النكتة المصرية

 

لا شيء يجاري النكتة المصرية في قدرتها على السخرية، فهي تذبح دون أن تجرح، وقد أحرجت هذه النكتة الإمبراطورية الرومانية التي دانت لها الامبراطوريات، وكادت تسبب أزمة نفسية لشاعر أوتي من الفصاحة والبلاغة ما لم يتوفر لغيره هو أبو الطيب المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.

 

ويقول المؤرخون إنه عندما قدم أبو الطيب المتنبي إلى مصر في عهد كافور الإخشيدي، كان في القاهرة شخص يطلق عليه الناس لقب “سيبويه” بسبب كلفه الشديد بالنحو، وتعلقه بالصرف والإعراب، وكان “سيبويه” يقضي النهار كله على ظهر حمارته البيضاء يتجول في أسواق القاهرة وأزقتها، ومن باب الطرافة كان يركب حماره بالمقلوب، ويطلق النكات على ولاة الأمر، وعلى كافور وحاشيته بالذات، وبين ليلة وضحاها تنتشر النكات انتشار النار في الهشيم، وتصبح حديث الناس في منتدياتهم، ويقول البعض إن بعض الصور البلاغية في قصائد المتنبي عن كافور مستوحاة من نكات أطلقها “سيبويه”، ومنها ذلك البيت الطريف “وتعجبني رجلاك في النعل إنني / رأيتك ذا نعل وإن كنت حافيا”. وواضح إن في هذا البيت روح النكتة المصرية وأسلوبها. وقد أصاب “سيبويه” بصليات رشاش نكاته المتنبي، مما دفع هذا الشاعر إلى التعريض بالمصريين في معرض هجائه لكافور، وهو ما لم يفعله بالنسبة لأي شعب عربي آخر، فالمعروف عن المتنبي اعتزازه بعروبته.


وعندما كانت الإمبراطورية الرومانية في أوج مجدها، في عهد يوليوس قيصر ومارك أنطونيو، أصدر مجلس الشيوخ في روما قرارا بمنع المحامين المصريين من المرافعة أمام المحاكم في الإسكندرية، لأنهم كانوا يخدشون هيبة القضاة الرومانيين بنكاتهم أثناء المرافعات.
وفي كل معارك مصر السياسية مع خصومها، كانت النكتة هي السلاح الأكثر مضاء، وقد كان الزعيم الراحل عبد الناصر نفسه يخشى النكتة، عندما ترتد إليه، والصحف المصرية هي التي أطلقت على نتنياهو، رئيس وزراء “إسرائيل” الأسبق، اسم “نتن يا هووووه” ولم تكن تشير إليه في تعليقاتها إلا بهذا الاسم، مما دفع نتنياهو لأن يخرج عن طوره، ويقدم احتجاجا رسميا لمصر، بل إنه احتج على رسم كاريكاتيري فيه الطعم المعروف للنكتة المصرية.

 

ومن النكات التي أطلقها المصريون عنه عندما بدأ نتنياهو يضع العقبة وراء الأخرى في وجه مفاوضات السلام إنه كان يتمشى مع أعضاء الوفد الفلسطيني فوق سطح بناءة عالية، وفجأة، زلت قدمه وكاد يهوي من فوق سطح المبنى، لولا أنه تعلق بحافة السطح وبدأ يصرخ: أرجوكم، أنقذوني، أعيدوني إلى الأرض، فقال له أعضاء الوفد الفلسطيني “الأرض .. مقابل السلام” وهو الشعار الذي كان مطروحا للمفاوضات ويرفضه نتنياهو الذي كان يريد السلام والأرض معا.

 

وهناك نكتة تتردد في مصر حاليا عن السفاح شارون تقول إن الانتفاضة في الأراضي المحتلة أسلمته للكوابيس والهواجس، وذات يوم، رأى في المنام أنه يركب سيارة فاخرة، ووراءه مجموعة من الحمير، وأن رجلا أوقف السيارة وسلمه رسالة. وفي اليوم التالي، جمع المفسرين وروى لهم الحلم، وطلب تفسيرا له، فقالوا: السيارة هي رئاسة الوزراء التي تتربع عليها منذ انتخابك، والرسالة هي التأييد الأمريكي غير المحدود الذي تحصل عليه، وسألهم شارون: والحمير؟ فقالوا له: هؤلاء هم الذين صوتوا لك في الانتخابات، وأوصلوك إلى الحكم.