لامارتين   

الشاعر الفرنسي لامارتين، الذي حل ببيروت سنة 1832م وأقام في بيت من بيوت حي مار مارون الشمالي النادي الكاثوليكي القديم الذي كان يقع على بعد عشر دقائق من قلب المدينة يومذاك، فقد كتب متحدثاً عما وقع له يوم 7 أيلول فقال:

(... صرفت النهار كله أبحث في ضواحي المدينة لأجد مسكناً، فتوقفت إلى إيجاده، وهو مؤلف من غرفة واحدة تنام فيها الأسرة كلها، ومن قبو يتناولون فيه الطعام، موقع المنزل من المدينة على بعد عشر دقائق، يصلون إليه بطريق ضيقة، تتدلى فوقها ألواح الصبير الشائك ويمرون إليه بقناطر قديمة وبرج كبير شيده أمير الدروز فخر الدين واتخذه اليوم حرس إبراهيم باشا مرقباً).

ثم يقول لامارتين: (... بيروت من المدن السوريّة الآهلة بالسكان،وقد عرفت عند الأقدمين باسم (بيريت) وأصبحت على عهد أغسطس مستعمرة رومانيّة، وأطلق عليه الفاتح الروماني اسم جوليا فيلكس (السعيدة) وقد مُيزت بهذه الصفة لخصب ضواحيها وفخامة موقعها وجمال جوها العديم المثال، والمدينة اليوم قائمة على رابية جميلة تنحدر شيئاً فشيئاً إلى البحر وقد قامت فيه بعض صخورها فرفعت عليها الحصون التركيّة.

أما ميناؤها فهو كناية عن لسان أرضيّ يمتد في البحر ويقي البواخر من الرياح الشرقيّة وكل هذه البقعة وما حولها مكللة بخضرة جميلة، وترى أغراس التوت قائمة على مدرَّجات من الأرض. وشجر الخرنوب والتين والدلب والبرتقال والرمان تلقي ظل أوراقها المختلفة الألوان على تلك الأنحاء، ووراءها الزيتون ذو الورق الرمادي، يزركش هذا المنظر الأخضر البديع ... وعلى مسافة ميل من المدينة إنتصبت سلسلة جبل لبنان وفيها الأخاديد التي يضيع فيها النظر وتنحدر في طياتها مجاري المياه إلى صور وصيدا ... واللاذقيّة.

وقمم تلك الجبال المتفاوتة العلو في السحب البيضاء تسطع من انعكاس أشعة الشمس فتشبه جبال الألب بثلوجها) .

 

وعندما وقف لامارتين على قمة مار متر لم يتمالك نفسه من أن يبدي دهشته فصرخ قائلاً: (... لم يعطِ الله الإنسان أن يحلم بكل الجمال الذي صنعه، كنت أحلم بمشاهدة جنة عدن، ويمكنني القول: إنني شاهدتها!...).