الأسد يبدأ ( محاولات اللحظة الأخيرة ) للإنقاذ

خطوات حذرة للرئيس بإتجاه إعلان ( الثورة البيضاء )

لكنه غير متأكد من جدواها في إخراجه من العزلة

الأسد يبدأ ( محاولات اللحظة الأخيرة ) للإنقاذ

(نقلاً عن جريدة السياسة الكويتية)

تموج العاصمة السورية ببحر من الأخبار هذه الايام، منها ما يقال علنا دون خوف، ومنها مايتم تداوله بالهمس. لكن مجمل هذه الاخبار موثقة من مصادر مقربة جدا من النظام السوري،وتعتبر شديدة الاطلاع.

وتفيد هذه المصادر أنه بعد ساعة من اغتيال الحريري يوم الرابع عشر من فبراير الماضي، تم تعيين آصف شوكت، صهر الرئيس السوري وزوج أخته بشرى رئيسا للاستخبارات العسكرية، ولم يعلن هذا التعيين رسميا الا بعد مرور ثلاثة ايام.

وتمت كتابة التكليف بقلم رصاص من قبل القيادة السياسية السورية.وفي النظام المتبع في الجيش السوري أن يتم تثبيت آصف شوكت في منصبه الجديد خلال مدة لا تتعدى الستين يوما، وبعد مرور أكثر من ستين يوما على تعيينه طالب شوكت تثبيته في منصبه إلا أن الرئيس بشار الأسد لم يوقع على كتاب التثبيت، الامر الذي جعل من آصف شوكت رجلا بلا صلاحيات في منصبه، وشبه مجمد.

الى ذلك أصدرت الجهات العليا في دمشق أوامر بمنع استخدام الخط العسكري الذي كان يربط دمشق ببيروت، ويتيح لمستخدميه العبور الحر دون أي مساءلة. وقد أمرت الاستخبارات السورية في الجانب السوري من الخط، والاستخبارات اللبنانية في الجانب اللبناني من الخط بتنفيذ هذا المنع، كما تم إيقاف مفعول كل التصاريح والمهمات العسكرية على الخط تجاه لبنان وبشكل نهائي مما يعني إقفال الخط وإنهاء فوضى المرور عليه التي كان يحدثها العسكريون والنافذون عبر حركة تهريب ناشطة كانت تتم في اتجاه واحد، أي من بيروت الى دمشق.

وأفادت المصادر أن الرئيس الاسد يعقد هذه الايام اجتماعات متتالية مع جهات أمنية أبدت غضبها من جملة قرارات، بما فيها قرار التمديد للحود في رئاسة لبنان، وأدت الى هذه النتائج الكارثية التي أخرجت سورية من لبنان، وقضت على دورها الاقليمي. وطلب الاسد من هذه الجهات تزويده بمعلومات مفصلة عما تم ارتكابه من اخطاء في حقبة الاحتلال السوري للبنان، ومن تجاوزات صعب أن تغتفر.

وعلى هذا الجانب المتصل قالت المصادر أن الرئيس السوري أخرج نائبه عبدالحليم خدام ووزير خارجيته فاروق الشرع من دائرة الاقتراب منه، وكذلك فعل مع وزير داخليته غازي كنعان. اضافة الى أنه بدأ يتحاشى الاتصال بالاشخاص الذين لوحقوا بالانتقادات بسبب الاخطاء، أو حامت حولهم الشبهات في جريمة اغتيال الحريري.

ويقول المحيطون بالرئيس السوري، استطرادا، أنهم بدأوا يلاحظون أن ثمة شيئا ما بدأ يدور في ذهنه، ويتصل فعلا بترتيبات إعلان الثورة البيضاء. لكنه، أي الرئيس، مازال يجري حساباته، فهو متخوف أن لايكون إعلان هذه الثورة مرضيا، ومستجيبا للاستحقاقات الدولية ولاصحابها، وبالتالي لن يسفر عن فك العزلة عن سورية، والتي بدأت تؤثر بشدة على القضايا الاقتصادية الداخلية.

ويذكر، كما توضح المصادر، أن الرئيس الاسد كان محاطا بشبكة من الرجال الذين لايوحون بالثقة، لا للداخل السوري، ولا للخارج الدولي، ومن ضمنهم خاله محمد مخلوف وابن خاله رامي مخلوف اللذين أبعدهما عن دائرة الاقتراب منه، وبدأ يرفض الرد على اتصالاتهما الهاتفية، وسحب منهما امتيازات كثيرة تمتعا بها من خلال استغلال النفوذ وأواصر القربى، وأمر وزير العدل باستقبال كل الدعاوى التي رفعها وسيرفعها المواطنون المتضررون منهما، جراء اغتصابهما لحقوقهم، من أراض، ووكالات تجارية وشركات.
وتبدي المصادر الكثير من الشكوك حول ما اذا كانت »الثورة البيضاء« ستحوز على ثقة المجتمع الدولي بالنظام السوري. فهذه المصادر أشارت الى أن أصحاب الاستحقاقات الدولية يبدون كمن قطع الامل بامكان وجود مستقبل لهذا النظام.ودائما مايذكر هؤلاء بتعهدات أخذها الرئيس الاسد على عاتقه تجاه الرئيس الاميركي بوش، والرئيس الفرنسي شيراك، ولم يلتزم بها، وكل ما كان يسمعه الرئيسان من الاسد لم يخرج عن نطاق المبررات المشبعة بالشعارات الحزبية، ولم يجب على المطلوب منه دوليا لا بكلمة »نعم« ولا بكلمة »لا« بل بكلمة »لعم« الغامضة والملتبسة، والموحية جدا بالسكون وبأن الرئيس السوري غير قادر على فعل شيء. والاجابة الحزبية الملتبسة، كما تقول المصادر، لا يحترمها زعماء العالم، وأولهم الرئيسان الاميركي والفرنسي، ويبدو أنها، اي الاجابة الملتبسة، هي التي أوقعت النظام السوري بالاخطاء السياسية الجسيمة التي أدت الى اخراج قواته من لبنان، والى إحكام العزلة الدولية عليه.

وعلى هذا الصعيد نقلت المصادر عن ديبلوماسيين عرب في واشنطن معلومات مكتومة اقتصر توزيعها فقط على بعض الادارات العربية، وبالذات وزارات الخارجية التي تنتمي اليها هذه الأوساط. ومفادها أن الادارة الأميركية، بعد إعلان الرئيس بوش عن عدم التعاون مع الرئيس السوري، وان »على هذا الرجل أن لا يحلم أنه في يوم سيجلس على طاولة واحدة مع رئيس أميركا« لم تعد بوارد ترميم العلاقة مع نظام دمشق، على الرغم من تجاوبه الملحوظ مع قرارات الشرعية الدولية وامتثاله لها. وقالت الأوساط الديبلوماسية ان الادارة في واشنطن بدأت تعمل على أساس ان النظام السوري يجب أن يزول، أو يرحل، وأن إسقاطه ليس من الضروري أن يعتمد على الاداة العسكرية التي استخدمت في إسقاط نظام صدام حسين في العراق. وبدأت قناعة تسود الادارة الأميركية الآن ان النظام السوري لن يبقى، وأن حزب البعث لن تدوم سلطته طويلاً، وان التغيير آت قريباً الى سورية.

وفي استفسار الأوساط الديبلوماسية العربية عن هذا الجانب توفرت لها إجابة صريحة وواضحة وهي ان التعاون مع دمشق لن يستأنف إلا مع نظام حكم جديد، وديمقراطي، يخلف النظام الشمولي الحالي الذي يستأثر بالسلطة، ويصادر الحياة السياسية في البلاد، ويحكم بصورة مطلقة وغاشمة. أما عن كيفية إسقاط هذا النظام، فلم تتوفر للأوساط الديبلوماسية العربية أساليب صريحة حول هذا الموضوع وإن كان المدخل اليه المضاعفات التي سيحدثها بدء لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الحريري بأعمالها، إذ ان عمل هذه اللجنة متوقع ان يصاحبه شيء من الدوي حين ستستدعي للاستجواب رؤساء الأجهزة الأمنية والاستخبارات في سورية ولبنان معاً، على خلفية شبهة الضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق.

من ناحية أخرى، وعلى هذا الصعيد المتصل، طلبت الادارات المعنية في مصرف لبنان (البنك المركزي) ووزارة العدل اللبنانية، ولجنة التحقيق الدولية، من بنك لبنان والمهجر تزويدها بكشوفات حسابات كل المسؤولين السوريين والقادة العسكريين ورؤساء الاستخبارات الذين كانوا يعملون أثناء الاحتلال السوري للبنان. وحددت هذه الدوائر تواريخ الكشوف من يوم دخول جيش الاحتلال السوري الى لبنان سنة 1976 وحتى يوم انسحابه في السادس والعشرين من ابريل سنة .2005 وكشفت مصادر مطلعة ان الغرض من الطلب هو متابعة حركة الأموال، ومصادرها، وهل خضعت للتبييض أم لا? خصوصا وأنها مقدرة بالملايين، وعائدة الى عسكريين ليس لهم في آخر الشهر إلا رواتبهم. ولوحظ، كما تقول المصادر، ان أموالاً، وبالملايين، نقلها هؤلاء العسكريون من بنك المدينة، صاحب السمعة المشبوهة، الى بنك لبنان والمهجر، وأولهم رستم غزالة الذي كان بنك المدينة من أكبر المتواطئين معه. كما أوضحت المصادر ان ملاحقة هذه الكشوفات ستتيح للجنة التحقيق معرفة حركة الشيكات الواردة والصادرة والتي قد تمكنها من كشف أسماء أشخاص شاركوا في جريمة اغتيال الحريري، وتلقوا مكافآت مالية على مشاركاتهم. وعلى ضوء هذه الضغوطات الممارسة على بنك لبنان والمهجر، والنابعة من مقاصد وتفتيشات أمنية، سافر صاحب البنك نعمان الأزهري الى باريس، فيما يشبه الهروب من مضاعفات مقلقة لا يريد التعرض لها، فيما اعتبر ابنه سامر، مدير عام البنك مسؤولاً عن كل عملياته الممتدة منذ اكثر من ثلاثين عاماً، والخاصة برؤساء وأجهزة المخابرات السورية، وغيرهم، أثناء فترة الاحتلال السوري للبنان، والذين أثروا ثراءً فاحشاً جراء استغلالهم لمسؤولياتهم الأمنية.

وفي معرض مراجعة كبار المسؤولين السوريين لتجربة بلادهم المريرة في لبنان، ولثلاثين سنة من استباحة هذا البلد، تم التركيز على الكلفة الباهظة لهذه التجربة، التي لم تسفر إلا عن الخيبة والفشل، وكان من ضمنها مقتل 43400 جندي سوري في المعارك المتفرقة، وذهب أكثرهم أيام الاجتياح الاسرائيلي للبنان سنة .1982 ويبدي كثير من هؤلاء المسؤولين الكبار، وخصوصا القادة العسكريين منهم، الأسف من أن هذا الجهد العسكري قد ذهب في غير مجاله، اضافة الى أن روح القتال العسكرية قد انطفأت بسبب انحراف المهمة عن أغراضها، وتحول الوجود العسكري في لبنان الى وجود انتفاعي يحرص على توفير سبل الرفاهية والانتماء الى المجتمعات المخملية.

والمعروف ان تعويضات الجندي السوري القتيل لأسرته لا تتعدى المئتي دولار أميركي.

وعلى صعيد آخر متصل أشارت المصادر المقربة الى حلفاء سورية والمتعاونين معها في لبنان.. أن هؤلاء بدأوا يتعرضون للانكماش، ويشعرون بينهم وبين أنفسهم أنهم أصبحوا خارج الاجماع اللبناني، وخصوصا بعد صدور تقرير أمين عام الامم المتحدة كوفي عنان حول درجة تنفيذ القرار ،1559 حيث لاحظ ان القرار طبق في ناحية الانسحاب السوري، ولم يطبق في ناحية تجريد »حزب الله« من السلاح، وكذلك المخيمات الفلسطينية.

عودة لصفحة الملف الأسود

 [ أعلى الصفحة