وديع صبرا

1876م ـ1952م

أصله ونشأته:

هو وديع بن جرجس صبرا، والدته سارة بنت سركيس من قرية (عبيّه) وهي شقيقة الأستاذ خليل سركيس مؤسس جريدة لسان الحال، وأصل أسرة صبرا من قرية عين الجديدة المجاورة لبحمدون وقد نزحت إلى بيروت منذ مائة سنة واستوطنت بيروت.


ولد الفقيد النابغة يوم 23 شباط سنة 1876م وتلقى علومه في مدرسة البنين الإنكليزية وكان رئيسها والده وتدرّس فيها والدته التي كانت تتقن خمس لغات، وقد استمرت تعلم فيها مدة تنيف عن الخمسين سنة، وأنجبت أفذاذ الرجال، ومن تلاميذها الدكتور فارس نمر باشا أحد منشئي مجلة المقتطف وجريدة المقطم وعضو مجلس الأعيان المصري.


ثم انتقل إلى الدراسة في الكلية الأميركية، كان محباً للعلوم والفنون وافر الذكاء درس الموسيقى في بيروت منذ حداثته على نفسه من كتاب «القاموس الموسيقي والموسيقيين» نشره السير جورج كروتي مدير روبل اكومي اث ميوزك في لوندره، وعلمته ومرنته على العزف السيدة كرايس أمين شكور والسيدة ثيودور سيا جسب، وأعطاه البارون فون رابلاين النمساوي الدروس الموسيقية.


سفره إلى باريس:

لقد انقاد الفقيد لمواهبه، فسافر إلى باريس سنة 1892 بغية إكمال دراساته الفنية، فدرس وتمرن في الكونسرفاتور الفرنسي سبعة أعوام، وكان خلال إقامته في باريس يسافر إلى الضواحي البعيدة لإحياء حفلات فنية يؤمن من ريعها نفقات دراسته وإعاشته، ثم عينته كنيسة سانت امسيري الإنجيلية في باريس عازفاً على الأرغن واستمر في الخدمة مدة عشر سنين، فكانت مدة دراسته في عاصمة فرنسا ستة عشر عاماً.


سفره إلى الآستانة:

وضع فقيد الفن النشيد الوطني العثماني في سنة 1908 وسافر إلى استانبول فقدم للمجلس النيابي النشيد المذكور وأقام فيها خمسة عشر شهراً ثم عاد إلى بيروت سنة 1910 فأسس دار الموسيقى وهو أول معهد موسيقي في لبنان.
وفي سنة 1918 عاد إلى استانبول فعينته الحكومة التركية رئيس أساتذة المدرسة الموسيقية البحرية مدة سنة ومنها سافر إلى مدينة باريس.


في الأناضول:

ونفي إلى مدينة سيواس في الأناضول وأقام فيها خلال الحرب العالمية الأولى، ثم اكتشفت الحكومة أن نفيه كان خطأ فأطلق سراحه معززاً مكرماً ورجع إلى بيروت فكان أستاذ الموسيقى في دار المعلمات ومديراً لموسيقى الجيش في لبنان.


البيانو الشرقي:

ولما كان البيانو الغربي لا يخرج الأرباع الصوتية على الأنغام الشرقية، فقد سافر الله إلى باريس سنة 1922 وقام بدراسات طويلة وجهود مضنية حتى توصل إلى غايته المنشودة باختراعه البيانو الشرقي وبحث مع مدير مصنع بلابل قضية تركيب السلم الموسيقي بالنسبة للأصوات الشرقية ليتمكن على ضوء هذه الأبحاث الفنية العويصة إدخال الأرباع الصوتية على الأنغام الشرقية في مخترعه الذي ذاع صيته ونال إعجاباً وتقديراً عظيماً في الأوساط الفنية ثم عاد إلى مصر ومكث فيها مدة سنتين يعطي دروساً موسيقية خاصة. صلاته مع الفنانين:

لقد كان الفقيد كريم الخلق، نبيلاً في مقاصده وعواطفه نحو زملائه الفنانين، وكان بينه وبين فقيد الفن العبقري المرحوم اسكندر شلفون علاقات ودية وثيقة العرى، وكانا على اتصال دائم مدة إقامة وديع صبرا في مصر وكان اسكندر شلفون يطلعه على كل ما يتوصل إليه في الموسيقى الشرقية، ويتبادلان الآراء، وبعدما جاء إسكندر إلى بيروت واستقر فيها طلب وديع صبرا من الحكومة سنة 1928 تعيينه أستاذاً في المعهد الموسيقي للاستفادة من مواهبه ونبوغه الفني ولكن حال دون تحقيق هذه الأمنية ضيق الموازنة المخصصة للمعهد.

مؤلفاته:
لقد أنفق هذا النابغة المتفنن ماله وقضى حياته في خدمة الفن الموسيقي وله مؤلفات وألحان كثيرة منها أوبرا تركية والنشيد العثماني وتراتيل كنائسية من الصولو مطبوعة في باريس ونشيد موسى اوراتوريو وفالس لكونس وجانوت من مقام (منير) وألف ولحن سنة 1917 أوبرا (رعاة كنعان) وهي أول أوبرا في اللغة التركية وأوبرا (الملكين) وهي أول أوبرا في اللغة العربية ولحن أوبريت افرنسية ومنها (المهاجر) ووضع النشيد الوطني اللبناني سنة 1917 و (30) لحناً شرقيا وآخر ما لحنه الأناشيد الثلاثة: (ذكرى الأم) من نظم الشاعر شبلي الملاط، (أمنا الأرض) من نظم رشدي المعلوف، (انتهى كل شيء) من نظم الشاعر سعيد عقل.


خدماته الفنية:

وفي سنة 1925 استقر في بيروت وكلفته الحكومة اللبنانية تأسيس المعهد الموسيقي اللبناني الرسمي (الكونسرفاتور الوطني) الذي ما زال حتى وفاته رئيساً له.

أحواله الخاصة:

وفي 22 نيسان 1921 اقترن بالآنسة الفاضلة آديل بنت اسكندر مسك، ولم ينجب ولداً شأنه في ذلك كأكثر النوابغ والعباقرة الذين حرمهم الدهر نعمة الذرية لينعم المجتمع بمواهبهم الفذة وكانت هذه السيدة مثال الزوجة الصالحة في أخلاقها وتوفيرها الراحة لقرينها العبقري، ويتجلى حنان الفقيد وحبه للنسل بأنه تبنى ابنة سماها (بديعة صبرا) وقد ورثت عنه عبقريته في الفن الموسيقي، وبعدما غرس فيها أولى قطرات نبوغه تابعت دراستها الفنية بعد وفاته في معاهد الموسيقى العالية في إيطاليا.

وفاته:
وفي اليوم الحادي عشر من شهر نيسان سنة 1952 ارتفعت روح نابغة الفن إلى عالم الخلود وألحد مع أسرار فنونه في مقبرة أسرة صبرا في المدفن الإنجيلي الوطني في رأس النبع في مدينة بيروت وخسر الفن أعظم ركن بوفاته وترك ذكراً حميداً بمآثره ومناقبه المجيدة ونال أوسمة الأرز والاستحقاق اللبناني وقلدته الحكومة بعد الوفاة وسام الاستحقاق اللبناني المذهب وأوسمة أخرى.