وكانت خطة السقوط التي رسمتها الموساد أغرب من الغرابة... فبينما كان عارياً في الفراش المستعر قالت له جين وهي تمرر المنشفة على وجهه :

Ø     أنت مصري رائع، أشعرتني بأن "للحب" مذاقات لذيذة أخرى.

أجابها في ثقة:

Ø     هذا ما تعلمته منكم.

سألته في دلال:

Ø     ألم تكن لديك صديقة في مصر؟

قطب حاجبيه وأجاب بسرعة:

Ø     لا ... لا ... الجنس في مصر يمارس بشكل متحرر في الخيال... وفي السر فقط. والصداقة بين الجنسين لا تعرف الجنس ولكنها تضج بالكبت وتفوح منها أبخرة الرغبة.

في نعومة زائدة سألته وهي تفرك أذنه:

Ø     وماذا تقول عني أيها المصري الشقي؟

قال وهو يقبلها: أفردويت ابنة زيوس وهيرا التي ولدت من زبد الماء في بحر إيجه ، وهي الآن بأحضاني.

ردت وهي تحتضنه في تدلل:

Ø     لا تبالغ كثيراً!!.

ضغطها بين ذراعيه متولهاً وهو يقول:

Ø     أنت أروع فتاة عرفتها... ولن أتركك أبداً.

تنهدت في حزن:

Ø     للأسف يا سمير ... سأتركك مضطرة خلال أيام.

لن أعيش وحيداً

انتفض منزعجاً وهو يبعد وجهها عن صدره ليتأمله:

Ø     جين ؟ ماذا تقولين؟ عندما عثرت عليك امتلكت الحياة وسأموت بدونك.

عانقته وهي تقبله في حنان بالغ:

Ø     فضلت أن أصارحك الآن قبل أن أغادر ميونيخ فجأة.

تشبث بذراعيها فتألمت وقال:

Ø     سأجيء معك حتى آخر الدنيا فلا دنيا لي سواك.

Ø     مستحيل...

تنهد في زفرة طويلة وأردف:

Ø     سأثبت لك يا جين أن لا شيء مستحيل...

وفي نعومة الحية قالت:

Ø     أرجوك ... أنت لا تعرف شيئاً... فلا تضغط على أعصابي أكثر من ذلك.

هزها بين أحضانه وهو يردد:

Ø     أحبك لدرجة الجنون منذ رأيتك في البرنسيس يا أجمل برنسيس في الدنيا.

Ø     أحبك أيها المصري الأسمر "قالتها وهي تداعب شعره في ابتسامة عريضة".

مرت فترة صمت قبل أن يضيف:

Ø     تركت مصر وعندما رأيتك أحسست أنك وطن آخر... نعم أنت الآن لي وطن وأهل وحياة ... ولن أتركك ترحلين فأغترب وأحترق.

تبدلت نبرتها إلى نبرة حزن وهي تقول:

Ø     أنا أيضاً أعيش معذبة بعدما مات والدي منذ سنوات. إن الوحدة تقتلني وترهقني معاناة القتامة، لذلك فأنا أموت كل ليلة من التفكير والقلق. وبي حاجة إلى صديق وحبيب يؤازرني.

تساءل:

Ø     أليس هانز صديقا؟

أجابت مفتعلة الصدق والألم:

Ø     لا .. إنه رئيسي في العمل وفي ذات الوقت ملكه. إنني مثل سلعة تافهة يروجونها مجاناً.

تجهم وجهه وقطب حاجبيه وهو يسألها:

Ø     من ؟ من هؤلاء الذين تقصدين؟

تلتصق به كالخائف الذي يلوذ بمن يحميه..

Ø      ... ... ... ... ... ... ... ... ؟

في لهجة جادة يعاود سؤالها:

Ø     أجيبيني من فضلك جين ..

تزداد جين التصاقاً به ويرتعش جسدها بين يديه وتهمس بصوت متهدج:

Ø     لا أستطيع ... لا أستطيع ... مستحيل أن تثق بي بعد ذلك.

في إلحاح مشوب بالعطف:

Ø     أرجوك جين .. أنا أحبك ولن أتركك أبداً... من هؤلاء الذين تعملين معهم؟

ركزت نظراتها على عينيه موحية له بالأسف:

Ø     الموساد ..

Ø     موساد ؟ !!

ردد الاسم ويبدو أنه لم يفهم... إذ اعتقد أنهم جماعة من جماعات الهيبز التي كانت قد بدأت تنتشر في أوروبا وتطوف بالميادين هناك والشوارع.

Ø     نعم الموساد .. ألا تعرف الموساد؟

نظرت في عينيه بعمق تستقرئ ما طرأ على فكره .. واقتربت بشفتيها منه وأذاقته رحيق قبلة ملتهبة أنهتها فجأة وقالت له:

Ø     إنها المخابرات الإسرائيلية.

وأكملت مص شفتيه لتستشف من حرارته رد فعله.

ولما رأت جين أن حرارة تجاوبه لم تفتر بل إن امتزاج الشفاه كان على أشده.. تعمدت ألا تحاول استقراء أفكاره، وهيأت رائعات اللذائذ، وأسبغت عليه أوصاف الفحولة والرجولة فأنسته اسمه ووطنه الذي هجره.. والذي خط بالقلم أول مواثيق خيانته.

وبعد أن هدأت ثورة التدفق قالت له بخبث:

Ø     هل ستتركني أرحل؟ بيدك أن أظل بجانبك أو أعود إلى تل أبيب. أجاب كالمنوم:

Ø     بيدي أنا.. ؟ كيف ؟ لا أفهم شيئاً..

عانقته في ود مصطنع وبكت في براعة وهي تقول:

Ø     لقد كلفوني بالتعرف على الشباب العربي الوافد إلى ميونيخ، خاصة المصريين منهم وكتابة تقارير عما أعرفه من خلال حوارنا في السياسة والاقتصاد .. لكنني فشلت فشلاً ذريعاً بسبب اللغة. فالمصري أولاً ضعيف في الإنكليزية لأنه يهتم بالدويتش، وهم أمهلوني لمدة قصيرة وعلى ذلك لا مكان لي هنا.

وكان الأمر ثانوياً بالنسبة له:

Ø     ماذا بيدي لأقدمه لك؟

بتوسل شديد يغمسه الحنان قالت:

Ø     تترجم لي بعض التقارير الاقتصادية من الصحف المصرية والعربية وليس هذا بأمر صعب عليك.

أفاق قليلاً وقال:

Ø     وهل المخابرات الإسرائيلية تجهل ما بصحفنا لكي أقوم بالترجمة لها؟

أجابت في رقة:

Ø     يا حبيبي أريد فقط أن أؤكد لهم أنني ألتقي بمصريين وأقوم بعملي معهم.. ولا يهمني إن كانوا يترجمون صحفكم أو لا يترجمونها. أريد أن أظل بجانبك هنا في ميونيخ...

وطال الحوار بينهما وعندما خافت جين من الفشل في تجنيده.. أجهشت بالبكاء وهي تردد:

Ø     لا حظ لي في الحب... ويبدو أن صقيع الحياة سيظل يلازمني الى الأبد.

أخذتها نوبة بكاء هستيرية وهي تنعي حظها في الحب وافتقادها للدفء والحبيب... فما كان منه إلا أنه جذبها الى صدره بقوة وهو يقول:

Ø     مهما كنت ... لن أتركك ترحلين.