آل العويني (العوينه)

من الأسر الإسلاميّة البيروتيّة واللبنانيّة والعربيّة البارزة. تعود بجذورها إلى قبائل العوينه أو العوينات في شبه الجزيرة العربيّة، وكان لها انتشار واسع في بلاد اليمن ونجد والحجاز ومناطق خليجية عديدة. وقد أسهمت قبائل العوينه في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب العربي. وكان لها دور عسكري حتى فترة العهد العثماني لا سيّما من خلال "فرقة العوينة" التي كانت بقيادة دعاس آغا الجارودي عام 1860. من هنا ندرك تعدّد مناطق العوينات وانتشارها في مناطق الخليج العربي ومصر والشام والمغرب العربي حتى اليوم، بل إنّ طرابلس الشام في العهد العثماني شهدت ولادة منطقة عرفت باسم "العوينات"، كما أنّ بلاد جبيل شهدت وجود منطقة "عوينة" نسبت منذ مئات السنين إلى قبيلة عوينة العربيّة، فضلًا عن وجود منطقة العوينات في سورية، ومنطقة العويني في كسروان في لبنان، وقرية العويني في جبل لبنان، ومدينة العويني في تونس قرب مطار قرطاج، كما وجدت قرية العوينات في اللاذقية.

لقد استطاعت قبيلة العويني الإسهام ولمئات السنين بالدفاع عن المناطق والثغور العربيّة والإسلاميّة سواء في المغرب العربي أو المشرق العربي. ومن بينها انتقال أفراد القبيلة من المغرب العربي إلى مناطق مصرية، ومن ثمّ إلى ساحل بيروت. وحيثما توطنت القبيلة تُطلق على المنطقة اسم "عوينه" أو "عوينات" من بينها منطقة العوينه في تونس ومنطقة العوينات في ليبيا في منطقة سبها، ومنطقة العوينة في نجد ومنطقة عوينات في حضر موت في اليمن، ومنطقة العوينات في سيناء وفي مناطق مصرية وشامية ومغربية عديدة. ويشير كتاب "عشائر الشام، (ص 558) إلى منطقة "العوينة" إحدى قرى محافظة حوران وقضاء درعا.

وتشير سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في العهد العثماني لا سيّما السجل 1259 ه (ص 70، 130) إلى العديد من وجهاء آل العويني ومن بينهم على سبيل المثال السادة: محمد العويني ونجله أحمد بن محمد العويني. كما برز الحاج عمر العويني ونجله أحمد بن محمد العويني. كما برز الحاج عمر العويني ونجله السيّد محمد ابن الحاج عمر العويني، كما برز الحاج سعيد العويني وسواهم الكثير ممّن كانوا قد توطنوا في باطن بيروت المحروسة منذ مئات السنين.

وفي العهد العثماني برز أحد وجوه بيروت الحاج أحمد العويني، غير أنّ نجله الحاج حسين أحمد العويني (1900-1971) كان أكثر بروزًا ووجاهة ليس على الصعيد البيروتي واللبناني فحسب، وإنّما على الصعيد العربي أيضًا.

والحقيقة، فإنّ أسرة العويني ارتبطت طيلة القرن العشرين – وما تزال – بالحاج حسين أحمد العويني نظرًا لانطلاقته بيروتيًا ولبنانيًا وعربيًا ودوليًا وإسلاميًا. فهو من مواليد بيروت المحروسة – منطقة زقاق البلاط – 24 كانون الأول عام 1900 تلقّى تعليمه في كتاتيب ومدارس بيروت، وبعد أن توفي والده التاجر السيّد أحمد العويني، كان نجله حسين ما يزال صغيرًا، تولت والدته السيّدة منصورة شبيب العشي وعمه خليل العويني شريك والده وشقيقته الكبرى إلهام تربيته والعناية به، فتابع دراسته الابتدائية في مدرسة مار يوسف، والتكميلية في المدرسة البطريركية الكاثوليكية.

بين أعوام 1914-1918 توقف حسين العويني عن متابعة دراسته بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وانعكاساتها السلبية على بيروت والبيارتة، وما إن انتهت الحرب حتى بادر للعمل في شؤون تجارية وصناعية متواضعة، سرعان ما تطورت أوضاعه الاقتصادية والتجارية إلى أوسع من لبنان، غير أنّ حسين العويني وبخط متوازٍ، وهو القومي العربي رفض مع الوطنيين من البيارتة واللبنانيين الاحتلال الفرنسي للبلاد السورية، فبدأ معارضًا مع قادة البلاد أمثال: سليم علي سلام، أحمد مختار بيهم، حسن القاضي، سليم الطيار، صلاح بيهم، عمر الداعوق، رضا الصلح وسواهم ممّن كانوا يكبرونه في العمر، لذا، بادرت السلطات الفرنسية إلى اعتقال سليم علي سلام وحسن القاضي وسليم الطيارة وصلاح بيهم عام 1922 لا سيّما بعد اغتيال مدير الداخلية أسعد خورشيد، وساقتهم إلى سجن القلعة في رأس بيروت، ثمّ نقلتهم إلى قرية "دوما" في منطقة البترون، في حين اعتقلت حسين العويني وبعض الشباب البيروتي وسجنتهم في سجن السراي الصغير في بيروت، ثمّ وضع في الإقامة الجبرية في سجن أميون في الكورة مدة خمسة شهور، ولم يطلق سراحه إلا بشرط مغادرة لبنان. وكان ممّن اعتقل معه الشيخ مصطفى الغلاييني، صالح بيهم، عارف درويش، بشير نقاش، توفق نايف، مختار فاخوري، راشد شاتيلا، وسليم آغا كريدية.

في عام 1923 غادر حسين العويني إلى جدة، وعمل هناك في معامل النسيج التي كان يملكها الوجيه البيروتي عارف بك النعماني، كما عمل في قطاع النسيج مع أسرة الخجا السورية. ثمّ استحدث تجارة له في مكة المكرمة، وكانت أوضاع بلاد الحجاز آنذاك غير مستقرة، وبالرغم من ذلك، استطاع حسن العويني أن ينجح في أعماله التجارية، وأن يقيم علاقات مميزة مع الملك عبد العزيز آل سعود، وكان ما يزال في الرابعة والعشرين من عمره، حينما أرسله صديقه المفكر والأديب أمين الريحاني كوسيط في قضية النزاع مع الهاشميين لا سيّما بعد هزيمة قوات الشريف حسين أمام قوات الملك عبد العزيز آل سعود في الطائف عام 1924. لقد استطاع الحاج حسين العويني أن يثبت جدارة سياسية دبلوماسية وتفاوضية منذ اللقاء الأول مع شخصية استثنائية هي الملك عبد العزيز آل سعود، وقد نجحت الوساطة، غير أنّ بعض القوى البريطانية كانت تحرص الهاشميين والسعوديين على الاقتتال، وانتهى ذلك بانتصار آل سعود، واعلن عبد العزيز ملكًا على الحجاز في 8 كانون الثاني 1926، وبعد أن ضم الحجاز ونجد أعلن ملكًا في 23 أيلول 1932 على المملكة العربيّة السعودية. واستمرّ الحاج حسين العويني موضع ثقة العاهل السعودي حتى وفاته في 9 تشرين الثاني عام 1953، وفي المملكة العربيّة السعودية تعرف الحاج حسين العويني إلى يوسف ياسين مستشار الملك عبد العزيز، فؤاد حمزه مساعد وزير الخارجية السعودي، ونجيب صالحة أحد رجال الأعمال اللبنانيين، وإلى أنجال الملك عبد العزيز آل سعود، ممّا جعله في مرتبة أولى، وكان يعامل معاملة المواطنين السعوديين، وقد عرض عليه الملك عبد العزيز الجنسية السعودية، غير أنّه اعتذر عن قبولها، راضيًا بأن يعامل كبقية السعوديين بدفع الزكاة، غير أنّ الملك عبد العزيز آل سعود كان يتدخل باستمرار لدى سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان لإلغاء الحظر أو النفي المفروض على الحاج حسين العويني، والسماح له بالعودة إلى لبنان. وبالفعل فمنذ عام 1928 أصبح باستطاعته العودة إلى لبنان، فقد عاد عام 1936 لفترة وجيزة، إذ أسّس شركة مع إبراهيم شاكر لرعاية المصالح التجارية والاقتصادية السعودية، كما عاد مرة ثانية إلى بيروت ليتزوج الزواج الثاني من السيّدة شفيقة الجارودي، وذلك في 5 أيار من عام 1939، ومنذ ذاك التاريخ بدأ يوزع وقته بين جدة وبيروت، إلى أن عاد نهائيًا إلى لبنان عام 1947.

استطاع الحاج حسين العويني، ولمّا يزل شابًا من توطيد صداقات متميزة مع رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس باشا، ومحمد شرارة باشا أمين عام وزارة الخارجية المصرية، وفؤاد سراج الدين، ومع الرئيس السوري شكري القوتلي، ومع الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح والسياسيين اللبنانيين كافة. ومع رجل الأعمال السوري – اللبناني عبد الغني إدلبي صاحب أهم متجر للأجواخ في مانشستر في إنجلترا وفي بيروت والقاهرة الذي عيّن الحاج حسين العويني وكيلًا حصريًا لتجارته في الحجاز وسوريا ولبنان وفلسطين. وما تزال أسرة الإدلبي في بيروت من أهم تجار الأقمشة والأجواخ، كما أصبح شريكًا مع السيّد حسن بحصلي في مؤسسة لبيع الأقمشة في فلسطين.

ويشير روجيه جهشان صاحب كتاب "حسين العويني خمسون عامًا من تاريخ لبنان والشرق الأوسط 1920-1970" من أنّ الحاج حسين العويني أصبح في خلال سنوات قليلة يمثّل إمبراطورية في الاقتصاد والتجارة وزيادة الأعمال والشركات والمؤسسات المصرفية والاقتصادية والإنشائية والصناعية وسواها، بما فيه تأسيسه عام 1951 مع بعض رجال الأعمال "بنك لبنان والمهجر".

من الأهمية بمكان القول، بأنّه بعد عودة الحاج حسين العويني إلى بيروت عام 1947، حاملًا الصداقة السعودية والعربيّة، والثقة اللبنانيّة، اقترح عليه الرئيس رياض الصلح الترشيح للانتخابات النيابية. وبالفعل فقد تقدم بترشيحه عن دائرة بيروت وفاز بالانتخابات النيابية لأول مرة في دورة عام 1947، وقد واجهته في بداية عهده بالنيابة اضطراره مع زملاء له أمثال رياض الصلح بالتجديد ولاية ثانية للرئيس بشارة الخوري. كما واجهته وواجهت لبنان والعرب مسألة مشروع تقسيم فلسطين، ومن ثمّ نكبة فلسطين عام 1948.

وفي تموز من عام 1948 عيّن الحاج حسين العويني وزيرًا للمالية في حكومة الرئيس رياض الصلح، وقد استطاع خلال هذه الوزارة تنظيم وزارة المالية، وتحسين أوضاع الدولة اللبنانيّة، بما له من خبرة مالية واقتصادية ببعدها اللبناني والعربي والدولي، كما نظّم العلاقات المالية بين لبنان وسوريا قبل الانفصال الجمركي. وكان – رحمه الله – من أبرز مؤيدي الاتفاق النقدي مع فرنسا عام 1948، ومن العاملين على إبقاء الليرة اللبنانيّة ثابتة وقوية، رافضًا رفضًا قاطعًا خفض قيمة النقد اللبناني، لذلك، عمل على تزويد الليرة اللبنانيّة بتغطية متينة بفضل مشتريات كبيرة من الذهب. وقد شكلت سياسة الحاج حسين العويني المالية حصنًا منيعًا مكّن الليرة اللبنانيّة من الصمود في وجه الأزمات المالية والاقتصادية التي مرّت على لبنان بين أعوام 1956-2002. لهذا، ينبغي أن يذكر الحاج حسين العويني بالخير من قبا جميع اللبنانيين.

ويبدو أنّ الحاج حسين العويني تمكّن من السياسة اللبنانيّة تمكنًا قويًا ودخل من بابها العريض، لا سيّما وأنّه أصبح في نظر البيارتة واللبنانيين من السياسيين غير التقليديين، وهو العامل من أجل وطن لبناني يتساوى فيه جميع اللبنانيين، لهذا، ففي تشرين الأول عام 1949، عيّن مرة ثانية وزيرًا للمالية والبرق والبريد والهانف في حكومة الرئيس رياض الصلح، وقد أثبت من جديد كفاءة مالية وإدارية ووزارية، ممّا قرّبه من الجماهير اللبنانيّة.

وفي عام 1951، وبمناسبة الانتخابات النيابية، طلب الرئيس بشارة الخوري من رئيس الوزراء رياض الصلح الاستقالة، لتتولى رئاسة حكومة الانتخابات شخصية حيادية، لذا، طلب الرئيس من الحاج حسين العويني وكان في الخمسين من عمره تشكيل حكومة ثلاثية مؤلفة منه ومن الوزير بولس فياض والمحامي إدوار نون، وقد تولّى الثلاثة جميع الوزارات، ونالت الحكومة الثقة بالإجماع، خاصة وأنّ أحدًا من الثلاثة لم يكن مرشحًا للانتخابات النيابية. وقد أجريت الانتخابات، وبالرغم ممّا أشيع حولها، غير أنّها كانت إلى حد كبير انتخابات حيادية. وكان الانطباع عن الحاج حسين العويني أنذاك "بأنّه رجل محبّب وظريف، نزيه، مستقيم، مؤمن بالله، غير متعصب، ليس له أعداء، شعبان، ابن عائلة مرموقة، ليس له أزلام...".

والحقيقة فإنّ عهد الرئيس بشارة الخوري الذي خسر عام 1951 أحد كبار أعمدة الاستقلال اللبناني، وذلك باستشهاد رياض الصلح في عمان، فقد شهد الكثير من الإنجازات، غير أنّه في الوقت نفسه، شهد الكثير من الفساد، لا سيّما من بطانة الحكم، وفي مقدمتهم شقيقه "السلطان سليم الخوري"، لذا، بادرت المعارضة النيابية بالطلب إلى الرئيس بالاستقالة، يتقدمها كمال جنبلاط وكميل شمعون وسامي الصلح وحميد فرنجية ورشيد كرامي وسعدي المنلا، وغسان تويني، وعادل عسيران، والحاج حسين العويني، وعلي بزي، وعبد الله الحاج، وأنور الخطيب، وديكران توسباط، وأنيس نجا، وعبد السلام جنون وحسن بحصلي وسواهم الكثير من قوى سياسية ونقابية. وبالفعل فقد اضطر الرئيس بشارة الخوري إلى الاستقالة في 18 أيلول 1952، غير أنّه لم يقرر نهائيًا الاستقالة إلّا بعد رفض القيادات الإسلاميّة السنية التعازن معه في نشكيل حكومة جديدة وفي مقدمتها الرئيس صائب سلام والحاج حسين العويني الذي قال: "يستحيل عليّ قبول تشكيل الحكومة".

في عام 1952 شهدت مصر والمنطقة العربيّة تطورات مفصلية في مقدمتها ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 التي تأثر بها لبنان إلى ما بعد عام 1970ن وامتدت الناصرية إلى كل العالم العربي لا سيّما لبنان. ففي 22 أيلول 1952 تمّ انتخاب "فتى العروبة الأغر" الرئيس كميل شمعون رئيسًا للجمهورية اللبنانيّة، وقد نأى الحاج حسين العويني بنفسه طيلة أعوام 1952-1958 عن التعاون معه، بالرغم من ترتيبه للقاء عام 1953 بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس كميل شمعون في الرياض. وقد تبيّن له، بأنّ فتى العروبة الأغرذ، لم تعد سياسته عربية، ولم يعد فتى أغرًا، لا سيّما بسبب مواقفه المعادية للرئيس جمال عبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ومعاداته للوحدة المصرية – السورية، فضلًا عن وقوفه إلى جانب الهاشميين ضد آل سعود، بالإضافة إلى تأييده لحلف بغداد ومشروع أيزنهاور وبقية الأحلاف الغربية، لذلك، فإنّ الحاج حسين العويني وقف مع قوى المعارضة وترأس المؤتمر الوطني عام 1955 ضد سياسة الرئيس كميل شمعون الذي أطاحت به ثورة عام 1958، ومُنع من التجديد لفترة ثانية، سبق ذلك اتصالات واجتماعات بين الحاج حسين العويني وقيادات المعارضة، بما فيه تنسيق المواقف واجتماعه مع البطريرك الماروني بولس العوشى (1894-1975).

ومن الأهمية بمكان القول، بأنّ المبعوث الأميركي إلى بيروت مورفي إبان ثورة 1958، قرّر أولًا لقاء الرئيس عبد الله اليافي والحاج حسين العويني كممثلين عن المعارضة، وقد حضر هذا اللقاء فاروق جبر (نجل النائب السابق كمال جبر عديل الحاج حسين العويني) في منزل الكولونيل إدي في 23 تموز 1958، كما عقد لقاء ثانٍ في 24 تموز بين مورفي – اليافي – العويني، وبعد أن تمّت مناقشة أسباب الثورة، وسياسة الرئيس كميل شمعون العربيّة والدولية، فضلًا عن سياسته الطائفية، فقد تمّ الاتفاق على أن يكون قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية، علمًا بأنّ المبعوث الأميركي مورفي أبلغ الرئيس عبد الله اليافي والحاج حسين العويني "بأنّ أميركا اتفقت مع عبد الناصر على أن يأتي الجنرال شهاي رئيسًا للجمهورية، فوافقا".

وبالفعل، ففي 23 أيلول 1958 انتخب فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية اللبنانيّة، وكانت أول حكومة تشكّل في عهده هي حكومة الرئيس رشيد كرامي التي لم تمثل أمام المجلس النيابي، بسبب معارضة واحتجاج القوى اليمينة وفي مقدمتها حزب الكتائب والرئيس السابق كميل شمعون، لذا، أعيد تشكيل حكومة أخرى في تشرين الأول عام 1958 برئاسة الرئيس رشيد كرامي. وكانت هذه الحكومة استثنائية لم يشهد لبنان من قبل مثيلًا لها. وكانت رباعية تمثل المسلمين والمسيحيين على النحو التالي: رشيد كرامي والحاج حسين العويني (سنيان) وريمون إده وبيار الجميل (مارونيان). وقد تولى العويني آنذاك وزارات الخارجية والعدل والتصميم. والأمر اللافت للنظر، أنّه لأول مرة منذ عام 1943، يتولى مسلم سني رئاسة السياسة الخارجية للبنان أي وزارة الخارجية، وكان الحاج حسين العويني بشخصيته الوطنية المعتدلة، وعلاقاته العربيّة المتوازنة، وأسلوبه العاقل في معالجة الأزمات هي من جملة الأسباب التي أهلّته لتولي الدبلوماسية الخارجية.

وكان في جملة الاستحقاقات الرئيسية التي ستواجه الحاج حسين العويني، علاقة لبنان بالجمهورية العربيّة المتحدة، وبالسفير عبد الحميد غالب، وبالاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (حكومة المنفى عام 1959) ويتبادل السفراء مجددًا بين القاهرة وبيروت. وقد تحققت جميع هذه الأمور، غير أنّ أهم إنجاز لسياسة الحاج حسين العويني الخارجية إعداده للقاء الرئيس عبد الناصر والرئيس فؤاد شهاب، سبق ذلك زيارته لدمشق في 7 آذار 1959 على رأس وفد إداري وعسكري لتقديم التهنئة بمناسبة مرور عام على إعلان الوحدة بين مصر وسوريا. وبهذ المناسبة اجتمع الحاج حسين العويني بالرئيس جمال عبد الناصر عدّة ساعات في دمشق، وكان اجتماعًا ناجحًا، لأنّ عبد الناصر تعهد له التدخل شخصيًا لحل جميع المشكلات العالقة بين لبنان وسوريا. كما تمّ الاتفاق على عقد اللقاء التاريخي بين عبد الناصر وفؤاد شهاب.

في 25 آذار عام 1959 عُقد اللقاء التاريخي بين الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس فؤاد شهاب بهندسة وتنظيم الحاج حسين العويني، وذلك على الحدود اللبنانيّة – السورية في منطقة المصنع في وادي الحرير، بعد أن نصب كوخ للاجتماع، وحوله أربع خيم للعسكريين والدرك المولجين بأمن اللقاء. حضر عن الجانب اللبناني الرئيس فؤاد شهاب والحاج حسين العويني فحسب، وعن جانب الجمهورية العربيّة المتحدة الرئيس جمال عبد الناصر وأكرم الحوراني نائبه وعبد الحميد السراج الرئيس السابق للمخابرات السورية ثمّ وزيرًا للداخلية، وعبد الحميد غالب سفير ج.ع.م. في بيروت.

وكان لقاء وديًا وصريحًا انتهى إلى تعهد الرئيس فؤاد شهاب بعدم وقوف لبنان ضد الجمهورية العربيّة المتحدة في المحافل العربيّة والدولية، مع تعهد عبد الناصر باحترام استقلال لبنان وسيادته وسلامة اراضيه، وعدم إلحاقه بالوحدة. كما أعلنا حرصهما على توطيد علاقات الأخوة والتعاون المثمر. ثمّ أعلنت الحكومة اللبنانيّة أنّ الرئيس عبد الناصر تحدوه رغبة صادقة في التوصل إلى تسوية جميع المسائل العالقة بين البلدين.

بعد ثلاثة شهور من هذا اللقاء التاريخي، وبالتحديد في 22 حزيران 1959 رغب الحاج حسين العويني بالاستقالة لأسباب صحية، ولأسباب تتعلق بتمسك بعض الزعامات بالثقافة الطائفية، وبالرغم من صحة ذلك، غير أنّ الرئيس فؤاد شهاب رفض هذه الاستقالة، غير أنّ تعرّضه لحادث صحي مفاجئ في فرنسا في 27 حزيران 1959 نتيجة انسداد في نسيج القلب العضلي ألزمه البقاء في باريس للاستشفاء حتى 8 أيلول 1959، وبعد عودته إلى بيروت كان عمله الحكومي يمارس في منزله الصيفي في عاليه، غير أنّه في 12 أيلوا 1959 اضطر لقبول تعيينه رئسًا للحكومة بالنيابة، لاضطرار رئيس الحكومة رشيد كرامي للسفر إلى نيويورك.

في أواخر كانون الأول عام 1959 سافر الحاج حسين العويني إلى مصر للراحة، والتقى هناك الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت فرصة للتباحث في العلاقات السياسية والاقتصادية بين لبنان وسوريا. وتبيّن بأنّ الرئيس عبد الناصر أبدى أمام زوّاره اللبنانيين حتى وفاته عام 1970، بأنّ الحاج حسين العويني من أكثر الشخصيات اللبنانيّة التي كان يحبها ويرتاح إليها، نظرًا لصدقه واستقامته وطبيعته ووطنيته وعروبته.

ومن القضايا المفصلية التي واجهت حكومة الرئيس رشيد كرامي، تدارس قانون انتخابي جديد في عام 1960 الذي ازداد بموجبه عدد النواب من (66) نائبًا إلى (99) نائبًا على قاعدة انتخابات عام 1943 أي بمعدل كل ستة نواب مسيحيين يقابلهم خمسة نواب مسلمين، وكانت الخلافات حادة بين الحاج حسين العويني والشيخ بيار الجميل حول كيفية تقسيم بيروت، وانتهى الأمر بتسوية تقسيم بيروت إلى ثلاث دوائر. وممّا يؤسف له أنّه منذ عام 1960 إلى اليوم لم تستطع الحكومات اللبنانيّة المتعاقبة من إيجاد بديل لقانون انتخابات عام 1960.

في 14 أيار 1060 استقالت حكومة رشيد كرامي، وتمنى الرئيس فؤاد شهاب على الحاج حسين العويني قبول تشكيل حكومة حيادية تتولى الإشراف على الانتخابات النيابية، غير أنّه اعتذر عن تشكيلها، فكلّف بهذه المهمة أحمد الداعوق. وفي هذه الفترة اعتكف العويني مؤقتًا طلبًا للراحة، ولدراسة الأوضاع اللبنانيّة والعربيّة والدولية ولم يترشح للانتخابات النيابية. غير أنّه قبل في 31 كانون الثاني 1961 بأن يكون أمينًا عامًا للمكتب الدائم لفلسطين، خلفًا للمرحوم سليم إدريس، وكان قد عرف عن الحاج حسين العويني مدى تضحياته وأعماله الدؤوبة من أجل قضية فلسطين طيلة خمسين عامًا. فضلًا عن وساطاته وتحركاته من أجل بعض المشكلات السعودية – اليمنية – المصرية وسواها من مشكلات لبنانية وعربية.

والأمر اللافت للنظر، بأنّ الرئيس الحاج حسين العويني، تولى رئاسة الحكومة اللبنانيّة عام 1964 ثلاث مرات على التوالي، لأنّ الحكم اللبناني لم يستطع التخلي عن حكمته وموهبته ودبلوماسيته ونزاهته وحياده واستقامته وخبرته ومهاراته. لذا، بادر الرئيس فؤاد شهاب بتكليفه تشكيل الحكومة في 20 شباط 1964، وهي الحكومة التي أشرفت على الانتخابات النيابية. وبالفعل، فقد أجريت الانتخابات النيابية، وكانت الحكومة حيادية، غير أنّ الأجهزة لم تكن حيادية، ففاز من فاز، وفشل من فشل آنذاك. والأمر الحقيقي في هذه الانتخابات، أنّ الحكومة لم تأتِ لتسهيل التجديد فترة ثانية لرئيس الجمهورية فؤاد شهاب. وبالفعل، ففي 18 آب 1964 انتخب شارل حلو رئيسًا للجمهورية في جو من المشكلات اللبنانيّة والعربيّة والدولية، بما فيها الطائفية والمناطقية، وقضية فلسطين والوجود الفدائي في لبنان، ومؤتمرات القمة العربيّة وأجوائها في إطار الصراعات العربيّة – العربيّة، والصراعات الدولية – الدولية. لهذا، فإنّ لبنان لم يتردد في أن يكون من دول عدم الانحياز، واشتراك الرئيس شارل حلو والرئيس حسين العويني في مؤتمر هذه الدول في القاهرة عام 1964.

ومن الأمور الحرجة التي واجهت الحاج حسين العويني عامي 1964-1965 طلب الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود (الملك الجديد للمملكة) عدم السماح للملك السابق سعود بن عبد العزيز آل سعود بالإقامة في لبنان بعد عزله عن الحكم، وقد جرى تبادل الرسائل السرية بين الملك فيصل والحاج حسين العويني، وانتهى الأمر بتلبية طلب الملك فيصل.

لم تبق حكومة الحاج حسين العويني سوى أشهر قليلة، أي بين شباط – أيلول 1963، فاضطر للاستقالة تحت ضغط الأغلبية الجديدة برئاسة رشيد كرامي، غير أنّ الرئس شارل حلو وبالتنسيق مع الرئيس السابق فؤاد شهاب وبعض النواب، كلّف من جديد الحاج حسين العويني بتأليف الحكومة الجديدة، في أيلول عام 1964، والتي استمرت لغاية تشرين الثاني عام 1964 بسبب الأوضاع الداخلية والإقليمية، وفي 18 تشرين الثاني 1964 كلّف الحاج حسين العويني بتأليف حكومة جديدة نالت الثقة بأكثرية ساحقة رغم مهاجمة بعض النواب الجيش والمكتب الثاني بعنف، وقامت هذه الحكومة بإنجازات مهمة استنادًا إلى الواقع اللبناني الراهن، غير أنّ الحاج حسين العويني، وبالرغم من نجاحه لبنانيًا وعربيًا ودوليًا استقال في 20 تموز 1965، ليأتي من بعده رشيد كرامي رئيسًا للحكومة.

بين أعوام 1965-1967 شهد لبنان والعالم العربي تطورات وأزمات حادة، يأتي في مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية والعمل الفدائي المنطلق من لبنان، كما شهدت المنطقة نكسة حزيران 1967 بانتصار الكيان الإسرائيلي على الجيوش المصرية والسورية والأردنية. لهذا، فإنّ استقالة الحاج حسين العويني من الحكومة لا تعني استقالته من العمل الوطني والقومي، لذلك تمّ عقد لقاء بينه وبين وزير الخارجية الأميركية "دين راسك" في 25 آب 1967 في واشنطن. وبعد اجتماع استثنائي دام ساعة ونصف الساعة، تقدّم الحاج حسين العويني باقتراح لحل أزمة وقضية فلسطين، بما فيه نتائج حرب 1967، وقد تقدم باقتراح يتضمن خمس نقاط يأتي في مقدمتها ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، وتعود إلى حدود ما قبل 5 حزيران 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين، ويسمح لإسرائيل بالمرور في خليج العقبة، ووقف التسلح المتبادل، وضمان الدول الكبرى أمن إسرائيل... غير أنّ دين راسك لم يتجاوب كثيرًا مع هذه الاقتراحات، لا سيّما عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين.

في ظلّ الانقسامات الطائفية والسياسية، وفي ظلّ الانقسامات حول العمل الفدائي في لبنان، وفي ظل الانقسامات بين الشمعونيين والنهجيين وفي ظل تهديد الرئيس شارل حلو بالاستقالة، تشكلت حكومة لبنانية جديدة في 20 تشرين الأول عام 1968 برئاسة الرئيس عبد الله اليافي وعضوية أحد أعمدتها الكبار الحاج حسين العويني، فضلًا عن ريمون إده وبيار الجميل. وقد تولّى الحاج حسين العويني وزارة الخارجية ووزارات العدل والدفاع والاقتصاد الوطني. ولا بدّ من الإشارة بأنّه لولا توسط هنري فرعون وبيار إده ومعهما مدير عام قوى الأمن الداخلي محمود البنا، لدى الحاج حسين العويني وإقناعه بالمشاركة في الحكومة، لما كانت تشطلت حكومة عبد الله اليافي، غير أنّه ما إن تشكلت الحكومة بقدرة قادر نتيجة الانقسامات الحادة، فإذا بالحاج حسين العويني يقدّم استقالته في 31 تشرين الأول أثناء مناقشة النواب في جلسة الثقة للحكومة، خاصة، وأنّ النواب شفيق الوزان وعدنان الحكيم وسليم حيدر انتقدوا إشراك الحاج حسين العويني في الحكومة وهو ليس نائبًا، دون أن يعلموا أنّه لم يشارك في الحكم إلا نتيجة الضغوط عليه وتوسط الكثيرين بما فيه الرئيس شارل حلو والرئيس عبد الله اليافي.

لقد عادت الأزمة الحكومية إلى نقطة الصفر، وتمنى الرؤساء شارل حلو وعبد الله اليافي ورشيد كرامي وعدد كبير من النواب، على الحاج حسين العويني العودة عن استقالته، ولم يتجاوب وأصرّ على الاستقالة، ومعنى ذلك استمرار الأزمة الحكومية، إلى أن تمنى عليه مفتي الجمهورية اللبنانيّة الشيخ حسن خالد العودة عن استقالته، وقد استجاب لهذا التمني قائلًا: "قبلت الاشتراك في الحكومة رغمًا عني، وتراجعت عن قرار الاستقالة رغمًا عني".

واجهت حكومة عبد الله اليافي استحقاقات عديدة في مقدمتها الانقسامات السياسية والطائفية، ومظاهرات الطلاب المتبادلة بين اليسار واليمين، ومقتل بعض الطلاب المتظاهرين في طرابلس، والأهم من هذا وذاك اعتداء الكوماندوس الإسرائيلي على طائرات طيران الشرق الأوسط في مطار بيروت في 28 كانون الأول 1968، وقد استطاعت الدبلوماسية الخارجية التي يترأسها الحاج حسين العويني من تحقيق انتصار دبلوماسي على الكيان الإسرائيلي التي وجهت إليه إدانات من مجلس الأمن الدولي، ومن مختلف دول العالم على هذا العمل التشنيع التي قامت به إسرائيل ردًا على هجوم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على إحدى طائرات "العال" في أثينا.

والحقيقة، فإنّ حادثة الاعتداء على مطار بيروت، عوضًا من أن توحد اللبنانيين زادتهم انقسامًا وتشرذمًا وطائفية وتطرقًا، والشيئ الثابت أنّ الحاج حسين العويني كان من القلائقل الذين دافعوا عن الجيش اللبناني، بسبب اتهام بعض السياسيين للجيش بالتقصير في الرد على الإسرائليين في مطار بيروت. وفي الوقت نفسه رفض الحاج حسين العويني والرئيس عبد الله اليافي طروحات الحلف الثلاثي (شمعون، الجميل، إده) استقدام قوات دولية ووضعها على الحدود اللبنانيّة. ونتيجة لتفاقم الأزمة، وانقسام اللبنانيين استقالت حكومة الرئيس عبد الله اليافي في 15 كانون الثاني 1969، وبهذه المناسبة استأذن الحاج حسين العويني الرئيس شارل حلو بالسفر إلى الخارج، مؤكدًا أنّه لن يعود إلى الحكم مجددًا لأسباب ليست فحسب صحية، إنّما بسبب الأوضاع اللبنانيّة التي لا يحسد عليها، ولا يُحسد أي حاكم يتولى الحكم في لبنان في ظل هذه الأوضاع.

وبين عام 1969 ووفاة الحاج حسين العويني في 10 كانون الأول عام 1971، ثلاث سنوات من العمل الوطني والقومي، واستكمالًا لإشرافه على مشروعه الخيري دار العجزة الإسلاميّة وبقية الأعمال الإنسانية. والحقيقة، فقد أبدى وصايا قبل وفاته بسنوات، منها وصايا سياسية، ومنها وصايا شخصية. ومن بين الوصايا السياسية التي أشار إليها:

1-                ضرورة إنشاء أحزاب لبنانية غير طائفية وغير مذهبية.

2-                توحيد برامج التعليم، مقدمة لتوحيد الرؤى اللبنانيّة.

3-                اعتماد التجنيد الإلزامي.

4-                ضرورة تعديل الميثاق الوطني والدستور اللبناني بما يتوافق وتطلعات الشعب اللبناني.

5-                العمل بشكل دؤوب لاستمرار التواصل مع المغتربين اللبنانيين.

6-                اعتماد التعليم الإلزامي والمجاني في المدارس الرسمية.

7-                العمل على تطبيق الإصلاح في النصوص والنفوس.

8-                إنّ الإيمان بالإسلام أو بالمسيحية لا يتناقض مع الاتجاهات الوطنية والعربيّة.

9-                تعميق العيش المشترك بين اللبنانيين.

10-           سائر الوصايا التي تحافظ على الكيان اللبناني.

أمّا فيما يختص بوصاياه الشخصية، فقد كتبها في 8 جمادى الثانية 1388ه- 29 آب 1968، غير أنّه وقبل وفاته بخمسة أيام أي في 5 كانون الأول 1971، طلب من زوجته السيّدة شفيقة عبد القادر الجارودي، التي كانت بقرب سريره في مستشفى البربير (دار الصحة)، كما كان بقربه صديقه الطبيب الدكتور نسيب البربير، من فتح وصيته قبل دفنه، وقد أكّدت هذه الوصية على إيمانه وتدينه وتمسكه بالسنة النبوية المطهرة، واستمراره على مذهب السنّة والجماعة، ولم يكن كما أشيع بأنّه من كبار المتمولين ولم يكن متشيعًا، كما أنّ قصره على طريق المطار، كان قد باعه للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، وممّا جاء في الوصية:

بسم الله الرحمن الرحيم

ربي أشهد بأنّ لا إله إلّا أنت إياك عبدت، وعليك توكلت، وبك استعنت وآمنت، وإليك المصير، أطلب عفوك، وأطمح برحمتك وغفرانك، فارحمني واغفر لي يا إلهي، وتجاوز عن سيئاتي، وألحقني بعبادك الصالحين، يا رب العالمين.

نبي محمد أشهد بأنّك عبد الله ورسوله، وأنّك خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنّك أرسلت رحمة للعالمين، جئت بالحق وبُعثتَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وأنّك أدّيت الأمانة، فكنتَ خير أمين، وبلّغتَ الرسالة فكنتَ خير رسول، عشتُ على سنّتِك وأموتُ على سنّتِك صلى اللع عليك وعلى آلك وأصحابك.

أمّا بعد، فهذه وصيّتي أكتبها بخطّ يدي وأنا مالك لكل قواي العقلية والجسدية، فأرجو ممّن يعنيهم الأمر العمل على تنفيذ ما جاء فيها عندما تحضرني الوفاة.

أولًا: أن لا يرتفع صوت البكاء ويُستعاض عن ذلك بتلاوة ما تيسّر من الذكر الحكيم.

ثانيًا: بعد التأكّد من الوفاة أُدفن بأقصى سرعة ممكنة.

ثالثًا: تُراعى الدقة التامة باتّباع السنّة في كل ما يُعمل من ترتيب.

رابعًا: أن يكون كفني من القماش الأبيض القطني الخالي من أيّ نوع من أنواع الحرير والصوف.

خامسًا: إذا حضرتني الوفاة في بلد إسلامي تُتبع الطرق الشرعية في غسلي وكفني وأن تُنقل جثتي بعد هذا الإجراء إلى بيروت لأُدفن فيها.

سادسًا: إذا حضرتني الوفاة في بلد غير إسلامي، تتّخذ السفارة اللبنانيّة في ذلك البلد الترتيبات الشرعية اللازمة بواسطة أكبر موظف مسلم في تلك السفارة، أو في غيرها من السفارات الإسلاميّة وتُنقل جثتي بعد ذلك لبيروت لأُدفن فيها.

سابعًا: أن لا يمشي المشيّعون على أقدامهم وراء جثماني، وأن يُنقل جثماني على سيارة للصلاة عليَّ في مسجد مقبرة الشهداء، وأُدفن في تلك المقبرة.

ثامنًا: أن لا يُبنى فوق قبري إلّا بالقدر الذي يصونه من عبث عابث، وأن يكون مساويًا للأرض بقدر المستطاع وأن لا يُزار قبري إلّا الزيارة الشرعية "(...)".

وتلت ذلك وصايا خاصة لابنته، يتابع بعدها قائلًا:

"(...)" إنّ زوجتي شفيقة عبد القادر الجارودي وابنتي ندى حرم غسان شاكر على علم بأنّ بيت بولفار المطار الذي تملكه ابنتي والمؤجَّر منها لوالدتها قد تمّ بيعه بمعرفتها وبرضاهما لصاحب الجلالة الملك فيصل بن عبد العزيز السعود المعظم، وأنّه تمّ قبض الثمن بأكمله، لذلك فإني أطلب إليهما أن يعملا على إخبار صاحب الجلالة عن استعدادهما فورًا لإجراء معاملة الفراغ للشخص الذي يختاره جلالته وللاسم الذي يراه، وأنّه لم يعد لي حقّ أو طلب أو تعويض عند إجراء هذه المعاملة. قد يظنّ البعض بأنّي أملك مالًا وفيرًا، والحقيقة أني بعد أن أنهيت شراكتي مع أخي إبراهيم شاكر في المملكة العربيّة السعودية في أول 1961، لم يعد لي من مورد له وزنه، وكنت، كما يعلم الجميع، أعيش حياة مرفّهة، وكنت أصرف كل ما يدخل عليّ دون أن أحسب حسابًا لحاجة وكنت أظهر دائمًا، ولله الحمد، بالمظهر اللائق بي، وكنت أعمل في سبيل الخير ما كان يوفّقني الله لعمله.

وأخيرًا، إنّي لم أتعمّد الإساءة في حياتي لأحد، فإن اعتقد أحدهم بأني أسأت إليه قولًا أو عملًا، فإنّي أطلب إليه أن يسمح عني وإني أستسمح بصورة خاصة زوجتي التي كانت مثالًا للمرأة الصالحة الوفيّة عن كلّ ما تعتقد بأنّه صدر عني وأساء إليها، وإنّي أسمح عن كلّ مَن أساء إليَّ سواءً أكانت الإساءة عن عمد أو غير قصد، قولًا أو عملًا، وأرجو الله للجميع الرحمة والمغفرة، وإنّي أختم وصيّتي هذه بشهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدًا عبده ورسوله، وأسأله تعالى، جلّت قدرته، الرحمة والمغفرة.

الفقير إليه تعالى، الطالب رحمة ربّه وغفرانه".

حسين العويني              

"بيروت في الخامس من جمادى الثانية 1388ه-

الموافقة في التاسع والعشرين من آب 1968"  

عند وفاة حسين العويني، سرت شائعة مفادها أنّه تشيّع ليتمكّن من الإفلات من أحكام المذهب السنّي وتوريث زوجته وابنته الوحيدة كلّ أمواله، تطبيقًا للشرع الجعفري. بيد أنّ الوصية المشار إليها تقدّم الدليل على أنّ تلك الشائعة لا أساس لها إطلاقًا. فحسين العويني، الرجل الذي حجّ إلى مكة المكرمة وغسل الكعبة مرّات عدّة إلى جانب الملك والأمراء من أيّام عبد العزيز، توفيّ كما عاش: سنيًا وممارسًا. والواقع أنّه قد اتَّخذ في حياته التدابير القانونية اللازمة لتحويل معظم أمواله المنقولة وغير المنقولة إلى زوجته وابنته. أخيرًا، وحسب مجلّة الحوادث الصادرة في 15 كانون الثاني 1971، فقد وهب مبلغًا كبيرًا لدار العجزة الإسلاميّة التي أسّسها والتي كان يمدّها بالمال. (للمزيد من التفاصيل أنظر كتاب: حسين العويني: خمسون عامًا من تاريخ لبنان والشرق الأوسط (1920-1970) راجع أيضًا جميع الصحف اللبنانيّة الصادرة في 11 كانون الأول 1971، أنظر أيضًا: كتابنا: التيارات السياسية في لبنان 1943-1952).

من الأهمية بمكان القول، بأنّ الحاج حسين العويني، لم يكن من حملة الليسانس ولا من حملة الدكتوراه، ولم يكن متمولًا ولا صناعيًا، ولم يكن مهندسًا أو طبيبًا، ولم برث السياسة، غير أنّه من الثابت، وبسبب ذكائه وخبرته، وقدرته على الإبداع واكتساب المعرفة، استطاع أن يكون تاجرًا وصناعيًا واقتصاديًا ورجل أعمال من الدرجة الأولى، واستطاع أن يكون مهندس الدبلوماسية اللبنانيّة بدرجة ممتاز، واستطاع أن يكون السياسي البارع، واستطاع أن يكون الوزير ورئيس الوزراء المتميز، المتواضع، مبدع الحلول لأشدّ الأزمات السياسية. ولم يكتفِ على مر حياته بالعمل السياسي، بل حرص على إنشاء أهم مؤسسة خيرية ورعائية في بيروت هي دار العجزة الإسلاميّة. فمنذ عام 1946 ترأس "رابطة لجان الأحياء الإسلاميّة" التي تولت في عام 1954 تأسيس دار العجزة الإسلاميّة.

وكان الحاج حسين العويني قد ترأس عمدة الدار بين أعوام 1954-1971، وحرص حتى وفاته على جمع الأموال من المتمولين اللبنانيين والعرب، وفي مقدمتهم آل سعود. كما حرص على التبرع باستمرار من ماله الخاص. وقد شهدت الدار في عهده، وفي عهد عقيلته السيّدة شفيقة جارودي العويني (1971-1987) وفي عهد شقيقها معالي الأستاذ محمد جارودي (1987-2001) وفي عهد معالي الأستاذ محمد غريزي (2001-2012) كل تقدم وتطور ودعم من المجتمع اللبناني والعربي. (للمزيد من التفاصيل أنظر كتابنا: دار العجزة الإسلاميّة في بيروت، صفحات مضيئة من تاريخ العمل الإنساني في لبنان والعالم العربي).

لقد مُنح الحاج حسين العويني وسام الشعب اللبناني وفاءً وتقديرًا وتكريمًا ومحبةً واحترامًا، باعتباره ضمير الشعب اللبناني. وفضلًا عن وسام الشعب اللبناني الذي هو أعلى وسام ناله على إسهاماته وإنجازاته فقد نال أيضًا أوسمة رسمية منها على سبيل المثال:

1-                نيشان الافتخار التونسي من رتبة كومندور (17 كانون الثاني 1940).

2-                الوشاح الأكبر البولوني من رتبة فارس (5 شباط 1949)ز

3-                صليب الاستحقاق الأكبر لمنظمة مالطا (2 كانون الأول 1949).

4-                وشاح الثالوث الأكبر لهيلاسيلاسي (أثيوبيا، 7 آذار 1951).

5-                وسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة كومندور (بصفته رئيس مجلس إدارة – مدير عام بنك لبنان والمهجر، 28 أيار 1954).

6-                وشاح النيل الأكبر المصري (29 ذو القعدة 1378 هجرية، 1958).

 OWANI

الرئيس الحاج حسين العويني (والدته منصورة محمود شبيب) بين آل العويني وشبيب وجمّال

في أوتيل الكارلتون عام 1965 بمناسبة زواج المهندس محيي الدين عويني