1109-1247هـ/1697-1831م

انقرضت الإمارة المعنيّة بوفاة الأمير أحمد بن معن سنة 1109هـ/1697م. وعقد الأمراء والمشايخ مؤتمر السمقانية، حيث تمّ اختيار الأمير بشير بن شهاب من أمراء وادي التيم، وهو إبن أخت الأمير أحمد آخر أمراء آل معن. ثم أرسل قرار السمقانية إلى أسطنبول، بواسطة والي صيدا، فتمت الموافقة على أن تكون الإمارة لحيدر الشهابي إبن إبنة الأمير أحمد بن معن، وحيث أنه صغير السن، فقد تمّ اختيار الأمير بشير ريثما يبلغ أشدّه.

*زمن الأمير بشير الشهابي 1109-1118هـ/1697-1706م

تولى الأمير بشير الشهابي الأول سنة 1109هـ/1697م نيابة عن الأمير حيدر الشهابي (1). وفي سنة 1110هـ/1698م تولى قبلان باشا المطرجي ولاية صيدا التي تضم بيروت، ثم ما لبث أن أستنجد بالأمير بشير بعد أن عصى عليه الشيخ مشرف بن علي الصغير حاكم بلاد بشارة {جبل عامل}. فجمع الأمير بشير ثمانية آلاف رجل، وقبض على الشيخ مشرف، وسلّمه إلى الباشا الذي أعطاه مقابل ذلك ولاية صيدا، من صفد إلى جسر المعاملتين. وأصبحت بيروت تابعة له، وقد أناب عنه أرسلان باشا. وعندما تُوفي الأمير بشير سنة 1118هـ/1706م، تولى الإمارة حيدر الشهابي.

وفي مستهل حكم الأمير حيدر، لولّى بشير باشا ولاية صيدا التي تضم بيروت. وازداد الصراع بين القيسية واليمنية، فاستطاع الأمير حيدر جمع القيسية في عين داره سنة 1123هـ/1711م، في حين أرسلت اليمنية إلى بشير باشا والي صيدا فحضر إلى حرج بيروت، كما حضر نصوح باشا والي دمشق إلى البقاع. وأنتصر الأمير حيدر والقيسية.

وفي سنة 1127هـ/1715م، عزل عثمان باشا عن بيروت. وفي سنة 1129هـ/1717م تُوفي الأمير عبد الله أبي اللمع زوج أخت الأمير حيدر الشهابي، فادعت زوجته بميراثها منه، وأخذت بستان بوكعكة في ساحل بيروت {البوشرية}، وجزيرة إبن معن عند نبع بيروت.

*زمن الأمير ملحم الشهابي 1143-1169هـ/1729-1754م :

وفي سنة 1143هـ/1729 ترك الأمير حيدر الحكم، فخلفه إبنه الأمير ملحم. وإذ ذاك بنى الأمير سليمان اللمعي قيسارية البارود في بيروت.

ودخلت بيروت في حوزة الأمير ملحم منذ سنة 1164هـ/1749م، وجعلها عاصمة شتوية له، وبنى فيها خان الملاحة. كما بنى أخواه الأميران أحمد ومنصور، أبنية وحوانيت وبساتين في بيروت. وبنت زوجة الأمير أحمد القيسارية العتيقة، والبرج المستدير بجانب السور الذي هدم، وبنى مكانه مستشفى العساكر السلطانية.

*زمن الأميران أحمد ومنصور 1169-1177هـ/1754-1762م :

وتنازل الأمير ملحم عن الإمارة سنة 1169هـ/1754م، فانقطع إلى حياة تدين وأقام في بيروت، وعكف على دراسة الفقه ومعاشرة علماء الإسلام.

وفي سنة 1174هـ/1759م، أزدهر مرفأ بيروت نتيجة الزلزال الذي ضرب صيدا، فانسحب منها التجار الفرنسيون إلى بيروت وطرابلس.

وسنة 1176هـ/1761م تُوفي الأمير ملحم فدفن في جامع الأمير منذر التنوخي.

بنى الأمير منصور طاقة القصر جنوب شرق الكبوجية، والديوان، وميزان الحرير، والقيسارية المعروفة بأسمه. وفي سنة 1179هـ/1764م شيدت كاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس. وتولى بيروت محمد باشا عثمان ثم محمد باشا، فدرويش باشا. وعندما أحتل الشيخ ظاهر العمر، مرفأ صيدا سنة 1185هـ/1770م، وبرزت مطامعه في التوسع ، استرضاه الأمير منصور بالمال لقاء 25 ألف غرش وصرفه عن بيروت. ثم تنازل الأمير منصور عن الحكم لإبن أخيه الأمير يوسف.

*زمن الأمير يوسف الشهابي 1185-1191هـ/1770-1776م :

بالرغم من زوال الخطر عن بيروت، فقد وصل إليها أحمد باشا الجزّار على رأس جيش من دمشق، وتسلّم بيروت من الأمير يوسف. ولكن الجزّار أراد الاستقلال في بيروت، فحصَّنها ورفض تسليمها. فاتفق الأمير يوسف الشهابي مع ظاهر العمر(2)، والي عكا، لنجدته بالأسطول الروسي الموجود في قبرص، حتى يسترجع بيروت من الجزّار، وذلك مقابل دفع مبلغ ثلاثمائة ألف قرش لأمير الأسطول {كنتوجونى}.

وعندما وصل الأسطول الروسي، أرسى سفنه مقابل برج أبي هدير، وأنزل بعض القوات إلى البر، ثم حاصر المدينة براً وبحراً. وقيل إن السفن الروسية أطلقت ستة آلاف قنبلة فدمرت جانباً من بيروت، وتصدعت جدران سورها وتهدمت جوانبه، وأحرقت بعض الأبراج. وأستمر الحصار مدة أربعة أشهر، ليل ونهار، مما أدى إلى تضايق أهالي بيروت أثناء الحصار، ونفذ ما عندهم من الزاد، فكانوا يأكلون لحوم الخيل والحمير والكلاب. فاضطر الجزّار إلى التسليم وطلب الأمان عن يد ظاهر العمر، والخروج من بيروت التي دخلها الروس ونهبوها سنة 1188هـ/1773م.

وتسلّم الأمير يوسف الشهابي بيروت، وعاد إليها الأمراء الشهابيون. وغرم أهلها ثلاثمائة ألف قرش، دفعها لقائد الأسطول الروسي. وكان الفرنسيون يدعون بيروت، قبل نهبها وحرقها، (باريس الموارنة الصغرى).

وبعد ذلك عمَّر الأمير يوسف الشهابي بيروت، {{ وصار ما بينه وبين حضرة أبو الذهب حاكم مصر مكاتبة وهدايا وأرسل لأبي الذهب ماية اردب رز وعشر قناطير قهوة وفرو ثمين وسيف مذهب ومشيت المراكب لبيروت وأرتفع اليسق {المنع والحذر} ).

وخلال الحرب التركية ـ الروسية، تعرضت بيروت للدمار والإحتلال، لفترة قصيرة، وذلك من تشرين الأول سنة 1773 حتى شباط 1773.

ولم يلبث أحمد باشا الجزّار، أن هزم الأمير يوسف الشهابي سنة 1191هـ/1776م، وسيطر على بيروت.

*تخطيط بيروت {مدينة صغيرة تمتد داخل السور}

جدَّد أحمد باشا الجزّار سور بيروت سنة 1206هـ/1791م. وبوفاته سنة 1219هـ/1804م خلفه في حكم عكا، فسليمان باشا، ثم عبد الله باشا سنة 1235هـ/1819م الذي أستمر حكمه حتى دخول بيروت تحت الحكم المصري سنة 1247هـ/1831م. وسواء في حكم الجزّار أو عبد الله باشا، حيث الضرائب الباهظة والظلم والتعسف، كانت بيروت ملجأ للمظلومين، يجتازون سورها عبر الأبواب.

(1)  الأمير حيدر الشهابي 1093-1143هـ/1682-1731م : هو إبن إبنة الأمير أحمد المعني كان صغير السن عندما تسلّم الإمارة عنه أمير راشيا بشير الشهابي الأول. تُوفي الأمير حيدر في دير القمر بعد أن حكم 26 سنة وكان شجاعاً كريماً.

(2) ظاهر العمر 1106-1196هـ/1695-1782م : ظاهر بن عمر بن أبي زيدان، أصله من المدينة، هاجر أحد أجداده إلى فلسطين، خلف والده على حكم صفد، ثم أستقر في عكا، وأحاطها بسور منيع، غدر به أحد رجاله فقتله.

عودة للفصل الثالث

عودة للباب الخامس

عودة للصفحة الرئيسية