أبو العَتاهِيَة
130 - 211 هـ / 747 - 826 م

إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق.
شاعر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره.

ولد ونشأ قرب الكوفة، وسكن بغداد. كان في بدء أمره يبيع الجرار ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم. وهجر الشعر مدة، فبلغ ذلك الخليفة العباسي المهدي، فسجنه ثم أحضره إليه وهدده بالقتل إن لم يقل الشعر، فعاد إلى نظمه، فأطلقه. توفي في بغداد.

لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛

كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ

لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛

يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ

فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما

ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ

حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ

فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ

فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ٍ

وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ

لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً؛

وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ

وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة ٌ،

ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ

ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ

ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاءِ

ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ

وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ

وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ؛

يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ

أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ

وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ

وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَة ٍ

فَحَسْبِي بهِ نأْياً وبُعْدَ لِقَاءِ

إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى ،

بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل هاءِ

أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى

وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ

وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَة ٍ،

ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ

يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلة ٍ

وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ

ونفسُ الفَتَى مسرورَة ٌ بنمائِهَا

حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ

وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ

يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ

أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَة ٍ

وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ

خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ،

ولكِنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ

وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا

أشدُّ الجِهَادِ جهادُ الورَى

ومَا كرَّمَ المرءَ إلاَّ التُّقَى

أشدُّ الجِهَادِ جهادُ الورَى

ببذلِ الجمِيلِ وكفِّ الأذَى

وأخلاَقُ ذِي الفَضْلِ مَعْرُوفة ٌ

وطُولُ التَّعاشُرِ فيهِ القِلَى

وكُلُّ الفَكَاهاتِ ممْلُولة ٌ

وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلَى

وكلُّ طريفٍ لَهُ لَذَّة ٌ

وَلاَ شَيْءَ إلاَّ لَهُ مُنْتَهَى

ولاَ شَيءَ إلاَّ لَهُ آفَة ٌ

ولكنْ غِنى النّفس كلُّ الغِنى

وليْسَ الغِنَى نشبٌ فِي يَدٍ

يَدُلّ على صانعٍ لا يُرَى

وإنَّا لَفِي صُنُعِ ظَاهِرٍ

نَصَبْتُ لَنَا دونَ التَّفَكُّرِ يَا دُنْيَا

نَصَبْتُ لَنَا دونَ التَّفَكُّرِ يَا دُنْيَا

أمَانِيَّ يَفْنَى العُمْرُ مِنْ قبلِ تَفْنَى

مَتَى تنقَضِي حَاجَاتُ مَنْ لَيْسَ وَاصِلاً

إلى حاجَة ٍ، حتى تكونَ لهُ أُخرَى

لِكُلِّ امرىء ٍ فِيَما قَضَى اللهُ خُطَّة ٌ

من الأمرِ، فيها يَستَوي العَبدُ والموْلى

وإنَّ أمرءًا يسعَى لغَيْرِ نِهَاية ٍ

لمنغمِسٌ في لُجَّة ِ الفَاقة ِ الكُبْرَى

أعلى الصفحة

أمَا منَ المَوْتِ لِحَيٍّ لجَا؟

كُلُّ امرىء ٍ عَلَيْهِ الفَنَا

أمَا منَ المَوْتِ لِحَيٍّ لجَا؟

لِكلِّ شيءٍ مُدَّة ٌ وأنْقِضَا

تَبَارَكَ اللّهُ، وسُبحانَهُ،

أمراً ويأباهُ عَليْهِ القَضَا

يُقَدرُ الإنسانُ في نَفسِهِ

يرجُو وأحياناً يضلُّ الرَّجَا

ويُرزَقُ الإنسانُ مِنْ حيثَ لاَ

والطَّمَعُ الكاذِبُ داءٌ عَيَا

اليأسُ يحْمِي للفَتَى عِرْضَهُ

وغاية ُ الحِلْمِ تمامُ التُّقَى

ما أزينَ الحِلْمَ لإصحابهِ

والشّكرُ للمَعرُوفِ نِعم الجزَا

والحمْدُ من أربَحَ كسبَ الفَتَى

لِكُلِّ عَيْشٍ مُدَّة ٌ وانتهَا

يا آمِنَ الدّهرِ على أهْلِهِ،

أصبَحَ قد حلّ عليهِ البِلَى

بينَا يُرَى الإنسانُ في غِبطَة ٍ

فإنَّما النَّاسُ تُرابٌ ومَا

لا يَفْخَرِ النّاسُ بأحسابِهِمْ

كأنّني بالدّيارِ قَد خَرِبَتْ،

وبالدّموعِ الغِزارِ قَد سُكبَتْ

كأنّني بالدّيارِ قَد خَرِبَتْ،

دُنْيَا رِجَالاً عَلَيْكِ قَدْ كَلِبَتْ

فضَحتِ لا بل جرَحتِ، واجتحتِ يا

وكُلُّ نفسٍ تجزَى بِمَا كَسَبُتْ

الموتُ حَقٌ والدَّارُ فانِية ٌ

أيّ امتِناعٍ لهَا إذا طُلِبَتْ

يَا لكِ منْ جيفَة ٍ معفَّنَة ٍ

ومَا تُبَالِي الغُوَاة ُ مَا ركِبَتْ

ظَلَّتْ عَلَيْها الغُوَاة ُ عاكِفَة ً

لا درَّ دَرُّ الدُّنْيَا إذَا احتلِبَتْ

هيَ التي لم تَزَلْ مُنَغِّصَة ً،

كمْ منْ يَدٍ لاَ تَنَالُ مَأ طلبَتْ

ما كُلُّ ذِي حاجة ٍ بمدركِهَا

ـياناً عَلَيهِ، ورُبّما صَعُبَتْ

في النّاسِ مَنْ تَسهُلُ المَطالبُ أحْـ

وشهوَة ُ النّفسِ رُبّما غَلَبَتْ

وشرَّة ُ النَّاسِ رُبَّمَا جمحتْ

ضاقتْ عَلَيْهِ الدّنيَا بِمَا رحُبَتْ

مَنْ لم يَسَعُهُ الكَفافُ مُقْتَنِعاً،

الدُّنيا علَى مَا اشتَهَى إذا انقلبَتْ

وبَينَما المَرْءُ تَستَقيمُ لَهُ الـ

الأمواتَ والعينُ رُبَّما كذبَتْ

مَا كذبتنِي عينٌ رأَيتُ بِهَا

وأيّ طَعْمٍ لِلَذّة ٍ ذَهَبَتْ

وأيّ عَيشٍ، والعَيشُ مُنقَطِعٌ؛

الذلِّ فِي أيِّ منشبٍ نشبَتْ

ويحَ عقولِ المستعصمينَ بدارِ

يُخمِدُ نيرانَها، إذا التَهَبَتْ

منْ يبرِمُ الانتقاضَ مِنْهَا ومنْ

ومَنْ يُقيلُ الدّنْيا إذا نَكَبَتْ

ومَنْ يُعَزّيهِ مِنْ مَصائِبِها؛

فتلْكَ عينٌ تُجلَى بِمَا جَلَبَتْ

يا رُبّ عَينٍ للشّرّ جالِبَة ٍ،

الآجالُ من وقتِها واقتربتْ

والنَّاسُ في غفلة ٍ وقد خَلَتِ

أعلى الصفحة