آل قوّاص (قوّاس)

الأصول عربية وتركية.. بعضهم نال الباشاوية وبعضهم تولّى الولاية والوزارة

من الأسر الإسلامية البيروتية والصيداوية واللبنانية والعربية، تعود بجذورها إلى شبه الجزيرة العربية لا سيّما مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد أسهمت الأسرة مع بقية القبائل العربية في فتوحات مصر وبلاد الشام والعراق والمغرب العربي. كما اشتهرت الأسرة عبر تاريخها بالعلم والفقه والتديّن والجهاد، والقيادة السياسية والعسكرية. برز منها في التاريخ الإسلامي المحدّث العالم الزاهد أبو الفتح يوسف بن عمر بم مسرور القواص (القواس) الزاهد البغدادي (300-385ه)، روى عنه أبو محمد الحلال وأبو الحسن العتيقي. كما برز المحدّث القواس والد الحصين بن قواس، وقد روى عنه المحدّث مروان بن معاوية (ابن الأثير: اللباب، ج 3، ص 62-63). كما أشار السمعاني إلى فرع من آل القواس يعرف باسم القواس العنزي من أهل البصرة، منهم المحدّث أبو سهل الحسن بن أبي الحسناء القواس العنزي.

وتشير المصادر التاريخية بأنّ آل القواص في بيروت وصيدا وبعض المناطق اللبنانية عدة فروع بعضها عربي الأصل، والبعض الآخر من أصل تركي. ومهما يكم من أمر، فإنّ أسرة القواص من الأسر التي تولّت مناصب سياسية وعسكرية وعلمية وقيادية عديدة، كما توصلّ بعض أفرادها إلى منصب الباشوية إلى بداية عهد الانتداب الفرنسي، كما تولّت الولاية والوزارة، في مقدمتهم والي صيدا مصطفى باشا القواص (ولايته 1163ه-1749م) وكان له نفوذ واسع، وقد أصلح الأمر بين الوالي سليمان باشا والأمير نلحم الشهابي. وفي عام 1167ه-1752م أصبح وزير دفتر الدولة العلية بعد أن نقل من صيدا إلى استانبول. كان صديقًا للأمير قاسم الشهابي الذي زاره في استانبول. وبعد أن تعرّض مصطفى باشا القواص فترة للنفي والاضطهاد، فإذا بالدولة العثمانية تنصفه مجددًا وتعيّنه عام 1173ه- 1759م لوزارة عرفت باسم وزارة الصدارة، أو الصدر الأعظم على ما جاء في كتاب الأمير حيدر الشهابي «الغُرر الحِسان...» صفحات (41،42،43،48،50).

وفي ضوء ذلك ندرك، أنّ مصطفى باشا القواص احتل مناصب قديمة مهمة في الدولة العثمانية سواء في ولاية صيدا أو في سواها من الولايات العثمانية، أو في مناصب وزارية مهمة في مقرّ الصدارة العظمى في استانبول.

وتشير سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر لا سيّما السجل (1259ه) إلى توطّن آل القواص في باطن بيروت، لا سيّما الحاج صالح القواص الصيداوي الساكن تجاه الجامع العمري الكبير.

برز من آل القواص في العهد العثماني السيّد أبو الخير القواص الذي تلقّى تعليمًا عاليًا في استانبول، كما برز المحامي والقاضي محمد أبو الفضل القواص، والشيخ عبد الحميد القواص العالم والخطيب وإمام جامع السراي في صيدا. كما برز في التاريخ الحديث والمعاصر القاضي حسن نبيل القواص المتوفى عام 2013، وقد دفن في مدافن الأوقاف الإسلامية الجديدة في بيروت في 16/7/2013 رئيس محكمة الجنايات العليا سابقًا، وقاضي تحقيق في جبل لبنان وبيروت سابقًا، ورئيس شرف مستشار في محكمة التمييز سابقًا: زوجته مرفت خضر سلام ووالده المرحوم القاضي محمد أبو الفضل القواص (القواس) أولاده الدكتور سامي القواص، وكرم، ورمزي، ومايا. كما برز الأستاذ عصمت القواص الرئيس السابق لرابطة الأساتذة الثانويين في الجنوب، والكابتن الطيار عادل قواص، والطبيب الدكتور محمد قواص، والطبيب الدكتور سامي القواص طبيب ال الأامراض الجلدية. كما برز في بيروت الإعلامي فيصل سليم قواص مستشار الرئيس صائب سلام لسنوات عديدة والذي أشار في مذكراته بأنّه من أصل سعودي، له إسهامات عديدة في مجال الصحافة والإعلام فأصدر عدّة مجلّات ثقافية وفنية، وله إسهامات ثقافية وإعلامية في بيروت ولبنان والعالم العربي. أصدر في 2007 كتاب «في البال» يمثّل ذكرياته الإعلامية والاجتماعية والثقافية، تميّز بالاستقامة ودماثة الأخلاق. أنجب ستة شبان هم: زياد، محمد جمال، والتوأم عامر وناصر، ومحمد نافذ، وخلدون. وممّا يلاحظ بأنّ خلدون ونافذ سارا على درب والدهما في مجال الصحافة والإعلام، وهما يتميزان بدماثة الأخلاق والاستقامة. كما برزت من الأسرة الفنانة المبدعة هبة (القواس) القواص إحدى رائدات الأوبرا العربية، وهي مؤلّفة موسيقية، ومغنيّة أوبرا، وهي من مواليد صيدا عام 1972، تحمل إجازة في علم النفس من الجامعة اللبنانية عام 1994، وماجستير بامتياز في الغناء الأوبرالي من المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار) وماجستير بامتياز في التأليف الموسيقي، ودراسات عليا في علم الموسيقى من المعهد نفسه. تابعت دراستها في الغناء الأوبرالي وفي التأليف الموسيقي في إيطاليا، وهي قيد الانتهاء من إعداد الدكتوراه في التأليف الموسيقي.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هبة القواس أستاذة التأليف الموسيقي والغناء الأوبرالي في المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى وذلك منذ عام 1995، كما أنّها أستاذة في الجامعة اللبنانية، وهي عضو فاعل في أكثر من جهة موسيقية لا سيّما في لبنان، وهي عضو اللجنة الوطنية العليا للموسيقى التابعة لليونيسكو. لها أعمال موسيقية وسيمفونية عديدة.

حازت هبة القواس على أوسمة ودروع وجوائز لبنانية وعربية وعالمية منها:

1-     درع نادي متخرجي كلية بيروت الجامعية في أبو ظبي عام 1993.

2-     درع نادي متخرجي الجامعة الأميركية في بيروت عام 1998.

3-     أفضل مؤلّف موسيقي معاصر في مهرجان كراكوف للتأليف الموسيقي عام 2000.

4-     درع بلدية بيروت عام 2001.

5-     جائزة الإبداع اللبناني عام 2003.

6-     إصدار وزارة الاتصالات في لبنان طابع باسمها وصورتها تكريمًا لإبداعاتها عام 2003.

7-     وسام السلطان قابوس الذهبي عام 2007.

كما برز من الأسرة الشيخ محمد أبو الهدى القواس (ابن الشيخ عبد الحميد القواس) وهو من مواليد صيدا، وفيما يلي نبذة موجزة عن حياته:

كان الشيخ أبو الهدى القواس يتنقّل في القرى اللبنانية ويفتح المدارس، ويعمل على حسن سيرها، ثمّ تسلّم لمن يتولّى إدارتها ليتنقّل هو لإنشاء مدرسة أخرى، وهكذا دواليك حتى انتشرت مدارس جمعيته في معظم قرى لبنان، لذلك فقد عُيّن مفتشًا لمراقبة هذه المدارس والعمل على حسن سيرها وتوسيعها.

وهكذا نمت مدارس القرى بفضله إلى مستوى المدرسة الأهلية والرسمية في لبنان.

كان الشيخ محمد أبو الهدى القواس أثناء تجواله على مدارس القرى ينتقي التلامذة المتفوقين ليقوم برعايتهم وتسجيلهم في مدارس المقاصد في صيدا وبيروت ميسرًا السكن والرعاية لهم، وقد برز كثيرًا منهم في مراكز مميزة في القطاعين العام والخاص.

ولأسباب عائلية فقد اصطر لترك التفتيش لكنّه لم ينقطع عن العمل مع جمعية المقاصد في بيروت وصيدا. بعد أن تعرّض لحادث أثر على صحته، وبعد أن عجز الأطباء في مستشفى أوتيل ديو عن شفائه، لذا أُعيد إلى منزله منتظرًا رحمة ربّه.

وخلال مرضه زاره رئيس بلدية جب جنين السيّد سعيد شرانق مع وفد من أهالي البقاع متمنين له الشفاء لينشئ لهم الثانوية التي كان قد وعدهم بها. وكان في حينها لا يستطيع الكلام فرفع يديه إلى السماء متمنيًا الشفاء لتكون أول خطوة يخطوها بعد شفائه إنشاء ثانوية في البقاع على نفقته الخاصة.

وهكذا كان، فبعد شفائه خرج متكئًا على عصاه قاصدًا قرية جب جنين في البقاع الغربي وبدأ بمشروع إنشاء مدرسة تكميلية توفر الخدمات الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام. ونظرًا لعدم وجود تسهيلات في قرية جب جنين تؤمّن سير المدرسة الداخلية لصعوبة المواصلات في حينها شرع في بناء مؤسسة دار الهدى في قرية سعدنايل في البقاع الأوسط، التي ضمّت مدرسة ثانوية ومؤسسة اجتماعية لذوي الحالات الخاصة والأيتام. وقد عمل جاهدًا لتكون دارًا لنشر الثقافة وعقد اللقاءات والندوات الاجتماعية.

إلى جانب مؤسسته الخاصة في سعدنايل عمل على نشر الخدمات الاجتماعية والثقافية في المناطق النائية، كما في المدن فكان من مؤسسي المجلس الوطني للخدمة الاجتماعية الذي يضمّ المؤسسات الاجتماعية العاملة في ميدان الرعاية والخدمة والصالح العام في جميع المناطق اللبنانية.

هذا وقد بادرت رئاسة الجمهورية في عام 1970 بتكريمه فمنحته وسام الاستحقاق الوطني لعمله الريادي ولتضحياته في سبيل تحقيق البناء الاجتماعي.

وما زالت مؤسسة دار الهدى بعد وفاته شاهدة على عمله الريادي، يكمّل اليوم مسيرته في المؤسسة أبناؤه: المربية حسناء التي أشرفت على القسم الاجتماعي، وكلّ من الأستاذ حسان والأستاذ طريف اللذان يحرصان على إتمام ما بدأه والدهم، أمّا ابنه الأستاذ عتاد فقد سار على خطى والده وأنشأ مؤسسة للتعليم العالي (جامعة AUL) في بلدة شتورا البقاعية. أمّا ابنته الحقوقية إحسان فقد تابعت رسالة والدها في بيروت وهي الآن من السيّدات الداعمات لمؤسسات دار الأيتام الإسلامية في بيروت.

أبناء الشيخ عبد الحميد القواس: الشاعر والأستاذ الجامعي أبو الخير (في دمشق)، والحقوقي علاء الدين، وصدقي، وأبو النصر الذي كان مديرًا للأوقاف الإسلامية في صيدا ثمّ في بيروت، وأبو الهدى المولود في صيدا عام 1902 الذي عمل في الحقل التربوي، فشارك في تأسيس المدارس مع جمعية فقراء المسلمين في القرى التي سلّمت مدارسها لاحقًا إلى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت.

عرف من أسرة القواص أيضًا السادة: إحسان، أحمد، أسامة، بسام، حسان، حسن، حسين، خليل محمد، زهير، سامي، سعود، سليم محمود، سمير، سيّد زياد فيصل، صلاح، طلال بهاء الدين، طلال محمد، عادل، عاصم، عدنان، عوني، فادي، فاروق، محمد بشير، محمد خير، محمد زهير، محمد عيد، محمود، مروان، وجيه أمين، وفيق سليم، وفيق أحمد، وفيق عبد الكريم، وليد عدنان قواص وسواهم الكثير. كما تبيّن بأنّ في بيروت فرعًا مسيحيًا ما يزال قليل العدد، عرف منه السادة: ريمون القواص، عزيز القواص، سليم عزيز القواص وسواهم.

والقواص لغة هي في الأصل بالسين وليس بالصاد لأنّ أهل بيروت عرب أقحاح، ففي لهجتهم البيروتية العربية يحوّلون السين إلى صاد على غرار القبائل العربية، والقواص هي نسبة لمن يعمل القسي، والقواس هو صانع القوس، والرامي بها. وأشار الأمير حيدر الشهابي في الغُرر بأنّ الوالي مصطفى باشا لقب بالقواس لأنّه كان مغرورًا بالقواس. ومن الملاحظ أنّ لقب قواص في العهد العثماني أطلق على حرّاس القناصل الأجانب، وكان هؤلاء الحراس أصحاب قامة كبيرة، وجرأة، يلبسون لباسًا خاصًا مزركشًا ومزخرفًا بالقصب الذهبي، ويتقلدون سيوفًا خاصة. ويلبسون الطربوش الأحمر ولباسهم عرف باسم اللباس العربي المميز عن لباس العامة من البيارتة. كما لبسه الحراس المماثلين في النمسا. وقد تعرف المعاصرون إلى أحد القواصين المشهورين الحاج سعيد حمد (رحمه الله). هذا، وقد توسّع البيارتة باللفظ فأطلقوه على الصياد الذي يقوّس على الطيور.

Hiba Kawwas

إحدى رائدات الأوبرا العربية هبة القواس