من الإسرة الإسلامية البيروتية واللبنانية والعربية، تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي اسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب والأندلس، غير أن نفوذهم وانتشارهم القوي إنما كان في المغرب العربي لقرون عديدة. وهي من الأسر المنسوبة لآل البيت النبوي الشريف، ومن جملة الأسرة المغربية التي قدمت إلى بلاد الشام من فاس، فاستقرت في بيروت المحروسة وفي برجا في إقليم الخروب في جبل لبنان.

والأمر الجدير بالذكر، أن أسرة جنّون من أُمراء المغرب العربي ومن قادته البارزين، وقد قامت هذه القبيلة بدور سياسي عسكري بارز في المغرب العربي، خاصة وأنه كان لها أتباع كثر باعتبارها تنسب إلى أُمراء الأدارسة. وبالفعل، فعندما اراد أُمراء الأدارسة استعادة ملكهم في المغرب العربي، فقد حاربوا النفوذ الفاطمي وقاموا بثورة عام (361هـ/972م) بقيادة كبيرهم الأمي الحسن بن جنّون، وقطعوا الدعوة للأمويين، واحتلوا طنجة وتطوان وأصيلا وسواها.

ونتيجة للصراعات بين الأندلسيين والمغاربة من جهة، وبين الأمراء الأدارسة من جهة ثانية بقيادة الأمير الإدريسي الحسن بن جنون، تقرّر إخراج الأدارسة من الأندلس عام (365هـ/975م)، وأُذن لهم بالرحيل إلى المشرق العربي بعد أن أُخذت عليهم العهود والمواثيق بعدم النزول في بلاد المغرب العربي، فخرجوا من ميناء المرية وعبروا البحر إلى مصر، وهناك استقبلهم الخليفة الفاطمي العزيز بالله وأكرمهم، واحتفظ بهم كقوة يمكن استخدامها ضدّ قوة الأمويين في المغرب الأقصى في الوقت المناسب.

وبالفعل، ففي عام (375هـ/ 985م) واجه المنصور بن أبي عامر الأُموي في المغرب اللأقصى هجوماً من الأدارسة بقيادة الأمير الإدريسي الحسن بن جنّون الذي كان مقيماً في بلاط الفاطميين في القاهرة، أملاً في استعادة ملك الأدارسة، غير أن المواجهة العسكرية من قبل المنصور ابي عامر أدّت إلى استلام الشريف الحسن بن جنون ومقتله. وقد أثار مقتل الشريف الحسن بن جنون استياء المغاربة من المنصور، وأخذوا يعرضون به في كلامهم، ويهجونه في أشعارهم، وفي مقدّمتهم الشاعر إبراهيم بن إدريس الحسني. وكانت حادثة قتل الإمير الشريف الحسن بن جنّون عاملاً أساسياً في تفرق أشراف واُمراء أسرة جنّون في المشرق والمغرب، لا سيما في بلاد الشام ومصر، ومن بينها بيروت المحروسة وإقليم الخروب.

ونظراً للدور السياسي والعسكري لأمراء آل جنون، فقد سُمّي حصن في المغرب باسم «حصن ابن جنون» المعروف باسم «حجر النسر». ومما يلاحظ انه بالرغم من هجرة أشراف وأمراء أسرة جنون إلى المشرق العربي، غير أن فرعاً بقي في المغرب العربي، بدليل وجود بعض العلماء والفقهاء من الأسرة بعد أحداث العصور الإسلامية المشار إليها، وقد برز في القرنين التاسع عشر والعشرين في المغرب الفقيهان المالكيان ابن المدني جنون (المتوفى عام 1885م)، وهو رأس علماء المغرب، وأحد رجال الإصلاح الديني، ونسيبه محمد المدني (المتوفى عام 1908م)، وكان من المتصوفين، كما برز في فاس الشيخ أبو عبدالله محمد فتحا جنون القاسي.

ومن الأهمية بمكان القول بأن اسرة جنون من الأُسر الشريفة المنسوبة لآل البيت النبوي، وقد اشارت جميع مصادر المغرب والأندلس إلى هذا النسب الشريف، بالرغم من أن الأسرة تعرضت حوالي عام (1905م) إلى مضايقات في المغرب العربي عندما طالب اشرافها بمعاملتهم كأشراف، غير انه لسبب أو لآخر- لا سيما الأسباب السياسية والوراثية- أنكر القاضي فاس انتسابهم لآل البيت النبوي الشريف، غير أن ابن حزم يؤكد انتساب الأسرة إلى نسل الإمام علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه).

تميزت الأسرة عبر تاريخها الطويل بالجهاد والرباط والجرأة والإقدام. وبرز منها في بيروت المحروسة الوجيه البيروتي عبد السلام جنّون احد العاملين البارزين في الميادين الوطنية والاجتماعية والخيرية السياسية، والوجيه البيروتي سعيد جنّون أحد رجالات بيروت البارزين، والسادة: إبراهيم سعد الدين، إبراهيم سعيد، الطبيب الدكتور أحمد جنون، أحمد عز الدين، أحمد محمدظن بسام مصطفى، جميل، النقيب في الأمن العام حسان رمضان، خالد جنون، خليل زكريا، رشيد عبد السلام، رياض شفيق، رياض عبد السلام، زياد طه، سعد، سعد إبراهيم، شفيق، عبد السلام رياض، عبد القادر محمد، عدنان رمضان، علي محمد، فارق رشيد، ماهر أحمد، محمد سعيد، محمد عبد الرؤوف، محمد علي مصطفى، محمد عمر عبد السلام، محمد عبد مصباح، محمد محمود، محمد علي مصطفى، محيي الدين زكريا، مصطفى عبد القادر، نبيه عبد الرؤوف، هشام محمد، رفيق جنون، والأستاذة الجامعية الدكتورة سعاد جنون، والعميد في الأمن العام عبد الرحمن سعيد، كما عثرت على شخص واحد من الأسرة مسيحي المذهب هو السيد إيلي نقولا جنون.

وجنّون لغة واصطلاحاً من جذر جنّ، أي: ظلام الليل، أو الرجل الذي يختفي أو يُخفي شيئاً، كما تأتي بمعنى الشخص الذي يحمي سواه، وجنون صيغة مغاربية على غرار عبدون، خلدون، سعدون، حمدون... ويذكر تابن الأثير في كتابه، من أن الجني- يكسر الجيم وتشديد النون- تنسب إلى المحدث السيد عبد السلام بن عمر الجِنّي، روى عن الفقيه مالك بن امس، كما أشار إلى الشريف النسيب الحسيني الجني، وهو أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن... بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الجني، وهو ما يؤكد النسب الشريف لهذه الأسرة. كما برز منها النحوي ابو الفتح عثمان بن جني المصنف الكبير.

ويشير «المنجد في الأعلام» (ص219) من أن جني أسم لمدينة في مالي كانت عاصمة للامبراطورية السنغالية، وأصبحت في القرن السابع عشر سوقاً عظيمة لتجارة الرقيق، غير أن ابن حزم الأندلسي اشار بان كلمة جنون تعني القمر.