غارقة في مظاهر الولاء السياسي.. ومتمردة على فكرة عودة الحرب!
رمل الظريف تفتقد حدائقها ورملها «عبد ربه»

كان «شاعر الشعب» عمر الزعني يلجأ الى احد قناديل الكاز التي تضعها البلدية ليلاً، في بعض شوارع منطقة «رمل الظريف» في العشرينيات، ليفتح كتبه في ضوئه الخافت ويدرس علومه في مجال المحاماة. فالتيار الكهربائي لم يزر المنطقة قبل أواخر الثلاثينيات.

والزعني الذي عُرف بنقده السياسي الساخر عبر مذياع الراديو، هو أحد أبرز قاطني هذه المنطقة. كانت آنذاك أشبه بقرية مثمرة تغزوها اشجار النخيل والموز والرمان. وتتميز بالتلال الرملية والازقة الضيقة. وكانت طرقاتها معبراً للخيل والدواب.

وعائلة الزعني قديمة في المنطقة. في العام 1850 كان الشيخ محمد عمر الزعني (والد عمر) شيخ الحي. وهو اللقب الذي يعرف اليوم «بالمختار». كان عالماً صوفياً يدرّس الدين على الطريقة الشاذلية، وقاضياً يحل المشكلات العائلية، وتاجر حنطة «ورئيس حسبة» بين التجار. وقد حصل على «امتياز الدولة العليّة» لثلاث مرات ايام الدولة العثمانية والانتداب الفرنسي والاستقلال.

والمنطقة التي تعتبر من المناطق البرجوازية في بيروت، تنبسط على تلة تعلو عن سطح البحر حوالى مئة متر. وتمتد من شوارع مدحت باشاً، الاستقلال، والجزائر، والطريق الموازي لها، حيث شارع الجنرال جان نجيم، مروراً بالطريق الثالث الموازي على امتداد شارعي رشيد نخلة ويعقوب صروف حيث يتواجد عند التقائهما «مستشفى الاطباء»، وصولاً الى ثانوية «رمل الظريف» المقابلة لما كان يعرف بسجن النساء.

من يجول في المنطقة اليوم، يستنتج الميول السياسية لغالبية السكان. صور النائب سعد الدين الحريري تنتظرك عند كل مفترق، اضافة الى صور اخرى له رفعت حديثاً، وتحديداً بعيد بدء الاعتصام الشعبي للمعارضة. وتجمعه تارة برئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وطوراً بالمفتي محمد رشيد قباني.

ولا ينسى بعض سكان المنطقة إشهار صور الشهيد رفيق الحريري. يقف في إطار صورتين عملاقتين في شارع الاستقلال. اضافة الى صور صغيرة له ملصقة على ابواب او داخل بعض المحال التجارية. لافتات تهلل للنائب سعد الدين في الشارع نفسه. إحداها تمتد عرضاً على امتداد طرفي الشارع، يكتب عليها: «من اجلك يا سعد الله.. جاهزون إنشاء الله.. لبيك يا سعد».

ويبقى شارع «بني امية» هو من اكثر الامكنة التي يطغى عليها الولاء الى «تيار المستقبل». صور الاب والابن من آل الحريري تغزو الشوارع وعدداً من ابواب المحال وبعض جدران الابنية. مقهى صغير في إحدى الزوايا يحمل اسم: «استراحة الحريري ـ لجنة شباب الظريف». وتُرفع عند مدخله صورة ضخمة للنائب الحريري. وفي معظم شوارع المنطقة، تطالعك بعض الاعلام اللبنانية من نوافد وشرفات بعض المنازل في عدد من الابنية، استجابة لطلب السنيورة الذي دعا الى رفعها على الشرفات.

يشير المختار الحالي الشيخ سمير الزعني (حفيد الشيخ محمد) الى ان غالبية سكان «رمل الظريف» هم من السنة، وفيها نسبة قليلة من الشيعة والدروز والارمن، وقلة محدودة من المسيحيين. والولاء السياسي فيها هو ولاء واحد «لتيار المستقبل».

ويشير إلى أن ثمة شوارع يتمركز فيها السكان السنّة اليوم بشكل «صافي»، وهي شوارع بشير القصار، مدحت باشا، وعمر الزعني، توفيق طبارة، الراشدين، فيما ينحو الثقل الشيعي نحو المصيطبة، والثقل الدرزي نحو كركول الدروز.

يقول كامل نحال الذي يملك مطعماً في المنطقة منذ العام 1955 وهو من الطائفة الشيعية أنه رفع صورة الشهيد الحريري في المطعم، ثم نزعها حديثاً على إثر نصيحة قدّمها له شاب من «تيار المستقبل» ذات مرة باعتبار أن المكان هو «باب رزق»، خصوصاً أن هناك إمكانية في ان يقصده اشخاص من خارج المنطقة ذات انتماءات حزبية اخرى.

ويعود كامل فيوضح بقوله: «إذا كنت أحبّ الشهيد، فلا يعني ذلك أنني من محبذي تيار المستقبل، إنه يختلف عن كل من ينتمي إلى هذا التيار. وأنا بطبيعة الحال، ليس لدي ولاء لأي طرف..»، ويبتسم قبل أن يضيف: ولائي فقط للراقصة فيفي عبده!.

وصحيح أن كثيرين في المنطقة يحبذون «تيار المستقبل» الا ان ثمة تنوعاً يتبدى عبر ما «تجهر» به بعض الابنية. فهنا يُرفع علم «لحزب الله»، على سبيل المثال، وهناك صورة لرئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، وهنالك علم لحركة «امل» او «للجماعة الاسلامية» .

الزحف العمراني

الحركة العمرانية غزت بكثافة هذه المنطقة، شأنها شأن غيرها في العاصمة، انطلاقاً من السبعينيات. ولكن ثمة منازل قديمة ما زالت «تصمد» بوجه الابنية الشاهقة. شخصيات راحلة كبيرة الشأن ما زالت قصورها ومنازلها القديمة تحكي حكايات أصحابها حتى اليوم، فيما استحالت منازل آخرين اراضي بور. ما زال قصر الرئيس الراحل اميل اده ماثلاً في شارع ماري عودة، وقصر التاجر الشهير خان اماريان في شارع الراشدين. ولم يُهدم حتى اليوم المنزلان اللذان كانا يقطنهما قبل الخمسينيات كل من السفير الانكليزي والنائب والوزير الراحل هنري فرعون في شارع رشيد نخلة. اضافة الى عدد قليل من المنازل القديمة ذات القرميد الاحمر، والتي لا تزال «تتمترس» في بعض الاحياء كمن يصارع زحف الغزو العمراني.

في المقلب الآخر، ما زال يضم شارع الاستقلال معلماً من معالم الاربعينيات. قصر كان قد بني بمحاذاة قصر آخر، من قبل أخوين من آل كتانة. وعندما شقت البلدية الطريق الرملية بداعي عبور السيارات في الخمسينيات، انفصل القصران عن بعضهما بطريق وسطية، وهُدم احدهما ليُبنى مكانه اليوم مبنى ضخم «سنتر سلهب»، فيما لا يزال الثاني علامة فارقة وسط المظاهر المدينية. وتعود ملكيته اليوم الى عائلة من آل موصللي.

عرفت هذه المنطقة بحسب بعض سكانها «عزّاً» كبيراً، وخصوصاً منذ القرن التاسع عشر الى النصف الاول من القرن العشرين. كانت «درّة» المناطق اللبنانية. تلتقي فيها عدد من السفارات الاجنبية والقصور والجوامع والكنائس ومنازل زعامات كبيرة من كل الطوائف.

في شارع الزعني كان السفراء والقناصل التابعون للبلدان التالية: روسيا، اميركا، بريطانيا، العراق، ومصر، يقطنون قبل العام ,1958 في خمسة أبنية مجاورة تابعة لأملاك التاجر سعد الدين الزعني (شقيق عمر).

لمحة تاريخية

وفيما يشير المختار سمير الزعني الى ان اسم المنطقة يعود الى نوعية الرمل الفائق الجودة التي كانت تمتاز به، يشير احمد طبارة (نجل كبير التجار توفيق طبارة) الى ان اسمها المركب اطلق من جهة نسبة الى الرمل الأصفر اللون والمسمى «برمل عبد ربه»، ومن جهة اخرى تيمناً بعائلة من آل الظريف سكنت المنطقة.

ويشير المؤرخ البيروتي صالح بن يحيى في كتابه «تاريخ بيروت» الى آل الظريف، مع التأكيد بأنهم كانوا أمراء في عهد المماليك، ثم تخلوا عن لقب الامارة في العهد العثماني.

وتقول الرواية إن المنطقة كانت واسعة النطاق في الماضي، وتمتد من الصنائع حتى تلة الخياط، التي كان يُنصب فوقها مدفع رمضان.

وحسب المؤرخ الدكتور حسان حلاق، فإن «رمل الظريف» اضافة الى الصنائع، رمل الزيدانية، وعائشة بكار، كلها مناطق كانت تابعة الى ما كان يُعرف «بحي الرمال» في العهد العثماني.
ويقول إنه لم يكن في المنطقة الممتدة من القنطاري الى الظريف والزيدانية ومداخل منطقة الحمراء سوى الرمال والتلال الرملية. وكانت هذه المناطق غير مسكونة، الى ان قرر السلطان عبد الحميد الثاني انشاء مدرسة داخلية لتعليم الصنائع والفنون في العام ,1908 اطلق عليه (مكتب الصنائع والتجارة الحميدة)، وهي الآن مقر وزارة الداخلية (كلية الحقوق سابقاً).

 وفي الوقت نفسه تمّ افتتاح «حديقة الصنائع» بحضور والي بيروت ومفتي بيروت والقادة العسكريين، وبحضور الجد الأكبر لآل طبارة، محمد طبارة وأفراد عائلة طبارة الذين تبرّعوا بهذه الأراضي للدولة العثمانية لبناء المدرسة وإقامة الحديقة. ومنذ ذلك الوقت تحول اسم المنطقة من «حي الرمال» إلى منطقة الصنائع.

وبدأت بعض العائلات البيروتية تبني مساكن في المناطق المحاذية للصنائع. ومن بين العائلات الاولى التي توطنت في المنطقة عائلة الظريف. وعرفت المنطقة منذ العهد العثماني باسم «رمل الظريف»، في حين أن المنطقة المحاذية لها عرفت باسم «رمل الزيدانية»، لأن اول اسرة سكنت هناك هي اسرة «زيدان». كما ان الجامع الذي أنشئ في العهد العثماني عرف باسم «جامع رمل الزيدانية» او «جامع الرمل»، والذي يعرف اليوم «بجامع الفاروق» بعد ان هُدم المسجد القديم وبني آخر جديد.

من هنا ندرك ـ يضيف حلاق ـ كيف ان المناطق البيروتية تحولت اسماؤها تباعاً بسبب ظروف عمرانية او اقتصادية او اجتماعية او عائلية. فمنطقة «عائشة بكار» على سبيل المثال كانت تابعة لمنطقة «رمل الظريف» ولم يطلق عليها اسمها الا في الثلاثينيات من القرن العشرين عندما وهبت السيدة عائشة سيباني بكار أرضاً لإقامة مسجد عليها. لذلك حملت هذه الرقعة اسم «عائشة بكار» وباتت منفصلة اسمياً عن «رمل الظريف».

 تتبع المنطقة عقارياً الى المصيطبة، وقد تناوب على مركز «المختار» فيها بعد الشيخ محمد عمر الزعني، الشيخ حسين يموت ثم عبد الرحمن دوغان.

اما اليوم فإن ورثة الثلاثة يشغلون المركز نفسه: وهم المخاتير الشيخ سمير الزعني، خليل دوغان وعثمان يموت.

يؤكد المختار الزعني أن «رمل الظريف» من إحدى أكثر المناطق ثراء في بيروت، وسكانها على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم من النخبة. كثيرون من أثرياء البلد «طلعوا من هون».

عرفت بالمنازل القرميدية القديمة والحدائق الغناء. وكانت اشجار الرمان والزيتون والصبار والقلقاس والجميز تتواجد فيها بكثرة. وأول من أسس المنطقة في العشرينيات عبر إشادة عدد قليل من المنازل، ذات الطابع الاثري، هم من آل الزعني، البواب، الكبي، طبارة وسلام...

ويؤكد أن أراضيها من أغلى الاراضي في بيروت حتى اليوم. دخلها كبار التجار من آل كتانة، وأوصلوا الكهرباء إليها في الثلاثينيات. وقد بنى فيها أخوان من العائلة قصرين في الاربعينيات. ما زال احدهما قائماً حتى اليوم.

وحول نهضتها العمرانية يقول إن اهلها بمعظمهم ميسورو الحال، وكانوا يعملون إما في الحقل التجاري وإما السياسي. وعندما جمعوا الاموال استثمروها بالبناء. فبدأت المنطقة في الاربعينيات تعرف المباني المؤلفة من ثلاثة واربعة طوابق. وكان اول من بنى فيها سعد الدين الزعني، توفيق طبارة وعبد القادر يموت وشخص من آل نعماني.

وعرفت المنطقة عائلات من الارمن والسنة والدروز والمسيحيين (امثال الدبس، مغبغب، والخوري). ولم تكن هناك اي تفرقة مذهبية، يقول، أما الشيعة فدخلوها في الخمسينيات.

بعد الحرب الاهلية، يقول الزعني، بدأت عمليات فرز سكانية جديدة. هجر المنطقة الكثير من المسيحيين وباعوا أملاكهم الى السنة. في المقابل دخل الشيعة إليها بكثافة في السنوات الأربعين الأخيرة حيث اصبحت لهم سجلات في بيروت.

ولم يفت المختار سمير الزعني وهو عضو في «جمعية التربية الاسلامية» الاشارة الى الدور الذي أدته «رمل الظرف» في احتضان الهاربين من اتون الحروب من كل المناطق، بدءاً من الحرب العالمية الاولى في العام ,1914 وصولاً الى حرب تموز الاخيرة، حيث لجأت العائلات النازحة الى مدارسها، فيما كانت الجمعية تقدم لها المساعدات.

ولكنه يختم بقوله: «صحيح ان بيروت تستمر بتنوعها، الا ان الجسم الرئيسي السني هو الذي يطغى في النهاية على لونها. عند حد السيف والسكين يعود سكانها.. إلى عصبيتهم السنية».

شخصيات لامعة

تجارياً لم تعرف المنطقة المخصصة للسكن اساساً، السوق التجاري الا بعد العام 1975 اذ نبت بعد الحرب الاهلية «سوق الظريف» و«سوق الزيدانية» وغيرهما.

اما الشخصيات اللامعة التي «تخرجت» من المنطقة، فهي الى جانب الرئيس الراحل اميل اده، رئيس الوزراء السابق سليم الحص يقطن في شارع الاستقلال منذ حوالى 30 عاماً، الوزير الراحل خليل الهبري، مدعي عام التمييز السابق عدنان عضوم، والشيخ محي الدين دوغان والد حسن دوغان مؤسسة مدارس رمل الظريف.

كما ان هناك ثلاث شخصيات اخرى اطلقت اسماؤها على شوارع في المنطقة وهم: الجنرال جان نجيم (قائد الجيش الذي قضى بحادث طائرة)، حمل الشارع الموازي لشارع الاستقلال اسمه، وعمر الزعني الذي تشتهر باسمه المحلة الممتدة من شارع مدحت باشا نزولاً الى سجن النساء صعوداً الى دار الفتوى، بالإضافة إلى التاجر توفيق طبارة، الذي اطلق اسمه على الشارع المقابل «لحديقة الصنائع»، وهو الرجل الذي انشأ ابناؤه في العام 1991 مركزاً ثقافياً واجتماعياً يحمل اسمه في المنطقة، ينظم الندوات السياسية والفكرية، ويقدم غداء للمحتاجين مرة اسبوعياً. ويتضمن جمعيات عدة تقدم خدمات متنوعة في مجال التعليم والطبابة والتأهيل الاجتماعي.

ومن هذه الجمعيات: «الجمعية اللبنانية للتأهيل والتنمية» وتهتم بالأولاد ذوي الاحتياجات الخاصة. «جامعة آل طبارة» وتعنى بتوثيق التعاون بين أبناء الاسرة المقيمين والمغتربين. «دار المعرفة» تنظم دورات لتعليم اللغة الانكليزية والفرنسية ومحو الأمية. «جمعية العزم والسعادة الاجتماعية» وتُعنى بالدعم الدراسي المجاني. «المؤسسة الوطنية للثقافة والفنون» وتساعد الفنانين والحرفيين على التواصل مع محيطهم المحلي والعالمي. «الجمعية اللبنانية لتثلث الصبغية 21» وتسعى لإدماج المصابين بالتثلث في المجتمع. «جمعية كشافة الجراح» وتقوم بالاعمال الخيرية والثقافية والموسيقية. «جمعية سيدرز للعناية» تلبي حاجات العائلات المتعففة. اضافة الى «الجمعية الوطنية لحقوق المعاق»، «مركز تدريب الكومبيوتر»، «تجمع الباحثات اللبنانيات»، «والجمعية اللبنانية لعلم النفس».

ويتحدث التجار في المنطقة بمتعة كبيرة عن ماضيها. يقول ابراهيم المصري صاحب محل لبيع قطع السيارات منذ بداية السبعينيات أن المنطقة كانت «بدائية» وجميلة آنذاك، لا ابنية فيها الا بمقدار محدود لا يتخطى الواحد منها ثلاثة او اربعة طوابق. كانت بمعظمها ارضاً رملية تعلو فيها اشجار البلح والسرو والصبار، «كنا نلعب واصدقاء من آل غصين آتين من الغبيري، كرة قدم في المكان الذي شُق بعد ذلك طريقاً وسطياً». ويلفت الى انه الى جانب آل غصين، هناك عائلات شيعية اخرى امثال: الحايك، زين الدين، وفقيه.

ويشير الى أن المنطقة شهدت بعد الحرب الاهلية نهضة عمرانية تدريجياً. علماً ان السكان لم يغادروها البتة خلال الحرب، برغم تضرر الابنية والسيارات فيها. ويستحضر الاجواء الحزبية في السبعينيات، عندما كان مركز «المرابطون» على بعد حوالى 300 متر من منزل عمر الزعني القديم (استحال اليوم مبنى سكنياً). فيما كان يقع مركز «الحزب التقدمي الاشتراكي» في نقطة وسطية بين الظريف ومار الياس، ليستقر مكتب لحركة «امل» وقتها في منطقة الملا المحاذية.

ويخبرنا كيف كان عناصر من «المرابطون» و«التقدمي» وحركة «فتح» ينغلون في الاحياء، يقصدونه من وقت إلى آخر لتصليح سياراتهم في كاراج كان يفتتحه سابقاً في شارع الاستقلال.

ويتفق عدد من أهالي المنطقة على اختلاف مذاهبهم على ضرورة عدم الانجرار الى الفتنة اليوم. «أجمل ايام عشناها في الخمسينيات، يقول احمد عيتاني، كانت الناس تاكل عند بعضها، اما اليوم فيشاهدون الزائر عبر منظار الباب وإذا ما عجبهم ما بيفتحوا له! ».

ويقول كامل نحال: «طول عمرنا عايشين بالمنطـقة سنة وشيعة متل الاخوة، ما رح نسمح لحدا يلعب معنا لعبة الطائفية». ويقاطعه جاره: أنا شيعي، اخي متزوج من امرأة سنية، وكذلك ابن عمي، لماذا يريدون إثارة النعرات اليوم بين الناس؟.

اما خليل دوغان «المختار» منذ 26 عاماً، فأبرز ما تستحضره ذاكرته عن المنطقة هو فترة الحرب الاهلية القاسية، التي خضع فيها الى ضغوطات هائلة من قبل مسلحين، لإجباره على تزوير أوراق رسمية، شأنه شأن زملائه من المخاتير. ولكننا جميعاً وقفنا وقفة واحدة، معرّضين حياتنا للخطر، بسبب عدم وجود مرجعيات سياسية تحمينا آنذاك، يقول، ونتحمل اليوم كل شيء إلا عودة ظروف الحرب المهينة.