إيلي فرزلي

ورث ايلي الفرزلي من عمه النائب الراحل اديب الفرزلي الذي لم ينجب ذكوراً يرثونه، وجاهة سياسية واجتماعية في قصبة من قصبات البقاع الغربي. آل الفرزلي من طائفة الروم الارثوذوكس في الضفة الشرقية من البقاع الغربي، ويعيشون ضمن اكثرية سنية تتصل اتصالاً وثيقاً بالداخل السوري. فبالنسبة لأهل هذه القرى تشكل دمشق عاصمتهم الاقتصادية دائماً والسياسية معظم الاحيان. وتفيد تقارير حديثة ان اربعة آلاف عائلة تتحدر من البقاع الغربي يعيش افرادها اليوم في دمشق وجوارها، مستفيدة، اي هذه العائلات، من سهولة التنقل بين الحدود اللبنانية السورية، وقرب العاصمة السورية من قراهم فضلاً عن الفارق الكبير في كلفة العيش بين لبنان وسورية، وهو فارق يجعل اي مالك ارض متوسط الحال يعيش حياة كريمة في سورية متمتعاً بإيراد ارضه في لبنان، في وقت لا يخوله هذا الإيراد ان يؤمن اساسيات العيش في لبنان. فضلاً عن ذلك تنتشر قرى سنية على السفح الغربي لسلسلة جبال لبنان الشرقية ولا تفصلها عن الداخل السوري إلا بضعة كيلومترات يقطعها اهل المنطقة عادة على البغال والحمير، وتنشط على هذه الحدود الرخوة عمليات التهريب المتبادل بين لبنان وسورية. كما ان الحدود بين الجانبين على قمم السلسلة الشرقية وفي سفوحها بالغة التداخل ورخوة، وكثيراً ما تلجأ سورية إلى قضم بعض اجزائها. ويشير بعض المؤرخين اللبنانيين إلى مشكلات عميقة على هذا الصعيد منذ تأسيس لبنان وحتى اليوم.


ايلي الفرزلي ولد وترعرع في هذا الجو السياسي والاجتماعي الوثيق الصلة بسورية على مر التاريخ. لكن وجاهته السياسية التي ورثها عن ابيه كانت تدين إلى حد بعيد للنظام اللبناني وطرق تصريف اعماله. فالمسيحيون في البلدة التي يتحدر منها الفرزلي يعادلون ثلث السكان لكن المحيط الذي يجاورها يغلب عليه اهل السنة غلبة كاسحة. وسنة الأطراف في لبنان موئل مناسب لكل انواع التطرف السياسي ويشكلون كشيعة الجنوب خزاناً بشرياً ووقوداً لكافة الحروب الأهلية. بهذا المعنى تشكلت وجاهة ال الفرزلي التي تتجاوز حدود العائلة الصغيرة وابناء الطائفة قليلة العدد في منطقتهم، بالاستناد إلى قانون الانتخاب اللبناني الذي كان يلحظ مقعداً برلمانياً لمسيحيي المنطقة. لكن مأساة الفرزلي الابن الشخصية تمثلت في ان والده لم يفز في دورة انتخابات عام 1972 البرلمانية وهي الانتخابات التي سبقت نشوب الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان ابريل من العام 1975.

والتي عطلت الانتخابات النيابية على مدى سبعة عشر عاماً متوالية. مما جعل وجاهته تضمر بضمور علاقته بأهل السلطة وقدرته على صناعة الأنصار والمحازبين بالخدمات وهذه حال شائعة في لبنان.

قبل 1990 لم يكن اسم الفرزلي متداولاً في منطقته، رغم ان علاقات سياسية كانت تربطه بمسيحيي زحلة المتصلين اتصالاً جغرافياً بمسيحيي جبل لبنان. لكن شهرة الفرزلي الفعلية ودخوله قيد التداول السياسي تمثل في نهاية الثمانينات حين اقام علاقات سياسية مع الوزير والميليشياوي الراحل اغتيالاً بسيارة مفخخة، ايلي حبيقة. كان ايلي حبيقة قد طرد من المنطقة الشرقية من بيروت بعد توقيع الاتفاق الثلاثي برعاية سورية مباشرة مع امل والحزب التقدمي الاشتراكي، ولجأ من باريس إلى زحلة مروراً بدمشق التي دعاه إليها عبد الحليم خدام ليستأنف دوره في لبنان. وقد اصيب ايلي الفرزلي في الإنفجار الذي استهدف حبيقة في زحلة اثناء عقد اجتماع كان حبيقة موجوداً فيه. وربما يجب ان نذكر ان حبيقة المكروه سياسياً والضالع إلى ان يثبت العكس في تنفيذ مجازر صبرا وشاتيلا بحق المدنيين الفلسطينيين، والذي اغتيل في ما بعد بسيارة مفخخة قرب منزله في الحازمية، هذا الرجل المخابراتي الميليشياوي الوزير في ما بعد، ترك أثراً كبيراً في المسيحية السياسية لا يستطيع المرء ان يتجاهل مفاعيله في حقبة السيطرة السورية على لبنان. كان ايلي الفرزلي احد الذين وجدوا خلاصهم وطريقهم إلى دور سياسي ما في لبنان ما بعد الطائف عبر توثيق العلاقة بالقيادة السورية. والحق ان الفرزلي لم يكن رجلاً اول في هذا المجال او مؤسساً كما كان حبيقة مؤسساً واولاً.


انتخب الفرزلي نائباً في البرلمان اللبناني عام 1992 وتولى منصب نائب رئيس المجلس النيابي منذ ذلك الحين وحتى تاريخ تعيينه وزيراً في حكومة عمر كرامي المستقيلة. وكانت السياسة السورية في ذلك الحين ولأسباب تتعلق بطبيعة الجغرافيا السياسية تحبذ ان يقود لبنان زعماء الأطراف على حساب زعماء المدن. بسبب استحالة انفكاكهم وتنكرهم لاحكام الجغرافيا. وهذه سياسة لم تكن تتنكر للتوزيع الطائفي في المؤسسات السياسية لكنها كانت تقدم ابناء الأطراف كممثلين للطوائف المشكوك في ولائها للإدارة السورية. هكذا استطاع حزب الله ان يتمثل في المجلس النيابي بنائبين مسيحيين كانا دائماً في عداد كتلته وكذلك فعل نبيه بري الذي تضم كتلته نواباً مسيحيين لا يستطيعون التنكر لأحكام منبتهم الجغرافي الذي يجعل الناخبين الشيعة يرجحون فوزهم على نحو قاطع.

 
وثق الفرزلي علاقاته بالمتحكمين في الشأن اللبناني ولم يكن يرفض اي طلب تطلبه المخابرات. وكان بين النواب الذين دعتهم قيادة المخابرات السورية للاجتماع في خيمة في العراء من دون مرافق صحية او تسهيلات من اي نوع، تحضيراً لمعركة التمديد للرئيس لحود في اواخر العام الماضي.


يتميز الفرزلي بين القادة الذين والوا سورية ايضاً بقدرة لا يستهان بها على الجدال. صبور على الجدال وماهر في تدوير الزوايا. لكنه وبسبب من فقدان السياسة السورية في لبنان لسياقها الشرعي، بدا إلى حد بعيد وفي كل مناسبة ديماغوجياً يحاول تكذيب بياض اللبن داخلاً في جدال في التفاصيل المملة او مردداً في كل مناسبة ضرورة التنبه للأخطار الكبرى التي تحيق بالمنطقة ولبنان.

والحق ان تياراً وازناً في صفوف المسيحية السياسية في لبنان كان يرى ان خلاصه وضمانات بقائه على قيد الفعل السياسي يتمثل بتوثيق العلاقة مع سورية. هذا التيار كان الأغلب والأعم في المناطق وبين الوجاهات السياسية الناشئة اكثر منه في مركز لبنان جبلاً ومتناً وعاصمة او في صفوف الزعامات السياسية الكبرى. فليس ثمة مجال لولادة زعامة مسيحية من المناطق ذات الغالبية المسلمة من دون الاستناد إلى الطرف الخارجي المقرر في السياسة اللبنانية. بسبب من حدة الانقسام الأهلي في لبنان لا يستطيع الطموحون من سياسيي المناطق ان يسلكوا غير خيار التبعية للخارج على نحو لا لبس فيه، والالتزام بمطالبه ومعاييره من دون نقاش. انها تقية الأقليات التي تفرض على السياسيين ان يدافعوا عن مصالحهم الأولية والشخصية اكثر من مدافعتهم عن مصالح قومهم الكبرى. لهذا بدا إيلي الفرزلي خادماً مطيعاً للسياسة السورية ولساناً عالي النبرة وكثير اللغو في دعم سورية وموالاتها. والأرجح ان رجلاً في موقعه ومكانته سيبقى موالياً إلى ان يتيقن تماماً من انحسار النفوذ.

حين ينحشر سياسي في وضع كهذا يبدي استعداده وحماسته لتقديم الخدمات من غير ان يحصل على مقابل لهذه الخدمات. ويسع المرء القول ان ايلي الفرزلي كان يخدم سيداً في دمشق من دون ان يبادله السيد خدمة بأخرى. اللهم إلا المنصب الرسمي الذي يؤمنه له بواسطة سطوته وفرضه على اللوائح. وايلي الفرزلي وبسبب وضعه المخصوص، كما اشرنا، لا يستطيع إلا ان يثبت كل يوم وفي كل وقت ضرورته لسيده. ذلك ان الطامحين إلى المنصب كثر ولا يحصون عدداً وعلى الإدارة السورية ان تختار من بينهم من ترى انه يخدمها اكثر. هذه الخدمات تبدأ بتوثيق العلاقات الشخصية، مما يجعل الطرف المقرر في المعادلة يطمئن لصداقة الطرف الآخر، إلى الخدمات الشخصية، مما يفتح باباً واسعاً للأسرار بين الطرفين، إلى الخدمات السياسية التي انيط بعضها بنائب دولة رئيس المجلس ونجح في الإصرار على ولائه تحت كل الظروف.

عودة لصفحة رجال لبنان السوريون

عودة لصفحة الملف الأسود

 [ أعلى الصفحة]