اللاذقية/ الجزء الأول      

تقع مدينة اللاذقية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط الشمالي الشرقي في شمال غرب سوريا مقابل أقصى طرف قبرص. كانت قديماَ مرفأَ هاماَ وهي الآن ميناءَ رئيسياَ للجمهورية العربية السورية. 


ولما كانت اللاذقية مسرحاَ للحروب الطاحنة والغزوات السالبة والمخربة من قبل شعوب كثيرة وتعرضها للزلازل العديدة، كل هذا أثر في اندثار آثارها، فلا تعجب من ندرة الأوابد الأثرية فيها مدنية كانت أم دينية فلم يتبقى شيء من سور المدينة ومن مبانيها وشوارعها وأحيائها القديمة شيء يذكر. فمن الآثار الباقية المسرح الكبير الذب لا يظهر منه إلا أطراف متناثرة هنا وهناك، إضافة إلى قبة قوس النصر اليونانية والأعمدة الأربعة التي شيدت تكريماَ للإمبراطور سبتيموس ساديروس الروماني .

 
في العهد الفينيقي الذي يعود إلى القرن الثاني عشر ق.م أطلق على مدينة اللاذقية اسم أمانثا وقيل أنها راماثا وراميتا أي المرتفعة، فكلمة اللاذقية بالذال المعجمة مكسورة وقاف مكسورة وياء مشدودة ثم هاء في الآخر معناها مدينة عتيقة جداَ. وأطلق عليها فيلون اسم راماواثوس معناها الإله السامي، وجاءت تسميتها بـ الشاطئ الأبيض، وسماها القائد اليوناني سلوقس نيكاتور مجدد بنائها لاوذيقيا أو لاوذيسيا نسبة إلى والدته علماَ أن مدناَ كثيرة أخذت هذا الاسم.

 
فتمييزاَ لها عن بقية المدن سميت بـ لاذقية البحر،لاذقية الشام . وشرفها يوليوس قيصر باسم (جوليا) ودعاها الإمبراطور الروماني سبتيموس ساديروس سيبتيما السافرية، وأطلق عليها العرب اسم لاذقية العرب ووصفوها بعروس الساحل وسماها الإفرنج
.la liche


بما أن تسمية المدينة يعود إلى القرن الثاني عشر ق.م أيام الفينيقيين فهذا دليل على قدم بناء المدينة ولكن مجدد بناءها هو الحاكم سلومش نيكاتور ما بين 312 و281 ق.م وكان ذلك في السنة الثالثة من موت الاسكندر المقدوني. ولكن أغلب المصادر العربية أجمعت على أن بانيها هو الحاكم سلوقس، وهناك أسطورة لبنائها مفادها أنه عندما عزم سلوقس على بناء المدينة توجه إلى معبد الإله زوس وقدم له القرابين سائلا إياه أن يهديه إلى المكان المناسب لبناء المدينة، وفيما هو غارق في ابتهالاته وتضرعاته، حط على المذبح نسر ضخم واختطف قسماَ من الذبيحة وطار بها فانزعج سلوقس وجرى وراء النسر فقاده المسير إلى صخرة مرتفعة تشرف على البحر، وهناك برز له خنزير بري فهاجمه فانشغل سلوقس عن ملاحقة النسر بالتصدي للخنزير فقتله. ففهم سلوقس أن مشيئة الإله زوس بأن يبني المدينة في هذا المكان. فأمر رجاله بأن يخطوا بدم الخنزير موضع أسوار المدينة ثم فوق جثته أقيمت أول بناياته وأطلق على المدينة الجديدة اسم والدته لاوذيسية، ولكي تحظى المدينة ببركة الآلهة قدم لها قرباناَ فتاةَ حسناء تدعى أغاني ثم أمر بأن ينصب تمثالاَ للفتاة ليجلب السعادة إلى المدينة.


إن ندرة المكتشفات الأثرية التي تعود للعصور الحجرية والتاريخية في المدينة لا يعني أن مدينة اللاذقية حديثة العهد، لكن مدينة اللاذقية قديمة وهذا ما دل عليه معنى اسمها عتيقة جداَ، وورود اسمها في العهد الفينيقي بأمانثا وهذا إن دل على شيء أنه يدل على قدم المدينة. ناهيك عن ذلك وجود المواقع الأثرية المجاورة لمدينة اللاذقية رأس ابن هاني الذي يبعد عن اللاذقية 11 كم، الميناء البيضاء الذي يبعد 13 كم شمالي اللاذقية، عن مدينة اللاذقية أوغاريت رأس شمراَ الذي يبعد 16 كم عن المدينة شمالي المدينة التي تعود إلى الألف الثانية ق.م. 
ويعود الفضل للعالم لاكتشاف الأبجدية الأوغاريتية التي تعد أول أبجدية في التاريخ وبالإضافة إلى ذلك وجد في أوغاريت أول لحن مدون يعود للألف الثانية ق.م .


موقع رأس البسيط
ويبعد عن المدينة 8 كم والذي كان قديما مرفأَ محصن وقاعدة يستعد فيها المهاجمون لشن الحروب وبالإضافة لموقع مار الياس الذي يعتبر حصناَ لمدينة اللاذقية، وهذا يشير أن مدينة اللاذقية قديمة ولكن كما أسلفنا القول بأن تعرض المدينة للغزوات السالبة والمخربة أثرت في اندثار أو ابدها الأثرية التي تعود للعصور التاريخية فلم يبقى إلا بعض الآثار التي تعود للعصر البيزنطي واليوناني والروماني ...


* العصر السلوقي والروماني:

عندما احتل الاسكندر المقدوني سوريا على إثر معركة ايسوس وقعت مدينة اللاذقية تحت الحكم المقدوني، فبعد موت الاسكندر آلت سوريا إلى حكم السلوقيين نسبة إلى سلوقس اليوناني الذي يعترى له بناء مدينة اللاذقية، فعدت مدينة اللاذقية واحدة من المقاطعات الأربعة التي اعتبرها السلوقيين مركز سوريا العليا، فتأثرت هذه المدينة بالحضارة الهلنستية .


*
في عام64 ق.م:

احتل الرومان سوريا على يد الإمبراطور بومبة، فاستولى الرومان على مدينة اللاذقية بعد أن سحق أنطونيوس وكليوباترة في معركة ألقيوم سنة 31 ق. في عهد الإمبراطور أوكتافيوس أغسطس 27 ق.م أقام في المدينة موكب النصر وبنى فيها أبنية مختلفة ، وجعلها يوليوس قيصر حرة وشرفها باسم جوليا .

 في عام 193 م في عهد الإمبراطور سبتيموس ساديروس منح اللاذقية كل الامتيازات التي كانت لإنطاكية بسبب تمرد أهلها، فدعاها سبتيما السافرية ومنح أهلها شرف الانتساب إليه فصاروا يدعون سبتيميين وشيد قوس النصر في اللاذقية الباقية آثاره حتى اليوم تكريماَ لذلك الإمبراطور العظيم.


* في عام 330 م:

انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين شرقية وغربية فتبعت اللاذقية إلى الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، فازدهرت هذه المدينة مشكلة مرفأ هام لمدينة أفامية قلعة المضيق اليوم، ولسورية الوسطى في عهد الإمبراطور يوستينيانوس527-565م غني بالمدينة وعند تعرضها لزلزالين مروعين عام 484– 555م فرمموا المدينة فازدادت المباني المدنية والدينية، فأصبحت المدينة تحت حكم مباشر للإمبراطور البيزنطي.
*
بالنسبة لانتشار المسيحية في مدينة اللاذقية:

بلغتها النصرانية منذ مطلع تاريخها على يد المبشرين الأولين، فقيل أن الرسول لوقيوس اللاذقي كان أول أسقف عليها في القرن الأول الميلادي، فرعى رعيته بحكمة ورقد بسلام فتبوأت كنيسة اللاذقية مركزاَ مهما ولعب أساقفها دوراَ بارزاَ وريادياَ في المباحثات اللاهوتية.

إنتقل إلى الجزء الثاني