آل الأزهري

من الأسر الإسلامية البيروتية والشامية والمصرية. تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي أسهمت في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب والأندلس. ولا بدّ من الإشارة إلى أن لقب الأزهري انتشر كثيراُ في الديار العربية والإسلامية، وأتخذه الكثيرون من علماء الأزهر الشريف لقباً واسماً لهم، لهذا فإن لا قرابة بين الأسر التي حملت هذا اللقب، وقد عرفت بيروت عدة أسر حملة أسم «الأزهري» منها الأسر التالية:

1 - أسرة الأزهري المصرية الأصل.

2 - أسرة الأزهري الحلبية الأصل.

3 - أسرة الأزهري اللاذقية الأصل.

أما أسرة الأزهري المصرية الأصل فمن أبرز أعلامها وأعلام بيروت العّلامة الشيخ أحمد عبّاس الأزهري - 1853 هـ - 1927 -، ولا بّد من الإشارة إلى أن أولاد الشيخ أحمد عبّاس الأزهري وبعض أحفاده عُرفوا فيما بعد بأسرة عباس وبعضهم عُرف بأسرة الأزهري تبعاً لاختيار أفراد هذا الفرع في إحصاء عام - 1932م - .

ونظراً لدوره الريادي في بيروت ولبنان والعالم العربي، فأننا سنخصص بهذه الدراسة الموسّعة:

ولد العّلامة السيخ احمد عبّاس الأزهري في بيروت عام 1853م من أسرة مصرية، والده عبّاس بن سليمان أحد جنود الجيش المصري الذي إنسحب من بيروت وبلاد الشام عام 1840م . وكان والده قد تزوج من بيروتيّة من آل الشامي ورزق منها عدة أولاد أحدهم أحمد عبّاس الذي تلقى علومه الإبتدائيّة في المدرسة الرشيدية في بيروت.

وفي المدرسة الرشيدية «نسبة إلى والي بيروت راشد ناشد باشا»التي أسسها الشيخ حسن البنّا، وهي أول مدرسة إسلامية عصريّة، فقد تعلّم الشيخ أحمد عبّاس التجويد ومبادىء اللغة العربية والحساب والخط العربي. وكان من شيوخه فيها الشيخ إبراهيم الأحدب. وفيما بعده تتلمذ في مدرسة جامع النوفرة «الأمير منذر» على الشيخين الكبيرين الشيخ محمد الحوت الكبير والشيخ عبد الله خالد، ثم على الشيخ عمر الأنسي والشيخ يوسف الأسير، وكان لهؤلاء العلماء الأفاضل الفضل في بدء النهضة العلمية في الطائفة الإسلامية في بيروت.

سافر إلى القطر المصري ودرس في الأزهر فكان من نوابغ العلماء ومن أقران المرحوم الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وكان مبتسراً في محيطه فلم ينل مكانته ولم ينزل منزلته.

وعاد بعد دراسته إلى بيروت فافتتح مكتبة وشرح بعض الكتب الأدبية المهمة وطبعها لحساب مكتبته منها رسائل المعري وديوان أبي تمام ومنها كثيراً لم يساعده الوقت على طبعه.

وكانت شمس العلم في بزوغها فاقترح عليه وجهاء بيروت أن يؤسس مدرسة يجاري بها مدارس الإرساليات الأجنبية التي استفحل أمرها وخاف القوم من توسعها وقدموا إليه أولادهم فاضطر للنزول عند طلبهم آخذاً على عاتقه ما عجز عنه غيره وها إن جمعية كبيرة غنية في بيروت (رحمه الله من مؤسسيها) تنوء بما كان قد أخذه على عاتقه بلا مال ولا نشب. أسس المدرسة العثمانية وعهد إلى جهابذة المعلمين بأمرها كما شكل لجنة من علية القوم لمناظرة هذه المدرسة والتشاور معهم في كل ما يؤول إلى نجاحها فرأت إقبالاً عظيماً واقترح عليه القوم إنشاء فرع داخلي فلبى الطلب وامتلأت طلاباً حتى من الهند وسار مشروعه هذا قاطعاً أبعد المسافات مع شيخوخته حتى أقعده المرض السكري.

وجاءت الحرب العلمية الأولى وجاء زمن الإرهاب والبطش فادعى المرجفون زوراً بأن الشيخ رحمه الله يعمل في مدرسته لمصلحة أجنبية وإن معظم الذين أعدموا هم من تلامذته الذين رباهم على كره الدولة التركية وكانت هذه التهمة كافية للقضاء على مشروعه ونفيه من بيروت إلى الإستانة وتعيينه هناك معلماً في إحدى المدارس الابتدائية براتب عشر ليرات «ورقاً».

وكان رحمه الله مضطراً لإعاشة عائلته وله ولد في سويسرا يدرس الصيدلة وهو ينفق عليه فكان يقتصد من إعاشته ليرسل إلى عائلته في بيروت وإلى ولده في سويسرا، واضطرته الحال إلى بيع شيء من خبزه كل يوم في السوق العامة على قارعة الطريق، فصدف أن رآه أحد مشايخ الأتراك وهو يبيع خبزاً ويرتدي لباس رجال الدين والعلم فحركته العاطفة وتتبعه حتى عرف أمره وأوصل خبره إلى المشيخة الإسلامية التي اعتذرت له وقدرته وأنزلته منزلة رفيعة ضمنت له ما كفاه وعائلته وولده.

وانتهت الحرب العالمية الأولى ورجع إلى بيروت فجدد نشاطه وكان قبيل الحرب قد ابتاع أرضاً ليقيم عليها بناء للكلية الإسلامية فبدأ عمله ببناية وكان كل عام يبني قسماً أو قسمين حتى بلغت كليته درجة لا تقل عن أهم كليات بيروت.

وأقعده المرض فسلمها إلى المرحوم الدكتور بشير القصار الذي اختلف مع أولاد المترجم له بعد وفاته وظنوا أنهم أكفياء لمتابعة المشروع فقضوا عليه وحققوا مخاوف أبيهم رحمه الله.

عقيدته ومبدؤه

ما كان أحمد عباس من الجهلاء الحشويين ولا البسطاء بل كان رجل عقيدة ومبدأ، كان بعض الجهلاء ينعون عليه عمله حسداً وبلغه مرة ما كانوا يتقولون عليه فقال: - إن هؤلاء فقراء مساكين يمدون أيديهم إلى الصدقات وإن حالتهم تدل عليهم فاللهم ارزقهم كما رزقتني واغنهم كما أغنيتني لكي لا يحسدونني على ما آتيتني.

كان يسمع اللغو فلا يبالي وحمد الله بأن حفظه من كيد كل عدو فما استطاع أحد أن يؤذيه بل كانت عداوة بعضهم واسطة للشهرة والفائدة. وكان من مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية ثم استقال منها وأراد البعض أن يحركوه ضدها فقال: إنني ما بنيت لأهدم.

كان يعتقد أن الحظ هو السعي وأن الإنسان خلق ليسعى وإن الذين لم يلهمهم الله السعي فقد حرمهم نعمة الحظ وقد قال تعإلى.

وبعد أن قامت السلطات بإغلاق المدرسة السلطانية، أسس الشيخ أحمد عباس الأزهري المدرسة العثمانية الإسلامية، ومزج فيها بين التعليم الديني والتعليم الحديث، كما اهتم بتدريس اللغات الأجنبية، وظل يدير مدرسته حتى إغلاقها بسبب الحرب العالمية الأولى، وقد دأب على تنمية روح الاستقلال والاعتزاز بالعروبة لدى تلاميذه ومريديه، فنفته السلطة العثمانية إلى الآستانة، وفيها عمل بإحدى المدارس الابتدائية.

وكان الشيخ أحمد عباس الأزهري من مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية ثم استقال منها، وقد امتزج نشاطه العلمي والإجتماعي بحياته العملية، وذلك مدة إدارته للمدرسة السلطانية التي عاشت أوج ازدهارها العلمي تحت إدارته، أو بعد تأسيسه لمدرسته الخاصة، أي المدرسة العثمانية.

وللشيخ المربي أحمد عباس الأزهري قصائد متفرقة في بعض مصادر دراسته وبخاصة «جامع النفحات القدسية»، على أن المتاح من شعره قليل، أكثره أناشيد دينية وموشحات نظمها على المقامات المختلفة أغلبها «سيكاه» و«حجاز»، وتحتشد بمعاني التوسل وطلب المغفرة وإعلان الطاعة والخشوع والتوبة، ويتميز أسلوبه بلغة سلسة وخيال مستلهم من موروث الموشحات الأندلسية.

ففي قصيدة له بعنوان «يا مظهر الأسرار» يناجي ربه (عزّ وجلْ) بكثير من الخشوع فيقول:

ومجلي الذات والأنــوار

ألا يــا مظهر الأسرار

ودمعي جار فقلبي نار

وإن جلّت عن الادراك

شهدنا الذات في مرآك

شربنا من يديك الراح

ففي الأفلاك والأملاك

فقم يا صاح

فأفنينا بها الأشباح

شذا منه بدا العرفان

إلى الأقداح ففي الأذهان

لأهل الذكر والتبيان

بحب اليشرطي الأواب

مدى الأزمان ففي الأعتاب

حيث قديمنا قد طاب

صلاة منك يا غفار

ترى الأحباب

هُمُ الأبرار والأطهار

على مجلاك ذي الأنوار

ويقول في قصيدة «دار النعيم»، وقد نظمها على شكل موشح:

روح البيان نار الكليم

شمس التداني نار النعيم

تتلو معاني سر العظيم

فارشف قناني راح العديم

كأساً عقاراً لا تخشَ لاح

فاشرب جهاراً فالطير صاح

والحب صار الدين القويم

فالكأس دار كيف البراح

فصار حالي حال الشهود

به بدا لي سر الوجود

لما انجلى لي نور العليم

دكت جبالي بعد الصعود

نور الزمان الباهي الشفيق

وابن المداني ساقي الرصيف

لمن يعاني الفيض العميم

أبدى معاني سر الطريق

للنور الذاتي هادي الأنام

أزكي صلاتي مع السلام

خير هداة إلى الرحيم

وللسقاة الصحب الكرام