الرئيس الشهيد رفيق  بهاء الدين الحريري

 

 

ولد في مدينة صيدا لبنان عام 1944م، اتسمت حياته بالكفاح المتواصل. ونهض بالمسؤوليات التي ألقيت على عاتقه وطنياً وسياسياً. وكرجل أعمال، انطلق من المملكة العربيّة السعوديّة. وجه طاقاته لخدمة بلده لبنان الذي قاسى من ويلات حرب طويلة، فوضع امكاناته في تصرف الدولة بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م، وأسهم في مساعدة أكثر من ثلاثين ألف طالب لبناني على متابعة دراساتهم في جامعات لبنان وأوروبا وأميركا.

في سبيل العمل على وقف الحرب الأهلية في لبنان أسهم في الإعداد لمؤتمر لوزان عام 1984م ولمؤتمر الطائف العام 1989م الذي وضع النهاية السلمية لتلك الحرب.

سمّي رئيساً للحكومة اللبنانية عدة مرات خلال ولاية الرئيسين إلياس الهراوي وإميل لحّود.

وأطلق من خلال مشاركته في الحكم، أكبر عملية إعمار وبناء في تاريخ بلده، من علاماتها البارزة إعادة إعمار وسط بيروت الذي بدأ سنة 1994م. عُرف بعلاقاته الدولية وسعة اتصالاته الدبلوماسية، لا سيما في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وتشجيع رجال الأعمال العرب والأجانب على الاستثمار في لبنان.

حائز على أوسمة عدة من معظم الملوك والأمراء ورؤساء الدول العربيّة والصديقة.

يكشف رفيق الحريري جميع أوراقه لمن يسأل عن ثروته التي جعلته يتبوأ بجدارة لائحة كبار الأغنياء في العالم.

وتجده معتزاً وفخوراً بانتمائه إلى المملكة العربية السعودية، تماماً كانتمائه إلى وطنه لبنان. ومن خلال قراءة هذه الأوراق يمكن تتبع التطور في سيرة حياة الحريري من النشأة في عائلة متواضعة تعتاش من الزراعة إلى الدخول المبكر في العمل ثم إلى عالم المال والاعمال الذي سطع فيه نجماً بسرعة قياسية لينتقل بعدها إلى السياسة من بابها الواسع رئيساً لمجلس الوزراء اللبناني في فترة صعبة وعصيبة لتكتشف فيه هوية رجل الدولة التي باتت الأحب والأقرب اليه.

فمن ولادته إلى انكبابه حالياً على إدارة معركة انتخابات نيابية على إمتداد لبنان عبر تيار سماه "المستقبل"، وهي تسمية لافتة في ارتباطها بشخصيته وامتدادها إلى أعماله وتوجهاته، استطاع رفيق الحريري أن يقطع مشواراً نموذجياً في العصامية والنجاح، بين السفح والقمة، محققاً قفزات قياسية فيها الكثير من الاجتهاد والعمل الدؤوب والمضني لكنها حافلة أيضاً بالتوفيق والرضا من الله والوالدين، كما يردد دائماً.

وتقرأ في "أوراق العمر" أن الرجل عمل محاسباً حتى يستطيع إتمام دراسته الجامعية في كلية التجارة في جامعة بيروت العربية قبل أن ينتقل (بفعل إعلان في جريدة يومية) إلى السعودية حيث عمل في التدريس، ثم عاد إلى تدقيق الحسابات مجدداً، جامعاً هذه المرحلة في 6 سنوات، معيلاً لنفسه ومعيناً لعائلته، قبل أن يضع قدمه عام 1970 في عالم المال والأعمال مؤسساً شركة صغيرة سماها "سيكونيست". وينطلق بقوة عام 1977 عبر قبول تحد فيه الكثير من المغامرة من خلال اشتراكه مع شركة "أوجيه" الفرنسية في إنشاء فندق في الطائف، في فترة تسعة اشهر، بعدما اعتذرت شركات كبرى عن قبول هذا التحدي في حينه، ليلاقي أول نجازاته الكبرى ويؤسس بعدها "سعودي أوجيه" المولودة من دمج "سيكونيست" مع "أوجيه" وليكسب بعدها في عام 1987 شرف الجنسية السعودية التي يعتبرها من أهم العلامات المضيئة في سيرته الذاتية.

قد يكون لقب "رجل الدولة" او "الرئيس" افضل الألقاب بالنسبة إلى رفيق الحريري، الذي يتجاهل عمداً خلفيته كأحد كبار رجال الأعمال في العالم.

ويبدو ذلك جلياً من خلال انغماسه في تفاصيل الحركة السياسية في لبنان والمنطقة امتداداً إلى نفوذه وعلاقاته الدولية، مما يجعل الغوص في حجم ثروته واستثماراته مهمة صعبة يمكن الركون فيها على التقديرات ولكن يستحيل تكوين صورة متكاملة وحقيقية. وهذه المعادلة تنطبق على جميع الثروات الكبرى التي يحتفظ أصحابها بخصوصيات تجعل الرؤية أحياناً كرؤية جبل الجليد.

  للأعلى نجاح استثماري وعودة للصحافة

لكن هذا التجاهل لخلفية رجل الأعمال وموضوع الثروة، لا يحول دون وجود شفافية واضحة في الإعلان عن الأعمال وحجمها وفي مقدمها شركة "سعودي أوجيه" التي نفذت اكبر المشاريع العقارية وأهمها:

* فندق انتركونتينتال في مكة المكرمة

* مركز الشروق الحكومي في الظهران

* مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة

* المركز الحكومي في الرياض بتكلفة 3 مليارات ريال سعودي

* مشروع "الفا" في الرياض الذي يضم مجلس الشورى والديوان الملكي

* فندق "المسرة" الدولي في الطائف

* المدينة الحكومية في الدمام

* قصر الأمويين في دمشق

 والاستثمارات العقارية التي تتجاوز المنطقة العربية إلى أوروبا والامتداد تباعاً إلى القطاع المصرفي العربي عبر الملكية التامة لمجموعة البحر المتوسط التي تضم:

* بنك البحر المتوسط  

* البنك اللبناني السعودي

   وملكية بنسب متفاوتة لأسهم في بنوك عربية وأوروبية منها:

* البنك العربي

* اندوسويز

* واستثمارات موازية في القطاع المالي والأوراق المالية المصدرة في البورصات العالمية والعائدة لمؤسسات تعمل في حقول مختلفة

* استثمارات سياحية على غرار فنادق "شيراتون" في السعودية

    ثم الاستثمارات الإعلامية :

* تأسيس شبكة " تلفزيون المستقبل "

* شراء "إذاعة الشرق" من مؤسسها ومالكها إبن صيدا رغيد الشمَّاع التي تبث من باريس منذ عام 1981

* امتلاك امتياز مجلة "المستقبل" وجريدة "صوت العروبة"

* إصدار جريدة "المستقبل"

* امتلاك نسبة اسهم في دار "النهار" العريقة.

* وآخر الاستثمارات المعلنة الإسهام بتأسيس الشركة العربية القابضة في سورية برأس مال قدره 100 مليون دولار بالاشتراك مع ثلاث مجموعات سعودية كبرى.

سياسة الأعمال وأعمال السياسة

وفي خط مواز للإعمال والاستثمارات، انشأ الشيخ رفيق الحريري عام 1979 "مؤسسة الحريري" وهي منظمة لا تبغي الربح ساهمت في تعليم اكثر من 35 ألف طالب لبناني في الجامعات الرسمية والخاصة في لبنان وفي جامعات أوروبا وأميركا، كما تؤمن المؤسسة أيضاً خدمات صحية واجتماعية وثقافية.

ومع تغليب شخصية السياسي على شخصية رجل الأعمال، بدأ التحول في شخصية الحريري والاهتمام بالشؤون اللبنانية مبكراً أيضاً. وبدأ ظهوره "السياسي" على ساحة الأحداث عام 1982 لكن من الباب الاقتصادي، حيث يتذكره اللبنانيون جيداً "كفاعل خير" وضع إمكاناته بتصرف الدولة اللبنانية وساهم في إزالة الآثار الناجمة عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان ووصوله إلى العاصمة بيروت.

وفي 20/10/2004 قدّم إستقالته من رئاسة الحكومة إلى الرئيس اللبناني أميل لحّود الذي قبلها. وأكّد مساعدوه في بيان صحفي أن الحريري ليس مرشحاً لتولي الرئاسة وأنه لن يشكّل حكومة جديدة.

يوم الإثنين في الرابع عشر من شهر شباط 2005 سقط الرئيس رفيق الحريري شهيداً في خضمّ معركة كبرى لاستعادة الحياة السياسيّة اللبنانيّة إلى سياق ديموقراطي عبر انتخابات نيابيّة حرّة.


سقط الرئيس الحريري شهيداً ليس بعيداً من ساحة المعركة أي مجلس النواب حيث كان قبل دقائق من اغتياله يشارك في جلسة اللجان النيابية المخصصة لمناقشة قانون الانتخاب.
سقط الرئيس الحريري رمز الاعتدال الإسلامي ورجُل الوفاق الوطني ورجُل الدولة، بنتيجة التحريض ضدّه وضد القوى التي ترفض بقاء الوضع اللبنانيّ على حاله من الاستباحة لوفاقه ودستوره وميثاق عيشه المشترك، من قبل السلطة وموالاتها اللتين وجّهتا اتهامات للرئيس الشهيد وأركان المعارضة بأنهم متآمرون وخونة كما جاء في بيان قادة المعارضة.


سقط الرئيس رفيق الحريري شهيداً على يد الجريمة المنظمة وأجهزتها لأنّه كان يمثل واسطة العقد اللبنانيّة، ولأنه كان رجل التسويات التاريخية.

 

سقط شهيداً لأنّه الرجل ذو المكانة العربية والدوليّة الذي وظّف علاقاته الكبيرة في خدمة وطنه وأمته.

سقط شهيداً لأن القتلة الذين يعرفون أنفسهم كما قال بيان كتلة "قرار بيروت"، ظنوا انهم يقطعون مسار الحريّة والديموقراطيّة... والعروبة المنفتحة.

سقط شهيداً لأنهم يظنون أن لا مكان للكبار الكبار في لبنان.

سقط الإنسان في رفيق الحريري، وهو الحادب على كلّ ذي حاجة.

شهيد الوطن والأمة يخسره محبّوه الكثر ليس في بيروت التي أطلقت مشاعر الحبّ والحزن فقط، وليس في لبنان وحسب، بل في كلّ مكان زرع فيه من روحه الاعتدال والمحبّة.. وتصميم الرجال الرجال.


ولأن الرئيس الشهيد كان يمثل كلّ هذه القيم والأبعاد، بكاه لبنان من أقصاه إلى أقصاه.
قضى شهيداً مع 6 من مرافقيه، تاركاً النائب باسل فليحان معلقاً بين الحياة والموت وقد أصيب بجروح بالغة الخطورة وبحروق كبيرة استدعت نقله إلى فرنسا للعلاج.


المعارضة في الاجتماع الذي عقده قادتها في دارة الرئيس الشهيد في قريطم حمّلت "السلطة اللبنانية والسلطة السورية بكونها سلطة الوصاية، مسؤولية هذه الجريمة"، ودعت "المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤوليته"، وإلى "تشكيل لجنة تحقيق دولية تضع اليد على هذه الجريمة".
وطالبت بـ"رحيل السلطة الفاقدة الشرعية الدستورية والشعبية"، وبـ"قيام حكومة انتقالية". ودعت إلى انسحاب القوات السورية قبل الاستحقاق الانتخابي، وقرّرت الإضراب لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من اليوم.

 

الزعيم المعارض ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط، هو احد المستهدفين مباشرة بجريمة الاغتيال نظراً إلى العلاقة الوثيقة التي تربطه به، تماماً كما كان مستهدفاً بمحاولة اغتيال النائب مروان حمادة من قبل، توجه فور وقوع الجريمة إلى مستشفى الجامعة الأميركية حيث نقل جثمان الرئيس الراحل ثمّ داوم في قريطم حيث ترأّس اجتماعاً للمعارضة عند السادسة مساء لتحديد الموقف والخطوات.

وأكد بعد الاجتماع أنه "من غير الممكن أن يستمر لبنان أسيراً"، وأضاف "نريد أن نقول لهم ارحلوا عنا واتركونا".


 


  للأعلى الجريمة
إمتدّت يد الجريمة المنظمة إلى الرئيس الحريري لدى مرور موكبه قادماً من ساحة النجمة قرب فندق "السان جورج" على الطريق البحريّ للعاصمة، فاستشهد الزعيم اللبناني على الفور واستشهد عدد من مرافقيه، بينما أصيب النائب باسل فليحان بجراح خطرة تستدعي نقله إلى الخارج للعلاج.


مشهد مكان الانفجار "بدا وكأن مذبحة وقعت للتوّ" كما وصفه الكاتب البريطاني روبرت فيسك. والسيارة المفخخة التي استخدمتها يد الجريمة المنظمة كانت محشوة بالمواد المتفجرة التي تمّ تفجيرها يدوياً، وليس عن بُعد لأن السيارات التي يستقلها الرئيس الشهيد تعتمد وسائل للتشويش على الموجات. احترقت 22 سيارة على الاقل، واستشهد 8 بين مرافقين ومواطنين... وسقط جرحى بالعشرات.


وقررت عائلة الرئيس الشهيد تشييعه بعد يومين من دارته في قريطم إلى مسجد محمد الأمين في وسط بيروت حيث يوارى الثرى.


وقال عضو كتلة "قرار بيروت" النائب وليد عيدو "لا نريد أن تشارك السلطة في مراسم التشييع".

 

وقد شيّع لبنان من أقصاه إلى أقصاه، بمسلميه ومسيحييه، بأطفاله ونسائه ورجاله، بأجراس الكنائس جنباً إلى جنب مع أصوات المآذن الصادحة بكلام الله سبحانه وتعالى، الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى مثواه الأخير في مسجد محمد الأمين، فرافقه مليون من لبنان إليه.