أبو الشيص الخزاعي
130 - 196 هـ / 747 - 811 م


محمد بن علي بن عبد الله بن رزين بن سليمان بن تميم الخزاعي.

شاعر مطبوع، سريع الخاطر رقيق الألفاظ.

من أهل الكوفة غلبه على الشهرة معاصراه صريع الغواني وأبو النواس. وانقطع إلى أمير الرقة عقبة بن جعفر الخزاعي فأغناه عقبة عن سواه.

ولقبه أبو الشيص ويقال للنخلة إذا لم يكن لها نوى وذلك رديء مذموم.

وهو ابن عم دعبل الخزاعي، عمي في آخر عمره قتله خادم لعقبة في الرقة.

وكميت أرّقها وَهَجُ الشَّمْ

سِ وصيْفٌ يَغْلي بها وشتاءُ

وكميت أرّقها وَهَجُ الشَّمْ

نارها بالكواكب الجوزاءُ

طبختها الشعرى العبور وحثَّت

أقلعت عن سمائها الأقذاءُ

محضتها كواكب القَيْظ حتى

صَّبها في الزُّجاجة الوُصَفاءُ

هي كالسُّرْج في الزجاج إذا ما

تَلِبُ السَّاقيان منها سواءُ

ودم الشَّادن الذَّبيح وما يَحْ

ح بكأسين ظَبْية حَوْراءُ

قد سقتني والليل قد فتق الصُّبْ

ضَة حنَّى أطرافها الحِنّاءُ

عن بَنان كأنَّها قُضُب الفِضْ

مَرَتْ عَينَه للشوقِ فالدمْعُ مُنسَكِبْ

طلولُ ديارِ الحيِّ والحيُّ مغترِب

مَرَتْ عَينَه للشوقِ فالدمْعُ مُنسَكِبْ

لبسْنا جديديْها وأعلامُنا قُشُبْ

كسا الدَّهْرُ بُرْدَيْها البِلى ولرُبَّما

سَماءٌ وأرواحٌ ودهرٌ لها عَقَبْ

فغيَّرَ مَغناها ومحَّتْ رسُومَها

زَمانٌ يُشِتُّ الشمْلَ في صرفه عجبْ

تربّع في أطلالها بعد أهْلِها

وسُوداً من الغِربانِ تبكي وتنتحبْ

تَبدَّلتِ الظُّلمان بعد أنيسها

يطيبُ الهوى فيها ويُستَحْسن اللَّعِبْ

وعهدي بها غنَّاء مخضرَّة الرُّبى

موائِدُ أغْصانٍ تأوّدُ في كُثُبْ

وفي عَرصَاتِ الحيَّ أظْبٍ كأنَّها

وخَفَّرها خَفْرُ الحواضنِ والحُجُبْ

عَواتقُ قد صانَ النَّعيمُ وجوهَها

ولم تَنْتِحِ الأطرافُ منهنَّ بالرِّيَبْ

عفائفُ لم يكشفن سِتراً لِغَدْرَة ٍ

كذاك انصداع الشَّعْب ينأى ويقتربْ

فأدْرجَهم طيُّ الجديدينِ فانطوَوْا

حواشيَها ما مَجَّ من رِيقهِ العِنَبْ

وكأس كسا الساقي لنا بعْد هَجَعَة ٍ

فآبَتْ بلا نار تُحَشُّ ولا حَطَبْ

كُمْيت أجادتْ جمرة الصيف طَبْخَها

مُعتَّقَة صهْباءُ حِيريَّة النَّسَبْ

لطيمة مِسْك فُتَّ عنها خِتامُها

فليس بها إلا تلألؤَهَا نَدَبْ

ربيبة أحْقابٍ جلا الدَّهرُ وجْهَها

تأمّلتَ في حافاتِها شُعَل اللَّهبْ

إذا فُرُجاتُ الكأس منها تُخيِّلَتْ

تتبَّعُ ماءُ الدُرّ في سُبُكِ الذهبْ

كأنَّ اطَّرادَ الماء في جنَباتِها

غَزالٌ بحنّاء الزّجاجة مُخَتَضَبْ

سقاني بها والليلُ قد شابَ رأسه

ومالتْ أعاليه من اللِّين ينْقَضِبْ

يكادُ إذا ما ارتَجَّ ما في إزاره

مريضُ جفونِ العين في طيِّهِ قبَبْ

لطيفُ الحشى عبْلُ الشَّوى مُدْمَجُ القَرى

إليه وتلقاني الغواني فتصْطَحِبْ

أميلُ إذا ما قائد الجهل قادني

عن الجهل عهدٌ بالشبيبة قد ذَهَبْ

فورَّعني بعد الجهالة والصّبا

ودهرٌ تهِرُّ الناس أيّامُه كلِبْ

وأحداثُ شَيْبِ يَفْتَرعْنَ عن البِلى

وجانبت أحداثَ الزُّجاجة والطَرَبْ

فأصبحتُ قد نكَّبْتُ عن طُرُق الصِّبا

عليَّ وإنْ كانت حلالاً لمن شَربْ

يحطّانِ كأساً للنديم إذا جَرتْ

طويلُ قناة ِ الصُّلْب مُنْخزِل العَصَبْ

ولو شِئْتُ عاطاني الزجاجة َ أحورٌ

وإذْ للهوى فينا وفي وصْلِنا أرَبْ

لياليَنا بالطَّفِّ إذْ نحنُ جيرة ٌ

بناتُ النَّصارى في قلائِدها الصُّلُبْ

لياليَ تسعى بالمدامة بيْنَنا

وجُوفٍ من العيدان تبكي وتصْطَخِبْ

تُخالسني اللَّذات أيدي عَواطلٍ

ووقَّرني قرْعُ الحوادث والنَّكَبْ

إلى أنْ رَمى بالأربعين مُشِبُّها

وأحكَمني طولُ التَّجاربِ والأدَبْ

وكفكَفَ من غرْبي مشيبٌ وكبرَة ٌ

بمهنوءة من غير عُرٍّ ولا جَربْ

وبحر يَحارُ الطَّرفُ فيه قَطْعتُه

مُداخلة الرّايات بالقار والخشَبْ

مُلاحَكة الأضلاع محبوكة القَرى

ولا صفحتيها عَقْدُ رَحْلِ ولا قَتبْ

مُوثَّقة الأَلواح لم يُدْمِ متْنَها

سِنَادٌ خليع الرأس مزمُومة الذَّنَبْ

عريضة ُ زَوْر الصَّدر دَهمْاء رَسْلة

تكاد من الإغراق في السير تلتهبْ

جَموحُ الصَّلا موَّارة ُ الصدر جَسْرَة ٌ

نَبيلة مجرى العرض في ظهرها حَدَبْ

مجفّرة الجْنَبيْن جوفاء جَونْة

ولا تشتكي عضَّ النُّسوع ولا الدَّأبْ

معلَّمة لا تشتكي الأيْنَ والوَجى

ولا خانها رسْم المناسِب والنَّقَبْ

ولم يَدْمَ من جذب الخشَاشة أنفها

شَديدة طيِّ الصُّلْب معصوبة ُ العَصَبْ

مُرَقَّقَة الأخفافِ صُمٌّ عِظامُها

إذا ما تَفرَّى عن مناكبها الحَببْ

يشقُّ حبابَ الماءِ حَدُّ جِرانِها

رأيت عَجاج الموتِ من حولها يَثِبْ

إذا اعتلجت والريحُ في بطن لُجّة

إلى متن مقتِّر المسافة مُنْجَذبْ

ترامى بها الخلجانُ من كلِّ جانبٍ

معرَّقة الأصْلاب مطويّة القُرُبْ

ومثقوبة الأخفاف تَدمى أنوفها

شَواعِب للصّدع الذي ليس ينشعبْ

صوادع للشّعْب الشّديد التَيامه

وكم مِنْ ميتة قد مِتُّ فيها

ولكن كان ذاك وما شَعَرْتُ

وكم مِنْ ميتة قد مِتُّ فيها

على شَجَن هزْأت إذا خَلوْتُ

وكنتُ إذا رأيْتُ فتى ً يبكّي

فصرتُ إذا بصرتُ به بكَيْتُ

وأحسبني أدال الله منّي

وصاحب كان لي وكنتُ له

أشْفقَ من والدٍ على وَلَدِ

وصاحب كان لي وكنتُ له

أو كذراع نيطتْ إلى عَضُدِ

كنّا كساقٍ يمشي بها قَدَمٌ

خَطْوي وحلَّ الزمان من عُقَدي

حتى إذا دانَت الحوادثُ من

عَيْني ويرمي بساعدي وَيدي

احْوَلَّ عنّي وكان ينظر من

ليس بنا حاجة ٌ الى أحدِ

وكان لي مؤْنِساً وكنتُ له

كنتُ كمسْترفد يَد الأسدِ

حتى إذا اسْترفَدت يدي يَدَهُ

أعلى الصفحة