السُّنة  :
وهم أكبر المذاهب الإسلامية عدداً. ويتركزون في شمالي لبنان ووسطه، خاصة في مدينتَي طرابلس وبيروت. وقد ارتفع شأنهم، خلال توقف الحروب الصليبية، بل عمد الحكام إلى نقْل أُسَر سُنية إلى السواحل اللبنانية، لتتولى حمايتها من أي عدوان، ولتكون قوة رادعة لأي تحرك مسيحي من الداخل. ولا يزال معظَم السُّنة منتشرين على طول الساحل، وفي مدنه. ويتميز السُّنة بمستوى ثقافي عالٍ. ويشاركون، بفاعلية، في الحياة السياسية. ويشغلون كثرة من المناصب، القضائية والإدارية والسياسية. ومنهم يختار مفتي الجمهورية اللبنانية. وهم يمثلون حوالي 25 % من عدد السكان في لبنان.

الشيعة :

يقطنون في جبل عامل، في جنوبي لبنان، وفي سهل البقاع، ولا سيما حول بعلبك. وهم أقرب إلى التشكيل العشائري العربي التقليدي، وإنْ استطاعت أسرة "حمادة"، أن تمد سيطرتها من البقاع، إلى منطقة الموارنة الجبلية.


الدروز :

وُلدت عقيدتهم في مصر، ثم صدرت إلى الشام. وكانت، في نظر علماء المسلمين، خروجاً على تعاليم الإسلام. فعانوا كثيراً من اضطهاد الحكام لهم. ومثلما احتمى الموارنة بجبل لبنان الشمالي، تركز الدروز في المناطق الجبلية الوعرة، في جبل العرب، "جبل الدروز"، في سورية، والشوف ومنطقة الغرب في لبنان.

 الموارنة :

يمثلون أحد الجيوب، التي تكونت في أواخر العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، "موارنة جبل لبنان"، الذي هاجروا إليه، فراراً من اضطهاد مخالفيهم في العقيدة من المسيحيين. وهناك في الجبل، بين زغرتا وبشري وإهدن وكسروان، نمت الطائفة المارونية، ثقافياً ومذهبياً، على يد الكنيسة المارونية. ولكن خلال الحروب الصليبية، عاون الموارنة الصليبيين، فأخذهم المسلمون، بقسوة، خلال القضاء على الوجود الصليبي وعقبه، في الشام، في القرن الثالث عشر. غير أن آمالهم، ظلت معلقة بالغرب، في انتظار كَرَّة صليبية جديدة.
ولكن حكام المسلمين، وأدوا تلك الآمال، إذ أحلوا، إبّان الحروب الصليبية وفي أعقابها، أُسَراً إسلامية سُنِّية، السواحل اللبنانية، لتتولى حمايتها من أي عدوان جديد، ولتكون قوة رادعة لأي تحرك معادٍ من الداخل. ولا يزال معظَم السُّنيين منتشرين على طول الساحل، وفي مدنه.


العلاقة الخاصة بين إسرائيل والموارنة

في 29 يوليه 1937، قال بن جوريون، تعليقاً على لجنة بيل: "إن إحدى الميزات الأساسية في الخطة الصهيونية، هي أنها تجعل لنا حدوداً مشتركة مع لبنان. فهو الحليف الطبيعي لفلسطين اليهودية. وهو محاط، مثلنا، ببحر إسلامي. وهو، مثلنا، جزيرة حضارية في صحراء بدائية. ولذلك، فلبنان في حاجة إلى دعمنا وصداقتنا، قدر ما نحن في حاجة إلى دعمه وصداقته. وسوف تجد الدولة اليهودية فيه حليفاً وفياً، منذ اليوم الأول لوجودها. ولن يكون مستبعداً أننا سنجد، عبْر لبنان، الفرصة لتوسيع عملنا مع جيراننا".


ناهيك مطامع إسرائيل المعروفة في جنوبي لبنان حتى نهر الليطاني، التي تحدث عنها حاييم وايزمانChaim Weizmann، في مؤتمر باريس. فضلاً عما كشفته الرسائل المتبادلة بين بن جوريون وموشي شاريتMoshe Sharettوإلياهو ساسون، موضحة أن بن جوريون اقترح، عام 1954، العمل على إنشاء دولة مارونية مستقلة في لبنان، وأن ذلك يخدم مصالح إسرائيل. ولكن موشي شاريت، عارض الفكرة. أمّا ساسون، فأبدى شكوكه في إمكانية تحقيق ذلك.


إذا كان هذا هو الموقف في الماضي، فإن الموقف، قبْل الحرب الأهلية مباشرة، عبرت عنه جريدة "هاآرتس" الإسرائيلية، في يناير عام 1975، حين رأت أنه يجب على إسرائيل، أن تدرس الوسائل الفاعلة، لدفع نظام الحكم في لبنان إلى العمل على تقليص عمليات "المخربين" من أراضيه. وأوضح تعليق لحاييم هرتسوجChaim Herzog، من إذاعة إسرائيل، بعد خمسة أيام، أن هناك شعوراً بأن النشاط العسكري الإسرائيلي في جنوبي لبنان، ليس فاعلاً. ولذلك، كان لا بدّ من البحث عن وسيلة أخرى. ويذكر إسحاق رابين، بعد اندلاع الحرب الأهلية، وكان رئيساً للوزارة الإسرائيلية، "أن الحرب اللبنانية، قد تركت المستعمرات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية تحس بالأمان".

أعلى الصفحة
وذلك يعني:

أن إسرائيل ترى في موقف الموارنة حليفاً طبيعياً، منذ البداية.

أن نشوء دولة للموارنة في لبنان، هو في مصلحة إسرائيل، التي سعت إلى تحقيقه.

أن إسرائيل تفهمت جيداً سلبيات تجربة الحكم في لبنان، فأمكنها التعامل معها.

أن استمرار أزمة لبنان، يحقق لإسرائيل الراحة والأمان من العمل الفدائي.

أن ما طرحه بيار الجميل، في يناير 1975، على الساحة اللبنانية، هو عينه ما طالبت به إسرائيل.
ودحضت حقائق عدة نفي إسرائيل لأي دعم أو تنسيق، بينها وبين "الجبهة اللبنانية". لعل أولاها الاجتماعات بين قيادة الجبهة وإسرائيل، إثر زيارة شربل القسيس، رئيس الرهبانيات، إلى إسرائيل، في 5 أبريل 1975، والتي انتهت مساء 13 أبريل، أي بعد ساعات من مذبحة عين الرمانة. ثم متابعة الاجتماعات، من طريق البحر، في إسرائيل، أو في ميناء جونيه، البلدة التي عدتها "الجبهة اللبنانية" عاصمة لها. وقد أعلن عبد الحليم خدام، وزير خارجية سورية، أن كميل شمعون، اتصل بإسرائيل أربع مرات، حتى 10 يناير 1976، وأن شيمون بيريزShimon Peres، وزير دفاع إسرائيل السابق، زار جونيه 3 مرات، آخرها كان في 10 أغسطس 1977، واجتمع خلالها بكميل شمعون.

وكانت أولاها في مايو 1976، حين تحركت ثلاث سفن صاروخية، من ميناء حيفا إلى جونيه، وكانت إحداها تحمل إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، وشيمون بيريز، وزير الدفاع. وانضم إليها سفينتان، تحمل الأولى كميل شمعون، وكان وزيراً للداخلية. والأخرى تحمل بيار الجميل، ويقودها رجال الضفادع البشرية الإسرائيليين. كما أن الزعيمين رفضا التقاء رابين معاً. وقد طلب كلٌّ منهما التدخل الإسرائيلي المباشر في الحرب الأهلية.
وقدرت المساعدات الإسرائيلية لـ "الجبهة اللبنانية" بما قِيمته 35 مليون دولار، مساعدة مباشرة، ترتفع إلى 100 مليون، بالمساعدات غير المباشرة. ومنها نفقات فرض الحصار على الساحل اللبناني. وضمت قائمة الأسلحة، التي قدمتها إسرائيل إلى الجبهة، 110 دبابات، مع 5 آلاف بندقية آلية، علاوة على 12 ألف بندقية، إضافة إلى الملابس والمأكولات. ودربت إسرائيل في معسكراتها 1500 من متطوعي الجبهة. فضلاً عن أن ضباط إسرائيل، كانوا على اتصال هاتفي مباشر مع قوات الجبهة.
وقد بلغ تدفق الأسلحة إلى "الجبهة اللبنانية" حدّاً، أقفل معه ميناء جونيه، في أول يوليه، لأسبوعين، أفرغت، خلالهما، سفينتا شحن إسرائيليتان حمولتهما من الأسلحة؛ إذ لم يقتصر دور السفن الإسرائيلية على شحن الأسلحة الإسرائيلية، بل تعداه إلى شحن أسلحة حلف شمال الأطلسي، المرسلة إلى الموارنة، وشاركتها في الشحن منظمة إيوكاEOKAالقبرصية. وأكد دين براون، المبعوث الأمريكي إلى لبنان، أن إسرائيل قدمت المساعدات العسكرية إلى "الجبهة اللبنانية"، التي وجّه قادتُها خطاب شكر إلى وزير الدفاع شيمون بيريز، لدعمه قرى الجنوب اللبناني المسيحية. بل تشكلت في إسرائيل "لجنة مساعدة جنوبي لبنان"، التي تقنعت بتقديم الأغذية والأدوية. وأسقط قناعها نقلها، مثلاً، 40 طناً من الأسمنت، لبناء تحصينات عسكرية لقوات "الجبهة اللبنانية".
طالما سعت إسرائيل إلى "تعويد" اللبنانيين، في الجنوب، شيعة وموارنة، التعامل معها، في مجالات مختلفة، حتى ترتبط مصالحهم بإسرائيل. فلم يتردد جيشها في تقديم مساعدات طبية إلى عدد من اللبنانيين، في مستشفاه على الحدود، وفي توفير الملجأ المؤقت أو الدائم لهم، إلى جانب المساعدات الغذائية، وتسويق منتجاتهم الزراعية. فضلاً عن التنسيق بين الجنرال أرييل شارون، قائد الاحتياطي الإسرائيلي، في القطاع الجنوبي، وسعد حداد، قائد قوات "الجبهة اللبنانية" في الجنوب.


الروم الأرثوذكس :

هم أكثر المسيحيين تعلقاً بالعرب والعروبة. وقفوا إلى جانب المسلمين ضد الصليبيين. كما أن رجال الدين العرب الأرثوذكس الفقراء، قضوا، إلى حدّ ما، على الإكليروس اليوناني في الكنيسة الأرثوذكسية، في القرن التاسع عشر، لتصبح ذات طابع عربي. ويكثُر الأرثوذكس في منطقة "الكورة". ويبدو أن انخفاض مستوى المعيشة بينهم، جعلهم هدفاً للبعثات التبشيرية، التي استطاعت أن تحوّل العديد منهم إلى موارنة وبروتستانت وكاثوليك.

الأرمن:
فرت أعداد كبيرة منهم إلى لبنان، واستقروا في بيروت، حيث حافظوا على كيانهم الطائفي، إلى جانب العديد من الطوائف الصغيرة الأخرى، مثل السريان والكلدان واليهود، حتى بلغ عدد الطوائف المعترف بها، قانوناً، في لبنان، في الوقت الحاضر، 17 طائفة.
وأثناء الحكم المصري، شن عليه الموارنة والدروز حرباً، كانت بدورها، حرباً طائفية؛ إذ جمع الدروز والموارنة عداؤهما للمصريين، والعمل على إخراجهم من جبل لبنان. وإثر تدخّل الدول الكبرى ضد المصريين، غادر هؤلاء لبنان، فانفرط عقد الموارنة والدروز، ووجد كل منهما نفسه في مواجَهة الآخر. وما لبثا أن دخلا في صراع دموي رهيب، استمر من عام 1845 إلى ما عرف بـ "مذابح الستين" (1860). وأرسلت الدولة العثمانية حملة لتُنزل الضربات الشديدة بالدروز؛ إذ كانت أقدر على ضرب الدروز منها على ضرب الموارنة، الذين يحظون بعطف أوروبا، الطامعة في الشرق. وعمدت فرنسا إلى إرسال حملة إلى لبنان، دعماً للموارنة، وتأديباً للدروز، الذين توالت نكباتهم، حتى باتوا يبكون الحكم المصري.
ومنذ ذلك الحين، والأُسَر المارونية، تعيش على ذكريات تلك المذابح، والأُسَر الإسلامية والدرزية، تبكي شهداءها، ومجدها الذي فقدتْه، وكلٌّ ينظر إلى الآخر بحذر شديد، خاصة الموارنة، الذين جعلهم شعورهم بأنهم أقلية، وسط أغلبية إسلامية ساحقة، في المشرق، يغالون في الحذر، حتى ترسخ فيهم الخوف، الذي أصبح، من وجهة نظر الزعامات الإسلامية، الدافع الأقوى للعصبية المارونية.
وعقب مذابح 1860، وضعت تسوية على أساس طائفي، في مصلحة المسيحيين، وذلك في ما عُرف باسم نظام المتصرفية (1861 ـ 1915). إذ تقرر أن يحصل الجبل على نوع من الحكم الذاتي، تحت رئاسة مسيحية، ويديره مجلس إدارة، وزِّعت مقاعده على الأساس الطائفي. كما تقرر أن يكون مأمور كل مقاطعة من الطائفة ذات الأغلبية العددية فيها. وأصبح لكل طائفة قضاتها. وحالت هذه القاعدة الطائفية، في رأي المسلمين اللبنانيين، على الرغم من تعديلاتها غير الجوهرية، دون أن يصبح لبنان مجتمعاً متحداً، اجتماعياً.

أعلى الصفحة
وفي عهد المتصرفية، انطلق الموارنة في تطور سريع، ثقافياً وسياسياً واجتماعياً.

وازدادت روابطهم بفرنسا قوة. وأصبحوا مَعيناً لا ينضب، من محترفي الصحافة والطباعة والتأليف والمسرح، فضلاً عن الصرافة وأعمال التجارة؛ في الوقت الذي كان فيه تطور الطوائف الأخرى بطيئاً جداً. وأغرى الموارنة تطورهم بالتطلع إلى استقلال كامل عن الدولة (العثمانية الإسلامية)، التي كانت أوروبا تسعى، حينذاك، إلى اقتسامها.

وفي الوقت نفسه، كان العرب، كذلك، قد سئموا تخلّفهم تحت الحكم العثماني. فظهرت بين مسيحيي لبنان، حركة عربية مبكرة ضد الدولة العثمانية، ولكن زعامتها، سرعان ما انتقلت إلى المسلمين، لكونهم الأكثرية في المشرق العربي.
ومن ديناميكية الطائفة المارونية، انبثق الخطر، إذ اتخذت من الحركة العربية وسيلة إلى التخلص من الحكم العثماني، وليس وسيلة إلى تكوين وحدة عربية؛ في الوقت الذي كانت فيه الحركة العربية، تتحول من تحرُّك إعلامي ضد الأتراك، إلى تحرك ثوري. ومع أن نزعات عربية ـ إسلامية، نادت بالتعاون مع إنجلترا على الدولة العثمانية، قبَيل الحرب العالمية الأولى، وأن زعامات مارونية، نادت بالتعاون عليها مع فرنسا، إلاّ أن الفارق بين الاتجاهين، أن الزعماء المسلمين، كانوا يريدون استخدام قوى أوروبا في تحقيق وحدة عربية، أو على الأقل في الحصول على الاستقلال. بينما سعى الموارنة إلى استقدام فرنسا، لحمايتهم من حركة الوحدة العربية والعروبة.
وكان طبيعياً أن يرتفع شأن الموارنة، في ظل الانتداب الفرنسي، وأن تكون المناصب العليا مركزة في يدهم، وأن ينعَموا بالفوائد المالية، وأن تحظى مناطقهم بالمشروعات الواعدة، وأن يتاح لهم التعليم العالي الغربي، فيُقبِلون عليه دون أي تعقيدات. وهكذا، أسبغت الطائفية على الموارنة ثروة وسلطة، وأصبح المسلمون والدروز دونهم، اقتصاداً وثقافة.
وبينما رفضت الزعامات والشعوب العربية، المسلمة، والعديد من الطوائف المسيحية الانتداب، الفرنسي أو الإنجليزي، وقاومته ما أمكنها المقاومة، رحّبت الطائفة المارونية بالانتداب الفرنسي، وتبادلت مع الغزاة الجدد حفلات الاستقبال. وكانت وجهة النظر المارونية قد أخذت تتبلور، في أن للبنان قومية خاصة، متفردة، وأن الموارنة حُماتها. ونظراً إلى الوجود الفرنسي في البلاد (1920 ـ 1943)، كانت مقاومة المسلمين للتفوّق الماروني ضعيفة، خاصة أن البلاد العربية، المحيطة بلبنان، كانت، هي الأخرى، تكافح من أجل استقلالها.
وبعد الحرب العالمية الأولى، وخلال معركة الاستقلال، واجهت المشكلة الرئيسية زعماء لبنان، من مسلمين ومسيحيين، ألا وهي انتماء لبنان، ومدى إمكانية تحقيق اتحاد فيدرالي بين طوائفه، إلى جانب موقفه من الحركة العربية، الساعية إلى تكوين جامعة دول عربية، تضم دولاً، أغلبيتها الساحقة من المسلمين السُّنة. ولكن القادة اللبنانيين، وفي طليعتهم، بشارة الخوري، رئيس الجمهورية الماروني، ورياض الصلح، رئيس الوزراء، المسلم السُّني، توصلوا، في 7 أكتوبر 1943، إلى ما سمّي "الميثاق الوطني". تخلى الموارنة، بمقتضاه، عن الحماية الفرنسية، مقابل اطّراح المسلمين فكرة الاندماج في أي دولة عربية.
هكذا، نهض الحكم اللبناني بجناحين، رسّخا طائفيته: الدستور والميثاق. فأصبح لكل طائفة، في عهد الاستقلال، كيان معنوي قانوني، يكاد يتمتع بحكم ذاتي، في مجالات الأحوال الشخصية وإدارة الأوقاف. وله مدارسه وجمعياته ومؤسساته، ورجاله الدينيون، برتبهم ومراتبهم. مما أنعش الطائفية، فتجاوزت كونها أساس مجتمعات متميزة، لتصبح أساساً حزبياً دينياً، يسعى إلى الحفاظ على الامتيازات، مثلما هي الحال، بالنسبة إلى الموارنة، أو إلى الحصول على المساواة، مثلما هي الحال، بالنسبة إلى السُّنة والشيعة والدروز. وما لبثت الطوائف، أن اختلفت في مفهوم التوازن الطائفي. فلم يرَ فيه الموارنة، إلاّ الحفاظ على عوامل التفوّق الماروني. بينما رأى المسلمون أن العصر ليس عصر المذاهب الدينية، وإنما عصر المذاهب الاجتماعية، وعصر الوحدات الكبرى، السياسية والاقتصادية والقومية. ومن تضارب الرؤيتَين، انبثق التصادم الخطير بين القومية العربية، التي يتعلق بها مسلمو لبنان، والقومية اللبنانية، التي يتمسك بها الموارنة، ويحاولون إثبات وجودها، تاريخياً وواقعياً. وهو ما اجتهد فيه المفكر الماروني، كمال يوسف الحاج، وتهلّل له بيار الجميل، زعيم "الكتائب".


أمّا كميل شمعون، الزعيم الماروني، ورئيس الجمهورية اللبنانية (1952 ـ 1958)، فقد قبِل مبدأ أيزنهاور، على الرغم من استقالة معظَم الوزراء المسلمين من الحكومة. وأدى اتجاهه إلى تجديد مدة رئاسته، إلى تضامن المسلمين مع كمال جنبلاط في ثورة ضده، بينما ناصره معظَم الموارنة، ولا سيما "الكتائب". وإذا بالثورة ترتدي زياً طائفياً. ولئن حالت الثورة دون تجديد ولاية شمعون، فإنها لم تحل دون استمرار الطائفية، إذ انتهت إلى "لا غالب، ولا مغلوب".

أعلى الصفحة