الميليشيات هي الوجه العسكري للطوائف والأحزاب والحركات السياسية في لبنان، التي تحاول، من خلالها، تحقيق بعض أهدافها. ولذلك، فإنه من المتصور أن ترتبط بأطراف خارجية، تقدِّم إليها الإمكانات العسكرية، والتدريب والمعلومات والأسلحة. ويكون الهدف الأساسي للأطراف الخارجية هو السعي نحو تحقيق مصالحها، المباشرة وغير المباشرة.

 ويذكر التقسيم التالي بعض هذه الميليشيات، والتي يمكن القول إنها تجاوزت الخمسين تنظيماً خلال التاريخ اللبناني , وهى تلك الميلشيات التي خاضت الحربالأهلية، مع العلم أن حزب الله لم يكن له أي وجود.

حزب الكتائب اللبنانية الحزب القومي السوري الاجتماعي
المرابطون- إبراهيم قليلات التنظيم الناصري - كمال شاتيلا
حزب البعث العراقي حزب البعث السوري
حزب النجّادة حركة ناصر
رواد الإصلاح - تمام سلام المقاومة الشعبية
حركة "أمل" المجاهدين  -الجماعة الإسلامية
الحزب التقدمي الاشتراكي فتيان علي
24 تشرين حزب بارتي الكردي
جند الله حزب الوطنيين الأحرار
حراس الأرز جيش التحرير الزغرتاوي
الحزب الشيوعي صقور الزيدانية
الجبهة الشعبية فتح
منظمة العمل الشيوعي الجبهة الديمقراطية

حزب الكتائب اللبنانية

يعتبر حزب الكتائب أشد الميليشيات اللبنانية خطراً، وأبلغها أثراً في الحرب الأهلية اللبنانية وهو ما يستدعي التعرض لها، بالتفصيل.

ينمّ اسم "الكتائب" على الملامح العسكرية لهذه الميليشيا، التي يتدرج تنظيمها من رهط إلى فصيلة، فوحدة فسَرية فكتيبة. فهي الوجه العسكري لحزب الكتائب، الذي فرض عليه، بعد الاستقلال، أن يعلن نفسه حزباً سياسياً. وليس تنظيماً عسكرياً.


ويقسم الحزب لبنان إلى وحدات صغيرة، يقيم بكل منها مسؤول عسكري، وآخر سياسي أو تربوي. وكانت إدارة الحزب محصورة في شخص رئيسه، إلى أن تقرر، عام 1942، أن يعاونه عليها مجلس شورى، من 18 عضواً، وُسِّع، بعد عشرة أعوام، ليضم 21 عضواً، وليصير اسمه: المكتب السياسي. وهو صاحب القرار في ما يتعلق بإقرار سياسة الحزب وتنظيماته، والتعيين في جميع الوظائف. وهو يتألف من رئيس الحزب ونائبه والأمين العام، ووزراء الحزب، ونوابه، الحاليين والسابقين، وخمسة أعضاء، ينتخبهم مجلس الحزب المركزي، لمدة سنتين.


يسيطر المكتب السياسي الكتائبي على اقتصاد لبنان، بسيطرة 11 عضواً فيه على 42 شركة ومصرفاً، ملكية أو إدارة. وبين هذه الشركات 4 أمريكية، وواحدة فرنسية، وأشهرها "كازينو لبنان" وهي شركة مساهمة، شديدة الخطر، إذ يُدفع من دخلها، ولا سيما أرباح صالة القمار فيها، العمولات إلى الوزراء والنواب وغيرهم، من دون سلطة رقابة، أو دليل، يسهل العثور عليه.


علاوة على 61 شركة، كان يملكها أنصار الحزب، الذين يشاركون، كذلك، قادة الحزب في ملكية بعض الشركات. وأدل مثال على ذلك شركات جورج أبو عضل، الخمس عشرة، وامتلاكه مجلة "الأسبوع العربي"، التي تُعَدّ أحد المنابر الكتائبية.


والظاهرة التي لا تقلّ أهمية عن تركيز الثروة والسلطة في يد نخبة محدودة، هي أن نصف المحاربين الكتائبيين هم شبان، كانت تقل أعمارهم عن 25 سنة، وهم يكونون معظم المقاتلين، إذ يسهل السيطرة عليهم، بالإغراء والإثارة وخلق الهوس الطائفي. فنجد أن 15% من أعضاء الحزب، تتراوح أعمارهم بين 14 و20 سنة. بينما 26% من الأعضاء، تتراوح أعمارهم بين 21 و25 سنة، أي أن 41% من أعضاء الحزب، كانوا دون 25 سنة. في حين أن نصف أعضاء الحزب، تترجح أعمارهم بين 26 و40 سنة.

أما الذين تجاوزوا الستين، فهُم 1% فقط.


ويلاحظ أن هناك علاقة وثيقة، بين نمو عضوية الحزب والأزمات. فعندما يبدو أن النظام السياسي مهدد، يتلقى الحزب مزيداً من طلبات الانتساب. ومع انخفاض الأزمات وحدّتها، ينسحب الأعضاء، ببطء، وبشكل غير رسمي، من صفوف الحزب. أما الذين يبقون فيه طويلاً، فلا تتجاوز نسبتهم 14 %، وهو ما حدث سنة 1958، حين تدفقت أعداد هائلة، إلى دخول الحزب، ومعظمهم من العمال. ولكن الموقف كشف مدى التناقض بينهم وبينه، وكانوا يمثلون مشكلة، إلى أن جدد الحزب بطاقاته، سنة 1960، فأصبحوا خارجه.


وشعار الحزب هو: "الله، الوطن، العائلة". وطبقاً لأيديولوجيته، فإن الفرد هو الوحدة الأساسية، بعد أن كانت هذه الوحدة، في البداية، هي العائلة. فهو فرد وعضو في مجتمع، يؤلف أُمة، ودولة ذات سيادة. والغريب، أن أيديولوجية الحزب، تلفت إلى أنه إذا كانت الأولوية للشخص، وإذا كانت قِيمة الشخص تأتي قبْل المجتمع، فإن ذلك لا يعني، أن "الكتائب" تنادي بالفردية، أو تحط من قِيمة المجتمع.


وقد تبنت فلسفة الكتائب دعوى القومية اللبنانية، وهي من فكر رهبان الجبل، في القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر. وهي، في الواقع، القومية المارونية. ولكن لأنهم يخلطون، عمداً، بين المارونية واللبنانية، فهُم يطلقون عليها قومية لبنانية، والهدف هو خلق كيان لمواجَهة القومية العربية. وهو ما أكده رئيس الحزب وقتها، بقوله إننا نؤمن بوجود قومية لبنانية، مساوية للقومية العربية. وإن ارتباطنا الأيديولوجي بالقومية اللبنانية، هو مصدر صراعنا مع القومية العربية.


"القوات اللبنانية"

ينطوي مصطلح "القوات اللبنانية" على معانٍ، تحمل توجهات قومية، تتجاوز المعايير الطائفية والانقسامات الدينية. غير أنها ارتبطت، في واقعها العملي، بالكيان الماروني.

كذلك، لا تُعَدّ "القوات اللبنانية" حزباً سياسياً، على الرغم من الخلط الشائع بينها وبين حزب الكتائب، الذي يُعَدّ أحد أركانها، والمهيمن عليها.


أ. نشأة "القوات اللبنانية"

ظهرت "القوات اللبنانية" كنتيجة للفراغ، الناجم عن انهيار السلطة المركزية، وغياب الأمن الداخلي، وعجز الحكومة المركزية عن القيام بالوظائف الملقاة على عاتقها. فهي قد نشأت، أول الأمر، إثر ثبات مخيم تل الزعتر في وجه الميليشيات المسيحية، وإحباط خططها لإبادته، التي شارك فيها عناصر من الجيش اللبناني، وتكبيدها خسائر فادحة، وكاستجابة لحاجة الميليشيات المسيحية المتحاربة إلى التنسيق فيما بينها، تحت قيادة مشتركة، عرفت باسم "مجلس القيادة المشتركة". وانتخب بشير الجميل قائداً لها، ولإحكام السيطرة، كذلك، على المخيم، في يونيه 1976. وأُحكم حصار المخيم، بمشاركة العديد من الميليشيات المسيحية، أهمها ميليشيات "الكتائب" و"التنظيم" وحراس الأرز و"الأحرار".

وكان العامل الأساسي الموحِّد لها، هو إدراكها المشترك أن التعاون أمر حتمي، وإلا فسوف يُقضى عليها، الواحدة تلو الأخرى. ودعم هذا الإدراك التجانس، من الوجهة الأيديولوجية، إذ إن تلك الميليشيات، تحارب من أجل هدف واحد مشترك، هو تحرير لبنان مما أسمته الاحتلال الفلسطيني.


وفي عام 1979، شرع "مجلس القيادة المشتركة"، يكوّن تشكيلات عسكرية منفصلة، ومميزة، عن الميليشيات الحزبية، تكُون مسؤولة أمامه، بصفة أساسية. وصاحبت عملية اندماج الميليشيات المسيحية، صعوبات عدة، أبرزها مقاومة لواء المردة، في شمالي لبنان، لسيطرة "القوات اللبنانية"، مما أسفر عن اغتيالها لقائده، طوني فرنجية. كذلك، اجتاحت "القوات اللبنانية" مَواقع ميليشيا حزب الأحرار، المعروفة باسم "النمور"، في 7 يوليه 1980. واستوعبت ما تبقى منها في نطاقها. وعُدَّ ذلك نهاية الاستقلال الذاتي للميليشيات.

 

وصار واضحاً، أن الجماعات السياسية، التي تشكل "القوات اللبنانية"، فقدت هياكلها العسكرية المستقلة، وأن على الذين يعارضون عملية التوحيد، إما أن يطلبوا الحماية السورية، كما فعل سليمان فرنجية، وإما أن يذعنوا لصوت العقل، بالانصهار في القوات، كما فعل كميل شمعون.


هيكل "القوات اللبنانية" التنظيمي

اكتسبت "القوات اللبنانية" صفة الميليشيات، لكونها جيشاً مدنياً، يختلف عن الجيش المحترف. فغالبية أعضائه، يحتلون وظائف مدنية، أو هم طلاب في الجامعات، ويخدمون، في الوقت نفسه، في "القوات اللبنانية". وعلى الرغم من أن غالبية أعضائه من المتطوعين، إلا أنه بدأ، في يوليه 1982، في تطبيق نظام للتجنيد، يبدأ ببرنامج تدريبي، لمدة سنتين، في المدارس الثانوية، خلال العطلات الأسبوعية، والإجازة الصيفية لمدة 21 يوماً، وذلك قبْل التجنيد. وبعد التخرج، يقضي المجندون ثلاثة أشهر في التدريب الأساسي، وشهرين في التدريب التخصصي، ويعقب ذلك 10 أشهر خدمة عسكرية حقيقية. ويشمل نظام الخدمة الذكور والإناث.


و"القوات اللبنانية" منظمة، وفقاً للخطوط العسكرية التقليدية. إذ تضم ألوية وكتائب وفصائل وسرايا. ولا تقتصر تشكيلاتها على المشاة، وإنما تضم، كذلك، المدفعية والمدرعات، ولواء خاصاً بحرب الجبال، ومهندسين عسكريين، وأسطولاً بحرياً صغيراً.


وأهم أجهزتها البيروقراطية، تتمثل في "مجلس القيادة"، وهو الفرع التنفيذي الرئيسي لـ "الجبهة اللبنانية". وتتركز فيه كافة أنشطة القوات اللبنانية. احتل فيه بشير الجميل منصب القائد العام، حتى اغتياله، في 14 سبتمبر 1982. وخلفه فادي أفرام، الذي انتخب لهذا المنصب، قبْل الاغتيال بيوم واحد. وأعقبه انتخاب فؤاد أبو ناضر قائداً عاماً لـ "القوات اللبنانية". ويتألف مجلس القيادة من ممثلين عن الميليشيات الرئيسية، التي شكلت "القوات اللبنانية". ويضم، كذلك، أعضاء، ليس لهم حق التصويت، وهم رؤساء مكاتب العلاقات، الخارجية والمالية والخدمات العامة. أما الخلفية الاجتماعية لـ "القوات اللبنانية" فإنها تضم محامين ومهندسين وطلاباً من الطبقة الوسطى. وعلى الرغم من الهيمنة المارونية على صفوف "القوات اللبنانية"، إلا أنها تضم عدداً محدوداً من الروم الكاثوليك والأرثوذكس اليونانيين والأرثوذكس الأرمن وفئات أخرى من المسيحيين.


العلاقة بين "القوات اللبنانية" و"الجبهة اللبنانية"

تُعَدّ "الجبهة اللبنانية"، هي المجلس الموجِّه، للقيادات المسيحية كافة، في لبنان، فهي تحدد الخطوط الرئيسية للسياسة العامة. وتمثلت المحاولة الأولى لتشكيل الجبهة، في تأسيس جبهة "الحرية والإنسان"، كرد فعل للقتال، الذي نشب في بيروت، عام 1975. وضمت الجبهة زعماء الأحزاب التاريخيين، ورؤساء الميليشيات المسيحية، فإضافة إلى كميل شمعون وبيار الجميل وسليمان فرنجية وشارل مالك، ضمت، كذلك، قائد ميليشيا "التنظيم"، وزعيم حراس الأرز، ورئيس "حركة الشباب اللبنانية".


وفي عام 1977، عدِّل تشكيل الجبهة، لتقتصر على القادة السياسيين المدنيين فقط. ونظم قادة الميليشيات أنفسهم في مجلس القيادة المشتركة. ويحضر القادة العسكريون اجتماعات الجبهة، حين مناقشة المسائل العسكرية.


حركة سمير جعجع

يمكن النظر إلى "القوات اللبنانية" على أنها امتداد لمجموعة من الأحزاب والميليشيات المكونة لها. فعلى الرغم من أن "الكتائب" عُدَّت أحد أركان "القوات اللبنانية"، إلا أن هناك خطوطاً واضحة بينهما. كما أن "القوات اللبنانية"، تضم في صفوفها عناصر، علاقاتهم محدودة، أو معدومة بحزب الكتائب. ويتّضح الفارق بين "الكتائب" و"القوات اللبنانية" في مصدر التجنيد السياسي. فعضوية "الكتائب"، تستمد، أساساً، المناطق الجبلية، وهي مناطق النفوذ التقليدي لحزب الكتائب. بينما "القوات اللبنانية" تضم، أساساً، أعضاء ينتمون إلى المناطق الحضرية، وبصفة خاصة ضواحي بيروت. ويمكِن القول إن العلاقة المتميزة بين "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، ترجع إلى جبهة متسعة من المؤيدين لحزب الكتائب، داخل صفوف "القوات اللبنانية". إلا أن هذا لا يعني أن "القوات" هي أداة تابعة للحزب، إذ إنها تحتفظ بهياكلها المستقلة، والمتميزة.


وقد برز ما سمي بحركة سمير جعجع، في 12 مارس 1985، بعد قرار قيادة حزب الكتائب طرد جعجع من صفوفه، لرفضه قراراً حزبياً بإزالة حاجز البربارة، الذي ظلت تنصبه "القوات اللبنانية" على الطريق الدولي، بين بيروت وطرابلس، منذ 1978. وقد عكست حركة تمرد سمير جعجع "الأزمة"، التي عاشتها الفاعلية السياسية المسيحية اللبنانية.

أثر حركة سمير جعجع على الوضع اللبناني

أثارت حركة سمير جعجع الطوائف كافة، التي رأت فيها محاولة لإعادة فرز الأوراق وتوزيعها، بما يحقق سيطرة المعسكر المسيحي، ورغبة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بما يعرّض للخطر المحاولات الجارية، آنذاك، لإرساء أُسُس المصالحة الوطنية.


إلاّ أن حركة جعجع، قيدت بعوامل عدة، على المستويَين، المحلي والإقليمي.
 

المستوى المحلي: أحدثت هذه الحركة سلسلة من ردود الفعل، تراوحت بين الرفض والاستنكار، والتأييد المتفاوت، محلياً وإقليمياً. فالمنطقة، التي تضم بيروت الشرقية والجبل وساحل كسروان وجبيل، هي معزولة تماماً. إذ تبدأ، عند طرفها الشمالي، المَواقع، التي كان سيطر عليها الجيش السوري ورجال سليمان فرنجية، الذي يتهم سمير جعجع باغتيال نجله، طوني فرنجية، في يونيه 1978. وفي داخل المنطقة المذكورة، يقع المتن الشمالي، الذي تتمركز فيه قوات ميليشيا حزب الكتائب، التي كانت موالية للرئيس أمين الجميل، إلى جانب وحدات ضخمة من الجيش اللبناني. هذا الوضع جعل من السهولة تطويق القوات المنشقة واختراقها، بل القضاء على الانشقاق قضاءً تاماً. ناهيك أنه كان في مقدور أمين الجميل استعادة مَواقعه، إذا سمح للجيش الشرعي بالدخول في معارك ضد جعجع، غير أن مثل هذه الخطوة، كان من الممكِن أن يؤثر، سلباً، في وحدة الصف المسيحي.


زد على ذلك، أن سمير جعجع، كان يفتقر إلى وسيلة قوة فاعلة. بينما تمكّن الرئيس أمين الجميل من تمثيل كل اللبنانيين، على الرغم من انتقادات المسلمين. كما أن الأطراف المسيحية، كانت غير مستعدة لمغامرات شخصية، أي استبدال زعامة جعجع وأقرانه بزعامة الجميل، بعد أن عانى لبنان الكثير من آثار السياسات، القبَلية والطائفية. وهو ما اتّضح في ردود فعل مسيحيي الجنوب اللبناني، عندما حاولت القوى المتمردة مدّ نفوذها فيه إلى مناطق، لم تسيطر عليها من قبْل. أمّا حليف "القوات اللبنانية" المتمردة، المحتمل، إسرائيل، فكان عدم الثقة ينتاب العلاقة بين الحليفَين، على أثر معارك الشوف. أضف أن دخول القوات المتمردة في مواجَهة مع بقية الأطراف المناوئة، هو انتحار جنوني، في ضوء القوة، بمفهومها العسكري. فجيش لبنان النظامي، كان يبلغ قوامه 50 ألف مقاتل.

 

وجيش التحرير الشعبي 800 مقاتل، والتوحيد الإسلامي ولواء المردة 1000 مقاتل، وحركة أمل 2000 مقاتل، فضلاً عن القوات السورية التي يربو عددها على 40 ألف مقاتل. وهي أعداد قادرة على سحق القوات المتمردة.


المستوى الإقليمي: لم تقف ردود الفعل، إزاء حركة جعجع في المنطقة الشرقية من بيروت، عند منطقة جغرافية محدودة، بل كان لها انعكاسات ومعطيات أبعد من لبنان. فحزب الكتائب أو "القوات اللبنانية"، عاش، في الثمانينيات، حيرة في العلاقة بسورية، وإمكانية تطويرها، بما فيه مصلحة الحل السلمي والوفاق الوطني والعلاقة بإسرائيل، بأي ثمن، خدمة لمخطط التقسيم، واستعار الصراع الطائفي. في الوقت عينه، لم تكن حركة جعجع مفاجئة لصانعَي القرارين، الإسرائيلي والسوري. فكلاهما على علم بالتطورات الجارية في الجبهة المسيحية، ويسعى إلى توظيف تلك التطورات في ما يخدم مصالحه وأهدافه، المغايرة لمصالح الآخر وأهدافه. ورأت سورية في تفكك القاعدة، التي يمثلها أمين الجميل، أفضل الفرص لإغرائه بالإقدام على المزيد من التنازلات، من خلال سياسة إضعاف القوي، وتقوية الضعيف، والاحتفاظ بدرجة من التوازن بين القوى اللبنانية، تتيح ضمان سيطرة سورية وهيمنتها. غير أن ظهور حركة التمرد، بشكلها المسلح، والمعادي لسورية، دفع دمشق إلى العمل على تطويقها، بدعم الرئيس أمين الجميل، وتقوية "القوات اللبنانية".