كرنيليوس فاندَيْك 

وما دمنا قد نقلنا ما كتبه المبشر الأميركي السائح روبنصون عن انطباعاته في بيروت ما بين سنتي 1838-1852م فلا بأس علينا من أن نضّم إليها إنطباعات زميله كرنيليوس فاندَيْك عن الفترة نفسها تقريباً. ومن حسن الحظ أن أدوارد، إبن كرنيليوس المذكور، وجد بين أوراق أبيه مذكرات مكتوبة بخطه وفيها بيان ما كانت عليه بيروت ولبنان وسائر سوريا وفلسطين في ذلك العصر من الأحوال العمرانيّة والأدبيّة ولا سيما الفترة التي كان فيها إبراهيم باشا حاكماً لهذه المنطقة إلى أن أخرجته الدولة العُثمانيّة منها سنة 1840م.

وإننا ندع من هذه المذكرات ما يتعلق منها بقصة النشاط التبشيري للبروتستانت في بيروت لأن ذلك لا يعنينا في الموضوع الذي أخذنا أنفسنا به ونقدم مامتبه فانديك عن عمران بيروت وتجارتها وإنعكاسات الوجود المصري فيها.

يقول كرنيليوس فانديك :

(.... كان من التجار في بيروت عند وصولي سنة 1840م الخواجات بلاك إخوان وهيلد ووطسن وكِلبيِ صرّاف المرسلين في بيروت، ومن القناصل قنصل الإنكليز نيفن مور، وقنصل أميركا ايركا جاسبار شاسود، ولهذا الأخير بيت في المينا كان المرسلون يقيمون فيه صلاة إنكليزيّة قبل الظهر من كل يوم أحد، وقنصل النمسا لورلاً . وكان في بيروت صيدلي واحد إيطالي واسمه كرولاً ومخزن تجاري في سوق القطن للبيع بالمفرق لرجل مالطي اسمه فابري).

(... وكانت القرعة العسكريّة في عهد الدولة المصريّة شديد الوطأة على المسلمين وعلى الدروز أيضاً، لأنهم كانوا ينتظمون في الجنديّة. وكانت العادة الجارية في التجنيد أن الحكومة إذا احتاجت إلى جند، أمرت بإقفال أبواب المدينة وإلقاء القبض على من فيها من الدروز فضلاً عن المسلمين، ثم تنتقي منهم أصحاب السن الموافقة للجنديّة وتطلق الباقين، فكان المسلمون أو الدروز يسعون في النجاة من الجنديّة بالالتجاء إلى الحماية الأجنبيّة، أو الخدمة في بعض القنصليات. وكانت الدول الأجنبيّة تحميهم، ولهذا كثر ازدحام خدم القنصل من المسلمين).

 

... وأما الدروز فكانوا يُطلبون للجنديّة، حتى دروز رأس بيروت، فإنهم لم يكونوا ينجون منها، لذلك كانوا يتقربون من المرسلين الأميركان بإظهار النصرانيّة، فتنصر بعضهم وتعمدوا ولا غرض لهم من ذلك إلا التخلص من الجنديّة، هذا هو السبب الحقيقي لتنصر الدروز في رأس بيروت، وكانوا يُسمون أنفسهم متنصرة، والحقيقة غير ذلك (الكلام لفانديك) على أن بعض أولادهم لا يزالون على النصرانيّة إلى اليوم، وبنى لهم المرسلون مدرسة في بيت الوتوات لتعليم أولادهم.