آل الصلح
نسب شريف، وأصالة عائلية لبنانية وعربية وإسهامات سياسية وفكرية وعلمية وإدارية وخيرية. وأكثر من أربعمائة عام من العمل العام
من الأسر الإسلاميّة البيروتيّة والصيداوية. تعود بجذورها إلى القبائل العربيّة الأولى التي أسهمت في الفتوحات العربيّة في مصر وبلاد الشام. وقد قامت الأسرة بدور بارز في العهدين المملوكي والعثماني لا سيّما في السياسة والإدارة والاقتصاد، والمناصب العسكرية، ممّا دعا البعض للظن أنّ الأسرة من أصل تركي، علمًا أنّها من قبائل اليمن المعروفة.
تولّى أحد أفراد الأسرة رتبة آغا قلعة صيدا منذ عام 1660م، وطيلة العهد العثماني توارثت الأسرة هذا المنصب. وبرز من آل الصلح في القرن التاسع عشر أحمد أفندي الصلح الذي أصبح فيما بعد أحمد باشا الصلح (ت 1893) الذي انتقل من صيدا إلى بيروت. وحسب سجلات المحكمة الشرعية في بيروت لا سيّما السجل (1285ه) القضية (165) فإنّ أحمد باشا الصلح تملّك في محلّة الروشة في مزرعة رأس بيروت قرب أملاك عبد الخالق وشاتيلا. وأوضح لي السيّد سميح بك الصلح مدير عام الداخلية السابق، بأنّ أحمد باشا الصلح انتقل فيما بعد إلى ملك له بالقرب من ميناء الحصن (تجاه فندق السان جورج اليوم) وقد أقام في المنزل نفسه نجله رضا بك الصلح، في حين أنّ حفيده رياض الصلح انتقل فيما بعد إلى منطقة رأس النبع. بينما أقام سامي بك الصلح في منطقة حوض الولاية ردحًا طويلًا من الزمن أحداث عام 1958، في حين أنّ الرئيس رشيد بك الصلح أقام في منطقة محاذية هي منطقة برج أبي حيدر.
بدأ أحمد باشا الصلح حياته كترجمان لوالي صيدا محمد باشا، ثمّ أصبح فيما بعد متصرفًا في الدولة العثمانية. وكان له نفوذ واسع لدى الولاة العثمانيين والسلطة العثمانية. أُرسل عام 1271ه-1854م إلى عماطور والمختارة من قبل مجلس ولاية بيروت في وفد مع مفتي بيروت الشيخ محيي الدين الباقي، ومتولي بيروت عبد الفتاح آغا حماده، وذلك لضبط الحوادث المحلية، وإجراء التحقيقات اللازمة حول حوادث الجبل بين العائلات الدرزية. كما شارك أحمد باشا الصلح في السنة ذاتها مع كبار المسؤولين في إجراء المصالحة بين عائلات عبد الصمد وأبي شقرا، وكان منصبه في هذا العام أي في 1854م ناظر أملاك بيروت، وكان لقبه "الفقير إليه تعالى أحمد صلح زاده". وقد أشارت سجلات المحكمة الشرعية إليه كثيرًا.
وبرز من أسرة الصلح في العهد العثماني محمد أفندي الصلح قاضي القضاة في صيدا. كما برز من الأسرة أبناء أحمد باشا الصلح" كامل الصلح (ت 1917)، الذي قام بدور بارز في السياسة العثمانية، وفي الحركة الإصلاحية عام 1913، وتولى رئاسة محكمة استئناف دمشق، ومحكمة استئناف طرابلس الغرب. وابنه الثاني منح الصلح (ت 1921) قام بدور سياسي وإداري وتربوي بارز، لا سيّما تأسيسه جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في صيدا، وابنه الثالث رضا بك الصلح (1860-1935) الذي قام بدور سياسي بارز في العهدين العثماني والفرنسي، انتخب عام 1909 وعام 1913 نائبًا في مجلس المبعوثان عن ولاية بيروت الجنوبية، وتولى متصرفيات عديدة بين أعوام 1919-1920 كان عضوًا في المؤتمر السوري العام، كما أصبح وزيرًا للداخلية في حكومة الأمير فيصل بن الشريف حسين في دمشق ابتداءً من عام 1918. ويعتبر رضا الصلح أول نائب عربي نبّه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين، ومدى أخطار الهجرة اليهودية إلى الأراضي المقدسة، وذلك منذ العهد العثماني. ثمّ برز ابن رضا بك الصلح رياض بك الصلح (1893-1951) الذي نفاه جمال باشا ووالده إلى خارج البلاد، لاشتغالهما ضد الدولة العثمانية. كما اضطهد رياض الصلح زمن الانتداب الفرنسي. وشارك في مؤتمرات لبنانية وعربية وإسلامية من أجل القضايا العربيّة والإسلاميّة في مقدمتها قضية فلسطين.
في عام 1943 اتفق رياض الصلح مع الرئيس بشارة الخوري على الميثاق الوطني اللبناني، وبذلك اتّخذ لبنان سياسة وطنية وعربية اتّخذت طابعًا مميّزًا، بهدف استقراره واستقلاله. أسهم إسهامات سياسية أساسية في تاريخ لبنان والعالم العربي، بما فيه إنشاء جامعة الدول العربيّة عام 1945. استشهد عام 1951 في عمان بعد الانتهاء من اجتماع مع الملك عبد الله الأول.
ومن الشخصيات البارزة من آل الصلح عبد الرحيم بك الصلح ونجله سامي بك الصلح (1887-1968) القاضي والسياسي الشهير في تاريخ بيروت ولبنان الذي أعلن ترشيحه الأول في الانتخابات النيابية منذ عام 1914 ضد سليم علي سلام. كما أصبح نائبًا عن بيروت، ومن ثمّ رئيسًا لوزراء لبنان ابتداءً من عام 1943 ولعدّة مرات، آخرها عام 1958، ثمّ أعيد انتخابه نائبًا عن بيروت 1964-1968 حيث توفي نائبًا عام 1968.
وبرز من الأسرة السفير عبد الرحمن ابن الرئيس سامي الصلح ونجلاه رياض وسامي الصلح. كما برز عفيف الصلح عضو المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق عام 1920، وعادل منح الصلح رئيس مجلس بلدية بيروت رئيس حزب الاستقلال الجمهوري. كما برز كاظم منح الصلح (1909-1976) أحد واضعي الميثاق الوطني مع رياض الصلح، وفي مقدمة المعترضين على قرارات "مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة" الذي عقد في منزل سليم علي سلام عام 1936.
كان أحد المؤمنين بلبنان وطنًا نهائيًا لأبنائه، ورافضًا فكرة فرض الوحدة السورية أو العربيّة بالإكراه. وهو مؤسّس "حزب النداء القومي" وصحيفة "النداء". وكان نائبًا ووزيرًا وسفيرًا. وبرز من هذا الفرع نجله المفكّر منح الصلح الذي اشتهر بعمق كتاباته ودراساته السياسية والوطنية، أمين عام "دار الندوة" في بيروت. نال أوسمة ودروع تقديرية عديدة ورئيس سابق للمركز الثقافي الإسلامي.
وبرز من الأسرة أيضًا رئيس الوزراء الرئيس رشيد الصلح ونائب بيروت ووزير عدة مرات. كما برز رئيس الوزراء تقي الدين الصلح. وبذلك تكون أسرة الصلح هي الأسرة الإسلاميّة الوحيدة التي تبوأ أربعة من رجالاتها منصب رئيس وزراء لبنان هم على التوالي: سامي الصلح، رياض الصلح، رشيد الصلح، تقي الدين الصلح.
وبرز من الأسرة أيضًا السيّدة ليلى ابنة رياض الصلح وزيرة الصناعة في حكومة الرئيس عمر كرامي عام 2004-2005 وشقيقاتها السيّدة لمياء الصلح زوجة الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود، والدة الأمير الوليد بن طلال، والسيّدة منى الصلح زوجة الأمير محمد شفيق ملك المغرب السابق محمد الخامس والسيّدة علياء الصلح إحدى الناشطات في الحقل السياسي والأدبي. كما برز الدكتور عماد الصلح صاحب كتاب "أحمد فارس الشدياق". كما برز الشيخ سعد الدين الصلح مفتي صيدا السابق، ومحمود منح الصلح، ومحمد منيب الصلح أحد مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية الإسلاميّة في صيدا. وعرف من الأسرة وحيد الصلح والسيّدة منيرة الصلح والسيّدة فريدة الصلح، والسادة: رغيد الصلح، أحم، أكرم، أمين، جهاد، الدكتور الطبيب حسان، خلدون كاظم الصلح، خليل، رامي، رغيد كاظم الصاح، المهندس رفيق، رياض، سامي، سميح الصلح مدير عام وزارة الداخلية سابقًا، ونجله مصطفى سميح الصلح قنصل لبنان الفخري في إمارة موناكو، رئيس جمعية قناصل البلاد الأجنبية الرسميين في موناكو (2009-2014) (اللواء 16/6/2009 ص 20)، كما برزت السيّدة سناء الصلح رئيسة مؤسسة الأمل للمعاقين. والضابط في الأمن العام هشام الصلح، طلال، عادل، عبد الرحمن، عبد السلام، عبد الغني، عدنان، عفيف، كامل، علي، عماد منح، فاروق، قاسم، محمد، والدكتور محمود، والطبيب الدكتور مصطفى الصلح، ممتاز، منح، منيب، منير، نبيل، نزيه، نسيب، هشام، والدكتور هلال الصلح الأستاذ الجامعي، وسام وسواهم الكثير.
فرع آل الصلح في سوريا:
برز في سوريا من آل الصلح ممّن توطن فيها منذ القرن التاسع عشر المحامي الأستاذ محمد ربيع الصلح عميد آل الصلح في سورية المتوفى في 10 نيسان 2010 في منزله في يعفور إحدى بلدات ضواحي دمشق، وقد دفن في جبّانتها. زوجة المرحومة السيّدة سمية السفرجلاتي أولاده: د. بشار الصلح، المهندس وضاح الصلح، السيّدة لينا الصلح.
هذا، وقد نعاه الرئيس رشيد الصلح ونقابة المحامين في سورية وآل الصلح في سورية ولبنان.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الصلح في بعلبك فرع آخر، في حين أنّ آل الصُلح في بيروت وصيدا تلفظ بضم الصاد. وفي هذا المجال، فقد لاحظت من خلال اطلاعي على وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت، بأنّ لفظ "الصلح" كتب في كثير من الأحيان "السلح" بحرف السين، وعلى عادة البيارتة فإنّهم يحولون "السين" صادًا كما لفظ "السور" فيقولون "الصور". والسلح بالسين لفظ عربي من السلاح والتسلح، ومنها جاءت لفظة "السلحدار" بمعنى صاحب وحامل السلاح الخاص بالسلطان، كما توصل السلحدار في فترات تاريخية إلى منصب وزير وأمير أمراء. وقد تطوّر هذا المنصب حتى أصبح في مرتبة وزير ووالٍ.
أمّا لفظ "الصلح" فهو بدوره لفظ عربي، تطلق على إسهامات بعض الوجهاء عندما يقومون بمصالحة بعض الأفرقاء المتخاصمين. لهذا، فإنّ بعض أفراد آل الصلح تولوا منصب "شيخ صلح" لما كان لهذه الأسرة من وجاهة اجتماعية وسياسية.
رضا الصلح (1860-1935):ولد رضا الصلح عام 1860 في مدينة صيدا، وكان والده أحمد باشا الصلح من أعيان المدينة ود تولى مناصب حكومية مهمة، وفي مقدمتها منصب متصرف اللاذقية، عرف عن أحمد باشا حبّه وتفانيه في خدمة سكان المنطقة، أشار يوسف الحكيم قاضي اللاذقية (عيّن وزيرًا فيما بعد في عهد الأمير فيصل والانتداب الفرنسي) بأنّ أحمد باشا الصلح جاء متصرفًا منذ أن بدأ التنظيم الإداري يطبّق في اللاذقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأنّه وفق في إدارة المتصرفية "وكان رائده إقامة العدل وتوطيد الأمن".
وممّا يلاحظ بأنّ رضا الصلح بدأ منذ مطلع شبابه مؤمنًا بالفكرة العربيّة، وأن كان ذلك في إطار الدولة العثمانية، غير أنّ اتجاهه السياسي بدأ ينمو ويتجه نحو فكرة الدولة العربيّة. ففي بدء حياته عيّن قائمقامًا في قضاء المرقب التابع للواء اللاذقية، وقد عرف عنه منذ تلك الفترة نزعته العربيّة مع اتّصافه بالنزاهة وحسن الإدارة، غير أنّ نزعته العربيّة كانت سببًا في عزله عن منصب القائمقامية، فقد طلب مرة إجازة سفر إلى بيروت لمشاهدة ذويه الذين استقروا فيها، ولكنّ الوالي أهمل هذا الطلب، وعند ذاك طلب تدخل والده المقيم في بيروت والتوسط لإجابة طلبه، فتبيّن لوالده المقيم بأنّ الوالي أصدر إرادة سنيّة بعزل رضا الصلح لسبب ظلّ في البدء مجهولًا، إلى أن تبيّن بطريقة سرية بأنّ رضا الصلح ردّد في جلساته الخاصة أمنياته في أن يرى يومًا دويلة عربية تكون نواة لدولة عربية كبرى تجمع شمل البلدان والشعوب العربيّة في المستقبل. غير أنّ الوالي تأخر في تنفيذ قرار العزل ريثما يجد سببًا آخر لا يشوش شيوعه الأهالي، إلى أن ادّعى ولفّق بعض التقصير في أمور الولاية، وعند ذاك تلقى رضا الصلح من والده البرقية التالية "استقامتكم أوجبت لكم الإجازة الدائمة".
من بيروت إلى المبعوثان:
وعلى الأثر انتقل رضا الصلح إلى بيروت المحروسة، ومن ثمّ استقر بين عائلته من آل الصلح سواء في رأس بيروت أو في منطقة حوض الولاية. ولكنّ ذلك لم يمنعه من متابعة نشاطه السياسي في ولاية بيروت، وتبعًا لمواقفه الإيجابية بالنسبة لأهالي المناطق التي تبوأ فيها بعض المناصب الحكومية، ونظرًا لسمعته وسمعة والده، فقد انتخب رضا الصلح في تشرين الثاني 1908 نائبًا عن ولاية بيروت لمجلس المبعوثان العثماني، وانتخب معه يومذاك سليمان البستاني، بينما انتخب فؤاد خلوصي عن لواء طرابلس الشام.
ولمّا التحق بالمجلس النيابي الجديد في أوائل عام 1909 بدأ يتحرك في الآستانة على الصعدة السياسية كافة، فقد بدا واضحًا مطالباته المستمرة في داخل المجلس بتحسين أوضاع الولايات العربيّة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتناعية ونشر الثقافة، بل إنّه لم يجد غضاضة في الاشتراك في تكوين حزب عربي جديد داخل الآستانة عرف باسم "الحزب الحر العربي المعتدل" وبلغت جرأته حدًا أن أبدى معارضته للاتحاديين الذين تولوا الحكم وسيطروا عليه بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني في نيسان 1909، ولذا فقد شارك أيضًا في تكوين "حزب الحرية والائتلاف" الذي أقيم لمناوئة الاتحاديين. ولقد حاول العثمانيون في عهد حكم الاتحاد والترقي زمن السلطان محمد رشاد، استمالته إليهم بشتّى الأساليب، ولكنّه كان يرفض في كل مرة كما سبق في العهد السابق عندما عرضت عليه إمارة الحج، وولاية بغداد فرفضهما على السواء.
وممّا يلاحظ بأنّ رضا الصلح لم يبرز اسمه في جمعية بيروت الإصلاحية التي برز نشاطها بشكل ملموس في عام 1913، لأنّه كان في هذه الفترة نائبًا في مجلس المبعوثان، وهو من الوجهة الرسمية نائبًا عثمانيًا عربيًا، غير أنّ أخاه كامل الصلح كان أحد القيادات المهمة في تكوين جمعية بيروت الإصلاحية، جنبًا إلى جنب مع زعماء الجمعية سليم سلام وأحمد مختار بيهم والشيخ عبد القادر قباني والشيخ أحمد عباس الأزهري والشيخ مصطفى الغلاييني وسواهم. بالإضافة إلى ذلك فقد عمد رضا الصلح إلى ملاحظة مطالب جمعية بيروت الإصلاحية سواء في الآستانة أو في بيروت، لا سيّما عندما أقدم الوالي أبو بكر حازم بك على حلّ الجمعية في نيسان 1913. وكان رضا الصلح قد انتخب مرة ثانية وكامل الأسعد عن ولاية بيروت، ذلك أنّه لمّا حلّ المجلس النيابي في 5 كانون الثاني 1912 قبل اختتام دورته الرابعة على أثر خلاف بينه وبين وزارتين متعاقبتين جرت انتخابات نيابية جديدة نجح فيها الصلح مجددًا.
حذّر باكرًا من الخطر الصهيوني:
أمّا فيما يختص بموقف رضا الصلح من الخطر الصهيوني على فلسطين، فقد كان واضحًا منذ فترة مبكرة، وكان من أوائل النواب العرب الذين اعترضوا على الهجرة اليهودية إلى فلسطين ونبّهوا إلى الخطر الصهيوني، ففي أوائل آذار 1911 عقد مجلس المبعوثان جلسة لمناقشة الميزانية العامة تحولّت تباعًا إلى مناقشة السياسة العثمانية الموالية للصهيونية، فجاويد اليهودي أصبح وزيرًا للمالية، وطلعت بك وزيرًا للداخلية وسواهما من اليهود أو الدونمة أصبحوا في أعلى المراتب، وهم بالتالي ينفذون السياسة الصهيونية. وفي هذه الجلسة أوضح رضا الصلح – وأكّد أقوال إسماعيل حقي أيضًا - بأنّ البنوك العثمانية اتفقت مع بنوك يهودية بهدف القروض، وأنّ الدعاية الصهيونية تزداد نموًا في تركيا، وأنّ الحكومة تنفّذ السياسة الصهيونية وتشجّع اليهود على شراء الأراضي في فلسطين، لكي يتوصلوا إلى تأسيس حكومة يهودية لتحقيق أهدافهم، وأورد عددًا من الأدلة والأسانيد على ما قاله، ومنها قوله أنّ الصهيونيين اتّخذوا في فلسطين علمًا خاصًا بهم وطوابع بريدية إسرائيلية ونقودًا خاصة، وأوضح رضا الصلح أنّ هذا كلّه ليس رواية خيالية، ولذلك "فإنّني ألفت أنظار الحكومة إلى أن تولي الأمر اهتمامًا لأنّها مسألة حيوية للبلاد العثمانية" وإزاء معارضة رضا الصلح لسياسة الحكومة حيال فلسطين، فقد أوعزت إلى صحف الآستانة بعدم نشر مطالعته في المجلس، غير أنّ الصحف العربيّة كالمقتبس والمقطّم نشرت خطبته في 6 و 18 آذار 1911. كما أنّ السفير البريطاني في الآستانة "لوثر" أورد ملخّصًا لمناقشة المجلس في تقرير سري أرسله إلى وزارة خارجيته في 7 آذار 1911.
وفي عام 1914 ولما كانت قد قاربت مواعيد الانتخابات الجديدة لمجلس المبعوثان الجديد، فطلب الوالي بكر سامي بك من سليم سلام ترشيح نفسه للمبعوثية، ولكنّه رفض بسبب أشغاله في بيروت. فما كان من رضا الصلح إلّا أن طلب من سليم سلام دعم ابن عمّه سامي الصلح للمبعوثية طالما أنّ سلام لا يرغب فيها، فوافق سليم سلام على ذلك. غير أنّ خلافات استجدّت بين رضا الصلح وسليم سلام (وهذه الخلافات اعتبرت سحابة سلبية في تاريخ ولاية بيروت) وهذه الخلافات سببها امتياز أراضي الحولة الذي حصل عليه كلّ من ميشال إبراهيم سرسق وعمر بيهم وسليم سلام، ويذكر سليم سلام من أنّ جبهة تألفت ضد شركتهم قوامها: محمد البزري، ميشال موسى سرسق وحسن الأسير ومحمد الفاخوري وسليم الطيارة وعبد الغني العريسي تحت رعاية رضا بك الصلح، غير أنّ الوالي تدخل أخيرًا وحسم الخلاف فأعطى سرسق – بيهم – سلام 80 بالمئة من الأسهم بينما أعطى القوى المعارضة 20 بالمئة. وبسبب هذه الحادثة قرّر سليم سلام ترشيح نفسه معاندة لرضا الصلح، وبالفعل فقد رشّح نفسه في لائحة ضمّته وكامل الأسعد وميشال إبراهيم سرسق ضد لائحة ضمّت سامي الصلح وجان نقاش وطه المدور، غير أنّ لائحة سلام هي التي فازت في انتخابات 9 نيسان 1914، وكان ذلك بداية الصراع السياسي بين آل سلام وآل الصلح، غير أنّ هذا الصراع لم يؤثّر في استمرار العلاقات الودّية بين العائلتين.
إرهاصات الثورة العربيّة:
لمّا ابتدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914 تبيّن بأنّ رضا الصلح وابنه رياض الصلح بدآ يعملان من أجل حكم عربي بالاتفاق مع بعض المعارضين العرب وبعض الأحزاب العربيّة. وتبيّن بأنّ اجتماعات عديدة عقدت بين رضا الصلح وابنه رياض من جهة وبين عبد الكريم الخليل من جهة ثانية. وكان عبد الكريم الخليل يسعى لتدبير ثورة عسكرية ضد الدولة العثمانية. وفي صيف 1915 جاء كامل الأسعد إلى بيروت واجتمع بسليم سلام وقال له: بأنّ رضا الصلح وعبد الكريم الخليل وبعض مؤيديهما اجتمعوا في صيدا وقرّروا القيام بثورة على الدولة العلية، وأنّ جمال باشا استدعاه ليأخذ معلومات منه حول هذا الاجتماع. وحرصًا على رضا الصلح وعبد الكريم الخليل فقد طلب سليم سلام من كامل الأسعد عدم الإفصاح لجمال باشا عن اجتماعات صيدا، ولكن كامل الأسعد ما أن وصل إلى القدس واجتمع بجمال باشا حتى أخبره عمّا يفعله كلّ من رضا الصلح وعبد الكريم الخليل، وما هي إلّا أيّام قليلة حتى أمر جمال باشا باعتقال رضا الصلح وابنه رياض وباعتقال عبد الكريم الخليل وسواهم ممّن كانوا يعملون ضد الدولة.
ولمّا اعتقل سليم سلام بعد فترة قليلة من اعتقال الصلح والخليل، حقّق معه جمال باشا وسأله عن رأيه برضا الصلح فقال سليم سلام: "رضا بك وأنا اليوم بحالة عداوة وإيّاه، ولكن هذا لا يمنعني من قول الحقيقة فرضا بك ضد الاتحاديين، ويعتقد أنّهم لا يحسنون إدارة الملك، لكنّه لم يكن يومًا من الأيام ضد الدولة".
وفي عام 1916 ولمّا ابتدأت محاكمات ديوان الحرب العرفي في مدينة عاليه، تقرّر إعدام من أعدم ونفي آخرين إلى الأناضول وسواهم، ومن بين الذين حكم عليهم بالنفي رضا الصلح وابنه رياض. ويذكر سليم سلام من أنّه كان له دور في عدم فصل الأب عن الابن، فقد امر جمال باشا بإبعاد رضا الصلح إلى مكان مختلف عن مكان أبنه رياض، فما كان من سليم سلام إلا أن قال لجمال باشا: "يا دولة الباشا بالطبع محكمة لا نعلمها أمرت بإبعادهما عن البلاد، ولكن كما تعلمون أنّ رضا بك مريض، ورجل مسن، فإبعاد ولده عنه كأنّكم حكمتم عليه ليس بالإبعاد فقط بل بالتعذيب أيضًا" وعند ذاك التفت جمال باشا إلى الموظف المختص توفيق بك وقال له: "أرسلهما سوية".
المؤتمر السوري العام:
وفي عام 1918 أطلق سراح رضا الصلح وابنه رياض وبقية المنفيين إلى الأناضول، وعاد رضا الصلح إلى مسرح السياسة العربيّة من جديد للتعاون مع الأمير فيصل لما فيه إنشاء دولة عربية واحدة تضم ما عرف فيما بعد باسم لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق أو بمعنى آخر تضم البلاد السورية أو سوريا الكبرى في دولة واحدة. ولمّا بدأت تتألف الوفود حضور جلسات المؤتمر السوري العام الذي ابتدأت جلساته عام 1919 واستمرت إلى عام 1920 حتى انتخب رضا الصلح مندوبًا عن بيروت مع سليم ومحمد جميل بيهم ومحمد فاخوري وأحمد مختار بيهم وعارف الكنفاني ومحمد اللبابيدي وفريد كساب وجرجي حرفوش وجان تويني، بينما رياض الصلح انتخب عن مدينة صيدا كمندوب للمؤتمر. ولمّا تشكلت أول حكومة عربية برئاسة رضا الركابي اختير رضا الصلح فيها ليكون وزيرًا للداخلية، ثمّ أصبح رئيسًا لمجلس شورى الدولة، ثمّ عاد وزيرًا للداخلية في الحكومة الفيصلية الثانية.
وكان المؤتمر السوري العام قد اتّخذ قرارًا مهمًا في 7 آذار 1920 شارك رضا الصلح في صياغته، وقد تضمن الرفض العربي القاطع لإقامة دولة يهودية في فلسطين، وبالتالي المطالبة بوحدة وحرية واستقلال الولايات العربيّة وإعلان فيصل ملكًا عليها.
ومن الأهمية بمكان القول أنّ الاحتلال الفرنسي للبنان وسوريا كان ضربة قاسية لأماني رضا الصلح والأماني العربيّة، لذا نجد بأنّه بعد هذا الاحتلال اعتكف عن العمل السياسي وفضّل الاعتكاف في منزله في بيروت إلى أن توفي فيها عام 1935، في وقت كان ابنه رياض يعمل في الداخل والخارج من أجل القضيتين السورية والفلسطينية مع بقية الوفود العربيّة.
رياض رضا الصلح (1894-1951):من صيدا ومواليد بيروت (ميناء الحصن)، في 17 آب سنة 1894. كان لوالدته نظيرة أعظم الأثر في تنشئته، فبعد وفاة أربعة من أولادها الخمسة، في أثناء حياتها، علّقت آمالها على رياض، فكانت معلمته الأولى، إذ زرعت فيه حبّ القراءة والتاريخ والشعر وعلم النبات. لم يرسل إلى المدرسة إلا في وقت متأخر من طفولته، وبصورة متقطعة. وعندما بلغ التاسعة، تعاقد والده مع معلمين اثنين لتعليمه في المنزل، ومرافقة العائلة في أثناء أسفارها، أحدهما حسين الجندي من دمشق، علّمه العربيّة والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا، والآخر جوزيف خوري، علّمه اللغة الفرنسية، وبعضًا من التركية والفارسية واللاتينية.
في سنة 1905، أدخل رياض إلى الكلية العثمانية الإسلاميّة، التي أنشأها الشيخ أحمد عباس الأزهري في بيروت عام 1895. وبعد فترة قصيرة نقل إلى مدرسة اللعازارية في عينطورة في جبل لبنان، ثمّ أمضى بضع سنوات في الكلية اليسوعية في بيروت، أتقن خلالها الفرنسية، واكتسب معرفة الكثير من الأصدقاء، منهم أسعد داغر.
انتقل مع والديه إلى استانبول، عاصمة السلطنة العثمانية سنة 1908، بعد أن عيّن والده عضوًا في مجلس النواب العثماني. وفي سن السادسة عشرة، التحق بكلية الحقوقو في استانبول، وتخرج منها حاملًا الإجازة. أثناء دراسته شغف بالسياسة البرلمانية، وتأثرّ بالأحداث العنيفة التي جرت في العاصمة، إنّ لجهة الثورة ضد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908، وخلعه في عام 1909، أم لجهة النقاش حول الصهيونية، والهجوم الإيطالي على ليبيا وحرب البلقان، وشكوى النواب العرب من جمعية الاتحاد والترقي، ممّا أكسبه ثقافة مميزة، وصلابة في المواقف السياسية عامة.
عاد رياض الصلح على عجل مع والديه إلى بيروت، في حزيران سنة 1913، بعد اغتيال الصدر الأعظم محمود شوكت باشا. وبعدما أغرته جاذبية الجمعيات السرية، انتسب إلى جمعية "العربيّة الفتاة"، ثمّ إلى الجمعية "القحطانية". وكتب في صحيفة "المفيد" البيروتيّة، وهي لسان حال جمعية "العربيّة الفتاة". ولشدّة تحمّسه للقضية العربيّة، قام ووالده بمعارضة جمال باشا وأركان حربه، وانتهى الأمر به إلى السجن، داخل زنزانة مظلمة، بانتظار محاكمته أمام الديوان الحربي العرفي في عاليه. لكن مداخلته أكثر من طرف، أقنعت جمال باشا بإنزال عقوبة النفي برياض وأبيه رضا، بدلًا من الإعدام فنفيا إلى أزمير حيث أمضيا أعوام 1916و 1917 و1918، تحت نظام الإقامة الجبرية، وقد تابعا أخبار الثورة العربيّة في الحجاز ضد الأتراك، والمجاعة في بيروت وجبل لبنان.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عاد رياض الصلح إلى دمشق، وانضم مع والده إلى فريق الأمير فيصل، فعيّنه حاكمًا على مدينة صيدا، في حين عيّن والده وزيرًا للداخلية، في الحكومة الفيصلية في دمشق، لكن الفرنسيين سرعان ما حلّوا المجلس البلدي في صيدا، وأجبروا رياض الصلح على التنحي، فغادر المدينة إلى دمشق حيث ضغط على والده للاستقالة من الوزارة، بعدما تنبيّن له رضرخ فيصل لضغوطات الفرنسيين، وموافقته على مشاريعهم الانتدابية في سوريا الطبيعية.
حاول رياض الصلح التوفيق بين مطالب بعض اللبنانيين الاستقلاليين، وحكومة الأمير فيصل، واستطاع استمالة مجلس إدارة جبل لبنان، إلى جانب فيصل، في عملية يظهر فيها أنّ أعضاء المجلس، بمن فيهم الموارنة، يفضلون الارتباط بسوريا، على الانفصال تحت حكم الفرنسيين. وعندما حاول ثمانية من أعضاء مجلس الإدارة مع بعض الشخصيات، التوجه إلى دمشق، انكسف أمرهم، وألقي القبض عليهم، في حين تمكن رياض الصلح من الفرار، متخفيًا داخل القطار المتوجه من بيروت إلى دمشق. كُشف دور رياض في هذه القضية أثناء المحاكمة، فحكم عليه غيابيًا في دمشق، بالإعدام لدعم نظام الملك فيصل، في حين حكمت عليه محكمة عسكرية أخرى في بيروت بالحبس خمس سنوات، وتغريمه بمبلغ 1.400.000 فرنك فرنسي، بعد اتهامه بالخيانة العظمى، ووصفه من قبل غورو، بأنّه مدبّر المؤامرة من خلال محاولته تجنيد أعضاء مجلس إدارة جبل لبنان ضد الفرنسيين.
أمضى رياض الصلح فترة، متخفيًا متواريًا عن أنظار الفرنسيين، سواء في فلسطين أم في القاهرة، أم أوروبا. وقد استمرت هذه الفترة نحو ثلاث سنوات ونصف، تعرف خلالها إلى العديد من الشخصيات العربيّة والوطنية، فتعرف عن قرب إلى الأمير شكيب أرسلان وميشال لطف الله، والدكتور عبد الرحمن الشهبندر والسيّد رشيد رضا وإحسان الجابري وشكري القوتلي. وفي هذه الفترة شارك في المؤتمر السوري الفلسطيني، الذي عقد في جنيف في سويسرا، في صيف سنة 1921، بصفته أحد ممثلي حزب الاستقلال، وكانت أبرز مقرراته:
1- الاعتراف باستقلال سوريا ولبنان وفلسطين وسيادتها.
2- حق هذه البلدان في الوحدة، والاتحاد الفدرالي مع الدول العربيّة الأخرى.
3- الإنماء الفوري للانتداب، وإلغاء وعد بلفور، ورفض إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين.
4- جلاء القوات الإنكليزية – الفرنسية عن سوريا ولبنان وفلسطين.
في أواخر سنة 1923، كانت أوضاع رياض الصلح المالية، قد تردّت دون المستوى المعتاد، واستبدّ به الحنين إلى الوطن، وما أن انتقل إلى حيفا، حتى حصل على العفو من السلطات الفرنسية، فاستقبل أخبار إلغاء الحكمين الصادرين بحقّه بارتياح كبير. وفي أوائل عام 1924 عاد إلى بيروت، لكنّه فوجئ بوثيقة الضمانات التي وقّعها والده للسلطات الفرنسية، بابتعاد ولده عن السياسة، ولمّا كان هذا القيد لا يتناسب مع شخصية رياض، فقد قرّر عدم الالتزام به أيّا تكن النتائج المترتبة، لذلك سارع إلأى إنشاء صحيفة تعبّر عن تطلعات العرب، شاركه فيها خير الدين الأحدب (رئيس وزراء فيما بعد)، وقد اختارا لصحيفتهما اسم "العهد الجديد". ولم تمضِ سنوات قليلة إلا وأصبح رياض الصلح في طليعة المدافعين عن القضية العربيّة، فلم يعد موضع اهتمام متزايد من السياسيين العرب ووسائل الإعلام فحسب، وإنّما أيضًا من السياسيين في فرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى.
شارك إلى جانب رفيقه الأمير شكيب إرسلان وإحسان الجابري، في نصرة الثورة السورية الكبرى، التي قادها سلطان باشا الأطرش في سوريا بين سنتي 1924و 1926. فعمل إلى جانبهما بشكل متقطّع، وانهمك في الكتابة، والقيام بالحملات الإعلامية والسياسية، محاولًا التأثير في السياسة الفرنسية تجاه سوريا، وبعد إخفاق الثورة، اتبع رياض الصلح سياسة التحاور مع الفرنسيين، بدلًا من محاربتهم في مواجهة عسكرية مفتوحة، بهدف استمالة الرأي العام الفرنسي مباشرة. وبادر في أيار سنة 1927 إلى إنشاء رابطة في باريس، للطلاب العرب من سوريا والعراق وفلسطين وتونس والجزائر والمغرب، ووضع النظام الأساسي للرابطة، وفي سويسرا لاحظ كيف كان الناس يعيشون حريّتهم السياسية، ويعيشون معًا بانسجام ظاهر، رغم انتمائهم إلى عدة مجموعات عرقية مختلفة، وتساءل ألا يمكن تقليد النموذج السويسري في لبنان الذي يتكون أيضًا من مثل هذه الفسيسفاء؟
وللمرة الثانية يعود رياض الصلح إلى لبنان في ريبع سنة 1928، مثقلًا بالديون التي تراكمت عليه على مر السنين، لم يكن له أي مورد، ولم يعد بوسع والده تلبية نفقاته، كما لم تعد أراضيه، وهي أساس ثروته الضئيلة، تكتفي لتسديد بعض الديون للمقرضين الذين يلاحقونه، وهذا ما حمل الأمير شكيب أرسلان، على حثّه لعدم تبديد ما تبقّى له من أملاك، حتى يعيش حرًا ومستقلًا عن الآخرين.
انضم رياض الصلح إلى الكتلة الوطنية، التي تشكلت من شخصيات سورية ولبنانية، وكانت مطلبها الأساسي إعادة المدن الساحلية، والأقضية الأربعة التي سلخت عن سوريا، وضمّت إلى لبنان سنة 1920، ليصبح كبيرًا. كما شارك إلى جانب سليم علي سلام وعبد الحميد كرامي، في إنشاء مؤتمر في بيروت، عُرف باسم مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة، وقد التأم عدة مرات في سنة 1928، ومرتين في سنة 1933، ومرة في سنة 1936. وكانت شكواه الرئيسية توسيع الفرنسيين "لبنان الصغير" بصورة اعتباطية، وتقسيم ما تبقى من مملكة فيصل، إلى دويلات صغيرة. وأثناء زيارته للمدن السورية، استقبل رياض الصلح استقبال الأبطال، فدخل دمشق في حزيران سنة 1928، في موكب من عدة مئات من السيارات، ولقي ترحيبًا من حشد كبير، وخرج عدد من أعضاء البرلمان السوري لملاقاته على طريق بيروت، وأقيمت له حفلات تكريم حضرها مئات المدعوين، وفي السنة التالية زار حلب، وأقيمت له عدة حفلات تكريم على غرار ما أقيم له في السنة السابقة في دمشق. وما أن شارف العقد الثالث من القرن العشرين على الانتهاء، حتى أصبح رياض الصلح واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية في لبنان وسوريا والعالم العربي.
في أوائل سنة 1933 قرّر رياض الصلح العمل في مهنة المحاماة لكي يكسب عيشه بنفسه، فانتسب لنقابة المحامين، وافتتح مكتبًا لمزاولة المهنة. لكنه ما لبث أن ترك إدارته إلى محاميين شابين، منصرفًا هو للدفاع عن القضايا الوطنية والعمالية الشعبية، وانبرى للدفاع عن عمّال الطباعة، ونقابة سائقي سيارات الأجرة، التي عرفت باسم جمعية تعاضد السواقين وعمال الطباعة، فكان من القادة الوطنيين القلائل الذين دعموا الحركة العمّالية.
وهذا ما دفع المفوض السامي الفرنسي دومارتيل في 15 نيسان سنة 1935 إلى إغلاق مكتب السواقين، وإبعاد رياض الصلح إلى القامشلي في شمال سوريا، حيث وضع قيد الإقامة الجبرية، لكن بعد شهرين تراجع دومارتيل، وأمر بإعادته إلى بيروت.
واكب رياض الصلح القضية الفلسطينية منذ بدايتها، وتعرف إلى الحاج أمين الحسيني مفتي القدس، فنشأت بينهما صداقة منذ سنة 1918، لهذا، فقد عمل طيلة حياته من أجل قضية فلسطين، ومحاربة الصهيونة والكيان الصهيوني.
وفي سنة 1931 دعا رياض الصلح والحاج أمين الحسيني، إلى عقد مؤتمر إسلامي كبير في القدس، لتركيز انتباه المسلمين على الوضع المأساوي والمتفجر في فلسطين، بسبب استمرار الهجرة اليهودية. وقد مثّل رياض الصلح في المؤتمر، صديقيه الأمير شكيب إرسلان وإحسان الجابري لعدم تمكنها من السفر إلى القدس، فقام رياض الصلح بدور مهم في جلسات المؤتمر، وعهد إليه بمهمة الدعاية الخارجية، من خلال التعريف بالمخاطر التي تواجهها فلسطين وسكانها العرب.
وفي أواسط الثلاثينات، جرت جولة من المباحثات الثنائية، بين بن غوريون وشخصيات عربية، عرفت بعنادها ونضالها ضد المخططات الصهيونية، تمثلت بموسى العلمي وعوني عبد الهادي وشكيب إرسلان وإحسان الجابري وجورج أنطونيوس ورياض الصلح، وقد أفصح بن غوريون عن المشروع الصهيوني، بعد أن تخطّى عدد المهاجرين اليهود الأربعماية ألف مهاجر، وكانت أبرز نقاط هذا المشروع:
1- الحرية غير المحدودة لليهود بالهجرة إلى فلسطين وشرق الأردن.
2- بقاء الفلسطينيين العرب في البلد، وتقديم المساعدة الثقافية والاقتصادية لهم.
3- مشاركة اليهود والفلسطينيين في الحكومة، على أساس المساواة.
4- إنشاء دولة يهودية مستقلة في فلسطين.
5- إقامة صلة بين هذه الدولة اليهودية، واتحاد عربي مستقل للبلدان المجاورة.
أكّدت النقاط الخمس ما كان يخشاه رياض الصلح "نية الصهاينة تحويل فلسطين بأكملها وشرق الأردن إلى دولتهم اليهودية المستقلة". وشعر بفقدان أي أمل في التوصل إلى تسوية مقبولة مع الصهاينة، الذين كانوا يقولون: "أعطونا فلسطين وشرق الأردن لإقامة دولة يهودية، وسنساعدكم في وضع البلدان العربيّة الأخرى، على طريق التنمية ونوع من الاتحاد". وحتى لا تتكرر ميسلون أخرى في فلسطين، ولا الثورة السورية الكبرى، نصح رياض الصلح بالعمل لاستمالة الرأي العام البريطاني، وضرورة بذل جهود عظيمة للتأثير في الرأي العام الدولي واستمالته، خصوصًا بعد أن وصلت الثورات الفلسطينية التي نشبت سنة 1936، إلى خواتيمها غير المشجعة، أثر نجاح القوات البريطانية، في كسر المقاومة الفلسطينية، وتقاعس الأنظمة العربيّة المجاورة، عن تقديم أي دعم مالي أو عسكري يذكر.
مع تصاعد الصراع بين العرب والصهاينة، قررت الحكومة البريطانية، تعيين لجنة ملكية برئاسة اللورد بيل، للتحقيق في أسباب الاضطربات، وإيجاد حل للأزمة، وبعد سبعة أشهر من المشاورات والاتصالات، اقتصرت على اليهود فقط، بعد مقاطعة العرب أعمال اللجنة، نشر تقرير بيل في تموز سنة 1937، وقضى بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق، الأمر الذي أثار العرب مجددًا، فتنادوا لعقد مؤتمر بلودان في أيلول سنة 1937، وقد حضره رياض الصلح مع مجموعة كبيرة من السياسيين اللبنانيين، وكانت أبرز مقررات المؤتمر اعتبار فلسطين جزءًا لا يتجزأ من الوطن العربي، ورفض التقسيم، وإلغاء وعد بلفور، وإبطال الانتداب البريطاني، واستبداله بمعاهدة بريطانية – فلسطينية تتضمن استقلال فلسطين العربيّة وسيادتها.
طوّر رياض الصلح مفهومه للقومية العربيّة، والكيانية في الفترة الممتدة بين سنتي 1920 و 1936. وكان كسائر مسلمي سوريا، يكرهون الطريقة التي تعاملت فيها فرنسا، مع قضية التجزئة وإنشاء الكيانات السياسية في سوريا، واعتبرها مؤامرة فرنسية لرفض منح العرب استقلالهم الوطني. وهكذا ألقى الصدع الناشئ بين القوميين العرب، والقوميين اللبنانيين بظلاله، وأصبح السعي لردم هذه الهوة، إحدى إسهاماته الرئيسية في حياته السياسية الحديثة، وراح حماسه للقضية القومية يتطور شيئًا فشيئًا، فانفكأ عن حضور مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة سنة 1936، لتنصب جهوده ابتداءً من هذا التاريخ، على كيفية التوفيق بين القومية العربيّة والوطنية اللبنانيّة، فقام كاظم الصلح – الذي شارك في المؤتمر – ابن عم رياض، بالتعبير عن هذا المنحى الجديد، بمعارضة الوحدة السورية، وبنشر كراس "مشكلة الاتصال والانفصال" (للمزيد من التفاصيل أنظر: حسان حلاق: مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة 1936).
هذا، وقد حرص رياض الصلح على النضال من أجل حرية لبنان والبلاد السورية، ومحاربته ضد الاحتلال والصهيونية، الأمر الذي تبناه زعماء الكتلة الوطنية في سوريا، وفي طليعتهم جميل مردم بك وسعد الله الجابري وشكري القوتلي وفارس الخوري وغيرهم، خصوصًا بعد توقيع المعاهدتين السورية – الفرنسية، واللبنانيّة – الفرنسية سنة 1936.
دعا رياض الصلح إلى اتحاد كونفدرالي بين سوريا ولبنان، لكن مطلبه لم يلقَ آذانًا صاغية من الفرنسيين، ودعم في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، الإضرابات الشعبية والمطالب العمّالية، ولا سيّما الاضطرابات ضد الشركات الفرنسية الامتيازية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الصراع ضد الاستعمار الفرنسي، وتصاعد تكاليف المعيشة، وقد أدّى موقفه هذا إلى نفيه إلى بلدة القامشلي، في أقصى شمال سوريا سنة 1935، ولكنه عاد إلى لبنان بعد بضعة شهور.
أيّد رياض الصلح ثورة رشيد عالي الكيلاني في حكومة فرنسا الحرة ومركزها الجزائر، وبضغط بريطاني، على إعادة الحياة الدستورية إلى سوريا ولبنان الخاضعة للانتداب الفرنسي، وعيّن جان هللّو خلفًا لكاترو، في المفوضية السامية. وبرز رياض الصلح في طليعة المرشحين للانتخابات النيابية العامة، التي حدّد موعدها في صيف سنة 1943. في أوائل آب من هذا العام، قرّر رياض الصلح الترشّح في صيدا، لأنّ حظّه في النجاح في الجنوب، هو أفضل منه في بيروت. وفي لائحة ضمّته إلى جانب أحمد الأسعد وعادل عسيران وكاظم الخليل ورشيد بيضون وعلي العبد الله، ليصبحوا جميعًا أعضاء في المجلس النيابي، في حين أخفق الفرنسيون في تأمين مقعد، لمؤيدهم الأمير خالد شهاب.
بعد الانتخابات النيابية سنة 1943، احتدم الصراع بين بشارة الخوري وإميل إدّه، على منصب رئاسة الجمهورية. وكان رياض الصلح أقرب إلى إدّه منه إلى الخوري على الصعيد الشخصي. وقد كان لبعض الشخصيات اللبنانيّة والعربيّة، ومثل النحّاس باشا وشكري القوتلي ونصري المعلوف ويوسف سالم وكاظم الصلح، وتحسين قدري قنصل العراق العام، الدور الكبير في تحقيق اتفاق غير مكتوب، بين رياض الصلح وبشارة الخوري رياض الصلح رئيسًا للوزراء (للمزيد من التفاصيل حول أبعاد الميثاق الوطني أنظر: حسان حلاق: تاريخ لبنان المعاصر 1913-1943).
في 25 أيلول سنة 1943، شكّل رياض الصلح حكومته الأولى، ومن أركانها حبيب أبو شهلا. والأمير مجيد أرسلان، وسليم تقلا، وكميل شمعون، وعادل عسيران، ونالت ثقة المجلس النيابي على أساس بيان وزاري، كان أبرز بند فيه، تعديل الدستور اللبناني، وتحرير البلاد من قيود الانتداب الفرنسي وتعريب الدولة، ورغم معارضة الفرنسيين، فقد اجتمع المجلس النيابي في الثامن من تشرين الثاني، وأقرّ التعديلات الدستورية بإجماع ثمانية وأربعين نائبًا، وامتناع نائبين فقط عن التصويت، وانسحاب اثنين قبل التصويت.
ردّت المندوبية الفرنسية بشخص المفوض السامي جان هللّو، باعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس الحكومة رياض الصلح، والوزيرين كميل شمعون وعادل عسيران، والنائب عبد الحميد كرامي، وزجّهم في قلعة راشيا. وقام هللو بإلقاء خطاب بثّته إذاعة بيروت، أعلن فيه أنّ الوقت قد حان لوضع حدّ لنظام رياض الصلح، واعتبار التعديلات الدستورية ملغاة، وتعليق عمل مجلس النواب، ووضع السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة البديل، ورئيس الحكومة المعيّن إميل إده، يساعده مجلس مديرين من موظفي الفئة الأولى في الدولة اللبنانيّة.
اجتاحت الشعب اللبناني موجة من الغضب عمّت مختلف المناطق والمدن، وقاد الثورة المسلحة في بشامون، الوزيران الأمير مجيد إرسلان وحبيب أبو شهلا، ورئيس المجلس النيابي صبري حمادة، بعد أن منعه الفرنسيون من عقد جلسة عامة للمجلس النيابي.
أصرَّ ديغول بعناد على أنّ الموقف الفرنسي يستند إلى الانتداب، الذي لا يمكن إنهاؤه قانونيًا خلال الحرب، وأوفد كاترو إلى بيروت، مزودًا بتعليماته الهادفة إلى دعم إميل إده، ومواجهة رياض الصلح وإزاحته من منصبه، لكن كاترو وبعد اجتماعه برئيس الجمهورية والحكومة المسجونين، وأمام التهديد الذي وجّهته مصر ومن ثمّ بريطانيا للفرنسيين، بعزمها على إعلان الأحكام العرفية في لبنان، وتدخل الجيش التاسع البريطاني لتحرير المعتقلين بالقوة، وأمام تمسك رئيس الجمهورية برئيس الحكومة رياض الصلح، أذعنت فرنسا للمطلب البريطاني، وأطلقت سراح المعتقلين في 22 تشرين الثاني، وقد اعتبر هذا التاريخ استقلال لبنان الحقيقي، وموعدًا للاحتفال بذكرى الاستقلال من كلّ سنة.
في تلك الفترة احتدمت الصراعات بين الهاشميين والسعوديين على زعامة الوطن العربي، وحتى بين الهاشميين أنفسهم، حكّام شرق الأردن، والعراق، ودخلت مصر على خط الخلافات وقام رياض الصلح بمحاولات توفيقية، بدافع حرصه على القضية القومية والمسألة الفلسطينية. وجاء مؤتمر الإسكندرية في تشرين الأول سنة 1944، ليطرح أسس إنشاء جامعة الدول العربيّة، الأمر الذي اتّخذت فيه فرنسا حجّة لإعادة النظر باستقلال لبنان، والضغط عليه لتوقيع معاهدة معها. وبتأثير الضغط الذي مارسته حكومة لندن على دولتي سوريا ولبنان لتوقيع معاهدة مع فرنسا، ثمّ سحب الجنرال سبيرز من لبنان، في أواخر سنة 1944.
واجهت رياض الصلح صعوبات عديدة أثناء ترؤسه الحكومة الاستقلالية، فشكّل حكومة ثانية في تموز سنة 1944، وكان أبرز ما واجهه كيفية التعامل مع إميل إده، إذ أراد بعض النواب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى بسبب مواقفه من أزمة 1943، فاكتفى مجلس النواب بالتصويت على إقالته لتسلمه "منصبًا مدفوع الأجر". كما واجه مشكلة مركزية مع أصدقائه السوريين في الكتلة الوطنية، فاضطر للدفاع عن المصالح اللبنانيّة الضيقة، بوجه مصالح سوريا، الأمر الذي لم يكن يقصده عندما بدأ حياته السياسية، فضلًا عن المشكلات الاقتصادية، التي بدأت تذر بقرنها نتيجة السياسات المالية المتباينة بين الدولتين، وهي سياسات أضرت بعلاقات رياض الصلح مع شركائه السياسيين التاريخيين في دمشق وحلب.
ساهم في الوفد اللبناني، إلى جانب حميد فرنجية ويوسف سالم وكميل شمعون، في اجتماعات أول جمعية عامة للأمم المتحدة، في لندن في كانون الثاني سنة 1946 للبحث في مسألة انسحاب القوات الأجنبية (البريطانية والفرنسية) من لبنان. وقدم الوفدان اللبناني والسوري مذكرة مشتركة تطالب بالانسحاب الفرنسي، ثمّ تابع الوفدان المفاوضات في باريس في شباط سنة 1946، وتمّ التوصل إلى اتفاق قضى بانسحاب القوات الأجنبية من البلدين في مدة أقصاها 31 كانون الأول سنة 1946.
عاد رياض الصلح إلى تولي رئاسة الحكومة فعيّن:
◄رئيسًا لمجلس الوزراء، في كانون الأول سنة 1946، في عهد الرئيس بشارة الخوري.
◄رئيسًا لمجلس الوزراء، في حزيران سنة 1948، في عهد الرئيس بشارة الخوري.
◄رئيسًا لمجلس الوزراء، ووزيرًا للعدلية، في تموز سنة 1948، في عهد الرئيس بشارة الخوري.
◄رئيسًا لمجلس الوزراء، ووزيرًا للتربية الوطنية، في تشرين الأول سنة 1949. ثمّ تخلى عن وزارة التربية، وتولّى الداخلية، بموجب التعديل الوزاري الذي جرى بعد أسبوع من تشكيل الحكومة.
أصبح رياض الصلح في السنوات الأخيرة من حياته سيّد الساحة اللبنانيّة، ورجل الدولة ذا المكانة الدولية، فسيطر مع بشارة الخوري على مجمل الحياة السياسية، الأمر الذي دفع بهذا الأخير للتفكير بتجديد ولاية رئاسة ثانية، لذلك اتفقا على إجراء انتخابات نيابية تؤمن الأغلبية المطلوبة لتعديل الدستور، والتجديد للرئيس، فأجريا في أيار سنة 1947 انتخابات أمّنت لهما تأييد 47 نائبًا من بين مجموعة 55 مقعدًا. ثمّ وقّع 46 نائبًا عريضة لتعديل الدستور، وتمكن بشارة الخوري من الترشح لولاية ثانية. وفي 21 نيسان أقرّ مجلس النواب التعديل الدستوري. وفي 21 أيار سنة 1948، وفي جلسة خاصة لمجلس النواب، وافق الأعضاء الـ46 الحاضرون على إعادة انتخاب الخوري بالإجماع.
في تلك الفترة تصاعدت حدّة الخلافات اللبنانيّة السورية، بسبب التباين في تحديد التوجهات الاقتصادية لكل من لبنان وسوريا. ففي حين اعتمد لبنان سياسة الاقتصاد الحر المنفتح، اعتمدت سوريا سياسة الحماية والاقتصاد الموجّه، وتقاطعت مسألة الخلاف على موقع مصب خط أنابيب النفط التابلاين، مع مسألة الضمانات الفرنسية بعدم خفض قيمة الفرنك الفرنسي، الذي يشكّل غطاء للعملتين السورية واللبنانيّة. وجاء قبول رياض الصلح الاقتراحات الفرنسية، خلافًا للموقف السوري، ليشكل أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى فك ارتباط الليرة اللبنانيّة بالليرة السورية، ووقوع القطيعة بين البلدين، فاتّهم الصلح بأنّه ارتكب غلطة اقتصادية وسياسية فادحة.
طرح رياض الصلح خطّة تقضي بعقد صفقة شاملة مع بريطانيا. قوامها حماية الحقوق العربيّة في فلسطين، والانسحاب من قناة السويس، ومحاربة الشيوعية، لكنّ الردّ البريطاني جاء فاترًا، بسبب رعايتهم على مدى عشرين عامًا للمحادثات السرية العربيّة – الصهيونية، والتي انتهت سنة 1947 باتّفاق يقضي بتقاسم فلسطين بينهما.
عشيّة إعلان الدولة اليهودية في 14 أيار سنة 1948، قام رياض الصلح بتنسيق ظاهر لجمع القيادات العربيّة بهدف القيام بتدخل عسكري في فلسطين، وذلك من خلال اتصالاته مع الرئيسين بشارة الخوري وشكري القوتلي، والملكين فاروق وعبد الله. وفي اليوم التالي لإعلان الدولة اليهودية، قامت الجيوش العربيّة ابتداءً من 15 أيار، بالعبور إلى الأراضي الفلسطينية، من الأراضي المصرية والأردنية والسورية واللبنانيّة. وعلى الرغم من التقدم الجزئي الذي حقّقته الجيوش العربيّة، غير أنّ تقدّمها اصطدم بدفاعات المنظمات اليهودية، التي ما لبثت أن استعادت المبادرة، خصوصًا بعد إعلان مجلس الأمن الدولي، وقف إطلاق النار والاتفاق على الهدنة ابتداءً من 29 أيار، بعد أقل من أسبوعين على قيام الحرب.
عكست قضية فلسطين مفاعيلها على الدول العربيّة، وكانت سوريا أول هذه الدول، فقام الزعيم حسني الزعيم بانقلاب عسكري وتسلّم السلطة فيها، ووجد الزعيم أنطوان سعادة فرصة ملائمة في لبنان، فقاد حركة عصيان ضد الدولة اللبنانيّة، بمساندة حسني الزعيم، الذي سرعان ما تخلى عن سعادة، وسلّمه إلى السلطات اللبنانيّة، فحاكمته في أقل من 24 ساعة، ونفّذت فيه حكم الإعدام في 8 تموز سنة 1949، بعد أن صدّق الحكيم عليه، كل من الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح.
اعتبر رياض الصلح مسؤولًا عن إعدام أنطوان سعادة، أولًا لأنّه أقنع حسني الزعيم بتسليم سعادة إلى السلطات اللبنانيّة، وثانيًا لتنفيذ حكم الإعدام فيه، لذلك كان مستهدفًا، فجرت أوّل محاولة لاغتياله في التاسع من آذار سنة 1950، في بيروت، عندما أطلق توفيق حمدان النار عليه.
أدرك بشارة الخوري بعد تجديد ولايته الثانية سنة 1948، خطورة إبقاء رياض الصلح على رأس الحكومة، وفضّل تداول السلطة، إرضاء للزعماء السُنّة، الذين يطمحون برئاسة الحكومة. وأسهمت هجمات السياسيين المريرة على حكومة الصلح، من قبل المعارضة، وتزوير انتخابات سنة 1947، وتجديد ولاية الرئيس الخوري، واعتبار إعدام أنطوان سعادة إعدامًا سياسيًا، في إضعاف زعامة رياض الصلح، وجاء الخلاف بينه وبين سليم الخوري شقيق الرئيس، ليزيد التباعد بين رجلي الميثاق والاستقلال. فاستقال من الحكومة، مفسحًا المجال لتشكيل حكومة جديدة برئاسة الحاج حسين العويني.
تدهورت العلاقة بين رياض الصلح وحاكم سوريا الجديد الزعيم أديب الشيشكلي، بسبب العلاقة الشخصية التي ربطت الصلح برئيس جمهورية سوريا الأسبق شكري القوتلي، واتهمه الشيشكلي بمحاولة إعادة القوتلي إلى حكم سوريا، خصوصًا بعد تصريح الصلح، أنّ سوريا ستسير نحو الفوضى إذا لم يعد الرئيس القوتلي إلى الحكم قريبًا. كما تدهورت العلاقة مع الملك عبد الله ملك الأردن، بعد كشف المقدم عبد الله التل، أحد الضباط الموثوقين من الملك، عن وثائق تدين عبد الله بتقديم تنازلات مفرطة إلى إسرائيل، الأمر الذي دفع الصلح في اجتماع اللجنة لجامعة الدول العربيّة في القاهرة، لشن هجوم شديد على الملك، معلنًا ضرورة طرد الأردن من الجامعة على الفور، ومن دون أيّة مناقشة إضافية.
حاول الملك عبد الله استيعاب رياض الصلح نظرًا لمكانته وتأثيره فزار بيروت، وأبدى رغبته في الاجتماع به، لكن رياض الصلح تجنب اللقاء، وآثر التوجه إلى جنوب لبنان، وعاد عبد الله بعد أسبوعين، فوجّه دعوة للصلح لزيارة عمان، فرفضها مفضّلًا بقاءه في بيروت. ثمّ كرّر الملك المحاولة فظفر بالصلح على التلفون، ملحًا عليه القدوم إلى عمان، لأمور مهمة مستعملًا اللغة التركية لتجنب التنصت على ما يجري بينهما (أنظر: بشارة الخوري: حقائق لبنانية، ج 3).
سافر رياض الصلح إلى الأردن، وهناك اجتمع بالملك الذي كان يروّج لمشروع قيام اتّحاد بين الأردن والعراق خوفًا على عرش الأردن، على أن يكون برئاسة ابن أخيه عبد الإله، الأمر الذي يحمي عرش الأردن ويحقّق حلم الملك عبد الله. وأنهى عبد الله حديثه لرياض بالقول "أنت الوحيد من بين جميع الشخصيات العربيّة، من تمتلك خصائص القائد، لا في بلدك فحسب، وإنّما في الخارج أيضًا، وأنت تحظى بثقة الجميع، لذلك اخترتك لإقناع العرب بهذا المشروع".
استجاب رياض الصلح على مضض لدعوة الملك عبد الله، فزار الأردن في تموز سنة 1951 وعقد اجتماعًا مهمًا مع الملك عبد الله، وفي طريقه إلى مطار عمان للعودة إلى بيروت في 16 تموز، تعرضت سيارة رياض الصلح، وكان إلى جانبه طبيبه الخاص الدكتور نسيب البربير والصحافي محمد شقير والضابط عبد العزيز العرب، لإطلاق نار من سيارة أخرى، فأصيب إصابة قاتلة، وتبيّن فيما بعد، أنّ المهاجمين كانوا ثلاثة من أعضاء الحزب القومي السوري، الذين كلّفوا باغتيال الصلح انتقامًا لإعدام زعيمهم أنطوان سعادة. وقد كشف المؤرّخ باتريك سيل في كتابه "رياض الصلح والنضال من أجل الاستقلال العربي" عن معلومات خطيرة، تضمنت تورّط سوريا الشيشكلي، وبريطانيا وإسرائيل والحزب القومي السوري الاجتماعي باغتيال الرئيس الشهيد رياض الصلح، خاصة وأنّ الكيان الصهيوني كان يتخوف جدًا من إمكانيات الجيش العراقي، وبدون أدنى شك، فإنّ الوحدة بين العراق والأردن، يجعل الجيش العراقي على حدود فلسطين، لذا، تقاطعت المصالح الإسرائيلية مع المصالح المحلية والعربيّة والدولية، فكان قرار الاغتيال.
ولا يستبعد أن تكون دعوة رياض الصلح إلى الأردن، لتسويق فكرة الاتحاد بين عرشي العراق والأردن من الأسباب الرئيسية لاغتياله. وبعد مرور أربعة أيام على اغتيال الصلح، اغتيل الملك عبد الله، في 20 تموز 1951 عند مدخل المسجد الأقصى في مدينة القدس القديمة.
نقل جثمان الرئيس الشهيد رياض الصلح من عمان إلى بيروت على متن طائرة خاصة، وشيّع في مأتم رسمي وشعبي حضره نصف مليون شخص، ودفن بجوار مقام الإمام الأوزاعي. أبّنه رئيس الجمهورية بشارة الخوري، فقال فيه: "فجعلك سبحانه وتعالى أكبر رجال لبنان قيمة، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، وأعزّهم بأسًا، وأشجعهم نبراسًا، وألينهم عريكة، وأودعهم خلقًا، وأبهاهم خلقًا". وباستشهاد رياض الصلح، خسر الرئيس بشارة الخوري مدماكًا قويًا للاستقلال اللبناني والعربي، وكان ذلك مقدمة لانهيار النظام اللبناني، واستقالة بشارة الخوري في أيلول من عام 1952.
في نيسان سنة 1953 قرّر مجلس بلدية بيروت، إقامة تمثال له في وسط المدينة، فوضع الفنان ليون مورا دوف نموذجًا أقّرته اللجنة المكلّفة بذلك، ووضع التمثال في الساحة التي لا تزال تحمل اسمه في وسط بيروت، وكانت تثعرف باسم ساحة "عالسور". كما أطلقت بلدية بيروت اسم زوجته فائزة الجابري على أحد شوارع منطقة حي المزرعة – البسطا الفوقا.
كان والده قد اختار له عروسًا من عائلة العظم الثرية الدمشقية، لكن رياضًا آثر الزواج سنة 1930 من السيّدة فائزة الجابري الحلبية، ابنة أخ صديقه سعد الله، وكانت تجيد الألمانية والفرنسية والتركية والعربيّة، ورزقا خمس بنات هنّ: لميا وعليا وبهيجة ومنى وليلى (الوزيرة). أطلقت بلدية طرابلس اسمه على أحد شوارع طرابلس الميناء (للمزيد من التفاصيل: أنظر: المعجم اللبناني، المعجم الوزاري اللبناني، معجم حكام لبنان والرؤساء، تاريخ لبنان المعاصر 1913-1943، التيارات السياسية في لبنان 1943-1952، موقف لبنان من القضية الفلسطينية).
سامي الصلح (1890-1968): ولد سامي الصلح في عكار في 7 أيار عام 1890، نظرًل لوجود والده فيها، باعتبارها مدينة تابعة آنذاك لولاية بيروت. عاش بين عكا وصيدا وبيروت واستانبول ومكدونيا ودمشق وأضنه وسالونيك وسواها، وذلك استنادًا إلى وظائف والده عبد الرحيم الصلح المتنقل بين تلك المناطق حتى وفاته عام 1905. لذلك، كانت فرصة لسامي الصلح أن ينفتح على ثقافات غربية وشرقية، وعلى لغات عديدة استطاع أن يتقنها.
في عام 1905 عاد سامي الصلح إلى بيروت المحروسة بعد وفاة والده، وتابع دراسته، سرعان ما قصد بريطانيا، ثمّ استكمل دراسته الجامعية في استانبول، حيث التحق في كليّة الحقوق تحقيقًا لتطلعاته بأن يكون قاضيًا. وكانت استانبول تئن بالصراعات بين الاتحاديين والائتلافيين بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش عام 1909، لا سيّما بين كامل باشا وانور باشا وطلعت باشا وكانل باشا. ونظرًا للتطورات العثمانية والعربيّة والدولية، قرّر وابن عمه رياض الصلح الذي كان يتعلم في استانبول أيضًا، العودة إلى بيروت، غير أنّ سامي الصلح تمّ تعيينه مستشارًا قضائيًا في حلب.
سامي الصلح والانتخابات النيابية عام 1914: في عام 1914 بدأت الاستعدادات للانتخابات النيابية، وبدأ المرشحون عن ولاية بيروت بالاستعداد لخوض المعركة، ومن بينهم سامي الصلح. وكان الشرط للتقدّم للانتخابات أن يكون المرشح في سن الثلاثين كما ذكر في مذكراته، فما كان منه وهو في الثالثة والعشرين، إلا أن تقدم من دائرة النفوس بطلب لتغيير سنّه ليصبح في سن الثلاثين، فأصبح رسميًا من مواليد عام 1883 علمًا أنّه عثر على تذكرة هوية له تثبت أنّه من مواليد عام 1887. ومهما يكن من أمر، فبعدها التقى بوالي بيروت الكبير سامي بك (بكر سامي بك) الذي أيّد ترشيحه، كما أنّ أحمد مختار بيهم وسليم علي سلام طلبًا من الوالي تأييده. ونظرًا لخلافات حادة مستجدة بين العائلات البيروتيّة، وإشكالات سياسية ومالية بما فيها فضية أراضي الحولة، ميشال إبراهيم سرسق، وكامل الأسعد، وقد فازوا في 9 نيسان 1914 ضد المرشحين: سامي الصلح، جان نقاش، طه المدور. واتهم سامي الصلح في مذكراته أنّه خسر بسبب التزوير، بينما نفى سليم سلام في مذكراته بأنّه نجح نتيجة تأييد السلطة، لأنّه كان معاديًا للوالي. والحقيقة، فإنّ الصراعات والمنافسات بين آل الصلح وآل سلام والتي امتدت إلى عام 1968، إنّما كان من أسبابها انتخاب مفتي بيروت عام 1909، وانتخابات مجلس المبعوثان عام 1914. عاد سامي الصلح إلى وظيفته في حلب، وبدأ يجتمع بالعشائر والقبائل العربيّة لنشر الوعي القومي العربي، وصودف وجود القائد أحمد جمال باشا عام 1915 في حلب، فعلم بنشاطه وحاول اعتقاله، غير أنّه قرّر مغادرة حلب إلى الصحراء العربيّة، واتّخذ اسمًا جديدًا له هو "الشيخ علي البغدادي" بعد أن تنكرّ بأزياء عربية، ولكنه بعد فترة تمّ اعتقاله وإرساله إلى محكمة ديوان الحرب العرفي في عاليه؛ وبعد التحقيق معه، تبيّن أنّه غير متورط في أعمال معادية، غير أنّ القرار تضمن إبعاده إلى استانبول، علمًا أنّ غالبية رفاقه أعدموا عامي 1915-1916، منهم على سبيل المثال: عارف الشهابي، عبد الكريم الخليل، محمد المحمصاني، عبد الغني العريسي وسواهم.
سامي الصلح مستشارًا وقاضيًا: في عام 1918 انتهت الحرب العالمية الأولى، وهزمت الدولة العثمانية، واحتلت البلاد العربيّة من قبل بريطانيا وفرنسا، فأقام سامي الصلح ثلاثة شهور في القاهرة للاطلاع على السياسة المصرية والبريطانية، ثمّ عاد إلى دمشق والتقى بالأمير فيصل بن الشريف حسين. وبعد عودته إلى بيروت نهائيًا عام 1920، وقبل الانخراط بقوة في السياسة، فقد تأهلّ من شقيقة ابن عمه رياض الصلح السيّدة بلقيس رضا الصلح (طليقة رجل من آل غندور) وأنجب منها عبد الرحمن (السفير فيما بعد) والسيّدة مي (حرم السيّد أنيس يلسين). وفي بيروت تولّى سامي الصلح منصب مستشار في محكمة التمييز، وكان طيلة حياته القضائية مؤمنًا بالقانون والعدالة الإلهية، وأحيانًا كثيرة أصدر أحكامًا ببراءة متهمين لعدم قناعته باقترافهم ذنب ما. وبالرغم من تباين الآراء بينه وبين السلطات الفرنسية، غير أنّها لم تستطع التخلي عنه، فقامت بتعيينه قاضيًا في محكمة الجنايات، ثمّ عُيّن عام 1925 مفتشًا عامًا للقضاء، ثمّ عُيّن في منصب مدّعي عام التمييز عام 1936، ورئيسًا أول لمحكمتي الاستئناف والتمييز. وكانت ممارساته القضائية وسمعته واستقامته سببًا رئيسًا في تزايد شعبيته البيروتيّة واللبنانيّة.
سامي الصلح نائبًا ورئيسًا للوزراء: في تموز من عام 1942، تمّ اختيار سامي بك الصلح رئيسًا لمجلس الوزراء في عهد الرئيس ألفرد نقاش، وقد عرفت حكومته باسم "حكومة الرغيف"، واستطاع في فترة قصيرة القضاء على الاحتكار والمحتكرين، كما استطاع تأمين "الأعاشة" للفقراء، لهذا، لقّب "بأبي الفقراء"، علمًا أنّ فترة توليه رئاسة الحكومة كانت من أصعب الفترات بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
ونتيجة لنجاحه في مهام رئاسة الوزراء، فقد خاض غمار الانتخابات في 29 آب عام 1943 (مجلس الـ55 نائبًا) على رأس لائحة بيروتية، فاز نصفها والنصف من اللائحة الأخرى. أمّا الفائزون فهم السادة: سامي الصلح، عبد الله اليافي، صائب سلام، ألفرد نقاش، حبيب أبو شهلا، محمد بيضون، أيوب تابت، موسيس دركالوسيان، هراتشا شلمليان.
وبعد الانتخابات النيابية عام 1943 انتخب الشيخ بشارة الخوري رئيسًا للجمهورية الذي اختار بدوره زعيمًا لبنانيًا وعربيًا لرئاسة الحكومة هو الزعيم رياض الصلح، ومع زعماء آخرين تمّ وضع الميثاق الوطني ونيل الاستقلال بعد حادثة اعتقال أركان الحكيم. وكان لسامي الصلح وزعامات أخرى دور أساسي في استقلال لبنان. وقد تبيّن بأنّ سامي الصلح وبالرغم من تولي ابن عمه رياض الصلح رئاسة الوزراء، غير أنّه كان معارضًا إيجابيًا عندما تستدعي الأمور المعارضة، وكان ؤيدًا عندما تستلزم الأحداث التأييد.
وما هي إلا سنوات قليلة حتى عاد سامي الصلح إلى رئاسة الوزراء في 22 آب 1945 واستمر فيها حتى 23 أيار 1946 متعاونًا مع رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، وقد عرفت هذه الوزارة باسم وزارة الاستقلال الثالثة، لأنّها قامت باستكمال مقومات الاستقلال، ورفع العلم الوطني، وتنظيم الجيش اللبناني بقيادة اللواء فؤاد شهاب، ومن ثمّ جلاء القوات الأجنبية، ولا يمكن أن ننسى دوره، ومن قبل دور رياض الصلح في تأسيس جامعة الدول العربيّة وتأسيس هيئة الأمم المتحخدة عام 1945 بانتداب علماء وفقهاء قانون بارزين للإسهام في هذا التأسيس يأتي في مقدمتهم العلّامة الدكتور صبحي المحمصاني. كما لا يمكن أن ننسى دوره الداعم لقضية فلسطين طيلة سنوات، وتسلّم المصالح المشتركة، وتطور مشاريع التربية والتعليم، والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية والمائية، والاهتمام بالمناطق اللبنانيّة، وقضايا العمّال، كما أسهم سامي الصلح خلال مسؤولياته الحكومية في الإسهام في ضبط الأوقاف الإسلاميّة الضائعة، وفي تنظيم منح الجنسية اللبنانيّة. ومن يطلع على مواقف سامي الصلح وخطبه بين أعوام 1920-1968 يدرك أهمية آرائه ومواقفه من هذه القضية.
في شباط عام 1952 عاد سامي الصلح رئيسًا للوزراء في عهد الرئيس بشارة الخوري والتي استمرت إلى 9 أيلول عام 1952، وهي الوزارة التي قضت على العهد. وممّا ساعد على استقالة بشارة الخوري الثورة البيضاء التي قامت بها المعارضة عام 1952، وفساد شقيق الرئيس المعروف باسم "السلطان سليم الخوري" سبق ذلك استشهاد الرئيس رياض الصلح في عمان في تموز عام 1951، كما أنّ ثورة 23 يوليو (تموز) عام 1952 في مصر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، ألهبت حماس الجماهير اللبنانيّة ضد الفساد والفاسدين. وقد أكّد الرئيس بشارة الخوري في مذكراته أثر ثورة مصر على الثورة البيضاء في لبنان.
ويبدو بأنّ الرئيس سامي الصلح هو أول رئيس وزراء في لبنان يقدّم استقالته في المجلس النيابي وليس في القصر الجمهوري في القنطاري، ففي 9 أيلول 1952 ألقى الرئيس سامي الصلح بيانًا في المجلس النيابي عرض فيه لحالة الفساد والفوضى والطغيان التي تعانيها الدولة ملمحًا إلى مسؤولية رئيس الجمهورية وشقيقه وأنصاره الذين أفسدوا الإدارة من تدخلاتهم غير المشروعة في القضاء والإدارة. وممّا قاله سامي الصلح بجرأة لافتة: "حاربونا، لأنّنا أردنا أن نطبّق القانون القاضي بمنع المقامرة، والقمار هو أحد مواردهم السرية. حاربونا، لأنّنا شرّعنا في مكافحة التهريب إلى إسرائيل، لأنّ هذه المكافحة تقطع عليهم الرزق الحرام. حاربونا، لأنّنا شمّرنا ساعدنا لإتلاف الحشيش... حاربونا، لأنّنا أردنا أن نضع قانون "من أين لك هذا" ونحقق في مصادر ثرواتهم ... حاربونا، لأنّنا حفظنا لأرباب الصحافة كرامتهم... إنّهم يريدون أن يكون رئيس الوزراء آلة طيعة بأيديهم، لتنفيذه مآربهم، وتحقيق مطامعهم، وخدمة مصالحهم الخاصة... أين ديوننا من أرصدتهم النقدية المودعة في مختلف المصارف... لقد جوّعوا الشعب وأرهقوه... كيف تريدون منّا أن نستمر في الحكم...".
لقد قدّم الرئيس سامي الصلح استقالته، وكان بيانه الأسفين القوي والأساس في استقالة الرئيس بشارة الخوري في 18 أيلول 1952، ولم يستطع أي سني فيما بعد قبول تكليفه بتأليف الحكومة الأمر الذي أدّى إلى استقالة رئيس الجمهورية، وكانت هذه الحادثة المقدمة لانتخاب كميل شمعون رئيسًا جديدًا للجمهورية.
سامي الصلح رئيسًا للحكومة في عهد الرئيس كميل شمعون: إنّ استقالة سامي الصلح من رئاسة الحكومة لا يعني مطلقًا استقالته من السياسية والحكم والنيابة، بل ظلّ نائبًا عن بيروت، يقوم بأعباء النيابة لا سيّما الخدمة العامة، ومساعدة المعوزين وأصحاب الحاجة، وتفريج هموم الناس، غير أنّ السياسيين في لبنان لا سيّما الرؤساء يدركون أهمية تعاونهم مع سامي الصلح، لهذا، فإنّ الرئيس كميل شمعون رأى ضرورة الاستعانة به، وتكليفه رئاسة الوزراء في 16 أيلول 1954 واستمر في رئاستها إلى 9 تموز 1955. وقد عرفت هذه الحكومة باسم "رأس السمكة" استنادًا إلى المثل الشائع "رأس سمكة خير من ألف ضفدعة" واعتمادًا على أهمية بدء الإصلاح من فوق لا من تحت.
لقد تولّى سامي الصلح رئاسة الحكومة مجددًا في ظل أوضاع لبنانية وعربية وإقليمية ودولية صعبة، يأتي في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان، والصراع بين المعسكرين السوفياتي والأميركي، والعدوان الإسرائيلي المستمر على فلسطين، وسياسة الأحلاف العربيّة والدولية، وبالرغم من جميع هذه المصاعب، فإنّ حكومة سامي الصلح حقّقت الكثير على الصعيد اللبناني والعربي والتركي والأوروبي والدولي والأميركي والسوفياتي، وعلى صعيد التعاون في إطار جامعة الدول العربيّة وهيئة الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي في بيروت. وقد واجهت حكومته وحكومة سواء قضية شائكة هي قضية لبنان والأحلاف الأجنبية، بما فيها حلف بغداد.
هذا، وقد تولّى سامي الصلح رئاسة الحكومة مجددًا في تموز من عام 1955، جاء من بعده الرئيس عبد الله اليافي في آذار عام 1956، ثمّ كلّف عبد الله اليافي ثانيةً في حزيران عام 1956، وقد استمرت حكومة اليافي، وكان من ضمنها صائب بك سلام وزيرًا إلى تشرين الثاني عام 1956، وقد شهدت هذه الفترة العدوان الثلاثي من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، الأمر الذي استدعى من الدول العربيّة إلى عقد مؤتمر الملوك والرؤساء العرب في بيروت في 15 تشرين الثاني 1956، وقد قرّر المؤتمر قطع العلاقات مع بريطانيا وفرنسا وإدانة العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر، وهدّد الرئيس عبد الله اليافي والوزير صائب بك سلام وسواهما بالاستقالة، إذا لم يبادر رئيس الجمهورية كميل شمعون بقطع العلاقة بين البلدين المعتدين على مصر، ولمّا رفض الرئيس شمعون قطع العلاقة، بادر الرئيس اليافي إلى الاستقالة احتجاجًا، وبذلك استقالت الحكومة لأسباب قومية، خاصةً وأنّ عبد الناصر بات بعد جلاء القوات البريطانية عن مصر، وعقده صفقة السلاح التشيكية، وكسر احتكار شراء السلاح، وتأميمه لقناة السويس، بات الرئيس العربي الأول.
إرهاصات وأسباب ثورة عام 1958: اضطر الرئيس كميل شمعون للتعاون مجددًا مع الرئيس سامي الصلح، فأوكلت إليه مهمة تأليف الحكومة في أجواء لبنانية وعربية ودولية على غاية من الخطورة والتعقيد، لا يمكن لأحد أن يقبل بمثل هذه المهمة الكأداء. وبالرغم من ذلك، فقد قم بتأليف حكومته في 18 تشرين الثاني عام 1956، والتي استمرت إلى 18 آب 1957، ولوحظ أنّه لأول مرة عُيّن قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب وزيرًا للدفاع الوطني، وذلك لمواجهة عدد احتمالات أمنية، غير أنّه استقال في 3 كانون الثاني 1957. وما هي إلا شهور حتى استقالت الحكومة، وتألفت حكومة أخرى برئاسته في 18 آب 1957، وقد استمرت حتى 14 آذار عام 1958، وتمّ اختيار المحامي جميل مكاوي (عن السُنّة) وزيرًا للمالية.
والأمر الملاحظ، أنّ الوزيرين جميل مكاوي وخليل الهبري هما من سكان الطريق الجديدة (شارع حمد) وهو الشارع الذي شهد اصطدامات بين الدرك والنعارضة من المتظاهرين، كما شهدت منطقة مستشفى المقاصد الاعتداء على الرئيس صائب سلام، وذلك كلّه في 30 آيار 1957.
وفي 14 آذار عام 1958 تألفت حكومة جديدة برئاسة سامي الصلح، واستمرت حتى 22 أيلول 1958، واختير خليل توفيق الهبري (عن السُنّة) وزيرًا للأشغال العامة. وقد واجهت هذه الحكومة الاستثنائية أوضاعًا استثنائية قلّ مصيرها في تاريخ لبنان الحديث منها على سبيل المثال:
1- إعلان الوحدة بين سوريا ومصر (الجمهورية العربيّة المتحدة) في شباط 1958.
2- مشاريع وحدة الجيوش العربيّة.
3- تداعيات عدم قطع علاقات لبنان مع بريطانيا وفرنسا.
4- الصراعات العربيّة – العربيّة.
5- خطر الكيان الصهيوني، وموقف لبنان من القضية الفلسطينية.
6- الصراع بين الشيوعية والرأسمالية.
7- تدفق السلاح من سوريا إلى أحزاب المعارضة اللبنانيّة.
8- نتائج الانتخابات النيابية عام 1957.
9- موقف لبنان الرسمي من ثورة الجزائر والثوار، ومن الثورات التحررية العربيّة والعالمية.
10-موقف لبنان من الاتحاد الهاشمي (وحدة العراق والأردن) المعادي لعبد الناصر والجمهورية العربيّة المتحدة.
11-موقف لبنان من المؤتمرات والأحلاف الدولية بما فيها مؤتمر باندونغ والمؤتمر الأفريقي – الآسيوي، ومشروع آيزنهاور.
12-مواجهة الشارع الإسلامي والوطني المطالب الالتحاق بالوحدة مع مصر وسوريا.
13-المطالب الإسلاميّة بتحقيق العدل والمساواة والإنصاف في الوظائف العامة.
14-مرض التجديد والتمديد لرؤساء الجمهورية، ومن بينهم الرئيس كميل شمعون.
15-سائر المطالب ذات الأبعاد اللبنانيّة والعربيّة والدولية.
كانت بيروت مرتبطة إلى حد كبير بأسماء سياسية أمثال الرئيس عبد الله اليافي والرئيس صائب سلام، وأسماء لامعة أخرى في مختلف المناطق اللبنانيّة، فإذا بهذه الأسماء تغيب عن التمثيل الشعبي في الانتخابات النيابية في حزيران عام 1957. وفي المجلس النيابي الجديد (مجلس الـ66) مثّل بيروت السادة: سامي الصلح، خليل الهبري، جميل مكاوي، فوزي الحص، بيار إده، نسيم مجدلاني، رشيد بيضون، جوزيف شادر، شفيق ناصيف، خاتشيك بابكيان، موسيس دركالوسيان. وبدون أدنى شك، فإنّ تزوير نتائج انتخابات عام 1957 والعوامل المشار إليها سابقًا أثّرت تأثيرًا مباشرًا على أوضاع لبنان، وعلى اندلاع ثورة عام 1958، وقد قال الرئيس صائب سلام في أوساطه آنذاك: "إنّ سامي الصلح بموافقته لكميل شمعون بإسقاطي في الانتخابات، يريد أن ينتقم مني ومن والدي سليم علي سلام المتهم مع والي بيروت بإسقاطه في انتخابات عام 1914...".
ومن الأهمية بمكان القول، بأنّ الثورة اللبنانيّة التي أطلقتها المعارضة في أيار عام 1958 هي ذات أبعاد لبنانية وعربية ودولية (تمامًا كالحرب اللبنانيّة 1975-1990) غير أنّ السبب المباشر الذي أشعلها، إنّما تمثل في اغتيال الصحافي نسيب المتني صاحب صحيفة "التلغراف" ليل 8 أيار 1958، سبقه اغتيال الصحافي غندور كرم على يد أحد السوريين. وكان ذلك بداية للإضراب العام من قبل المعارضة، سرعان ما انتشر السلاح بين أيدي المعارضة في بيروت برئاسة الرئيس صائب سلام وقائد المعارضة الشعبية رشيد شهاب الدين، وترأس المعارضة في المناطق رشيد كرامي وكمال جنبلاط ومعروف سعد وصبري حمادة وأحمد الأسعد وشبلي العريان... كما وصلت من سوريا مجموعات عسكرية داعمة للثورة، منها مجموعات سلطان باشا الأطرش، وبعض أجهزة المخابرات السورية، فضلًا عن مجموعات فلسطينية داعمة للثورة، يأتي في مقدمتها الفلسطينيون المقيمون في مخيمات صبرا وشاتيلا والداعوق وبرج البراجنة ومخيمات المناطق اللبنانيّة. لهذا قدّمت الحكومة اللبنانيّة شكوى لجامعة الدول العربيّة، ومن ثمّ للأمم المتحدة في أواخر أيار 1958 لمواجهة التدخلات في لبنان. سبق ذلك لا سيّما في 11 أيار 1958 إلقاء القبض على قنصل بلجيكا العام في دمشق، وهو ينقل بسيارته كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة إلى المعارضة اللبنانيّة، وقد اعتقلته السلطات اللبنانيّة عند الحدود السورية – اللبنانيّة، ما كان له أثر سيء على العلاقات الثنائية. وبرز من القيادات العسكرية والسياسية آنذاك: الزعيم شوكت شقير، عدنان الحكيم، عباس خلف، عبد المجيد الرافعي، نواف كرامي، خالد جنبلاط، إبراهيم قليلات (أبو شاكر)، د. بشارة الدهان، علي العود مختار رأس بيروت، محمود الدنا، محمود عياش، وقيادات عديدة في منطقة الطريق الجديدة، والبسطتين، والمصيطبة، وبرج أبي حيدر، والزيدانية، ورأس بيروت، ورأس النبع، والبقاع، وعكار، والجنوب وسواها، معتذرًا عن عدم ذكر جميع أسماء تلك القيادات.
هذا، وقد تبيّن بأنّ الرئيس سامي الصلح، كان من أكثر المعجبين بالرئيس جمال عبد الناصر لا سيّما بين السنوات 1952-1957، وهناك رسائل واجتماعات متبادلة بينهما تؤكد على ذلك، غير أنّ تسارع الأحداث، وتطورات الأزمة اللبنانيّة بأبعادها الداخلية والسورية والمصرية والعربيّة والدولية، أدّى كل ذلك إلى القطيعة مع الرئيس عبد الناصر ومع السفير المصري في بيروت عبد الحميد غالب. وأعلن الرئيس كميل شمعون والرئيس سامي الصلح بأنّ من أسباب الاضطرابات في لبنان، إنّما يكمن في رفض لبنان الرسمي للانحراط في الوحدة مع مصر وسوريا، وفي رفضه الانصياع للرئيس جمال عبد الناصر، في حين أنّ المعارضة اتهمت الحكم، بأنّه يعمل مع الغرب ضد المصالح العربيّة، كما أنّه يخطّط بكل طاقاته لتأمين التجديد لرئيس الجمهورية، فضلًا من أنّ رئيس الجمهورية كميل شمعون الذي انتخب على أنّه "فتى العروبة الأغر" بات الفتى الأول المحارب للعروبة وللعرب. كما أنّ سامي الصلح دافع عن نفسه بالقول: بأنّ رئاسة الوزراء لم تكن تعنيه، وهو الذي تولاها عام 1942 قبل ابن عمه رياض الصلح، غير أنّه علم من السفراء العرب والأجانب، بأنّه في حال تخليه عن الحكم، فإنّ رئيس الجمهورية سيكلّف مهام رئاسة الوزراء لماروني عسكري، يمكن أن يكون قائد الجيش، وقد يستمر هذا التكليف لشهور عديدة، فآثر سامي الصلح البقاء في الحكم حرصًا على حقوق السُنة في هذا المنصب.لقد تسارعت الأحداث بشكل منقطع النظير، حيث دارت معارك عديدة بين الأجهزة الأمنية والمعارضة، وقد وقف حزب الكتائب والحزب القومي السوري الاجتماعي وسواهما إلى جانب النظام اللبناني ضد أحزاب المعارضة، ممّا أدّى إلى مزيد من القتلى والجرحى والتدمير في بيروت والمناطق اللبنانيّة، وأحرق ونهب قصر الرئيس سامي الصلح في برج أبي حيدر في 14 حزيران 1958، وفيلا الوزير خليل الهبري في شارع حمد في الطريق الجديدة، وهجر كل منهما خارج منطقته، كما جرت محاولات اغتيال الرئيس سامي الصلح لا سيّما في 29 تموز 1958 في منطقة المكلس، ومن بعدها محاولة اغتياله في آب، وواحدة في أيلول 1958، في حين أنّ الرئيس كميل شمعون استمر مقيمًا في القصر الرئاسي في القنطاري، وهو آخر رئيس للجمهورية يقيم في هذا القصر. وجرت محاولات لاغتياله من قبل المعارضة والثوار، غير أنّ القيادة السياسية ممثلة بالرئيس صائب سلام رفضت هذا الأسلوب. وممّا قام به سامي الصلح رفع دعوى على السادة: صائب سلام، هنري فرعون، عبد الله اليافي، نسيم مجدلاني، وشخص سوري يدعى محمد البساتنة بتهمة نسف قصره. هذا، وقد أقفلت المساجد في بيروت في وجه سامي الصلح، ووجهت إليه انتقادات لاذعة في صحف وإذاعات المعارضة لا سيّما إذاعة "مشعل" وإذاعة "صوت العروبة".
وممّا زاد الأمر اضطرابًا ومضاعفةً قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق والقضاء على الملكية، وإعلان قادتها تأييد الثورات العربيّة وتأييد الرئيس جمال عبد الناصر، والمطالبة بالوحدة مع مصر وسوريا، ممّا يعني انتهاء الوحدة الهاشمية مع الأردن، الأمر الذي أدّى بالحكومة اللبنانيّة إلى استدعاء الأسطول السادس الأميركي إلى لبنان، كما طلب الملك حسين من القوات البريطانية النزول في الأردن لحماية النظام. ثمّ أرسل إلى بيروت داغ همر شولد امين عام الأمم المتحدة، والسيّد مورفي مبعوث الرئيس الأميركي إلى لبنان الذي اجتمع في تموز عام 1958 مع الرئيس كميل شمعون وسامي الصلح وقيادات لبنانية عديدة في مقدمتها الحاج حسين العويني وكمال جنبلاط وصائب سلام ورشيد كرامي وسواهم بشكل سري أو علني، وانتهى الأمر أن لا تجديد للرئيس كميل شمعون، وأوضح للحاج حسين العويني خاصة (كما جاء في مذكراته) بأنّ الأميركيين أبلغوه، بأنّه تمّ الاتفاق بينهم وبين الرئيس جمال عبد الناصر على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية.
اللواء فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية: لقد تمّت التسوية اللبنانيّة – العربيّة – الدولية، بانتخاب اللواء قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية، وذلك في 31 تموز من عام 1958، على أن يبقى الرئيس كميل شمعون إلى نهاية مدته الرئاسية الدستورية أي إلى 23 أيلول 1958، وقد أدّى ذلك إلى تهدئة الأمور، لا سيّما عندما أرسل الرئيس جمال عبد الناصر برقية تهنئة إلى الرئيس المنتخب فؤاد شهاب، كما استمرت حكومة الرئيس سامي الصلح في الحكم إلى 19 أيلول 1958 حيث قدّمت استقالتها للرئيس كميل شمعون، ولم تنتظر حتى 23 أيلول لتقديمها للرئيس المنتخب، فما كان من الرئيس شمعون إلّا أن أصدر مرسومًا عيّن بموجبه خليل الهبري رئيسًا لمجلس الوزراء.
في فجر السبت في 20 أيلول 1958 غادر سامي بك الصلح مطار بيروت إلى تركيا حيث أقام في مناطق ومدن تعرّف عليها قبل عام 1920، منها أضنه واستانبول، وكانت فرصة لزيارة قبر والدته المدفونة في استانبول عام 1910. ومن بعدها زار روما وبروكسل وباريس وسواها، وقد استمر في أوروبا إلى عام 1959.
استنتاجات: من الأهمية بمكان القول، وبكلمة مختصرة، فقد اعترف الرئيس كميل شمعون والرئيس سامي الصلح بأخطائهما، غير أنّ المعارضة اعترفت بدورها بأخطائها المرتكبة عام 1958. وإذا أردنا تقويم تاريخ سامي الصلح في سطور، يمكن القول أنّ الرجل ولد في بيئة عربية، لذا كانت أفكاره وممارساته عربية سواء فيما يختص بالوحدة السورية أو الوحدة العربيّة، إلى أن اعترفت القيادات اللبنانيّة باستقلال لبنان، لذا، تولى رئاسة الحكومة وفي سنوات متباعدة ثماني مرات بين 1942-1958، وانتخب نائبًا ست مرات بين أعوام 1943-1964، ةأسهم في استقلال لبنان، وفي الوقوف إلى جانب الفقير ضد المحتكر، كما عمل على استرداد السراي الكبير وتسلّم الجيش اللبناني وسواه من المؤسسات من الانتداب الفرنسي، ودافع عن القضية الفلسطينية مؤيدًا قيام "اتحاد الأحزاب اللبنانيّة لمكافحة الصهيونية"، ورغم عمله مع الرئيس كميل شمعون غير أنّه كان ضد سياسة الأحلاف الغربية، ملتزمًا سياسة الحياد الإيجابي، فترأس وفد لبنان إلى مؤتمر باندونغ في أندونيسيا عام 1955، وزار غالبية الدول العربيّة وفي مقدمتها مصر، والتقى الرئيس عبد الناصر أكثر من مرة، كما رفض العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأيّد وحدة مصر وسوريا عام 1958، ولكنّه رفض إفحام لبنان فيها بسبب خصوصيته، ولطمأنة المسيحيين، وتقيدًا بالميثاق الوطني عام 1943. وفي عام 1958 التقى سامي الصلح في توجهاته مع توجهات البطريرك الماروني مار بولس المعوشي حول رفض التجديد للرئيس شمعون. وبالرغم من ذلك، فقد أرسى الرئيس كميل شمعون قاعدة رئاسية تضمنت "أن لا تنازل عن حق رئاسة الجمهورية إلا عند انتهاء آخر دقيقة من ولاية العهد". وبالفعل، فإنّه لم يتنازل عن الحكم إلا في 23 أيلول عام 1952، غير أنّ ما كان يؤلمه تخلي الأميركيين عنه، وممّا قاله: "إنّ الأميركي مهما كان حليفًا أو صديقًا لك، غير أنّ من عاداته أن يتخلى عنك في منتصف الطريق حسب مصالحه".
عودة سامي الصلح مجددًا إلى النيابة 1964-1968: إنّ الظاهرة اللافتة للنظر، أنّ مراسلات تمّت بينه وبين الرئيس عبد الناصر بعد عام 19602، وكان من المقرّر القيام بزيارة للقاهرة، فأتت التمنيات من القاهرة بعدم إحراج عبد الناصر أمام أقطاب المعارضة اللبنانيّة، غير أنّ سامي الصلح – الظاهرة السياسية - الذي ابتعد عن المجلس النيابي في دورة عام (1960-1964)، نتيجة ذيول ثورة 1958 وحلّ مكانه رئيس حزب النجادة عدنان الحكيم، فإذا بالبيارتة ينتخبونه مجددًا نائبًا عنهم في دورة (1964-1968) وكان ذلك بمثابة إعادة اعتبار له، ووفاءً وتقديرًا على خدماته طيلة خمسين سنة على الأقل، كما أصبح رئيسًا للسن في المجلس النيابي، فضلًا عن هذا وذاك، فقد أطلق على شارع في بدارو اسم "جادة سامي الصلح"، كما أقيم له نصب تذكاري في الشارع نفسه. سامي الصلح الظاهرة توفاه الله في 6 تشرين الثاني عام 1968 تاركًا بعض المؤلفات والمذكرات، وكريمته السيّدة مي، وسعادة السفير عبد الرحمن الصلح وأحفاد منهم رياض الصلح وسامي الصلح.
يبقى القول، أنّ قضية سامي الصلح وتحديدًا أحداث ثورة عام 1958، لعلّها تكون عبرة لجميع اللبنانيين لا سيّما الموالاة والمعارضة في أي عهد، وفي أي زمن، ويبدو أنّ اللبنانيين لا يقرأون التاريخ وإذا قرأوه لا يستفيدون منه، لهذا، كانت الحرب اللبنانيّة 1975-1990. والمطلوب من "أمة إقرأ" أن تقرأ وتستفيد من أخطاء الماضي لبناء الحاضر والمستقبل. لهذا، فإنّ من يطّلع على الوثائق السرية الأميركية والفرنسية والبريطانية والعربيّة التي تعود لعام 1958، يدرك تمامًا بأنّ ثورة عام 1958، وبأنّ الصراع اللبناني – اللبناني لم يكن صراعًا لبنانيًا، بل هو صراع عربي – عربي، ودولي – دولي، وأنّ اللبنانيين ليسوا هم – للأسف – سوى شعب مظلوم ووقود في إطار "لعبة الأمم".
تقي الدين منح الصلح (1907-1988): من صيدا ومواليد بيروت سنة 1907. تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الشيخ أحمد عباس الأزهري، والثانوية في العلمانية الفرنسية. والجامعية في معهد الآداب الشرقية، حيث حصل على إجازة في الأدب العربي.
عمل في مطلع شبابه مدرّسًا في البعثة العلمانية الفرنسية في لبنان، ومديرًا للدعاية والنشر (المطبوعات) لدى الحكومة اللبنانيّة قبل إنشاء وزارة الأنباء. فمستشارًا للسفارة لدى جامعة الدول العربيّة عند تأسيسها عام 1945.
انتخب نائبًا عن قضاء زحلة، في دورة 1957. ثمّ نائبًا عن قضائي بعلبك- الهرمل في دورة سنة 1964. وشارك في أعمال اللجان النيابية، فكان رئيسًا للجنة التربية الوطنية والفنون الجميلة، ومقررًا للجنة الدفاع الوطني، ورئيسًا للجنة الشؤون الخارجية.
عيّن وزيرًا للداخلية، في تشرين الثاني سنة 1964، في حكومة الرئيس حسين العويني.
عيّن رئيسًا لمجلس الوزراء، ووزيرًا للمالية، في تموز سنة 1973، (حكومة كل لبنان) في عهد الرئيس سليمان فرنجية. كلّف بتأليف الحكومة عام 1980، وتوقف بعد 18 يومًا عن التكليف.
بعد تقي الدين الصلح من مؤسسي حزب النداء القومي عام 1945، ورئيسه لعام 1955. وكان قد شارك مع أخوته عادل وكاظم وعماد سنة 1931 في تأسيس صحيفة "النداء".
اضطلع بدور بارز في معركة الاستقلال سنة 1943، وقام بدور مهم في التحرك الشعبي عند اعتقال رجال الاستقلال. أطلق مبدأ كلّ الوظائف لكلّ الطوائف، وأعاد أكثر من ثلاثماية مدرّس إلى الخدمة كانوا قد صرفوا قبل تشكيله للحكومة عام 1973.
انتخب نقيبًا للمعلمين في أول نقابة سنة 1938، ثمّ نقيبًا للصحافة سنة 1946، وشارك في تأسيس جمعية أهل القلم، وجمعية المجلس الوطني لإنماء السياحة سنة 1962 و"التجمع الإسلامي" و "اللقاء الإسلامي". تميز بطربوشه المميّز الذي كان عام 1988 آخر الطرابيش.
له كتاب في السياسة والحكن، صدر عن دار العودة، وكتاب "ولادة استقلال لبنان" ألّفه مع خليل تقي الدين وطبع في مصر. وقد هدّدت فرنسا بالتوقف عن مفاوضات الاستقلال إذا لم يحرق هذا الكتاب.
تأهلّ من السيّدة فدوى ملك عبد القادر البرازي. توفي في 27 تشرين الثاني سنة 1988. وكانت جنازته التي شهدت حشدًا كبيرًا باتجاه جبانة الشهداء، تحديًا لجميع الذين عزلوه وأبعدوه إلى فرنسا، لا سيّما القادة السوريين في فترة الوصاية السورية في لبنان (للمزيد من التفاصيل أنظر: المعجم النيابي اللبناني، ص 310-311، والمعجم الوزاري اللبناني، ومعجم حكام لبنان والرؤساء، أنظر أيضًا: كتاب المحامي عمر زين: تقي الدين الصلح، سيرة حياة وكفاح (مجلدان) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – بيروت 2007).
رشيد محمد أنيس الصلح (1925- 2014): ولد في بيروت سنة 1925، وتلقى علومه الابتدائية في مدرسة الفرير، والثانوية في مدارس المقاصد الخيرية الإسلاميّة في بيروت. درس الحقوق في المعهد اليسوعي وتخرّج منه سنة 1944.
بدأ حياته العملية مساعدًا قضائيًا في بيروت. ثمّ عيّن قاضيًا في بعبدا وبيروت، وظلّ حتى 1960، فشغل منصب معاون النائب العام، وحاكم صلح، ورئيس مجلس منصب معاون النائب العام، وحاكم صلح، ورئيس مجلس عمل تحكيمي، ثمّ عضوًا في المحكمة العسكرية.
انتخب نائبًا عن بيروت الدائرة الثالثة في دورة سنة 1964. وفي دورة سنة 1972، عن الدائرة الثانية وظلّ نائبًا بحكم قوانين التمديد للمجلس النيابي حتى سنة 1992. انتخب نائبًا عن دائرة بيروت في دورة سنة 1992 عندما كان رئيسًا لحكومة الانتخابات، وشارك في عضوية لجان الإدارة والعدل، والمالية، والخارجية.
عيُن:
◄رئيسًا لمجلس الوزراء، ووزيرًا للداخلية في تشرين الأول سنة 1974.
◄رئيسًا لمجلس الوزراء، في أيار سنة 1992.
كانت له نشاطات سياسية بارزة أثناء توليه رئاسة الحكومة، وخصوصًا في موضوع أمن طرابلس. حارب اتفاق 17 أيار سنة 1983 وعمل على وحدة لبنان وتحريره من الانقسامات الطائفية والسياسية، وعرف بعدائه للعدو الإسرائيلي، وسعيه الحثيث لتقريب المواقف بين لبنان وسوريا والدول العربيّة.
كان عضوًا في التكتل النيابي المستقل، وفي اللقاء الإسلامي الذي ضمّ الرؤساء والوزراء والنواب السابقين والحاليين من الطائفة السُنية، وكان يرأسه سماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد.
متأهلّ من السيّدة عائدة حسن شاتيلا، ولهما: ابنة واحدة هي منى. (أنظر: المعجم النيابي اللبناني، ص 311-312، أنظر أيضًا: المعجم الوزاري اللبناني، ومعجم حكام لبنان والرؤساء).
كاظم منح الصلح (1905-1976): من صيدا، ومواليد بيروت سنة 1905. تلقى علومه في مدرسة الشيخ أحمد عباس الأزهري. ثمّ انتقل إلى اليسوعية فالكلية العامة. تابع دراسته العالية في سوريا، فحصل على إجازة الحقوق من جامعتها.
قام بدور مهم في مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة الذي عقد سنة 1936 في منزل سليم علي سلام، وفي فترة الاستقلال اللبناني سنة 1943. دخل السلك الخارجي، فعيّن وزيرًا مفوضًا، ثمّ سفيرًا للبنان في العراق ما بين سنتي 1947 و 1959. وكان مؤمنًا بالوحدة العربيّة، ولكن ليس رغم إرادة المسيحيين. انتخب نائبًا عن قضاء زحلة في دورة سنة 1960، وكان عضوًا في لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية وترأسها لمدة سنة.
أسهم في تطوير الفكر القومي العربي خاصة بين سنتي 1935 و 1960، وأصدر بالتعاون مع أشقائه، تقي الدين وعادل وعماد، جريدة النداء التي تحولت إلى منبر للحركة الاستقلالية في المشرق العربي. وتميّز هذا الفرع بما فيه المفكر منح الصلح بعمق الفكرة العربيّة والقومية والوحدوية، والتوفيق بينها وبين الفكرة اللبنانيّة.
عرف بمواقفه المناهضة للاستعمار والصهيونية، ودعوته إلى الوحدة العربيّة والتضامن العربي، مع التأكيد على سيادة لبنان وحرية اللبنانيين وحقهم في نظام الحكم في بلدهم، وصوغ علاقاتهم مع الدول العربيّة الشقيقة. وكان عضوًا فاعلًا في حركة القوميين العرب، وحزب النداء القومي. وضع كتاب "مشكلة الانفصال والاتصال" عام 1936 الذي اعتبر أساسًا للميثاق الوطني اللبناني.
تأهلّ من السيّدة يسر كامل الصلح ولهما: خلدون وهنا ونوال ورغيد. توفي في 24 كانون الأول سنة 1976. (المعجم النيابي اللبناني، ص 316).
ليلي الصلح (1947- ):
هي ابنة رئيس وزراء لبنان رياض الصلح. وُلِدت في بيروت في 25 أيلول سنة 1947. تلقت دروسها الابتدائية والمتوسطة في مدرسة الليسه الفرنسية للبنات، والثانوية في كوليج البروتستانت الفرنسية، دخلت الجامعة اليسوعية وأتمت فيها دراسات شرقية.
عملت فترة في المجلس الوطني للسياحة، ثمّ انصرفت لتولي نيابة رئاسة مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية.
عُيّنت وزيرة للصناعة، في تشرين الأول سنة 2004، في حكومة الرئيس عمر كرامي.
أثناء توليها الوزارة عملت على إصدار قانون يقضي بإعفاء الصادرات الصناعية من ضريبة الدخل. ووقّعت اتفاقية مع منظمة التنمية الصناعية في الأمم المتحدة – يونيدو لإجراء المسح والإحصاء الصناعي، وساهمت في إصدار عدد من المراسيم تقضي بإعطاء صفة الإلزام لعدد من المواصفات القياسية الصادرة عن المؤسسة اللبنانيّة للمواصفات والمقاييس – ليبنور. كما عملت على دعم الإسمنت اللبناني وحمايته في اجتماعات اللجنة الاقتصادية اللبنانيّة السورية، ورفضت موقف الاتحاد الأوروبي لجهة تعاطيه غير الإيجابي تجاه الصناعة اللبنانيّة.
برزت السيّدة ليلى الصلح من خلال إدارتها لمؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية، ولها في مجال الخدمات التربوية والصحية والاجتماعية وسائر مجالات العمل الإنساني خدمات جلّى تعجز عنها كبريات الدول، فهي تدعم أكثر من أربعمائة جمعية إنسانية في مختلف المناطق اللبنانيّة، وتؤمّن العلاج للمدمنين على المخدرات، وتضع برامج خاصة لمعالجة الأطفال والمصابين بالسرطان والتشوهات الخلقية في القلب والكلى. كما أنّها تعمل على دعم القطاع الصحي والزراعي وشراء الإنتاج المكدّس.
أسهمت في إعادة إعمار العديد من المؤسسات والمناطق المدمرة، أبرزها إعادة إعمار المنطقة الصناعية في سد البوشرية، بعد الانفجار الذي وقع فيها سنة 2005.
تتّسم شخصيتها بالهدوء والرزانة والنشاط في ميدان الخدمات الإنسانية، وترفعها عن الحزبية والمناطقية والطائفية والمذهبية.
منحها قداسة بابا روما "ميدالية البابوية" في 13 آذار سنة 2008. كما منحها بطريرك الروم الملكيين وسام صليب القدس الرفيع تكريمًا لنشاطها، ولعطاءات مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية. ومنحها الرئيس الفرنسي ساركوزي عام 2011 أعلى وسام فرنسي وسط احتفال مهيب في الأليزيه 17/12/2011.
متأهلة من الوزير السابق المرحوم ماجد صبري حمادة ولهما: هيا وصبري ومها.
منح الصلح (1928- ): برز من أسرة آل الصلح المفكّر السياسي القومي العربي الأستاذ منح الصلح (مواليد بيروت 1928)، له مؤلفات ومقالات سياسية ونهضوية على غاية من الأهمية، وقد نال شهادات ودروع تكريم كثيرة بما فيها وسام تكريم من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وذلك في عام 2011. درس في مدرسة السيّدة أمينة الخوري المقدسي وهي مدرسة إنجيلية خاصة في رأس بيروت. كما تابع دراسته في مدرسة المقاصد بناءً على إصرار جدّه لأمه التركي، وذلك لضرورة إتقانه اللغة العربيّة. كما تابع دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت ونال منها درجة البكالوريويس.
ويعتبر منح الصلح من المفكرين القلائل الذين أثروا الحياة الفكرية والسياسية في لبنان والعالم العربي بأسلوبٍ واعٍ وراقٍ وبشكل موضوعي وعلمي.
السيّدة منيرة الصلح (1911-2010):
كما برز من الأسرة السيّدة منيرة ممدوح الصلح (1911-2010) زوجة الشهيد المرحوم وحيد نسيب الصلح، وهي إحدى رائدات العمل الاجتماعي في لبنان، لا سيّما بعد أن أسّست مؤسسة لمساعدة المعوقين في منطقة برمانا عام 1959. باعتبارها أيضًا أمًا لابنها المعوق، والمشار إليها هي عميدة متخرجي "الجونيور كوليدج" (حاليًا الجامعة اللبنانيّة الأميركية) والتي تخرجت منها عام 1933.
السيّدة منيرة الصلح، رائدة العمل الخيري، وقد برزت السيّدة منيرة في الميادين السياسية باعتبارها ناشطة في الحركة النسائية اللبنانيّة وذلك منذ اشتراكها في مناهضة الاحتلال الفرنسي للبنان. وتتميّز السيّدة منيرة بأنّها أول سيّدة لبنانية وعربية تترشّح للانتخابات النيابية في بيروت في دورات أعوام 1960-1964-1968.
ونظرًل لجهودها وإسهاماتها البارزة فقط منحت عدّة أوسمة منها: وسام الاستحقاق الصحي عام 1974، ووسام الاستحقاق المذهب عام 1995، ووسام الأرز الوطني من رتبة فارس عام 2000، كما نالت وسام جائزة روز فيتز جيزالد كينيدي العالمية لأفضل أم معوق في العالم (2000-2005).
توفيت المرحومة منيرة الصلح في أواخر تشرين الثاني من عام 2010 (اللواء 29/11/2010).
سميح الصلح (1935-2012): كما برز من الدوحة الصلحيو الأستاذ سميح الصلح (1935-2012) أحد أبرز رجال الإدارة اللبنانيّة في القرن العشرين، من مواليد صيدا تعلم في مداسها، وتخرّج من كلية مقاصد صيدا عام 1947، ثمّ تابع دراسته في مصر فنال من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) إجازة من كلية الحقوق عام 1953. وكان سميح الصلح خلال دراسته في مصر ناشطًا من أجل القضايا العربيّة وفي مقدمتها قضية فلسطين، وكان عضوًا بارزًا في رابطة الطلاب اللبنانيين برئاسة الدكتورة زاهية قدورة.
شغل سميح الصلح ولسنوات طويلة وظائف مهمة في الدولة اللبنانيّة، منها على سبيل المثال:
1- أمين عام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب اللبناني برئاسة فيليب تقلا.
2- قائم مقام في عدّة أقضية ومنها قضاء الشوف.
3- مستشار رئيس مجلس الوزراء طيلة أربع سنوات متواصلة.
4- عضو دائم في مؤتمرات وزراء الداخلية العرب، وفي وفود رسمية عديدة.
5- مدير عام وزارة الداخلية ومحافظ جبل لبنان.
في عام 1991 أحيل إلى التقاعد، وأنهى خدماته الإدارية بعد أن كان مديرًا عامًا لوزارة الداخلية. وبعد التقاعد تفرّع للعمل الثقافي والوطني فأنشأ في منزله "صالون سميح الصلح السياسي" استقبل خلال سنوات في هذا الصالون الكثير من السياسيين والعلماء والأدباء والمثقفين. كما كتب عدّة مقالات ودراسات وكتب على غاية من الأهمية، نذكر منها على سبيل المثال:
1- خمسون عامًا بين الإدارة والسياسة.
2- صالون سميح الصلح السياسي.
3- آراء ودراسات للأستاذ سميح الصلح.
هذا، وتعتبر هذه المؤلفات بما فيه المقالات الصحفية والمقابلات الإذاعية والتلفزيونية تراثًا فكريًا وسياسيًا وإداريًا لأحد رموز الإدارة اللبنانيّة ولأحد أفراد أسرة الصلح الكريمة التي أعطت بيروت وصيدا ولبنان والوطن العربي الكثير من التضحيات والأعمال الخالدة. توفي في بيروت في عام 2012.
تمثال للرئيس الشهيد رياض الصلح في ساحة سٌميت بإسمه في بيروت