اِبنِ حَيّوس
394 - 473 هـ / 1003 - 1080 م

محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس، الغنوي، من قبيلة غني بن أعصر، من قيس عيلان، الأمير أبو الفتيان مصطفى الدولة.
شاعر الشام في عصره، يلقب بالإمارة وكان أبوه من أمراء العرب.
ولد ونشأ بدمشق وتقرب من بعض الولاة والوزراء بمدائحه لهم وأكثر من مدح أنوشتكين، وزير الفاطميين وله فيه أربعون قصيدة.
ولما اختلّ أمر الفاطميين وعمّت الفتن بلاد الشام ضاعت أمواله ورقت حاله فرحل إلى حلب وانقطع إلى أصحابها بني مرداس فمدحهم وعاش في ظلالهم إلى أن توفي بحلب.

شفاءُ الهدى ياسيفهُ العضبَ أنْ تشفا

وَكَفُّ اُلْخُطُوبِ المُدْلَهِمَّة ِ أَنْ تُكْفا

شفاءُ الهدى ياسيفهُ العضبَ أنْ تشفا

عنِ العامِ منْ أعوامِ مدَّتهِ ألفا

فجاوزتَ أقصى عمرِ نوحٍ معوَّضاً

فلا بدِّلَ الإسلامُ منْ قوَّة ٍ ضعفا

حَياة ُ بَني الدُّنْيا حَياتُكَ سالِماً

كذا كلُّ جفنٍ مذْ تألَّمتَ ما أغفا

أَنَمْتَ عُيُونَ الْخَلْقِ بَعْدَ سُهادِها

فلا عدموا منهُ تباركَ ذا اللُّطفا

إلى أنْ وقاكَ اللهُ لطفاً بخلقهِ

كما أمنوا في ظلِّكَ الجورَ والعسفا

وأمَّنهمْ فيكَ المخاوفَ كلَّها

عَلَى أَنَّهُ ما كانَ فِيما مَضى يَخْفا

فسرَّتْ قلوبٌ شافهتكَ بسرِّها

إِذا جارَ صَرْفُ الدَّهْرِ كانَ لَهُ صَرْفا

أَيُجْحَدُ ما تُولِيهِ آلاءُ مُنْعِمٍ

فأوفى على النُّعمى وذو النَّذرِ قدْ وفّا

وَذُو الأَمَلِ الْمَغْضُوضِ قَد عادَ طامِحاً

وَلَوْ عَدِمَتْكَ الأرْضُ لَمْ تَأْمَنِ الْخَسْفا

فلو لمْ تكنْ فينا لمُتنا مخافة ً

إذا ما جفا صوبُ الحيا تربهُ جفّا

أَلَسْتَ تَرى النَّبْتَ الَّذِي أَطْلَعَ الْحَيا

شفى الحقَّ منْ أدوائهِ بعدَ أنْ أشفا

فَلاَ فَلَّتِ الأيَّامُ عَزْماً مَضاؤُهُ

إِذَا عَصَفَتْ كانَ الْمُلُوكُ بِها عَصْفا

ولا سكنتْ ريحُ المظفَّرِ إنَّها

سيولُ الرَّدى تطفو عليها ولا تُطفا

ولا برحتْ نيرانهُ كلَّما طغتْ

زَماناً فَمُذْ عُوفِيتَ أَظْهَرَ ما أَخْفا

لِشَكْوَاكَ أَخْفى الْجَوُّ عَنَّا غَمامَهُ

وخمنْ منكَ أولى بالمحبَّة ِ والزُّلفا

أرادَ يرينا اللهُ جاهكَ عندهُ

وإنْ كنتَ للإمحالِ عنْ أرضنا أنفا

ظهرتَ فظلَّتْ نعمتانِ أظلَّتا

إِذَا انْفَرَدَتْ عَنْهُمْ فَسائِرُهُمْ أَكْفا

فدتْ أنفسُ الأملاكِ نفساً شريفة ً

وطالَ محلاًّ أنْ يكونَ لهُ لحفا

وَطَوْدَ فَخارٍ فَخْرُ مَنْ عَزَّ مِنْهُمُ

وأندادُهمُ إنْ سيلَ مكرُمة ً كفّا

أَشَّدَّهُمُ كَفًّا لِنائِبَة ٍ عَرَتْ

على منْ بعدَ اقتدارٍ ومنْ عفّا

وأروعَ عفّى في التَّجاوزِ والتُّقى

أنوفَ الورى عرفاً وأيديهمْ عرفا

لَقَدْ مَلأَتْ أَخْبَارُهُ وَهِباتُهُ

عَلَى ظَمَإٍ أَيَّامُ دَوْلَتِهِ صِرْفا

فَيا مَنْ سَقَتْنا الأَمْنَ وَالْعَدْلَ وَالْغِنى

مَقالٌ أَيُفْنِي الْبَحْرَ وَارِدُهُ غَرْفا

وَيا ذَا الْمَعالِي لاَ يُعَدِّدُ فَضْلَها

كَعَجْزِ الْقَوَافِي أَنْ تُحِيطَ بِها وَصْفا

وَعَجْزُ الْمَساعِي أَنْ تَنالَ أَقَلَّها

فمجدُكَ لا يقفو ولكنَّهُ يُقفا

لئنْ جئتَ في أخرى الزَّمانِ معقِّباً

إِلَيْكَ إِلى أَنْ صارَ قُدَّامُهُ خَلْفا

وَلاَ خُلْفَ أَنَّ الدَّهْرَ عادَ بِوَجْهِهِ

تَطَلَّبَها فِي الْعالَمِينَ فَما أَلْفا

رَأَى مُعْجِزَاتٍ مِنْكَ يا عُدَّة َ الْهُدى

فَلَمَّا أَبى عِزّاً ثَنى دُونَهُ عِطْفا

وكمْ طالبٍ ذا المجدَ حاولَ عطفهُ

كَفَيْنَ الْسُّيُوفَ السَّلَّ وَالْجَحْفَلَ الزَّحْفا

أَباحَتْكَ أَقْطَارَ الْبِلادِ عَزَائِمٌ

تودُّ الثُّريَّا أنْ تدومَ لها إلفا

وأمطتكَ أطرافُ الأسنَّة ِ رتبة ً

وَأَحْرِ بِهَا مِنْ بَعْدِ أَنْ تَمْنَعَ الرِّدْفا

محرَّمة ً لمْ ترضَ قبلكَ راكباً

لَكُنْتَ بِها أَغْرى مِنَ النَّارِ بِالْحَلْفا

وَلَوْ شِئْتَ تَدْوِيخَ الْمَمالِكِ سُرْعَة ً

متى شئتها والضَّيمُ بالعجزِ لا يُنفا

لقدْ عجزَتْ أربابها أنْ تعزَّها

فذلكَ فوقَ النِّصفِ أنْ تأخذّ النِّصفا

ولوْ حزموا أعطوكَ شطرَ الَّذي حووا

وملتمسُ الممنوعِ يأخذهُ خطفا

تمهَّلتَ علماً أنَّها لكَ دونهمْ

سيبقى على الأيَّامِ ما أودعُ الصُّحفا

أبحتنيَ الإيسارَ علماً بأنَّني

أَصَوْبَ بَنانٍ شِمْتُ أَوْ دِيَماًوُطْفا

مَوَاهِبُ لاَ أَدْرِي إِذَا أَنَا شِمْتُها

فَمَنْ لِي بِشِعْرٍ حَامِلٍ مِنْهُ َما خَفَّا

فَلاَ يُلْزِمَنِّي شُكْرُها حَمْلَ ثِقْلِهِ

وَعَدْلُكَ لاَ يَرْضى وَفَضْلُكَ بِي أَحْفا

وقدْ خافَ دهرٌ ألحقَ الأبعدينَ بي

وفي عشرِ معشارِ الَّذي نلتُ ما كفَّا

لعمري لقدْ خوِّلتُ ما دونهُ الغنى

سوى أنفي أنْ يجدعَ الدَّهرُ لي أنفا

وَمَا حَامِلي أَنْ أَسْتَزِيدَ مُصَرِّحاً

وَلَنْ يُلْحَقَ الطِّرْفُ الَّذي يَسْبِقُ الطَّرْفا

تقاربُ بعضُ الخيلِ في السَّبقِ بعضها

تَدُلُّ مَعَانِيها عَلَى جَوْهَرٍ شَفَّا

أَنَا السَّابِقُ الْمُهْدِي إِلَيْكَ غَرَائِباً

عَلَى ذِي الْعُلاَ مَا عَاشَ شَاعِرُهُ وَقْفا

فَمَيِّزْ مَدِيحاً لَنْ يَزَالَ صَرِيحُهُ

لِمَنْ رَامَ جَدْوَاهُ وَأَنْتَجِعُ الْهِفَّا

أَأَتْرُكُ ذَا الْغَيْمَ الرُّكَامَ مُعَرَّضاً

وَمِنْ مِنَنِ الْقَوْمِ الأُلَحا بَخِلُوا أَعْفا

ببرئكَ عافى اللهُ منْ عللِ المنى

حَيَاة ً وَلِلأَعْدَاءِ حَيْثُ أنْتَحَوْا حَتْفا

فلا زلتَ للرَّاجينَ في كلِّ أزمة ٍ

أعلى الصفحة 

أَمّا الْفِراقُ فَقَدْ عاصَيْتُهُ فَأَبى

وَطالَتِ الْحَرْبُ إِلاّ أَنَّهُ غَلَبا

أَمّا الْفِراقُ فَقَدْ عاصَيْتُهُ فَأَبى

وَداعنا كلَّ جدًّ قبلهُ لعبا

أراني البينُ لما حمَّ عنْ قدرٍ

وَالليثِ مهتصراً وَالغيثِ منسكبا

أَشْكُو إِلى اللّهِ فَقْدَ السَّيْفِ مُنْصَلِتاً

عنِ الدنياتِ وَالصدرِ الذي رحبا

وَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالنَّفْسِ الَّتي بَعُدَتْ

مَلأى وَرَدَّ لِيَ الْعَيْشَ الَّذي ذَهَبا

وَمنْ أعادَ حياتي غضة ً وَيدي

وَبَعْدَ بَيْنِكَ لَمْ أَظْفَرْ بِهِ نُغَبا

قدْ كنتُ أكرعُ كاساتِ الكرى نخبا

فَإِنْ سَلِمْتُ فَما أَدَّيْتُ ما وجَبا

وَقدْ أظلنيَ السقمُ المبرحُ بي

يمينُ قارونَ أوْ سكنتُ عرشَ سبا

مااعْتَضْتُ مِنْكَ وَلَوْ مُلِّكْتُ مامَلَكَتْ

لولاكَ لمْ أرَ لي في غيرهِ نسبا

أقولُ هذا وَقدْ صيرتَ لي نشبا

ماقارَبَ الْحَمْدُ أَدْناها وَلا كَرَبا

يَکبْنَ الْمُقَلَّدِ قَدْ قَلَّدْتَني مِنَناً

أَوْلَيْتَني رَضِيَ الشّانِيكَ أَوْ غَضِبا

سَأَمْلأ الأرْضَ مِنْ شُكْرٍ يُقارِنُ ما

ماابْتَزَّهُ الشِّعْرُ إِلاّ هَزَّهُ طَرَباً

فيمنُ جدكَ أفضى بي إلى ملكٍ

في حلبة ِ الفخرِ وَثاباً إذا نسبا

مَحْضِ القَبِيلَيْنِ يُلْفى صالِحاً أَبَداً

أَنْ يَشْرُفَ النّاسَ خالاً فاقَهُمْ وَأَبا

ولادتانِ لهُ منْ عامرٍ قضتا

إنعامه فأفاد العقل والأدبا

أغنى وَأقنى وَأدنى ثمَّ أرغبَ في

فضيلة ً لمْ يدعْ لي غيرها أربا

يزيدني كلما أحضرتُ مجلسهُ

وَلوْ جرى النجمُ يبغي شأوهُ لكبا

لَوْ تَدَّعِي الشَّمْسُ يَوْماً نُورَهُ كُسِفَتْ

وَهمة ٌ قارنتْ بلْ طالتِ الشهبا

شمائلٌ بصنوفِ الفضلِ ناطقة ٌ

على سواهُ وَينأى كلما قربا

تدنو العلى أبداً منهُ وَإنْ بعدتْ

وَفي الْحُروبِ حُسامٌ لا يُقالُ نَبا

في الممحلاتِ غمامٌ لا يقالُ ونى

ما إنْ رأينا سماءً تمطرُ الذهبا

وَقبلَ قلعتهِ دامتْ ممنعة ً

فداءُ نوءٍ سقاني الريَّ في حلبا

فَكُلُّ نَوْءٍ بِمِصْرٍ جادَني زَمَناً

قِدْماً وَقَدْ هُدِيَتْ فَاخْتارَتِ السُّحُبا

أرى المطامعَ ضلتْ وَهيَ رائدتي

فرطُ الإضاحة ِ عنْ قلبٍ إليكَ صبا

يَعِنُّ ذِكْرُكَ أَحْياناً فَيُخْبِرُني

لَهُ وَيَبْغيهِ إِنْ لَمْ يَأْتِ مُقْتَضِبا

يصغي لهُ في حديثٍ جاءَ مقتضياً

سَلامَتي بَعْدَ أَنْ لَمْ فارَقْتُكَ الْعَجَبا

أثني فيعجبهُ قولي ويكثرُ منْ

وَحائزَ الفضلِ مولوداً وَمكتسبا

يامُحْرِزَ الْمَجْدَ مَوْرُوثاً وَمُبْتَدَعاً

وَثَرْوَة ٍ فَإِلى آلائِكَ انْتَسَبا

وَكُلُّ ما نِلْتُ مِنْ عِزٍّ وَتَكْرِمَة ٍ

خِيفَتْ بَوائِقُها إِدْراكَ ماطَلَبا

لمْ يعدُ منْ شامَ نصراً عندَ نائبة ٍ

ما كُلُّ من سلَّ سَيفاً صارماً ضرباً

سللتهُ وَضربتُ النائباتِ بهِ

إِنْ هِيْجَ عَنَّ وَإِنْ سِيلَ الْجَزيلَ حَبا

فَمَرَّ كَالسَّهْمِ إِسْراعاً لِوِجْهَتِهِ

وَعزمة ٍ لا تشكى الأينَ وَالوصبا

بِهِمَّة ٍ لاتُجارَى في اكْتِسابِ عُلى ً

وَيَصْحَبُ الْمَجْدُ مِنْهُ خَيْرَ مَنْ صَحِبا

تلقى أعاديهِ منهُ شرَّ منْ لقيتْ

فَإِنْ دَعاهُ وَفاءٌ عاوَدَ الْعَرَبا

وَيُشْبِهُ التُّركَ إِقْداماً وَمَحْمِيَة ً

قَطْعِ الطَّريقِ فَكَانَ الْوالِدَ الْحَدِبا

صاحبتهُ ولداً براً يعينُ على

تعطي المنى وَتزيلُ الهمَّ وَالتعبا

تَلاكَ فِيَّ فَأَكْرِمْها مُصاحَبَة ً

دروعهمْ نجدة ً وَاستفرغوا العيبا

يابْنَ الَّذينَ إِذا شَبَّتْ وَغى ً مَلَؤُا

تروعَ السربِ لما عارضَ السربا

وَخَوَّفُوا النّاسَ فَارْتاعَتْ مُلُوكُهُمُ

وَلَسْتَ تَلْقاهُ إِلاّ خائِفاً وَصِبا

منْ أمَّ مسعاكَ أنضى فكرهُ سفهاً

سددتهُ بسدادٍ صحح اللقبا

وَقدْ حللتَ بثغرٍ عزَّ ساكنهُ

بمحضِ ودًّ أزالَ الشكَّ وَالريبا

ظافَرْتَ مالِكَهُ دامَتْ سَعادَتُهُ

أمضى منَ المرهفاتِ الباتراتِ شبا

فأنتما فيهِ سيفا عصمة ٍ وَردى

أَوْ حارَبا حَرَبا أَوْ خاطَبا خَطَبا

إنْ طاولا علوا أوْ فاضلا فضلا

إِنِّي شَريكُكَ فِيما عَنَّ أَوْ حَزَبا

إِنِّي أَقُولُ وَلَيْسَ الْمَيْنُ مِنْ شِيَمي

ذادَ الكرى وَاستثارَ الهمَّ وَالوصبا

لَمّا اشْتَكَى مُرْشِدٌ أَعْظَمْتُهُ نَبَأً

قَضَتْ بِتَسْكينِ قَلْبٍ طالَما وَجَبا

حتى إذا جاءتِ البشرى بصحتهِ

تَلْقى الْخُطُوبَ بِجَدٍّ يَخْرُقُ الْحُجُبا

فَلا بَرِحْتَ وَإِنْ ساءَ الْعِدى أَبَداً

أعلى الصفحة