الدجل والشعوذة لا يفرق بين شرائح المجتمع

والمرأة متهمة باللجوء إلى الدجالين بدافع السيطرة على الزوج

يتعلق العديد من العرب بأوهام الخرافة والسحر لحل مشاكلهم الصحية والنفسية والاجتماعية، لاسيما المرأة التي تعد المتهمة الأولى باللجوء إلى الدجالين والمشعوذين بدافع الرغبة في السيطرة على الزوج، وبدافع الغيرة والحسد والمنافسة مع الأخريات على الجاه والمال والنصيب الأكبر من الحياة.

وفي مصر كان اللجوء إلى السحر والشعوذة قاصرا حتى وقت قريب على النساء اللاتي لم يحظين بنصيب اكبر من التعليم والثقافة، فضلا عن فقرهن وقلة حيلتهن في التعاطي مع مشاكلهن الاجتماعية والصحية، خاصة نساء القرى والنجوع، بينما الآن أصبح الطريق إلى الدجالين لا يفرق بين المتعلم والجاهل أو بين الغني والفقير، بل عرفته النساء اللاتي يطلق عليهن نساء مجتمع كناية على امتلاكهن للمال والعلم والثقافة.

وعرفت بعض البيوت المصرية طقوس الدجل والشعوذة باستخدام بعض النباتات المتعارف عليها عند العطارين مثل إشعال توليفة معينة من البخور أثناء صلاة الجمعة (تحتوي على البخور مضاف لها عين العفريت وشبه والفاسوخة)، وأيضا الحجاب الذي يوضع تحت وسادات السرير.

كما تلتزم النساء اللاتي يلجئن للدجالين بتنفيذ تعليماتهم تنفيذا صارما مثل بل الاحجبة وتوزيع مائها في أركان المسكن وعلى الباب ليخطي عليه المقصود من السحر، وتعليق حجاب على الجانب الأيسر من الصدر ليكون قريب من القلب، وذبح ديك ياسين (وهو ديك كبير الحجم والعرف)، وأيضا ذبح هدهد بغرض الهداية وتجفيف رأسه في مكان لا يفارقه الشمس والهواء ثم طحن منقاره ووضع زره من المنقار المطحون في طعام الزوج أو الابن، وأيضا طحن سبع ورقات من شجرة النبق بواسطة ظلتين، أو مسح المسكن بعرق حلاوة يوم الجمعة لطرد الحسد والعكوسات، ودق الماء في الهون أثناء آذان صلاة الجمعة لهداية الأطفال وغيرها من الطقوس التي تتميز بالغرابة والإثارة.

وقد التقينا بإحدى الشهيرات في ممارسة مهنة الشعوذة في حي مصر الجديدة الراقي والملقبة بسيدة القادرة، حيث قالت بكل فخر وتباهي "زبائني من كافة شرائح المجتمع، الرجال والنساء على حد سواء، وقد اكتسبت شهرة بسبب نجاحي في حل المشاكل المستعصية التي فشل فيها الطب بكل فروعه في حلها".

وأضافت سيدة، وهي أم لفتاتين لحق بهن قطار العنوسة وشاب في مقتبل العمر وتعد العائل الوحيد لهم بعد وفاة زوجها "أن النساء أكثر زبائنها بسبب تضاعف مشاكلهن الاجتماعية في هذا العصر سواء كانت مشاكلهن مع الزوج أو الأولاد أو تأخر زواج بناتهن، أو مشاكلهن مع عائلة الزوج أو الجيران أو زملائهن في العمل وغيرها من المشاكل التي أصبحت تعكر صفو حياة المرأة ولا تجد لها حلا في الطب النفسي أو عند المتخصصين فتلجأ إليه وببركة ربنا تجد الحل".

وعن طريقتها في حل للمشاكل تقول سيدة "أن لكل حالة علاج خاص، فالتي تبحث عن حل لمشاكلها مع زوجها أو عائلتها غير التي تبحث عن حل لمشاكل عنوسة ابنتها، وغير التي تعاني من مشاكل صحية، وبصورة عامة أنا أستعين بآيات قرآنية، وأنواع معينه من البخور، ولله الحمد تأتي بحلول عاجلة".

وعن مشاكل الرجال الذين يطرقون بابها قالت سيدة "مشاكل الرجال غالبيتها لجلب الرزق، أو لفك المربوط (وهو من تعرض لسحر منعه من ممارسة حياته الزوجية). أما الشباب من الجنسين وهم كثير فمشاكلهم غالبيتها عاطفية وكل أمانيهم أن ينجحوا في امتلاك من ملكوا قلوبهم، خاصة بعد ضعف حيلهم في الارتباط عاطفيا بمن يحبونه."

ونفت سيدة أن يكون عملها في الإضرار بالغير وهو ما يعرف بالسحر السفلي، ولكنها بكل فخر تقوم بفك السحر السفلي وطرد الأرواح الشريرة من الجسد. كما رفضت تحديد أتعابها قائلة "هذه أرزاق ولا افرض على أي زبون مبلغ مالي بعينه".

وانتهى لقائنا بالقادرة كما يلقبونها بسؤالنا عن سبب تأخر زواج بنتيها فقالت "جاء لخطبتهن الكثير ولكني رفضت وسأرفض حتى يأتي من يستحقهن!!".

وترى د. آمنة نصير أستاذ الفلسفة والعقيدة بكلية أصول الدين والشريعة بجامعة الأزهر والعميد السابق للكلية "أن المجتمع كله مشارك في تفاقم ظاهرة السحر والدجل، فالفضائيات مع الآسف تخصص حلقات كاملة عن السحر، ومن ثم نحن نرسخ قيم سلبية في حياة المرأة والأسرة ككل، وننسى أن ما أصابنا ما لم يكن يخطئنا، وما يخطئنا لم يكن يصيبنا، وأن الأرض لو اجتمعت على أن تصيبنا بخير ما أراده الله تعإلى لن يصيبنا، وأن الأرض لو اجتمعت على أن تقينا من شيء أراده الله تعإلى لن تقينا".

وتضيف د. آمنة "أن المرأة أكثر انجرافا لتيار السحر والدجل لأننا لا نبني القيم داخل نفوس أولادنا منذ الصغر، ولا نرسخ علاقة المرأة بالله، ولا ندعوها في البحث عن أسباب مشاكلها ولكن تربت على أنها كائن ضعيف ليس قوي البنية لا تستطيع أن تقف شامخة حتى في العادات الأسرية، فدائما الأخ هو المسئول عن أخته حتى ولو كانت أكبر منه سنا، والزوج مسئول عن الزوجة، ودائما نعاملها على أنها قاصرة، عديمة الأهلية، قليلة الحيلة، عديمة النضج، وهذه تربية مغلوطة من الصغر، ومن ثم تكون اكثر انجرافا للوقوع فريسة سهلة للدجالين لاستنزافها ماديا عندما تفرض عليها الظروف الاجتماعية مواجهة أي مشكلة".

وترى د. آمنة أن الحل هو أن تتضافر كافة مؤسسات المجتمع الدينية والثقافية والاجتماعية والتربوية بل والمجتمع بأكمله لمواجهة هذه القضية المعقدة والمركبة لأن المجتمع العربي يمر بمرحلة عصيبة مليئة بالسلبيات الإنسانية، ويواجه مشكلة ترسيخ العادات والتقاليد التي عرفها المجتمع الغربي منذ قرون مضت وتخلص منها إلى حد كبير بقتل السحرة والدجالين.

بينما أرجعت د.منى حامد خبيرة الصحة النفسية أسباب تفاقم ظاهرة الدجل والشعوذة إلى مشاكل عديدة منها البعد عن الدين وتراجع المؤسسات الثقافية والاجتماعية والتعليمية عن دورها الحقيقي في المجتمع وترسيخ مفهوم التواكل عند أفراد المجتمع ككل وغيرها من الأسباب. بالإضافة إلى تسابق المجتمع بصورة غريبة إلى استيراد الأفكار الغربية المتنافرة مع المعتقدات الدينية.

وعن رصدها لظاهرة انتشار الدجل والشعوذة في المجتمع المصري تقول د. منى "يأتي لي مرضى كثيرين يعانون من مشاكل اجتماعية، ولأنهم يتعجلون العلاج يستشيروني في الذهاب إلى الدجالين بحجة أن هناك نماذج فلح معها اللجوء للدجال".

والغريب أن هؤلاء المرضى من الطبقات المتعلمة والغنية بل فيهم من حصل على درجة الدكتوراه في تخصص علمي ما، وقد تزامن ذلك مع انتشار ظاهرة قراءة الفنجان والكف في النوادي الاجتماعية وأصبح لها متخصصين يدعون معرفتهم بالغيب وأن ما يمارسونه علم وليس دجل وشعوذة".

وتناشد د. منى جميع أفراد الأسرة، خاصة المرأة بالأخذ بالأسباب وعدم الانجراف وراء تيار الدجل والشعوذة، والبحث عن الحلول العملية والرجوع إلى العقيدة الدينية، واستشارة أهل العلم وليس الدجالين، كما تدعوا مؤسسات المجتمع بأكملها للتعاون من اجل الحد من هذه الظاهرة وعلاجها.