إبن حمديس
447 - 527 هـ / 1053 – 1133 م

عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الأزدي الصقلي أبو محمد.
شاعر مبدع، ولد وتعلم في جزيرة صقلية، ورحل إلى الأندلس سنة 471هـ، فمدح المعتمد بن عباد فأجزل له عطاياه.

وانتقل إلى إفريقية سنة 516 هـ. وتوفي بجزيرة ميورقة عن نحو 80 عاماً، وقد فقد بصره.
له (ديوان شعر) منه مخطوطة نفيسة جداً، في مكتبة الفاتيكان (447 عربي)، كتبها إبراهيم بن علي الشاطبي سنة 607.

 

إلى متى منكمُ هجري وإقصائي

ويلي وجدتُ أحِبّائِي كأعْدائِي

إلى متى منكمُ هجري وإقصائي

ترحلَ الريّ بي منهُ عنِ الماء

هُمْ أظمأُونِي إلى ماءِ اللّمى ظمأً

منهمْ وربّ دواءٍ عادَ كالداءِ

وخالفونيَ فيما كنتُ آملهُ

رياضة ُ الصعب من أخلاقٍ عذراء

أعيا عليّ، وعذري لا خفاءَ به،

تبلّ بالدمعْ إصباحي وإمسائي

يا هذه، هذه عيني التي نظرتْ

فما لجسميَ فيءٌ بينَ أفياء

من مقلتيك كساني ناظري سَقَماً

وجدبُ جسمي لا تمحوه أنوائي

وكل جَدبٍ له الأنواءُ ماحية ٌ

وأنتِ بالغدر تختارين إطفائي

إني لجمرُ وفاءٍ يُسْتَضَاءُ بِهِ

قد عاد بعد صناع نقض خرقاء

حاشاكِ مما اقتضاه الذمّ في مثلٍ

هل يستدلّ على سلمٍ بهيجاء

ما في عتابك من عتبى فأرقبها

وكيف يُرْوي غلِيلاً آلُ بيداءِ

ولا لوعدكِ إنجازٌ أفوزُ بِهِ

لم يهتف حلمي إلا عند هيفاء

مُؤْنِبِي في رصينِ الحلم حين هَفَا

إن المشارَ إليه ريقٌ لمياءِ

دع حيلة البرءِ في تبريج ذي سَقَمٍ

مثلَ الغريق إذا صلّى بإيماء

مضنى يردّ سلامَ العائداتِ له

غيرِ البخيلة يَرْمِي الداءَ بالداءِ

كأنَّهُ حينَ يستَشفِي بغانية ٍ

ولا لأسماءَ في أترابِ أسماءِ

ما في الكواكب من شمس الضحى عوضٌ

صبٌّ يذوبُ إلى لقاءِ مُذيِبِهِ

يستعذبُ الآلام مِنْ تعذيبهِ

صبٌّ يذوبُ إلى لقاءِ مُذيِبِهِ

فجرَتْ مدامعُهُ بِشَرْحِ غريبه

عمّى هواهُ عن الوشاة ِ مُكتماً

والقلبُ يدْفعُ قلْيَهُ بوجيبه

كم لائمٍ والسمعُ يدفعُ لَوْمَهُ

كيفَ انتفاعُ جسومنا بقلوبه

ملكَ القلوب هوى الحسان فقل لنا

خوطٌ يميسُ على ارتجاج كثيبه

وبم السلوّ إذا بدا لي مثمراً

ودبوره وشماله وجنوبه

والشوقُ يَزْخَرُ بَحْرُهُ بِقَبولهِ

وأماتَهُ بطلوعِهِ وغروبه

وبنفسي القمر الذي أحيا الهوى

وذَرَوْا ترابَ المسك فوق تريبه

قرّنوا بورد الخد عقرب صُدغه

والنفس سكرى من تضوعِ طيبه

والعين حيرى من تألق نوره

ألقَتْ عليّ أنينَهُ بكروبه

في طرفه مرض، ملاحته التي

ألَدَيْكَ صَرْفٌ عن علاجِ طبيبه

أعيا الطبيب علاجه، يا سحرهُ

قلبَ المحبِّ المحضِ ذكر حبيبه

إني لأذكره إذا أنْسَى الوغى

في ضحكِهِ، والموت في تقطيبه

والسيفُ في ضرب السيوف بسلّة ٍ

فركوب متن البحر دون ركوبه

وأقبَّ كاليعسوبِ تركبُ مَتْنَهُ

غمس الغراب الجون في غربيبه

متقمصٌ لوناً كأن سواده

كالماءِ فُضّ الختْمِ عن أنبوبه

يرميك أول وهلة بنشاطه

وكريم عرْقٍ في المدى يجري به

بقديم سبقٍ يستقل ببعضه

بالطبْعِ مُفْرَغَة ً على تركيبه

وبأربعٍ جاءتك في تركيبها

من أذنه نقلت إلى عرقوبه

فكأنَّ حِدَّة َ طَرْفِهِ وفؤادِهِ

ثم اشتكى ضيفاً لها بوثوبه

ألقى على الأرض العريضة أرضه

من قبلِ خطفته إلى مطلوبه

وجزَى ففاتَ البَرْق سبقاً وانتهى

أمسى يفتشه بفرط لهيبه

فلشبه دهمته بدهمة ٍ ليله

للأسْدِ يُسْكنُها بذيل عسيبه

ويرشّ سيفي بالنجيع مصارعاً

طُرُقُ النسيمِ عليه من تَنْشِيطهِ

ومهند مثل الخليج تصفقت

فهو الزِّنادُ لهنّ يوم حروبه

ربّتْهُ في النيرانِ كَفّا قَيْنِهِ

نملٌ يسير بسحبه ودبيبه

وكأنَّما في مائِهِ وسعِيرِهِ

ومشَتْ يدي معه إلى مَرْغوبه

وإذا أصابَ قذال ذِمْرٍ قَدّهُ

ليكونَ منه نصيبه كنصيبه

وكأنما اقتسم الكميَّ مع الردى

أعلى الصفحة