أَبو تَمّام
188 - 231 هـ / 803 - 845 م

حبيب بن أوس بن الحارث الطائي.
أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها.
كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع.
في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.
وذهب مرجليوث في دائرة المعارف إلى أن والد أبي تمام كان نصرانياً يسمى ثادوس، أو ثيودوس، واستبدل الابن هذا الاسم فجعله أوساً بعد اعتناقه الإسلام ووصل نسبه بقبيلة طيء وكان أبوه خماراً في دمشق وعمل هو حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية.
وفي أخبار أبي تمام للصولي: أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.

ومن جيد غيداء التثني كأنما

أتتك بليتيها من الرشإ الفرد

ومن جيد غيداء التثني كأنما

وحسنا، وإن أمست وأضحت بلا عقد

كأن عليها كل عقد ملاحة

ومحتضن شخت، ومبتسم برد

ومن نظرة بين السجوف عليلة

ومن قمر سعد، ومن نائل ثمد

ومن فاحم جعد، ومن كفل نهد،

يا موضعَ الشَّذنيَّة ِ الوجناءِ

ومُصارعَ الإدلاجِ والإسراءِ

يا موضعَ الشَّذنيَّة ِ الوجناءِ

من خالد المعروفِ والهيجاءِ

أقري السلام مُعرَّفاً ومُحصَّباً

لتبطَّحتْ أولاهُ بالبطحاءِ

سَيْلٌ طَمَا لَوْ لَمْ يَذُدْهُ ذَائِدٌ

وغدتْ حرى ً منهُ ظهورُ حراءِ

وغدتْ بطون مِنى مُنى ً من سيبِه

يُخْصَصْ كَداءٌ مِنْهُ بالإكداءِ

وَتَعَرَّفَتْ عَرَفاتُ زَاخَرهُ ولمْ

بُرْدَيْن: بُرْدَ ثَرى ً وبُرْدَ ثَرَاءِ

وَلَطَابَ مُرْتَبَعٌ بِطيبَة ٌ واكْتَسَتْ

حرموا بهِ نوءاً من الأنواءِ

لا يحرمِ الحرمانِ خيرا إنهمْ

رِدْ فاغترفْ علماً بغيرِ رشاءِ

يا سائلي عنْ خالدٍ وفعالهِ

سلطانهُ من مُقْلَة ٍ شوْساءِ

انظرْ وإيَّاكَ الهوى لا تُمْكننْ

وسيوفه منْ بلدة ٍ عذراءِ

تعلمْ من افترعتْ صدورُ رماحهِ

صمَّ العِدَى في صخرة ٍ صمَّاءِ

ودعا فأسمعَ بالأسنة ِ واللُّهى

جيش أزبَّ وغارة ٍ شعواءِ

بمجامع الثَّغرينِ ما ينفك من

فرْجٌ حمى ً إلاَّ من الأكفاءِ

منْ كلِّ فرْجٍ للعدوِّ كأنَّهُ

رَأْيُ الْخَليفَة ِ كَوْكَبِ الْخُلَفَاءِ

قدْ كان خطبُ عاثرُ فأقاله

مُذْ كُنْتَ خَرّاجاً مِنَ الْغَمَّاءِ

فَخَرجْتَ مِنْهُ كالشهَاب ولم تَزَلْ

ما بينَ أنْدلُسِ إلى صنعاءِ

مَا سَرَّني بِخِداجِهَا مِنْ حُجَّة

أجراً يفي بشماتة ِ الأعْداءِ

أجْرٌ ولكنْ قدْ نظرتُ فلمْ أجدْ

كلفٍ قليل السِّلمِ للأحْشاءِ

لوْ سرتَ لالتقت الضُّلوعُ على أسى ً

يُلْفَى بقاءُ الغرْس بعدَ الماءِ

وَلَجَفَّ نُوَّارُ الْكَلاَمِ وَقَلَّمَا

والأرض أرضي والسَّمَاءُ سَمَائِي

فالجوُّ جوِّي إنْ أقمْتَ بغِبْطة ٍ

فَحْواكَ عَيْنٌ على نَجْوَاكَ يامَذِلُ

حَتَّامَ لاَيَتَقضَّى قَوْلُكَ الخَطِلُ!؟

فَحْواكَ عَيْنٌ على نَجْوَاكَ يامَذِلُ

من كانَ أحسنَ شيءٍ عندهُ العذلُ

وإنَّ أسمجَ من تشكو إليهِ هوى ً

مذْ أدبرَتْ باللوى أيامُنا الأولُ

ما أقبلتْ أوْجُهُ اللذّاتِ سافرة ً

فانظُرْعلى أَي حالٍ أصبَحَ الطَّلَلُ

إن شئتَ ألا ترى صبراً لمصطبر

دُمُوعُنا،يومَ بانُوا،وَهْيَ تَنْهَمِلُ

كأَنَّماجَادَمَغْناهُ، فَغَيَّرَه

في مـأتمِ البينِ لاستهلالنا زجلُ

وَلَوْتَرَاهُمْ وإيَّانا ومَوْقِفَنا

قلباً ومنْ غزلٍ في نحرِهِ عذلُ

من حرقة أطلقتها فرقة ٌ أسرتْ

عينٌ طوتهنَّ في أحشائِها الكللُ

وقَدْطَوَى الشَّوْقَ في أَحشائنابَقَرٌ

حران في بعضه عن بعضه شغلُ

فرَغْنَ لِلسحْرحَتَّى ظَلَّ كُلُّ شَجٍ

ويَفْضَحُ الكُحْلُ في أَجْفانِهاالكَحَلُ

يخزي ركام النقا ما في مآزرها

من الجسومِ إليها حيث مكة ً الهملُ

تَكَادُ تَنتَقِلُ الأَرواحُ لُوتُرِكَتْ

حتى المنازلُ والأحداجُ والإبلُ

هانتْ على كلِّ شيءٍ فهو يسفكها

قواعدُ الملكِ ممتداً لها الطولُ

بالقائِمِ الثَّامِن المُسْتَخْلَفِ اطَّأدَتْ

بالمُلْكِ مُذْضَمَّ قُطْرَيْهِ ولاخَلَلُ

بيُمْنِمُعْتَصِمٍ باللَّهِلاأَوَدٌ

أعطاهمُ بأبي إسحاقَ ما سألوا

يَهْنِي الرَّعِيَّة َ أَنَّ اللَّهَ مُقْتَدِراً

لَكانَ في وَعْدِهِ منْ رِفْدِهِ بَدَلُ

لو كانَ في عاجلٍ من آجل بدلٌ

حتى ظننتُ قوافيهِ ستقتتلُ

تغايرَ الشعرُ فيه إذ سهرتُ له

لَرَاكَضاني إليهِ الرَّحْلُ والجَملُ

لولا قبوليَ نصحَ العزمِ مرتحلاً

خلفٌ ولم تتبخترْ بينها العللُ

لَهُ رِيَاضُ نَدى ً لم يُكْبِ زَهْرَتَهَا

إِذَ اخلَعَ اللّيْلُ النَّهارَ رَأَيْتَها

مدى العفاة ِ فلم تحللْ بهِ قدمٌ

بجُودِهِ أَيُّ قُطريْهِ حَوَى العَطَلُ

ماإنْ يُبَالي إذا حَلَّى خَلائِقَهُ

نهبٌ تعسفهُ التبذيرُ أو نفلُ

كأَنَّ أمْوَالَهُ والبَذْلُ يَمْحَقُها

فأَنتَ لاَشكَّ فيكَ أَنتَ السَّهْلُ والجَبَلُ

شَرسْتَ بَلْ لِنْتَ بَلْ قانَيْتَ ذَاكَ بِذا

مِنْ راحَتَيْكَ دَرَى ماالصَّابُ والعَسَلُ

يدي لمنْ شاءَ رهنٌ لمْ يذُقْ جُرعاً

على ثَرى ً حَلَّة ُ الوَكافَة ُ الهُطُلُ

صَلَّى الإِلَهُ على العَبَّاسِ وانبجَسَتْ

نسلٌ لما راضهُم جبنٌ ولا بَخَلُ

ذَاكَ الذي كَانَ لَوْأنَّ الأنامَ لَهُ

أَن ْلم يَكَنْ بُرْجهُ ثَوْرٌ ولاحَمَلُ

أبو النجومِ التي ما ضنَّ ثاقبها

لم يعرفِ المشتري فيه ولا زُحَلُ

من كلِّ مشتهرٍ في كلِّ معتركٍ

من أنْ يُذال بمنْ أو مِمَّن الرَّجلُ

يَحْمِيهِ لأَلاَؤُهُ أَولَوْذَعِيَّتُهُ

صاليهِ أو بحبالِ الموتِ متصلُ

وَمَشْهَدٍ بينَ حُكْم الذُّل مُنْقَطِعٌ

فِيه الصَّوارِمُ والْخَطّية ُ الذُّبُلُ

ضَنْكٍ إِذاخَرِسَتْ أبطَالُه نَطَقَتْ

بالقَوْلِ مَا لَمْ يَكُنْ جِسْراً له العمَلُ

لايَطمَعُ المَرْءُأَنْ يَجْتَابَ غَمْرَتَه

وقدْ تفرعَنَ في أوصالِهِ الأجلُ

جليتَ والموتُ مبدٍ حرَّ صفحتِهِ

للحَرْب يَثْبُتُ فيهِ الرَّوْعُ والوَهَلُ

أبحْتُ أوعارَه بالضربِ وهو حمى ً

كانُوا لنا سُرجاً أنتمْ لها شعلُ

آلُ النبي إذا ما ظلمة ٌ طرقَتْ

لا يبأسونَ من الدنيا إذا قُتلوا

يستعذبون مناياهم كأنَّهمُ

صدقاً ذوائبَ ما قالُوا بما فعلُوا

قَوْمٌ إذَاوعدواأَوْ أَوْعَدُوا غَمرُوا

أوصَبَّحْتهُ، ولكِنْ غَابُها الاسَلُ

أسدُ العرينَ إذا ما الروعُ صبحَها

إذا تناولَ سيفاً منهمُ بطلُ

تَنَاوَلُ الفَوْتَ أَيدِي المَوْتِ قَادِرَة ً

فاليَوْمَ أَوَّلَ يَوْمٍ صَحَّ لي أَمَلُ

ليسقمِ الدهرُ أو تصححْ مودتُهُ

إليّ يهتبلُ اللذْ حيثُ أهتبلُ

أَدْنَيْتُ رَحْلي إلى مُدْنٍ مَكارِمَهُ

جوداً وعرضٌ لعرض المالِ مبتذلُ

يَحميهِ حَزْمٌ لِحَزْمِ البُخْلِ مُهْتَضِمٌ

رَأْيٌ تَفَنَّن فيهِ الرَّيْثُ والعَجَلُ

فِكْرٌ،إِذَا رَاضهُ رَاضَ الأُمورَ بهِ

بالعجزِ، إنْ لم يغثني اللهُ والجُملُ

قَدْ جَاءَ مِنْ وَصفِكَ التَّفْسِيرُ مُعْتَذِراً

حَلْياً نِظَاماهُ بَيْتٌ سَارَ أَومثَلُ

لقَد لَبِسْتَ أَمِيرَالمؤمنينَ بها

فما تَحُلُّ على قومٍ، فترتحِلُ

غَريبة ٌ تُؤْنِسُ الآدَابُ وَحْشَتَها

قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ

كَمْ تَعْذِلُونَ وَأَنْتُمُ سُجَرَائِي 

قَدْكَ ائَّئِبْ أَرْبَيْتَ في الغُلَوَاءِ

صبٌّ قدِ استعذبتُ ماءَ بُكائي

لا تسقني ماءَ الملامِ فإنَّني

رَايَاتُ كل دُجُنَّة ٍ وَطْفَاءِ

ومُعرَّسٍ للغيثِ تخفقُ بينهُ

لِطَرَائِفِ الأَنْوَاءِ والأَنْدَاءِ

نَشَرَتْ حَدَائِقَهُ فَصِرْنَ مَآلِفاً

وانْحَلَّ فيهِ خَيْطُ كُل سَماءِ

فَسَقَاهُ مِسْكَ الطَّلَّ كَافُورُ الصَّبَا

أَهْدَى إِلَيْهِ الوَشْيَ مِنْ صَنْعَاءِ

غُني الرَّبيعُ بروضهِ، فكأنَّما

بِسُلاَفَة ِ الْخُلَطَاءِ والنُّدَمَاءِ

صبَّحتُه بسُلاَفَة ٍ صَبَّحتُهَا

خَوَلاً عَلى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ

بمُدَامَة ٍ تَغْدُو المُنَى لِكُؤُوسِهَا

كَانَتْ مَطَايا الشَّوْقِ في الأَحْشَاءِ

راحٌ إذا ما الرَّاحُ كنَّ مطيَّها

ذهبَ المعاني صاغة ُ الشُّعراءِ

عِنَبِيَّة ٌ ذَهَبِيَّة ٌ سكَبتْ لَهَا

مَا كَانَ خَامَرَهَا مِنَ الأَقْذَاءِ

أكلَ الزَّمانُ لطولِ مكثِ بقائها

فتعَّلمتْ من حسنِ خلق الماءِ

صَعُبَتْ وراضَ المزجُ سيِّءَ خُلقها

كتلعُّبِ الأفعالِ بالأسماءِ

خرقاءُ يلعبُ بالعقولِ حبابها

قَتَلَتْ، كذلِكَ قُدْرَة ُ الضُّعَفَاءِ

وضعيفة ٌ فإذا أصابتْ فرصة ً

قد لقَّبوها جوهرَ الأشياءِ

جَهْمِيَّة ُ الأَوْصَافِ إِلاَّ أنَّهُمْ

نَارٌ ونُورٌ قُيدَا بِوِعَاءِ

وكأنَّ بهجتها وبهجة ََ كأسها

حبلاً على ياقوتة ٍ حمراءِ

أَوْ دُرَّة ٌ بَيْضَاءُ بِكْرٌ أُطْبِقَتْ

في صدرِ باقي الحبِّ والبُرحاءِ

ومَسَافَة ٍ كَمَسَافَة ِ الهَجْرِ ارْتَقَى

ما ارتيدَ من عيدٍ ومن عدواءِ

بيدُ لنسلِ العيدِ في أملودها

والنَّارُ تَنْبُعُ مِنْ حَصَى المَعْزَاءِ

مزَّقتُ ثوبَ عكوبها بركوبها

وقفتْ عليهِ خلّتي وإخائي

وإلى ابن حسَّان اعتدتْ بي همَّة ٌ

بالبِشْرِ واسْتَحْسَنْتَ وَجْهَ ثَنَائِي

لمَّا رأيتُكَ قدْ غذوْت مودَّتي

ظلَّتْ تحومُ عليهِ طيرُ رجائي

أَنْبَطْتُ في قَلْبِي لِوَأْيِكَ مَشْرَعاً

قَدْ طُوقَتْ بكَواكِبِ الجَوْزاءِ

فثَوَيْتُ جَاراً لِلْحَضِيضِ وَهِمَّتِي

إطرَحْ غَنَاءَكَ في بُحُورِ عَنَائِي

إِيهِ فَدتْكَ مغَارِسي ومَنَابِتِي

يَنْوِي افتضَاضَ صنِيعَة ٍ عَذرَاءِ

يسِّرْ لقولكَ مهرَ فعلكَ إنَّهُ

ورفعتُ للمستنشدين لوائي

وإلى مُحَمّدٍ ابْتَعَثْتُ قَصَائِدِي

جدلاً يقلُّ مضاربَ الأعداءِ

وإذا تشاجرتِ الخطوبُ قريتها

يا سَيدَ الشُّعَرَاءِ والخُطَبَاء

يا غاية الأدباءِ والظُّرفاءِ بلْ

وَحَوَى المكَارمَ مِنْ حَياً وحَياء

يَحْيى بنَ ثَابِتْ الّذِي سَنَّ النَّدَى

أعلى الصفحة