مـكـة المكرمـة  

مكة المكرمة في صورة من الأقمار الصناعيّة

 

من أشهر مدن العالم كله وفيها البيت العتيق الذي يحج إليه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها. وتسمى مكة وأم القرى، وهي مدينة ترتفع عن سطح البحر بنحو 330 متراً. وتعود عمارتها إلى عهد نبي الله ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام، وكان يعيش بنوه في الخيام والمضارب حتى عاد قصي بن كلاب من الشام في القرن الثاني من الهجرة فبنى فيها المساكن والبيوت حول الكعبة. ومن ثم أخذت تزيد في عمرانها إلى الآن.


* وصفها وموقعها:

تمتد هذه المدينة من الغرب إلى الشرق في وادٍ مائل من الشمال إلى الجنوب. منحصر بين سلسلتي جبال تكادان تتصلان ببعضهما من جهة الشرق والغرب والجنوب. أي على أبواب مكة الثلاثة ولذا لا يشاهد أبنيتها القادم عليها إلا وهو على أبوابها. والسلسلة الشمالية منها تتركب من جبل الفلج (الفلق) غرباً ثم جبل قيقعان ثم جبل الهندي ثم جبل لعلع ثم جبل (كداء) وهو في أعلى مكة ومن جهته دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، أما السلسلة الجنوبية فإنها تتركب من جبل أبي حديدة غرباً يتلوه جبل أبي قبيس إلى شرقيهما ثم جبل خندمة. وكل سفوح هذه الجبال من الحرم تراها عامرة بالبيوت والمساكن التي تتدرج إلى قلب الوادي.
وضمن هذه المساكن بعض الدور القديمة. فنرى دار ابن عباس في المسعى على يمين السالك إلى المروة. وفي الشرق الشمالي للحرم آثار دار أبي سفيان المشهورة. والحرم الشريف يقع بين هذه البيوت مائل إلى الجهة الجنوبية مما يلي جبل أبي قبيس، وفي هذه الجهة دار الخيزران. يتلوها شرقاً شعب بني هاشم ويسمى شعب علي ثم شعب المولى ثم شعب بني عامر. وفي نفس الجهة أيضاً كانت مساكن بني عبد المطلب وسكن فيها أيضاً كثير من الأشراف، وأما باقي قريش فكانوا في الجهة الأخرى من الحرم.
*
اجتماع المسلمين في موسم الحج:

يقصد مكة زمن الحج المسلمون من العالم الإسلامي أجمع. فترى فيها جميع الجنسيات والألوان المختلفة. وقد أدت التوسيعات الحديثة للحرم المكي الشريف في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وسلفه الراحل الملك خالد إلى جعل هذا الحرم قادراً على استيعاب أكثر من مليوني حاج في موسم الحج، وهي تؤمن لكل الحجيج جميع وسائل الراحة والعناية لاتمام مناسك حجهم على خير ما يرام. وفي السنوات الأخير أيضاً بدأ الحرم المكي يشهد موسماً كبيراً مشابهاً لموسم الحج، وذلك في شهر رمضان المبارك وخاصة في العشر الأواخر منه، حيث يؤم المسجد الحرام المسلمين من كافة أنحاء العالم لتأدية مناسك العمرة في هذا الشهر المبارك وفي هذه البقعة المباركة، ولختم القرآن الكريم في صلاة التراويح خاصة ولطلب الدعاء من المولى عز وجل في ليالي هذا الشهر وفي رحاب هذا البيت وخاصة في ليلة القدر المباركة.


* أهالي مكة وبعض عاداتهم القديمة:

وجميع أهالي مكة من المسلمين. ولا يدخلها غير مسلم من السنة التاسعة للهجرة التي نزلت فيه الآية الشريفة: "يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا" (سورة التوبة 28) فكان عليّ رضي الله عنه ينادي في موسم الحج الذي أعقب نزول هذه الآية: "ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك". وكان المراد بذلك منع المشركين من الحج وعدم دخولهم البلد. والغاية من ذلك أنهم كانوا سيئي الضمير خبيثي الطوية. ويسعون لإلقاء بذور الشقاق والغل بين قبائل العرب والمسلمين. وقد سار الخلفاء الراشدون على تطهير الجزيرة العربية من وجودهم.


وكان من عوائد أهالي مكة أن كبراءهم يرسلون أولادهم وهم في نعومة أظفارهم إلى البادية. فينشأون فيها على البداوة التامة دون شظف البشر. حتى إذا ترعرعوا عادوا إلى مكة وقد تعلموا العربية الصحيحة مع بعض لهجات القبائل، وحفظوا أشعارهم وأحسنوا ركوب الخيل والرماية.
ومن عادة أهل مكة التأنق في المأكل والمشرب واللباس، وترى في مساكنهم كثيراً من أدوات الزخرف والزينة والرياش الثمينة وخصوصاً البسط العجمية النادرة المثيل. ومن عاداتهم تقديم الشاي في أي وقت تحية للقادم عليهم وإقامة المآدب ويتفاخرون بكثرة صنوف الطعام المتغايرة في شكلها وطعمها فمنها الهندي والعربي والشامي والمصري والتركي. ومن عوائدهم أيضاً أنهم يأكلون مرتين في اليوم، وهم يميلون إلى الأبهة والفخفخة كثيراً ويقلد صغيرهم كبيرهم بالكرم والشجاعة وخصوصاً في شهر رمضان المبارك.
وأفراحهم ومآتمهم غاية في البساطة، فمن عاداتهم في زواجهم أنهم يدعون الأهل والأصدقاء، فيأتي الرجال ويجلسون في الأماكن المعدة لهم خارج البيت. ووقت العشاء يمد لهم سماط مستطيل يجلسون عليه جميعاً، توضع لهم أصناف الطعام وألوان الشراب فيأكلون ثم ينصرفون. أما النساء فيدخلن المنزل فيجدن على باب قاعة الجلوس قصعة كبيرة مملوءة بمعجون الحناء فتحن المرأة يدها ثم تدخل وتجلس مع باقي النسوة، ثم يزففن العروس إلى عريسها ويعدن إلى بيوتهن.

ومن عاداتهم الاصطياف بالطائف التي ترتفع عن سطح البحر 1550 متراً والهدى فوق جبال كرا التي ترتفع عن سطح البحر 1760 متراً وفيه جنات كثيرة تجري من تحتها الأنهار فيها ما يشتهون من ثمار وأزهار، ويعد أشهر مصيف في الطائف شبرا ثم حدائق المثناة وهي مشهورة بخوخها وعنبها وماؤها العذب.


* مكانة مكة السامية:

تحظى مكة المكرمة بمكانة سامية ومقدسة لدى المسلمين. فهي قبلتهم جميعاً وفيها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام. وفيها تقام مناسك الحج فيقبل عليها الحجاج من مختلف بقاع الدنيا وتقام فيها مناسك العمرة. وبالقرب منها غار حراء الذي شهد نزول الوحي لأول مرة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ويكفيها ثناءً ما قاله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عاد إليها فاتحاً محرراً من رجس المشركين وأوثانهم: "والله إنك لخير أرض الله وإنك لأحب أرض الله إلي".