عبد الغني شعبان

أصله ونشأته:

هو عبد الغني بن مصباح شعبان، ولد في بيروت سنة 1925م وتكنت العائلة بهذا الاسم الموروث عن أحد الأجداد، وأما الكنية الأصلية للعائلة فهي {التقي} وموطنها الأصلي دمشق الفيحاء، وتشاء الأقدار ان تجتاح مدينة بيروت موجة من حمى الجدري الفتاكة، فأصيب عبد الغني برشاشها وكاد رجال الإسعاف أن يعثروا عليه فيحرقونه بالكلس كما كانوا يفعلون في مكافحة هذا المرض الساري في ذلك الحين لولا ان القدرة الالهية تدخلت وأنقذت الطفل من المرض، وفي السادسة من عمره دخل المدرسة الأزهرية الإسلامية في بيروت فتلقى فيها علومه.


دراسته الفنية:

وفي عام 1940 اصبح صاحب ورشة دهان سيارات بمحلة رأس النبع في بيروت وتشاء الصدف أن يسمعه أحد الزبائن وهو يرتل إحدى أغنيات فيلم يوم سعيد فيعجب بصوته الجميل ونبراته القوية وفي اليوم الثاني كان الفنان المترجم له في طريقه إلى بيت الموسيقي الشاب الأستاذ عزيز غنام الحلبي الذي كان يعمل في محطة الشرق ببيروت وتعرف بالوقت ذاته على الأستاذ غالب طيفور وكان يعمل في محطة راديو الشرق أيضاً، وارتسمت على شفاه هذين الفنانين ابتسامة لم يستطيعا إخفاء معانيها وهي ان هذا العامل لابس الثوب الأزرق والألوان الملتصقة به توحي بأنه تدخل بما لا طاقة له به، واعتذر الأستاذ عزيز غنام عن إعطائه الدروس وتولى أمر تدريسه الأستاذ غالب طيفور وهو على مضض مدة ثلاثة اشهر، ولما تجلت مواهبه اعجب بذكائه وسرعة اخذه الدروس الصعبة، ثم درس قواعد العزف على آلة العود عن الأستاذ التركي الكبير كارنيك قازنجيان، فكان يحفظ الدروس الرئيسية مع الإيقاع والنقرة التركية وأوضاع الأصابع الصحيحة (البوزيسيون) وتابع دراسة الموسيقى الشرقية الصحيحة على يديه، ثم سعى له الأستاذ طيفور ليدرس قواعد الموسيقى الغربية والعزف على آلة البيانو في المعهد الموسيقي الوطني في بيروت.


وأوعز المرحوم الفنان وديع صبرا مدير الكونسترفتوار اللبناني الى مدام لازاريف المدرسة الكبيرة في البيانو بإعطائه دروساً على آلة البيانو، ولمست منه هذا الاندفاع الكبير نحو العلم فاهتمت بأمر تعليمه، وفي هذه الفترة كان الأستاذ غالب طيفور يوجه المترجم له توجيهاً قيماً، واشترى له كلارنيت ومندولين وعلمه عليهما بالإضافة إلى آلتي العود والبيانو وإتقانه النوطة اتقاناً عجيباً، وكان الأستاذ صبرا يراقب نضوجه الفني ويرشده إلى الطرق الصحيحة ويشرح له أساليب اللحن على طريقة (الفوج) وإستحصل المترجم له على كتب موسيقية نادرة من شرقية وغريبة وكان يعاونه في أول الأمر على الترجمة صديقاً له يدعى منذر الهنيدي، ثم لم يلبث الأستاذ عبد الغني شعبان ان شعر بحاجته الملحة إلى تعلم اللغة الفرنسية فأكب على دراستها بمساعدة صديقه الأستاذ زكريا كعيكاتي وهو أستاذ في ست لغات وتمكن هذا الفنان من دراسة اللغة الفرنسية بسرعة مدهشة تنم عن ذكائه الحاد، وترجم كتب ضخمة ونادرة.


سفره إلى مصر:

وفي عام 1946 تعرف على الأستاذ احمد عبد المجيد قنصل المملكة المصرية العام في سوريا ولبنان وهو أول من شجع محمد عبد الوهاب ونظم له قطعه المشهورة (مريت على بيت الحبايب) وغيرها كثير، وعندما استمع القنصل المذكور إلى ألحان المترجم أهداه بعض منظوماته منها قصيدة (ظنون) وطلب منه إبدال كلمات قصيدة استوحاها من اللحن نفسه اسماها العيون السود.


وألح عليه بالذهاب إلى مصر وزوده بكتاب إلى الفنان المصري الأستاذ محمد عبد الوهاب، ولما اجتمع به واستمع إلى بعض ألحانه سأله عما إذا كان يعرف علم النوطة فأجابه انه درس الهارموني والكونتربوان وهما عنصران في التأليف الموسيقي الكلاسيكي، فقال له عبد الوهاب، أنت موسيقي كويس إنما أن كنت عايز تشتغل في مصر لازم تلحن ألحان شعبية زي عبد الغني الشيخ ومحمد سلمان أعني الألحان الخفيفة، وأفهمه بأن الملحنين المصريين أمثال القصبجي والسنباطي وغيرهما (يقصد نفسه) هؤلاء لا تتركهم الشركات المصرية وتأخذ من ألحانك، وفهم المترجم له بصراحة أن الأستاذ عبد الوهاب مطرب الجيل يحارب الفنانين الناشئين، وتعرف على الأستاذ محمد القصبجي وعرض عليه العمل معه في فرقته، وشعر المترجم له بالفارق بين نفسية القصبجي كملحن ونفسية سواه ممن يخافون بروز مواهب الناشئة، ورفض دخول المعهد العالي للموسيقى في مصر لأمر يتعلق بشروط المعهد، إذ يتوجب على الموسيقي المنتسب ان يخدم المعهد بعد حصوله على الشهادة مدة خمس سنوات، واخطأ عندما استقال من محطة الشرق الأدنى لأنه كان باستطاعته متابعة الدراسة على أيدي الفنانين الألمان، وهكذا عاد إلى بيروت آسفاً لأنه ذهب للدراسة والاستفادة فوجد نفسه أكثر علماً من خريجي المعاهد المصرية ووجد معظم الموسيقيين المصريين يجهلون النوطة وتوابعها.


تدريسه في المعهد الموسيقي الشرقي بدمشق:

وتلقى هذا الفنان من محطة دمشق الفنية رسالة تدعوه إلى العاصمة السورية وعين مراقباً فنياً عاماً ومعاوناً لرئيس القسم الموسيقي ورئيساً للقسم الموسيقي الآلي، ثم انتدب لإدارة المعهد الموسيقي الشرقي وقام بتدوين الموشحات الأندلسية عن الفنان المرحوم عمر البطش، ثم قدم استقالته من الإذاعة لأسباب خاصة وعاد إلى بيروت، وفوجىء الأستاذ بمرض والدته فوافاها الأجل وأصيب بصدمة نفسية وتلقى من صديقه الأستاذ احمد عبد المجيد المصري التعزية.


الدراسة والتأليف:

وعكف الأستاذ على متابعة الدراسة الجدية والمطالعة والتأليف ووضع أساليب مستوحاة من الأساليب الغربية لترقية الأساليب الشرقية ووضع تمارين خاصة بآلة العود وجعل يعمل التجارب في تركيب الهارموني على الموسيقى الشرقية ووجد أن بالإمكان استغلال قواعد الكنتربوان في الموسيقى الشرقية، ودرس المترجم علم الفلك دراسة وافية بغية وضع قطع موسيقية بعنوان (الكون العظيم) وكان يذهب إلى السينما ويدون موسيقى الأفلام بسرعة نادرة وتشتري المجلات المصرية نوتات أغاني الأفلام لتنشرها على صفحاتها، وإستحصل من باريس على مؤلفات ضخمة تختص بالتأليف الكلاسيكي العالي والقواعد العلمية القاسية ويأمل ان يتمكن من وضعها باللغة العربية وبذلك يخدم بلاده خدمة تشعره بالطمأنينة على مستقبل الموسيقى، وله هواية خاصة بالغناء الأوبريت فهو يضع منها بالعربية بشكل لم يسبقه إليها أحد منها (مغناة عشتروت) تأليف بيير روفائيل وقد عجزت الفرقة الموسيقية في إحدى الإذاعات عن إخراجها ثم مغناه (موت الإيمان).