلى أوروبا عبر بلادنا بواسطة برّوكيه نفسه.

والجدير بالذكر أن المسلمين في بيروت ما يزالون ينفردون حتى اليوم بالإحتفال بالمولد النبوي الشريف على الطريقة التي ذكرها رحالتنا، دون غيرهم من المسلمين في البلاد الأخرى، واليوم فإن مصانع البيروتي درويش طبارة وأبنائه يؤمنون هذه المقذوفات من معاملهم.